ابتكار يخفّض سعر دواء للسرطان.. من 3200 إلى 3 دولارات
تاريخ النشر: 3rd, December 2023 GMT
يحتاج الباحثون في شركات الأدوية عادة إلى ما يقرب من 12 خطوة حتى يتمكنوا معمليا من إنتاج أحد أدوية السرطان التي تعتمد على مثبطات إنزيم يُعرف باسم إنزيم "جيه إن كيه". غير أن الباحثين بجامعة كاليفورنيا الأميركية أعلنوا في دراسة نشرت بدورية "ساينس" عن نجاحهم في اختصار خطوات التصنيع إلى 3 خطوات فقط، وهو ما سيؤدي إلى الدفع بخروج هذا الدواء إلى الأسواق بسعر منخفض.
ويُعد إنزيم "جيه إن كيه" (الذي يُرف علميا باسم c-Jun N-terminal kinase) من الإنزيمات التي تلعب أدورا أساسية في تنظيم العمليات الخلوية المختلفة، كما كشفت العديد من الدراسات، ومن هذه الأدوار:
الاستجابة للإجهاد الخلوي: يستجيب للضغوط المختلفة مثل الأشعة فوق البنفسجية والصدمة الحرارية. تكاثر الخلايا وتمايزها: يلعب أدوارا في نمو الخلايا وتكاثرها وتمايزها في كل من الحالات الطبيعية والمرضية. موت الخلايا المبرمج: مسارات إشاراته متورطة في تنظيم موت الخلايا المبرمج (آلية طبيعية وأساسية للحفاظ على توازن الأنسجة، والقضاء على الخلايا التالفة أو غير الطبيعية). التمثيل الغذائي: يشارك في تنظيم التمثيل الغذائي، بما في ذلك استقلاب الجلوكوز واستقلاب الدهون وإشارات الأنسولين.وبسبب أهميته الكبيرة رُبط خلل تنظيم إشاراته بأمراض مختلفة، بما في ذلك السرطان واضطرابات التنكّس العصبي (مثل مرض ألزهايمر ومرض باركنسون) والحالات الالتهابية والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية.. وأدى فهم دوره في هذه الأمراض إلى إجراء أبحاث تهدف إلى تطوير مثبطات ومعدِّلات له كتدخلات علاجية محتملة.
وبينما نجحت دراسات سابقة معمليا في تطوير أدوية مثبطة لهذا الإنزيم، فإن سعره المرتفع للغاية حال دون تسويقه تجاريا، حيث يصل سعر الغرام الواحد منه إلى 3200 دولار، أي أكثر بـ50 مرة من غرام الذهب، ويرجع ذلك في الأساس إلى خطوات الإنتاج التي تصل إلى 12 خطوة، وهي المشكلة التي عالجها الباحثون بقسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا في دراستهم الجديدة عبر ابتكار طريقة غير مكلفة لإنتاج جزيء الدواء بكلفة 3 دولارات فقط للغرام.
استخدم الباحثون طريقة للتخليق العضوي للمواد تُعرف باسم "الألكين الأميني". وكان الإنجاز الذي توصل له الباحثون هو إدارة تلك العملية بمواد رخيصة السعر، وبخطوات أقل.
ويقوم التفاعل في عملية التخليق العضوي بطريقة "الألكين الأميني" على إدخال المجموعة الأمينية (NH2) في الجزيء، بينما يقوم في الوقت نفسه بإنشاء رابطة مزدوجة من الكربون (ألكين) في البنية، وتتضمن هذه الطريقة استبدال مجموعة وظيفية في الجزيء عبر وضع "ألكين" مكانها أثناء إدخال مجموعة أمينية في نفس ذرة الكربون أو بالقرب منها.
ويمكن أن تختلف الطرق والتقنيات المحددة لـ"ألكلين الأميني" اعتمادا على المواد الأولية والمنتجات المطلوبة، وفي كثير من الأحيان، تتضمن هذه التفاعلات استخدام الكواشف والمحفزات المناسبة لتعديل الجزيء بشكل انتقائي بطريقة خاضعة للرقابة، مما يسمح بتكوين الرابطة المزدوجة من الكربون (ألكين) ودمج المجموعة الأمينية.
وباستخدام الأكسجين ككاشف والنحاس كمحفز لكسر الرابطة المزدوجة من الكربون (ألكين) للعديد من الجزيئات العضوية المختلفة، واستبدل الباحثون في دراستهم هذه الروابط ووضعوا مكانها روابط "كربون/نيتروجين"، وحولوا الجزيئات إلى مشتقات من الأمونيا تسمى "الأمينات".
ونظرا لأن الأمينات (التي تتميز بوجود ذرة نيتروجين مرتبطة بذرات الكربون أو ذرات الهيدروجين أو كليهما) تتفاعل بقوة مع الجزيئات الموجودة في النباتات والحيوانات الحية، فإنها تستخدم على نطاق واسع في المستحضرات الصيدلانية، وكذلك في المواد الكيميائية الزراعية، ولذلك فإن الإنتاج الصناعي لها يحظى باهتمام كبير، ولكن المواد الخام والكواشف المستخدمة في الإنتاج غالبا ما تكون باهظة الثمن، ويمكن أن تتطلب العمليات العديد من الخطوات المعقدة لإكمالها. وباستخدام خطوات أقل وبدون مكونات باهظة الثمن، يمكن للعملية التي تُطور في جامعة كاليفورنيا أن تنتج مواد كيميائية قيمة بكلفة أقل بكثير من الطرق الحالية.
وتعتمد عملية الإنتاج التقليدية على محفزات من المعادن باهظة الثمن مثل البلاتين والفضة والذهب والبلاديوم، ومعادن ثمينة أخرى مثل الروديوم والروثينيوم والإيريديوم. لكن باحثي جامعة كاليفورنيا استخدموا الأكسجين والنحاس، وهو أحد أكثر المعادن الأساسية وفرة في العالم، وهذا لم يحدث من قبل كما تقول الاستاذة بقسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا والباحثة الرئيسية بالدراسة أوهيون كوون في بيان صحفي نشره الموقع الإلكتروني للجامعة.
وتضيف: "تستخدم طريقتنا شكلا من أشكال الأكسجين يسمى الأوزون -وهو عامل مؤكسد قوي- لكسر رابطة الكربون المزدوجة (ألكين) في الهيدروكربونات التي تسمى الألكينات، ومحفز النحاس لربط الرابطة المكسورة بالنيتروجين، وتحويل الجزيء إلى أمين، وجُربت هذه الآلية لإنتاج دواء السرطان الذي يعتمد على مثبطات إنزيم جيه إن كيه، وجاء ذلك في ثلاث خطوات كيميائية فقط بدلاً من 12 أو 13 خطوة لإنتاجه بشكل تقليدي".
وفي مثال آخر وباستخدام نفس البروتوكول، يشير البيان الصحفي إلى أنه في خطوة واحدة فقط حُوّل "الأدينوزين" -وهو ناقل عصبي ووحدة بناء الحمض النووي التي تكلف أقل من 10 سنتات للغرام الواحد- إلى أحد التعديلات اللاجينية للحمض النووي الريبي (المعروفة باسم N6 ميثيلادينوسين) والتي تلعب أدوارا حاسمة في التحكم في التعبير الجيني في العمليات الخلوية والتنموية والمرضية. وكانت كلفة إنتاجه في السابق 103 دولارات للغرام.
4 تحديات حاسمةولا تزال تلك النتائج المبشرة التي توصل لها الباحثون في مرحلة التجارب المعملية، لذلك فإن أستاذ الصيدلية بجامعة الزقازيق (شمال شرق القاهرة) أيمن حلمي يرى أنه "ورغم ما تحقق من اختصار في عملية الإنتاج لثلاث خطوات فقط وخفض تكلفة إنتاج الغرام الواحد من الدواء، فإن هناك 5 تحديات تثير أسئلة يجب أن يجيب عليها الباحثون حتى يغادر بحثهم النطاق المعملي إلى الإنتاج التجاري الضخم".
ويقول حلمي في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": أن هذه التحديات هي:
الإنتاج الضخم: هل يمكن تطبيق هذه الطريقة عبر أنواع مختلفة من أدوية السرطان والمستحضرات العلاجية الأخرى، أم أن هناك قيودا على تطبيقها، وما مدى قابلية هذه العملية للإنتاج الضخم؟ الكفاءة: كيف يمكن مقارنة كفاءة وسلامة وفعالية الأدوية المنتجة باستخدام هذه الطريقة مع تلك المنتجة من خلال الوسائل التقليدية والأكثر كلفة؟ الأثر البيئي: هل لهذه الطريقة الجديدة أي فوائد أو عيوب بيئية مقارنة بالطرق التقليدية، وهل هي أكثر استدامة من حيث استخدام الموارد أو توليد النفايات؟ التطبيق العملي: ما هي الخطوات العملية المطلوبة لتنفيذ هذه الطريقة الجديدة على المستوى الصناعي، وهل هناك أي عوائق أو تحديات محتملة قد تعوق التطبيق على نطاق واسع؟ هذه الأسئلة التي تثيرها التحديات الأربعة، كان لدى الباحث بقسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا زيكي هي، اجابات عليها، خلال تصريحات خاصة لـ"الجزيرة نت" عبرالبريد الإلكتروني.يقول زيكي إنهم يعملون حاليا على تحسين ظروف التفاعل بشكل أكبر بهدف تعزيز كفاءة محفز التفاعل (كلوريد النحاس) وإنتاجية التفاعل مع تقليل التفاعلات الجانبية، مشيرا إلى أنه أثناء سير هذا المشروع، أعربت شركتان عن اهتمامهما بأبحاثنا.
ولفت إلى أن التحديات التكنولوجية أو الصناعية التي تواجههم ليست كبيرة، والسبب هو أن كلا من تفاعل تحليل الأوزون والتحفيز النحاسي قد طُبقتا بشكل واسع على نطاق صناعي، واللوائح الخاصة بهما أصبحت راسخة، لكنهم سيعملون على إجراء المزيد من التجارب التي تؤهل فكرتهم للتطبيق العملي، وأهمها العمل على طرق تساعد على زيادة معدل الإنتاجية.
ومقارنة مع المحفزات الأخرى التي تُستخدم، يؤكد زيكي أن كلوريد النحاس الذي يستخدمونه لتحفيز التفاعل يتميز بسمّية منخفضة نسبيا، والمنتجات الثانوية الأولية لهذا التفاعل هي التربينويدات (فئة كبيرة ومتنوعة من المركبات العضوية التي تنتجها النباتات المختلفة وبعض الحشرات)، مما يشير إلى انخفاض التأثير البيئي بسبب قابليتها للتحلل.
ويقول: "حاليا، نقوم بالفعل بتحسين بنية المحفز وتحسين ظروف التفاعل لتقليل استخدام المحفز، وتعزيز كفاءة التفاعل، وتقليل حدوث التفاعلات الجانبية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بجامعة کالیفورنیا هذه الطریقة
إقرأ أيضاً:
الصيام بالتناوب وتأثيره في الوزن وصحة القلب.. وما الفرق بينه وبين الصيام المتقطع؟
بينما يحظى “الصيام المتقطع” بشعبية هائلة لفقدان الوزن، تكشف دراسة حديثة أن “الصيام بالتناوب” (alternate-day fasting) قد يكون الخيار الأكثر فعالية لبعض المؤشرات الصحية.
وتشير دراسة جديدة إلى أن الصيام يوما بعد يوم، أكثر فعالية في تعزيز عملية الأيض مقارنة بكل من تقييد السعرات الحرارية والصيام المتقطع.
ما الفرق بين الصيام المتقطع والصيام بالتناوب؟
يرتكز الصيام المتقطع (Intermittent Fasting) على الامتناع عن الطعام لفترات زمنية محددة يوميا، كصيام 16 ساعة مقابل أكل خلال 8 ساعات، أو تقييد الأكل في أيام محددة أسبوعيا.
بينما يرتكز صيام الأيام المتبادلة على الامتناع عن تناول الطعام ليوم كامل بالتناوب مع يوم أكل طبيعي، أي أن الفرد يصوم تماما 24 ساعة كل يومين.
دراسة جديدة.. نتائج غير متوقعة
في مراجعة تحليلية شملت 99 تجربة سريرية و6,582 مشاركا بالغا من أصحاب السمنة أو الأمراض المزمنة. خلص الباحثون إلى أن الصيام بالتناوب كان الوسيلة الوحيدة التي حققت انخفاضا ملحوظا في الوزن مقارنة بالأنظمة الغذائية التقليدية المقيدة للسعرات.
ويضيف الدكتور كريس جيلسون، المشرف على الدراسة من جامعة أبردين “أظهرت بياناتنا أن صيام الأيام المتبادلة أدى إلى انخفاض أكبر في الوزن والدهون، مقارنة بالصيام المتقطع أو الحميات الاعتيادية، لكن الفارق لم يكن كبيرا بالشكل المتوقع”.
كما تراجعت أيضا مستويات “الكوليسترول” الضار (LDL)، و”الكوليسترول” الكلي لدى من اتبعوا هذا النظام مقارنة بمن اعتمدوا الصيام المتقطع التقليدي.
حدود التأثير وتحذيرات مهمة
ومع ذلك، تشير معدّة الدراسة الرئيسة، الدكتورة إيمي ويليامز، إلى أن “رغم تفوق الصيام بالتناوب نسبيا، إلا أن متوسط خسارة الوزن ظل أقل من 2 كيلو غرام، أي أقل من الحدود المعتبرة سريريا لمصابي السمنة”.
ولاحظ فريق البحث إلى أن الصيام بالتناوب ارتبط بانخفاض ضغط الدم والسكر و”الكوليسترول”، ما يجعله مرشحا كخيار إضافي للوقاية من أمراض القلب والسكري، لكن بعناية طبية خصوصا للحالات الخاصة والمزمنة.
غير أنه حذر من أن هذه “الآثار الإيجابية ظهرت في المدى القصير فقط، وهناك نقص كبير في الأدلة حول الأمان على المدى الطويل”.
وشدد الباحثون على الحاجة إلى تجارب أطول زمنيا لفهم الأثر الحقيقي في الصحة القلبية والتمثيل الغذائي.
الجمع بين الأنظمة
ويوضح الباحثون أنه لا يوجد نظام مثالي يناسب الجميع، “فالصيام المتقطع والصيام بالتناوب لا يلغيان أهمية الحمية التقليدية، بل يمكن دمجها جميعا ضمن خطة غذاء متكاملة حسب احتياجات الفرد وتوصية الطبيب”.
وختم فريق البحث بالقول “الصيام لم يعد مجرد تقليد موسمي، بل أصبح خيارا علميا معتمدا، وربما تبرز فوائده الحقيقية مع الدراسات الأطول والأكثر شمولا لاكتشاف فعاليته بالكامل”.
نصائح لصيام صحي وآمن
استشارة الطبيب أولا: لا تبدأ أي نظام صيام دون مراجعة الطبيب، خصوصا إذا كنت مصابا بأمراض مزمنة، أو تتناول أدوية بشكل منتظم، فالصيام لا يناسب الجميع.
الترطيب أساس النجاح: احرص على شرب كميات كافية من الماء خلال ساعات الإفطار أو في أيام تناول الطعام، لتجنب الجفاف والإرهاق.
وجبات مغذية ومتوازنة: اختر أطعمة غنية بالبروتين، الألياف، والفيتامينات، وقلّل من السكر والدهون المشبعة أثناء فترات الأكل.
ابدأ تدريجيا: إذا لم تجرب الصيام من قبل، قد يكون من الأفضل البدء بالصيام المتقطع (كصيام 12 أو 14 ساعة في اليوم)، قبل الانتقال للصيام بالتناوب.
راقب مؤشرات جسمك: انتبه لأي علامات تحذيرية مثل الدوخة، الصداع، أو الإنهاك الشديد، ولا تتردد في إيقاف الصيام واستشارة مختص عند الشعور بخلل.
الفائدة تتطلب التزامًا: النجاح في الصيام المتقطع أو الصيام بالتناوب يعتمد على الاستمرارية، وليس النتائج السريعة المؤقتة.
لا تسعَ للكمال: حتى أيام التخلّي عن الصيام أو الوجبات الزائدة لا تُفسد النظام بالكامل، المهم العودة دون تأنيب.
الصحة النفسية أولا: لا تجعل الحمية مصدر ضغط نفسي كبير، فالحياة الصحية توازن بين الجسد والعقل والعلاقات الاجتماعية.