هل ينهض فِـيـنـيـقُ السُّـودان مـن رَمَـادِه؟
تاريخ النشر: 30th, November 2023 GMT
هل ينهض فِـيـنـيـقُ السُّـودان مـن رَمَـادِه؟
جمال محمد إبراهيم
(1)
في اللغة العربية، ووفق ما ورد في المعجـم الوســيط، ذاع قـولٌ بين الناس، أن الحربَ سِـجَالٌ، أي أنها صراعٌ محتدم ومتواصل بين متنافسين، تكون النصرة بينهما تداولاً وتبادلا. فهل هذه الحرب المحتـدمة حتى السّــاعـة في السّـودان، يا تُرى، حـرب مســاجـلة بيــن طـرفين، كلٌّ منهما يدّعي أنّ الحـقّ معه؟ وأجـيـبـك أنّ الحــربَ هــنـاك، وإنْ كانت سِـجالاً، هي محضُ كـرٍّ وفـرٍّ وتنافـس مُخـزٍ بين طرفين، كلاهما ليسا على حـقٍّ، بل قام صراعهما على باطـلٍ صُراح، أكلا منه سـوياً وتجـشآ سُــمّاً زعـافـا، تجرّعه شعب موعود بهلاكٍ إثر صراعٍ لا ناقة له في فيه ولا جمل.
حربَ السودان في طبيعتها العبثية هي مثل صراعات قبائل الجاهلية الأولى التي حكى عنها التاريخ القديم، مثل حرب داحس والغبـراء أو حرب البسوس، أو حتى في التاريخ الحديث، مثل حــرب الإبادة الجماعية بيــن “التوتسـي” و”الهــوتو” في روانــدا، أو مثل مجــازر الصّرب في يوغسلافيا السابقة. تلك أمثلة مخزية في تاريخ البشرية.
(2)
حسبنا في غـفـلة مغتفـرة أنّ حرب السودان، في بداياتها الأولى، منافسة بين جنرالين حول كيف تدار البلاد في فترة انتقالية إثر ســقوط نظـــام الإنقـاذ الذي عَـمّـر، أو بالأصحّ، دمّـر البلاد – حقبة امتدت 30 عاماً. لم يهنأ السودان منذ نيله الاستقلال باستقرار دائم، وتقلبت أقداره بين حكم مدني قصير العمر وإدارات عسـكرية شــمولية أطـول عـمرا. ذلـك الاضطراب يعود، في رأي محلليـن سياسيين ســودانيين وغيرهم، إلى طـبيعة التنوّع في المجتمع السوداني، وهو دون بقية سكان الحــزام الســوداني التـاريخي القديم الممتد من سواحل البحر الأحمر شرقاً إلى سواحل المحيط غرباً، الوحيد الذي توزَّع انتماء سـاكنيه بوضوحٍ، بين استعرابٍ ملتبسٍ و”أفـرقـة” أشــدَّ التباسا. من تجليات تلكم الالتباسات التي أحــدّثك عنها انفصال جنوبه الأفريقي عن شــماله المستعرب ليكون السّـودان دولـتيـن.
(3)
غير أنّ ذلك انفصال، وإن كان بتراً مأســاوياً لجــزءٍ من كُل، لم يكتـب نهــاية لاضطرابات البلاد التي أغرقتها نخبها الحاكمة، من فشلٍ فادح إلى فشلٍ أفدح بيـن حقـبة وأخرى. إنّ مقتلة دارفـور التي وقعت في عام 2003 وتواصلت مــدّا وجــزرا، هـي تتصاعد قتلاً وذبحاً لسـكان دارفور المتحدرين من أصول أفريقية ممّن يصفونهم بالـ”زرقـة”، إشارة إلى لون بشرتهم السوداء. تدير مليشيا الدعم السريع السودانية، ومعها من تـمّ تجـنـيـدهــم من مستعربي السهل والصحراء في غربي القارّة الأفريقية، فصلاً مأساوياً جـديداً هذه المَرَّة يســتهدف تصفـية عنصرية وعرقية بغيضة، طاولت سكان سلطنة “المساليت”، أعـرق الإثنيات المقيمة في أرضها منذ مئـات السنين. وما أن تُستكمل إبادتهم، فإنَّ الدائرة سـتدور حتماً على بقية “الـزُّرقــة” من القبائل الأخرى في دارفور ذوي الأصول الأفريقية. يقترب ذلك السيناريو من الأنموذج القميء الذي تنفّذه هذه الآونة الدولة الصهيونية ضد سكان غزّة من الفلسطينيين، إذ في نظرهم أنّ الفلسطيني الأفضل هو الفلسطيني الميّت.
لعلّ الغائب عن النظر العميق ســيناريو من الشّــرِّ الشـبيه، يجــري تنفـيذه بسـلاح مليشيات مأجـورة تخطّط لإحلال سـكّاني قادم
(4)
وإذ أشير إلى الصراع في دارفور، كونه مقتـلة، فذلـك بسبب شـبهة إبادة جماعـية لآلافٍ البشــر أزهـقـتْ أرواحهــم في دارفــور، منـذ عام 2003 وتواصلت سنوات، وتركت تلـك الأفـاعـيل الشريرة رئيس البلاد وقـتها منبوذاً ومطارداً من المحكمة الجنائية الدولية في لاهـاي، إلى أن أسقطته ثورة السودانيين الشـرفاء في إبريل/ نيسان 2019.
لم يهدأ الصّـراع في دارفـور برغم سـقوط نظام الإنقـاذ الذي تسبّب في تلك المقتلة. لكن ها هو الصراع يشتعل من جديد في مشهد الحــرب الدائرة، مليشيا الدعم السريع السودانيين وأصهارهم من مستعـربي قـبـائل السـهل والصحراء في غربي أفريقيا، يقاتلون الجيش الرّسمي للدولة السودانية التي صارت دولة في مهبِّ رياح الصراعات. ذلك صراع ناشب بين طائفتين، “عربٍ وزُرقة”، ويحمل التعبير القـبـلـي، كما هو واضح من كلماته، في مدلولاته شكلاً من الصّـراعات العنصرية البغيضة بين أناسٍ بيض وسود مجازاً.
(5)
كُتبَ للسودان أن يقترب في تلك الحرب التي أشعلها بنـوهُ بأيديهم في الســودان كلـه من أنْ تتحوَّل في وقائعها الماثلة إلى حربِ دمارٍ شامل للسودان كله، بالرّشاشات وبالمدافع والعربات العسكرية المدرّعة وبالمسيّرات القاتلة، وليسَ بالأسلحة النووية. أمّا في دارفور، فقد أشعلوا حربَ إبادةٍ جمـاعية في غربي البلاد، ينفّـذها بعضُ مستعربي غرب أفريقـيا ومــن بلـدان مثل تشــاد والنيجــر، ممّن عجزوا عن الإدماج والتمازج مع الإثنيات الأفريقية التي يقيمون في أرضها، فجندهم أبناء عمومتهم قادة مليشيات الدعم السريع السودانية، لمؤازرتهم في القتال الدائر في كلا المشـهدين الداميين في السودان حاليا: في العاصمة الخرطوم وفي دارفور، غربي السودان.
يتحوّل المشهد في السودان، في مأساته الماثلة بين يومٍ وآخر، إلى صـورة أشـبه بتمرين قاسٍ في الـدّمـار الشــامل
يتعـقّـد المشهدُ في دارفور وفي الخرطوم لشبهات تتصل بتوفير أسلحة وذخائر تأتي من أطراف خارجية لها صلاتٌ مع قيادة الدّعم السريع السودانية التي تقايضها بتحقيق بعض ما تطمع تلـك الأطراف في الحصول عليه من ثروات السودان الزراعية والحيوانية، أو في باطن أرضه من معــادن ثمينة، مثل الذّهـب الأصفر وأيضا من الذّهـب الأســود (النفط) وسواهما من الثروات.
(6)
وهكذا يتحوّل المشهد في السودان، في مأساته الماثلة بين يومٍ وآخر، إلى صـورة أشـبه بتمرين قاسٍ في الـدّمـار الشــامل كما ذكرنا، وقد شهدتْ أقلام أجنبية أن ذلك التسليح توفره، ويا للأسف، أطراف طامعة قـريبـة من الســودان، فـمـا أمضّ الأذى وأشــدّ إيلامـه حـيـن يجيء مِن ذوي القــربَى. تلك أطرافٌ كانت لها ارتباطات وشراكات تاريخية مع السودان، على مستوى ثنائي مباشر، كما على المستوى الجمــاعي في إطار جامعة الدول العـربيــة. ظلّ تعامل الأشــقاء في الجامعـة مع مأسـاة الســودان، في نظر أكثر السّـودانيين، تعاملاً يتـمّ علـى اســتحياءٍ، وعلى بعض تجـاهـلٍ واستخفافٍ، تمثل في مبادراتٍ ومجاملاتٍ سياسـية لا قيمة لها فعليـاً. غابت عن ذاكرة بعض قيادات المنظمات الإقليمية في المنطقة أنّ السّــودان هو ثامـن الملتحقـيـن عام 1956 بجامعـة الدّول العربية تاريخـيــاً، مثلمــا هـو مِـن المؤسّسين الأوائل لمنظـمـة الوحــدة الأفريقـية التي صــار اســمها الاتحــاد الأفريـقــي منذ تسعينيات القرن الماضي. للسّـودان إن أفاق فـينـيق السودان من رمـاد خـرابه الماثل ومن كبوته المدمّرة، أن ينظر في جــدوى التحاقه بمنظـمـات إقليمــية لم تعـره اهتمـاماً يُذكر أو جـدية تفـيـد. وكأنّ حال السودان وهو يترنح تحت أبصارهم أجمعين، غارقا في دمـاء بنيه، لم يكـفـهِ ذلـك كله، بل يتبعه انشغال المجتمـع الدولي انشغالاً مبـرّراً بالصراع الرّوسي الأوكــراني، وبالجــريمة النكراء التي يمارسـها الكيان الصهيوني لإبادة الفلسطينيين في أرضهم الشرعية في قطاع غزة.
(7)
لعلّ الغائب عن النظر العميق ســيناريو من الشّــرِّ الشـبيه، يجــري تنفـيذه بسـلاح مليشيات مأجـورة تخطّط لإحلال سـكّاني قادم قد تتعرض له أرض وسكان ولايات السودان الغربيـة من إبادة وتصفية عرقية، بل وإحلالٍ قادم، يحتلّ فيه مستعـربو السّـهل والصّحراء الأفريقـيـة أراضي المجموعات السـكانية ذات الأصول الأفريقية التاريخية في السودان. ذلك سـيناريو يكاد يطــابق السيناريو الصهـيوني الـذي يجـري في حــرب إســرائيـل ضــدّ الفلسطينيين، ويستهدف اقتلاعهم وإبادتهم تماماً في أرضهـم. إنه خيار صفري لإعدام شعب بدمٍ بارد، هو في نظر الصهاينة ومن شـايعهم من أقوياء العالم حل يلغـي إلى الأبد التفكـير في خيــار الدولتيـن كحلٍ للقضية الفلسطينية.
أما السّــودان الآيل إلى التشظي والانهيار والإحلال، فمن يلتفت إلى جراحاته النازفة الآن؟
جمال محمد إبراهيم
كاتب سوداني وسفير سابق
الوسومالجيش الحرب الدعم السريع السودان رماد فينيفالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش الحرب الدعم السريع السودان رماد
إقرأ أيضاً:
اليمن ينهض .. ومعادلات النفوذ القديمة تتهاوى
يمانيون / تقرير
باتت التقارير الدولية تحاول فهم المعادلة التي أمكن لليمن النهوض بالاستناد عليها، والخروج من قيود عدوان الثمان سنوات إلى التحدي ومواجهة القوة العالمية الأمريكية، وتواصل هذه التقارير المستمرة -وبمختلف لغات العالم- الرصد والتحليل للتجربة اليمنية في الثبات أمام التحديات الكبيرة التي تقف خلفها أمريكا.
فاليمن كما تخلص هذه التناولات، لم يعد مدافعا فقط عن سيادته، بل ومهاجما ضد قوى الاستكبار التي تحاول ترسيخ معادلة الاستباحة للشعوب العربية ونهب خيراتها. وعليه صارت عمليات الرصد والتحليل تحسب خسائر هذه القوى التي تتصدرها أمريكا والكيان الإسرائيلي، سواء في استهدافها اليمن، أو بتسببها في تحركه بقواته المسلحة إلى آفاق واسعة من الاستهداف.
في كيان العدو، حدد اليمن لعملياته بنك أهداف بسقوف مفتوحة باتت محرجة للأعداء، وصلت إلى حد محاصرة الكيان، وتضييق حركة البحرية الأمريكية في البحر الأحمر، في مشاهد متكررة لم يشهد لها تاريخ الصراع العربي مع القوى الامبريالية مثيل.
وفي كل مرة تأتي بيانات القوات المسلحة لتؤكد على أن الفعل اليمني المساند لفلسطين مستمر بلا أي خطوط، حتى مع تنفيذ الأعداء هجمات جبانة على المنشآت المدنية في اليمن، يبقى مسار الدفاع عن النفس والانتصار لمظلومية الفلسطينيين أمرا ثابتا غير قابل للمقايضة بأي حال. هذا الحضور البارز الذي صار يمثله اليمن أصبح يدفع الكثير إلى تقزيم المستوى الذي صار عليه الأمريكي والإسرائيلي عند الحديث عن المواجهة مع اليمن وما آلت إليه أو ما تحققه من نتائج، ففي الإعلام الروسي يبرز التأكيد على نجاح اليمن في الرد وكبح جماح القوة الأمريكية بالنظر إلى الحجم وطبيعة القدرات العسكرية بين صنعاء وواشنطن.
فمجلة “فوينيه أوبزرينيه” الروسية المتخصصة في الشؤون العسكرية تصف الجيش الأمريكي بأنه “الأعظم في العالم”، لكنها أيضا ترى انتكاسته بعد أن تحرك ضد اليمن بناء على توجيهات ترامبية صارمة، وتذكر المجلة أن “ترامب كان قد أصدر أوامر في مارس الماضي بتنفيذ عملية عسكرية كاسحة ضد اليمن، تضمنت تحريك مجموعتين من حاملات الطائرات الأمريكية إلى البحر الأحمر، بالإضافة إلى أسراب من القاذفات الاستراتيجية، بهدف تدمير البنية التحتية الصاروخية لقوات صنعاء خلال 30 يومًا.”
التحرك بهذه القوة والعتاد والخطة المدروسة والمحددة زمنيا، لا شك بأنه أعطى المعركة زخما وأهمية أكبر، ربما تعمد ترامب حينها تضخيم مناخات الحملة، بقصد إرهاب اليمنيين إلا أن الأمر ارتد عليه، فصار يمثل واحدا من مؤشرات التراجع. إذ رغم هذا الإعداد، إلا أن الزمن تمدد أكثر فأكثر حتى صار مجهولا كيف يمكن تحديد سقف له، وبالتزامن غفلت الحسابات الأمريكية عن رد الفعل اليمني، ليأتي الأمر بالفعل كاسحا، ولكن في اتجاه وضع حد للشطحات الأمريكية التي لا تزال تركن إلى تلك الهالة التي زرعتها في نفوس العالم عن قدرتها المطلقة في ضرب أي مكان من العالم وفرض إرادتها بالقوة.
ومثّل الانسحاب الأمريكي وإعلان وقف إطلاق النار شاهدا قويا للمنصات الإعلامية والبحثية على أن ما خاضته أمريكا في عدوانها على اليمن وتلقيها للضربات الانتقامية كانت بالفعل مغامرة فاشلة، والاستمرار فيها كان يمكن أن يسفر عن نسف نهائي للتأثير الذي كان يُحدثه الحضور الأمريكي، فاليمن لم يكن فقط قادرا على امتصاص آثار الهجمات العدوانية التي كشفت جُبن العدو لاستهدافه الأعيان المدنية، وإنما كان مهاجما بتكتيكات لافتة اتسمت بالتفوق، وبالسخرية من المنظومات الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية.
يؤكد تقرير بريطاني نشره موقع “ميدل إيست مونيتور” أن انسحاب أمريكا من المعركة “أعاد رسمَ موقع اليمن في خارطة التوازنات الإقليمية؛ إذ أثبت اليمنُ أنه لم يعد مُجَـرّد قوة محلية يدافع عن حدوده، بل أصبح فاعلًا إقليميًّا قادرًا على التأثير المباشر في معادلات الأمن البحري والتجارة الدولية“.
التقريرُ البريطاني أكد أيضا أن “إعلانَ واشنطن وقفَ العدوان منح اليمنيين دفعةً سياسيةً ومعنويةً كبيرةً، ورسّخ صورتهم كقوةٍ ذات قدرة عالية على خوض معاركَ مركَّبة وتتحدى هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها”.
التسليم بأن المعركة جلبت لأمريكا الخزي وساهمت في ظهور قوة فاعلة، قد سرّب بدوره أيضا القناعة داخل أمريكا والكيان بأن اليمن ليس بتلك السهولة التي تصورها ترامب ومؤسسته العسكرية، فثمة قوة غير القدرات العسكرية هي التي تمنحه هذا التمكين في المواجهة وتجاوز آثار الهجمات على منشآته، والحفاظ على الروح المعنوية العالية والوثّابة، ما يجعل أمر السيطرة عليه واستعادة القدرة في التحكم بحركة الملاحة في البحر الأحمر، وتمكين العدو من مواصلة جريمة التمدد ابتداء من غزة، أمرا مستحيلا، إنها قوة الإيمان لو أنهم يفقهون.. تؤكد صحيفة “جلوبس” العبرية أن الغارات الجوية التي شنّها جيش العدو الإسرائيلي على اليمن -وآخرها الهجوم واسع النطاق على ميناءي الحديدة والصليف- لم تُضعف اليمنيين كما كان متوقعًا، بل ساهمت في تعزيز تماسكهم الداخلي. كما أكدت الصحيفة بأن “صناع القرار في “تل أبيب” ظنّوا أن استهداف البنية التحتية ومصادر الإمداد سيُضعف موقف صنعاء، إلا أن الوقائع على الأرض تكذب هذا التصور، حيث أظهرت القوات اليمنية قدرة متقدمة على تجاوز آثار القصف ومواصلة الرد بشكل منظم.” حسب الصحيفة.
ومع تلاشي أمل العدو في الحصول على نتائج، تراجعت الخيارات العسكرية، ما مثّل له نكسة أخرى، حيث ترى الصحيفة أنه “لم يعد أمامه سوى مسارين: إما التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة وهو ما قد يؤدي إلى تهدئة الجبهات بما فيها الجبهة اليمنية، أو الاستمرار في القصف الذي لا يؤدي إلا إلى تصليب الموقف اليمني وتعزيز مكانة أولئك الذين يتحدّون الغارات بدلًا من الانهيار تحتها.”
قبل أيام ايضا اعترف العميد تسفيكا حايموفيتش القائد السابق لسلاح الدفاع الجوي في “جيش” العدو الإسرائيلي بعجز “إسرائيل” عن تحقيق أي نصر عسكري على اليمن، مشبّهًا هذا العجز المستمر بفشل الاحتلال في كسر شوكة المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس في قطاع غزة.
بل إن الهجمات العدوانية وظهور عدم جدواها سرّبت حالة من الإحباط في أوساط العدو، ما جعل التحليلات العسكرية تتجه باتجاه عكسي لتشكك في أهدافها، ولتؤكد غياب الرؤية من هذه الهجمات، ما يجعلها عقيمة وبلا جدوى.
ويرى الكاتب الصهيوني ” شموئيل إلماس” في تقريره لصحيفة “جلوبس” أن الهجوم الأخير الذي شاركت فيه 15 طائرة مقاتلة ونفذت عشرات الضربات الجوية بعد قطعها مسافة تجاوزت 2000 كيلومتر، تم تقديمه في الأوساط العسكرية الإسرائيلية على أنه “إنجاز تقني، لكنّه يفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية”.
من هنا تعقدت عملية استهداف مقومات القوة اليمنية، لتتنامى أفقيا ورأسيا، بحيث أصبحت من تفرض صيغة أي اتفاق، كما لوحظ مع أمريكا التي انصاعت في اتفاق وقف إطلاق النار مع اليمن، لفصل العمليات ضد الكيان الصهيوني، وكما تجلى بإدخال القوات المسلحة لميناء حيفا ضمن قائمة الأهداف، ليصير الكيان مكشوفا من أي حماية.. يقول موقع “إسرائيل ديفينس” إن “الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية اليمنية – التي تُقدر مدياتها بين 1600 و2000 كيلومتر – ما زالت تطلق باتجاه “إسرائيل” رغم تعزيز منظومة الدفاع الجوي بمنظومة “ثاد” الأمريكية إلى جانب “آرو” الاسرائيلية”.
تناوُل التجربة العسكرية اليمنية في مواجهة الطاغوت الأمريكي لفت أنظار العالم أيضا إلى أن اليمنيين قد أخذوا على عاتقهم أن يعدّوا العدة مستفيدين من التقنية التكنلوجية، ثم بلغ بهذا العالم إلى القناعة بأن اليمن بالفعل وصل إلى مرحلة تجعل منه قوة مؤثرة عمليا، وهو ما جرى ملامسته في عميات القوات المسلحة التي ظهرت كأمر إعجازي، تقطع الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة ما يزيد عن الـ(2000) كيلو متر لتضرب عمق العدو، كما تتجاوز أسطورة القوة البحرية الأمريكية وأنظمتها الدفاعية، وتضرب أساطيلها، وتجبرها على الفرار، فضلا عن إسقاط الطائرات.. لذلك يرى العميد “تسفيكا حايموفيتش” القائد السابق لسلاح الدفاع الجوي في “جيش” العدو الإسرائيلي بأن القوات اليمنية حققت تقدما كبيرا في المجال الصاروخي. ويُسلِّم حايموفيتش بأن القوات اليمنية أصبحت تمتلك قدرة تصنيع ذاتي لصواريخ باليستية متقدمة تُطلق اليوم من الداخل اليمني نحو أهداف في عمق الأراضي المحتلة.. ويزيد “حايموفيتش” على ذلك بالتأكيد على أن هذه الصواريخ لم تعد مستوردة أو تعتمد على دعم خارجي مباشر، بل تُنتج محليًا بعد سنوات من التعلم والتطوير الذاتي
المصدر / موقع أنصار الله