الخليج الجديد:
2025-12-13@12:13:22 GMT

أقنعة المركزية والكونية المشتركة

تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT

أقنعة المركزية والكونية المشتركة

أقنعة المركزية والكونية المشتركة

ألا يوجد بديل للفكر العربي خارج لاهوت الظهور والتجسد من جهة ولاهوت الشتات والاختلاف من جهة أخرى؟

ضرورة التخلص من الصورة الأحادية للإنسان، سواء تعلق الأمر باعتبارات الوعي الذاتي أو بأنماط التشكل التاريخي والاجتماعي.

هل من المتاح تحرير العقل من سلطان نقاد الإمبراطورية من الداخل؟ وهل يمكن التخلص كلياً من أقنعة الكولونيالية الماكرة؟

ما عجز الفكرُ الغربي عن التفكير فيه ليس الوجودَ، ولا الآخرية otherness، بل المماثلة التي هي المعنى الحقيقي لوحدة الإنسانية أخلاقياً ومعيارياً.

الدراسات النقدية للكولونيالية تنطلق من رفض المركزية الغربية في سرديتها التاريخية وتشكُّلاتها المفهومية ونمط علاقاتها بالثقافات الأخرى.

إرادةَ الحقيقة في مسار الثقافة الغربية كانت أداةً للضبط والتحكم وأن العلوم الإنسانية لم تكن موجَّهة بالحياد الموضوعي، بل بغايات واستراتيجيات نفعية عملية.

بين إدوارد سعيد أن خطاب الهوية في الفكر الأوروبي لا ينفصل عن النزعة الإقصائية للثقافات الأخرى التي ليس لها بالضرورة موقع في الكونية الإنسانية التي هي براديغم الحداثة الغربية.

* * *

بعد أحداث غزة الأخيرة التي اصطف فيها بعض كبار مفكري الغرب وكتابه مع العدوان الإسرائيلي، تساءل صديقي الفيلسوف التونسي صالح مصباح:

هل من المتاح تحرير العقل من سلطان نقاد الإمبراطورية من الداخل؟ وهل يمكن التخلص كلياً من أقنعة الكولونيالية الماكرة؟

الصديق صالح مصباح من أوائل فلاسفة العرب اطلاعاً على الدراسات النقدية للكولونيالية، وقد خصص كثيراً من جهده لكتابات توني نغري ومايكل هاردت وجورجيو أغامبن.. وهي في عمومها تنطلق من رفض المركزية الغربية في سرديتها التاريخية وتشكُّلاتها المفهومية ونمط علاقاتها بالثقافات الأخرى. لقد بدأ هذا التوجه في الفلسفة الغربية المعاصرة مع ميشال فوكو وريتشارد رورتي.

أولهما فرنسي تمحورت دراساتُه حول العلاقة المركبة بين المعرفة والسلطة في الخطابات المعرفية وأنظمة العقاب والرغبة، مبيِّناً أن إرادةَ الحقيقة في مسار الثقافة الغربية كانت أداةً للضبط والتحكم وأن العلوم الإنسانية لم تكن موجَّهة بالحياد الموضوعي، بل بغايات واستراتيجيات نفعية عملية.

وثانيهما أميركي رفض بشدة التصور الموضوعي للوجود من منظور تداولي يكرس أولوية التضامن على الحقيقة الوجودية، بما يفسح المجال أمام أخلاقية مفتوحة للنقاش العمومي دون مرجعيات أنطولوجية ثابتة أو محددة.

ومع أن الفيلسوفين المذكورين لم يخرجا من مدونة الفكر الغربي، إلا أن أعمالهما وُظِّفت على نطاق واسع في الدراسات النقدية لما سماه الكاتب المصري سمير أمين «الكولونيالية الإبستمية»، وهو يعني بالعبارة الخلفيةَ الاستعمارية للمقولات والنظريات الفلسفية والعلمية التي تتناول الإنسان غير الغربي.

ولعل أهم ممارسة نظرية جدية للنقد الكولونيالي برزت في البداية في كتابي المفكر الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد «الاستشراق» و«الثقافة والإمبريالية».

لم يكن قصد سعيد كما يستشف من كتابه الأول نقد الدراسات الاستشراقية التي تعرضت للإسلام الوسيط والثقافة العربية الكلاسيكية، وإنما كان غرضه أن يبين كيف أن خطاب الهوية في الفكر الأوروبي لا يمكن أن ينفصل عن النزعة الإقصائية للثقافات الأخرى التي ليس لها بالضرورة موقع من منظور الكونية الإنسانية التي هي برادايم الحداثة الغربية.

لم يكن إدوارد سعيد فيلسوفاً، وإنما كان ناقداً وأديباً وناشطاً سياسياً ومدنياً فاعلاً، إلا أنه دشَّن مسلكاً منهجياً هاماً في الفكر الفلسفي والدراسات الإنسانية عرف بـ«ما بعد الكولونيالية» و«دراسات التابع» (subaltern studies).

وقد انتشر هذا المسلك لدى مفكرين بارزين من آسيا وأفريقيا وداخل الجامعات الأميركية. الإشكال الذي ظل مطروحاً بالنسبة لهؤلاء الباحثين هو إلى أي حد تمكن الاستعانة بمناهج وأدوات المفكرين الغربيين الذين نقدوا سردية الكونية الأوروبية في البحث عن ما سماه المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري، تبعاً لأنطونيو غرامشي، «الاستقلال الحضاري للذات»، أي بناء قاعدة صلبة للهوية المختلفة عن المركزية الغربية وسلطتها المطلقة؟

لقد بدا للبعض من مفكرينا أن الحل هو اعتماد فلسفات المغايرة والاختلاف بديلاً عن فلسفات الوعي والذات، لتأكيد حقوقنا في التميز والانفصال، بيد أن هذا الطريق قاد إلى أفق مسدود، بعد أن ظهر جلياً للعيان أن برادايم الاختلاف هو آخر قلاع المركزية الغربية وأصعبها على الاختراق والتجاوز.

لقد تساءل مرة الفيلسوف السوري غانم هنا: ألا يوجد بديل للفكر العربي خارج لاهوت الظهور والتجسد من جهة ولاهوت الشتات والاختلاف من جهة أخرى؟

لا محيد عن الإقرار بأن الذين راهنوا من بيننا على فلسفة الاختلاف والمغايرة بحثوا عن قاعدة نظرية صلبة لحقوق التميز الثقافي والحوار الحضاري المتكافئ، لكنهم لم يقيموا شأناً لما سماه كانط «سياسات الحقيقة» التي تحيل إلى رهانات قوة وهيمنة خارج الإطار المعرفي نفسه. وعلى العموم لا خطر على المركزية الغربية من تجاور لا أثر له على توازنات القوة، ومِن حقوقٍ شكلية مجردةٍ لا تأثيرَ لها في الواقع العملي.

وكما يقول الفيلسوف الكاميروني آشيل بمبة، فإن التحدي المطروح راهناً ليس الدفاع عن الاختلاف الذي هو في نهاية المطاف ضربٌ من الانكفاء والانعزال، بل الدفاع عن الكونية المشتركة المتكافئة التي تجمع بين متشابهين في الإنسانية.

ما عجز الفكرُ الغربي عن التفكير فيه ليس الوجودَ كما يقول هايدغر، ولا الآخرية كما يقول لفيناس، بل المماثلة التي هي المعنى الحقيقي لوحدة الإنسانية أخلاقياً ومعيارياً، بما يعني ضرورة التخلص من الصورة الأحادية للإنسان، سواء تعلق الأمر باعتبارات الوعي الذاتي أو بأنماط التشكل التاريخي والاجتماعي.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الغرب المركزية غزة العدوان الإسرائيلي الدراسات النقدية المركزية الغربية الفكر الأوروبي المرکزیة الغربیة التی هی من جهة

إقرأ أيضاً:

ندوة ثقافية بصنعاء بعنوان “المرأة بين التكريم الإلهي والامتهان الغربي”

الثورة نت /..

عُقدت اليوم بصنعاء، ندوة ثقافية تربوية بعنوان “المرأة بين التكريم الإلهي والامتهان الغربي”، نظمتها رابطة علماء اليمن، بمناسبة ذكرى ميلاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ـ اليوم العالمي للمرأة المسلمة.

وقدّمت في الندوة التي حضرها عضو مجلس الشورى جبري إبراهيم وأمين عام الرابطة العلامة طه الحاضري، وكوكبة من العلماء الأجلاء، ثلاث أوراق عمل.

تناول الأمين العام المساعد للرابطة العلامة خالد موسى، في الورقة الأولى، مظاهر التكريم الإلهي للمرأة – فاطمة الزهراء نموذجًا، متوقفاً عند جوانب من سيرة ومسيرة حياة فاطمة الزهراء العطرة المفعمة بالقيم القرآنية.

وتساءل قائلاً: “ما الهدف الأسمى من إحياء الذكرى؟ وهل هناك حاجة لإحيائها والاهتمام بها؟ وعقد الندوات والفعاليات من أجلها؟ ولماذا ارتبط اليوم العالمي للمرأة بفاطمة الزهراء؟ وما السر الذي به يتحقق التكريم الإلهي للمرأة؟، وما الاستراتيجية التي يمكن من خلالها أن ترتقي المرأة في سلّم الكمال الإيماني والإنساني في الدنيا والآخرة؟”.

وأكد العلامة موسى، حاجة الأمة الإسلامية عمومًا والنساء للوعي بالنماذج النسائية والقدوات الصالحات المثاليات من النساء الفاضلات اللاتي حفرن أسمائهن في سجل الخلود إلى يوم القيامة، وقدّمن الأنموذج التربوي اللائق بإيمان المرأة بالله وحيائها منه.

وذكر 16 مظهراً من مظاهر التكريم الإلهي للمرأة المسلمة، وأبرزها أن الله تعالى جعلها الهبة الأولى وجعل الذكور الهبة الثانية، وتسمية سورة باسم النساء، وتسمية سورة باسم امرأة وهي “مريم”، وأن الله تعالى استمع إلى جدال امرأة وشكواها من زوجها حين ظاهرها وأنزل في شأنها قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة كما في سورة المجادلة.

ولفت الأمين العام المساعد لرابطة العلماء، إلى أن من مظاهر التكريم الإلهي والنبوي للمرأة ما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الوصية بالنساء وحماية المرأة بالحجاب والجلباب، وستر عورتها من أذى الذئاب البشرية، وكذا أن جعل رضاها شرطًا أساسيًا في الزواج وجعل عقد أبيها موقوفًا على رضاها وباطلًا إذا لم ترض.

فيما قدّم أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء الدكتور حمود الأهنومي، ورقة العمل الثانية بعنوان “المرأة بين التكريم الإلهي والامتهان الغربي .. قراءة رقمية نقدية وحلول قرآنية”.

وقال: “نحن لا نتحدث عن انحرافات فردية في الغرب ولا عن قصص شاذة وإنما منظومة فكرية وحضارية أنتجت واقعًا لا يمكن تفسيره إلا بأنه امتهان منظم للمرأة غُلف بشعارات الحرية والمساواة وحقوق الإنسان”.

وتطرق إلى الخلفية التاريخية والفكرية لامتهان المرأة في الحضارة الغربية، سواء في الفلسفات اليونانية والرومانية القديمة، أو في أوروبا خلال القرون الوسطى وفي التراث اليهودي المسيحي المحرّف ومن ثم العلمانية المتطرفة التي فصلت الدين عن الحياة.

واستعرض الدكتور الأهنومي، حقيقة حياة المرأة الغربية، سواء ما يتعلق بفوضى العلاقات وانهيار الأسرة أو الأمراض الجنسية والاغتصاب والعنف الأسري، وتسليع الجسّد والاتجار بالمرأة والمعاناة النفسية ووحدة الشيخوخة.

وتحدث عن الآثار المدمّرة على الفرد والمجتمع والحضارة في الغرب، بانتشار الأمراض الجنسية وارتفاع معدّلات الاكتئاب والقلق واضطرابات الأكل بالنسبة للفرد، وعلى المستوى الأسري والمجتمعي تحوّلت الأسرة من ميثاق غليظ إلى عقد مدّني هشّ يمكن فسخه لأدنى سبب حتى صارت معدلات الطلاق والعزوف عن الزواج تهدّد استقرار المجتمع، وانتشار المثلية وانخفاض معدلات المواليد الذي بات يهددّ الاستدامة الديموغرافية.

وأضاف “على المستوى الحضاري، هناك أزمة قيم حادة، وتشيؤ الإنسان بالنظر للمرأة والرجل معًا بوصفهما وحدات استهلاكية في السوق، وفقدان المعنى والغاية من الوجود بانتشار الوجودية والعدمية والإلحاد”.

وعرّج أستاذ التاريخ بجامعة صنعاء، على النموذج القرآني الذي قدّم رؤية متكاملة عن المرأة المسلمة في حفظ كرامتها وتحديد دورها الإيجابي وحمايتها من الاستغلال، وأن المرأة مكرّمة ومصوّنة وليست سلعة ولا أداة، مبيناً أن الإسلام لم يظلم المرأة وإنما أنصفها أعظم إنصاف.

وحددّ ركائز رؤية الإسلام في تكريم المرأة المتمثلة بالمساواة في الأصل والكرامة والتكليف، والتكامل وإيجاد تشريعات عملية تحمي المرأة وتحفظ مكانتها في الأمومة والزوجية، مؤكدًا أن النموذج القرآني، يُعد مرجعية إلهية ثابتة تحفظ للمرأة والرجل إنسانيتهما وحمايتهما من العنف والاستغلال والابتذال وحصّن المرأة فكريًا وثقافيًا وإيمانيًا.

وحملت الورقة الثالثة المقدمة من الدكتور أحمد مطهر، عنوان “فاطمة الزهراء عليها السلام نموذج للوعي والهوية في مواجهة الحرب الناعمة”، مشيرًا إلى أن الندوة تأتي في إطار إحياء ذكرى ميلاد الزهراء عليها السلام بوصفها محطة روحية وفكرية تُستعاد فيها معاني النقاء والطهارة والوعي والمسؤولية ويُستأنف عبرها الحديث عن المرأة المسلمة بوصفها محورًا أساسياً في صناعة النهضة وبناء الهوية الإيمانية للأمة.

وقال: “في عالم يشهد موجات من الحرب الناعمة التي تستهدف القيم وتُعيد تشكيل وعي المرأة وتفكك الأسرة من الداخل، تبرز الحاجة لاستحضار النموذج الزهرائي كمرجعية توازن بين العفاف والقوة والرحمة والموقف وبين الأنوثة والرسالية”.

ونوه إلى أن الزهراء ليست نموذجًا تاريخيًا جامدًا وإنما مشروع مقاومة ثقافية وفكرية تمتد إلى العصر الراهن وتمنح المرأة قدرة على التمييز بين الخطاب الذي يحررها والخطاب الذي يستعبدها.

ولفت الدكتور مطهر إلى البُعد الرسالي في شخصية السيدة فاطمة الزهراء عليها، التي تمثل أنموذجًا متفردًا للمرأة الرسالية في الإسلام، إذ تجمع بين العبادة العميقة والوعي الإيماني والبصيرة الفكرية، وتجسد بذلك حقيقة أن المرأة عنصر فاعل ومؤثر في الوعي ونشر القيم.

وأفاد بأن الإسلام جاء ليرفع من مكانة المرأة من التهميش إلى المشاركة ومن التبعية إلى الشراكة ومن العجز إلى الفاعلية، مؤكدًا أن الوعي هو الحصن الأول الذي يحمي المرأة من تأثيرات الحرب الناعمة والسمة البارزة في شخصية السيدة الزهراء التي قدّمت الأنموذج المتكامل للوعي الذي يُبصر حقيقة الأمور ويضبط المعايير ويحفظ الثبات على القيم.

واستعرض الدكتور مطهر، دروسًا عملية للمرأة المسلمة من النموذج الزهرائي، واستخلص أربع محطات عملية تحتاجها المرأة تتمثل في أن : العفاف ليس ضعفًا والتوازن بين الأسرة وبناء الذات، وأولوية مسؤولياتها الأسرية والارتقاء الروحي والعبادي.

وركز على مسؤوليات المرأة المسلمة أمام الحرب الناعمة من خلال ضبط المحتوى الرقمي وبناء حصانة فكرية عبر الثقافة القرآنية وتفعيل دائرة نسائية واعية، وتعزيز الثقة بالنفس والهوية الإسلامية وتعليم الأبناء مهارات التفكير النقدي، وتقديم نموذج عملي لا شعاراتي.

مقالات مشابهة

  • تصعيد خطير في بحر الفلبين الغربي.. سفن صينية تهاجم قوارب صيد وتوقع جرحى
  • تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي (6-11)
  • حفل زفاف في سوريا يتحول إلى مأساة كبرى في ريف درعا الغربي.. ماذا حدث؟
  • 33 إصابة بجروح جراء انفجار وقع خلال حفل زفاف في ريف درعا الغربي
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • 10 غارات إسرائيلية تستهدف الجنوب والبقاع الغربي في لبنان
  • تجليات يُتم الفكر في الفضاء الإسلامي.. الذكرى 57 لمحكمة الردة الأولى وتشكيل التحالف الديني العريض ضد الفهم الجديد للإسلام «5- 11»
  • محاضرة حول أصول الفكر المتطرف بمركز الثقافة الإسلامية بدمنهور
  • ندوة بصنعاء تناقش تكريم المرأة في الإسلام وتنتقد النموذج الغربي
  • ندوة ثقافية بصنعاء بعنوان “المرأة بين التكريم الإلهي والامتهان الغربي”