رأي: كيف أدى تحرك بايدن لإسقاط التصنيف الإرهابي على الميليشيات المدعومة من إيران إلى نتائج عكسية؟
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
مقال رأي لفريدا غيتس، منتجة ومراسلة سابقة في شبكة CNN، وكاتبة في الشؤون العالمية في صحيفة "واشنطن بوست" و "وورلد بوليتيكس ريفيو"، والآراء الواردة في المقال تعبر عن رأي كاتبتها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN
(CNN)-- واجهت القوات العسكرية الأمريكية مرة أخرى تحركات عدوانية قد تكون مميتة من قبل الميليشيات المتحالفة مع إيران في الشرق الأوسط خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وهذا دليل آخر على أن الجهود الأمريكية لردع الأعمال العدائية الخطيرة والمستمرة لهذه الميليشيات لا تنجح ببساطة. الرسالة الموجهة إلى إيران لم تصل.
هزت انفجارات يوم الأحد البحر الأحمر، المسطح المائي الضيق والمحوري الذي يربط أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا. وكانت ميليشيات الحوثي في اليمن، المتحالفة بشكل وثيق مع إيران، تطلق الصواريخ على السفن التجارية وربما على السفن البحرية الأمريكية، لذلك ردت الولايات المتحدة بإطلاق النار، فأسقطت طائرات بدون طيار، لتكرر دورة أصبحت مألوفة الآن، ولكنها محفوفة بالمخاطر على نحو متزايد وتهدد بالتصعيد مع عواقب قد تكون مشؤومة.
وردت السفينة "يو إس إس كارني" وسط سلسلة من أربع هجمات شنها الحوثيون، وفقًا للقيادة المركزية الأمريكية. وجاء في البيان الأمريكي أن معظم أهداف الميليشيا كانت سفن شحن مدنية، ولكن ما يثير القلق هو أن طائرة بدون طيار مسلحة واحدة على الأقل "كانت متجهة نحو كارني رغم أن هدفها المحدد غير واضح".
تشكل الهجمات المستمرة التي تشنها الميليشيات المتحالفة مع إيران والحرس الثوري الإيراني، والتي تستهدف القوات الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى جانب السفن المدنية، معضلة لا يمكن الدفاع عنها لإدارة بايدن.
البيت الأبيض يريد بحكمة أن يمنع الحرب بين إسرائيل وحماس -مثل الحوثيين أعضاء في "محور المقاومة" الإيراني- من التوسع إلى صراع إقليمي. لكن وكلاء إيران يسخرون من الأميركيين بلا هوادة. وقال مسؤول دفاعي لشبكة CNN إن شركاء إيران شنوا ما لا يقل عن 76 هجوماً منفصلاً ضد القوات الأمريكية في سوريا والعراق منذ منتصف أكتوبر. إنهم يهاجمون أهدافًا أمريكية يوميًا تقريبًا.
تحاول إدارة بايدن تعديل ردها، والرد بقوة كافية لردع إيران بضربات متعددة ضد مجموعة متنوعة من الأهداف -مما أسفر عن مقتل أعضاء الميليشيات المدعومة من إيران في العراق في نهاية هذا الأسبوع، وضرب مستودعات أسلحة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وتحذير حزب الله في لبنان للتفكير مرتين قبل التدخل- ولكن ليس بالقوة التي تجعله يقع في فخ التورط في حرب أخرى، وهو ما لا يريده الرئيس جو بايدن ولا أي شخص مسؤول في أمريكا.
إيران تعرف ذلك.
ينتقد بعض الجمهوريين إدارة بايدن لعدم بذل المزيد من الجهد لمنع هجمات الحوثيين وغيرهم من وكلاء إيران. وحث مؤخراً وزير الدفاع السابق ليون بانيتا، وهو ديمقراطي، على اتباع نهج أكثر عدوانية أيضاً.
وبينما تتقاتل إسرائيل وحماس، تستعرض إيران تحديها، وتحاول استعراض عضلاتها، وتسليط الضوء على امتدادها الجغرافي عبر العديد من دول الشرق الأوسط، وربما تسعى إلى تخويف المنافسين الإقليميين الآخرين، إلى جانب إسرائيل وحتى الولايات المتحدة. ومن خلال إبقاء مقاتليها الذين يرتدون الزي الرسمي خارج المعركة إلى حد كبير، تتمتع طهران بإمكانية إنكار تورطها في الهجمات.
قليلون هم الذين ينخدعون. وأعلن بيان القيادة المركزية يوم الأحد أن الولايات المتحدة تعتقد أن هجمات الحوثيين “تم تمكينها بالكامل من قبل إيران”.
بالنسبة للحوثيين، تشكل هذه التعبيرات العنيفة عن التضامن مع حماس فرصة لتلميع مكانتهم بين الجماهير العربية والإسلامية، التي تقف بقوة إلى جانب الفلسطينيين.
ومهما كانت الدوافع، فلا يمكن السماح باستمرار الهجمات والتهديدات المتصاعدة للملاحة المدنية.
إن أحد البنود الأكثر إلحاحًا على جدول الأعمال هو استقرار الأوضاع في البحر الأحمر. انظر إلى الخريطة. البحر الأحمر هو القناة التي تربط البحر الأبيض المتوسط ببقية دول الشرق الأوسط وآسيا. فأي تجارة بين الصين أو الهند أو غيرها من الدول الآسيوية مع أوروبا أو الساحل الشرقي للولايات المتحدة يجب أن تمر عبر قناة السويس التي تربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر. ويشكل الحوثيون تهديدًا خطيرًا للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي، ناهيك عن الاستقرار الإقليمي.
ويتعين على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أن يدافعا بحزم عن حرية الملاحة. لا بد من مواجهة الحوثيين، وهم منظمة مسلحة من قبل إيران، قبل كارثة بحرية ترسل موجات صادمة من الاضطراب في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي.
يجب في المقام الأول تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية مرة أخرى.
كشفت إدارة بايدن في الشهر الماضي بأنها تراجع "التسميات الإرهابية المحتملة" للجماعة الشيعية المتطرفة. وبالفعل، يحث أعضاء الكونغرس، من الديمقراطيين والجمهوريين، الإدارة على القيام بذلك.
ومن شأن هذه الخطوة أن تؤكد التحول في الموقف الجيوسياسي للإدارة وتراجع التأثير على سياسة بايدن الخارجية من قبل القوى التقدمية داخل الحزب الديمقراطي.
في فبراير 2021، بعد شهر واحد فقط من تنصيب بايدن، كان أحد الإجراءات الأولى لوزير الخارجية أنتوني بلينكن هو رفع تصنيف الحوثيين كمجموعة إرهابية.
كان القرار لافتاً لأن إعلان وزارة الخارجية قد أكد أن الحوثيين في الواقع إرهابيون، مشيرة إلى أن الجماعة المعروفة رسمياً باسم أنصار الله، كانت "تختطف وتعذب مواطنين من الولايات المتحدة والعديد من حلفائنا، تحول المساعدات الإنسانية وتقمع اليمنيين بوحشية."
ومع ذلك، فإن الحرب بين المتمردين الحوثيين والحكومة التي سعوا إلى الإطاحة بها في اليمن، والمدعومة من تحالف تقوده المملكة العربية السعودية، أصبحت كارثة إنسانية كبرى. وقالت شخصيات تقدمية إن رفع التصنيف الإرهابي – بصرف النظر عن دقته – من شأنه أن ينقذ الأرواح.
في تلك الأيام، كانت إدارة بايدن تحاول تهدئة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وهي الخطة التي انقلبت لاحقًا أيضًا.
إن كون الحوثيين إرهابيين أمر لا جدال فيه. لقد قاموا بسجن وتعذيب عدد لا يحصى من اليمنيين والأجانب. وقد قامت منظمات حقوق الإنسان بتوثيق انتهاكاتها بدقة. لقد سحقوا حقوق المرأة، وسجنوا وعذبوا النساء، مما دفع المنتقدين إلى الإشارة إلى أن اليمن يسير في اتجاه طالبان في أفغانستان. لقد طاردوا الصحفيين، وحكموا عليهم بالإعدام وإخضاعهم للتعذيب قبل ذلك، وقاموا بإساءة معاملة المدنيين الآخرين بشكل روتيني حيث منعوا وصول المساعدات الإنسانية إليهم.
وقد انطلق تمردهم من محافظة صعدة النائية في اليمن، حيث يعتنق الحوثيون المذهب الزيدي الشيعي. واتهم الحوثيون حكومة الرئيس السابق علي عبد الله صالح بالفساد وبالقرب الشديد من السعودية والولايات المتحدة.
وبدعم من إيران وتسليحها وتدريبها، تبنوا الشعار الكاشف المعادي لأميركا والمعادي للسامية: "الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام."
ويقول الحوثيون إن هجماتهم ستستمر حتى توقف إسرائيل حملتها في غزة. ولكنهم مثل حماس وإيران وحزب الله وغيرهم من أعضاء ما يسمى بمحور المقاومة، يعارضون أي مصالحة دائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ويؤيدون تدمير إسرائيل.
استولى الحوثيون منذ الهجوم الذي شنته حماس ضد الإسرائيليين في 7 أكتوبر والذي أشعل شرارة الحرب الحالية، على سفينة شحن مستأجرة من اليابان، واستهدفوا سفينة مملوكة للمملكة المتحدة وتديرها، من بين سفن أخرى. كما أطلقوا صواريخ باليستية باتجاه السفينة "يو إس إس ميسون" بينما استجابت سفينة البحرية الأمريكية لنداء استغاثة من سفينة مدنية أخرى تتعرض للهجوم.
وبالإضافة إلى ذلك، أطلق الحوثيون صواريخ موجهة باتجاه مدن إسرائيلية. لقد أسقطت الأسلحة الدفاعية الأمريكية والإسرائيلية تلك الصواريخ، لكن هذه التحركات تثير سؤالاً مثيراً للقلق حول ما سوف يحدث إذا ضرب صاروخ يمني مدينة إسرائيلية.
إن تصنيف الحوثيين رسميًا كمنظمة إرهابية من شأنه أن يوفر وضوحًا أخلاقيًا ويمنع الحوثيين من استخدام المؤسسات المالية الأمريكية والمرافق الأخرى، ومن غير المرجح أن تكون له تداعيات إنسانية سلبية.
إن الحرب الأهلية الوحشية التي أغرقت المدنيين اليمنيين في كارثة تقترب من نهايتها بعد وقف إطلاق النار في العام 2022. يظل الحوثيون مثل الميليشيات الأخرى المرتبطة بإيران، مصدرًا لعدم الاستقرار، مدفوعين بأيديولوجية قمعية لا هوادة فيها.
تتطلب تصرفاتهم، وتصرفات الميليشيات الأخرى التي تهاجم القوات الأمريكية بشكل متكرر ردًا أكثر قوة. تحتاج الولايات المتحدة إلى مواصلة معايرة ردها بعناية، لكن المستوى الحالي لا يبعث بالرسالة الضرورية التي مفادها بأن الهجمات يجب أن تتوقف.
أمريكاإيرانرأينشر الجمعة، 08 ديسمبر / كانون الأول 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: رأي الولایات المتحدة الشرق الأوسط البحر الأحمر إدارة بایدن من قبل
إقرأ أيضاً:
الخارجية الأمريكية لـعربي21: هذه أسباب دعمنا للحكومة السورية الجديدة
قال المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مايكل ميتشل، إن "ما شجّع الإدارة الأمريكية على اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية تجاه دمشق هو التغير الملموس في سلوك الحكومة السورية الجديدة، وتأكيدها على التزامها بمكافحة الإرهاب، والانفتاح على الشراكة مع المجتمع الدولي، واستعدادها لاتباع نهج أكثر شمولية في إدارة البلاد".
وأكد ميتشل أن "ما يهم واشنطن في هذه المرحلة هو استمرار التقدم على مسارات الإصلاح، وتوسيع المشاركة السياسية، وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة خلال السنوات الماضية"، متابعا: "نحن نقيس الأداء بمدى التزام الحكومة الجديدة بخدمة الشعب السوري، وليس فقط من خلال التصريحات، بل عبر خطوات ملموسة على الأرض".
وأشار المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، إلى أنه جرت مباحثات بين سوريا وإسرائيل خلال الفترة الأخيرة، معتبرا ذلك "مؤشر إيجابي جدا، ونأمل أن يؤدي إلى السلام".
وبسؤاله عن احتمالية تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل مستقبلا، أجاب: "نحن لا نُحدد مسار العلاقات الثنائية بين الدول. لكننا نرحب بأي خطوات تعزز الاستقرار وتفتح آفاق التعاون السلمي في الشرق الأوسط، وإذا رأت الأطراف المعنية أن هناك فرصة لبناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل وضمان الأمن، فنحن سندعم هذا المسار بما يخدم السلام الإقليمي"، وفق قوله.
وأوضح أنه لا توجد في الوقت الحالي خطط مُعلنة لسحب كامل القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، وأضاف: "تواصل الولايات المتحدة وجودها هناك ضمن التحالف الدولي لمحاربة داعش، ونعمل بالتنسيق مع الشركاء المحليين لضمان عدم عودة التهديدات الإرهابية. أي تغيّر في هذا الانتشار يخضع لتقييمات دورية تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الميدانية والتهديدات الأمنية وسلامة القوات الأمريكية".
وتاليا نص المقابلة الخاصة التي أجرتها "عربي21" مع المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية:
كيف تقيّمون أداء الإدارة السورية الحالية برئاسة الرئيس أحمد الشرع؟
الولايات المتحدة تتابع التطورات في سوريا عن كثب، بما في ذلك انتقال السلطة وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع. لقد عبّرنا مرارا عن دعمنا لأي عملية سياسية حقيقية وشاملة يقودها السوريون أنفسهم وتؤدي إلى استقرار مستدام، واحترام حقوق الإنسان، وفتح المجال أمام الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الضرورية. ما يهم واشنطن في هذه المرحلة هو استمرار التقدم على مسارات الإصلاح، وتوسيع المشاركة السياسية، وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة خلال السنوات الماضية. نحن نقيس الأداء بمدى التزام الحكومة الجديدة بخدمة الشعب السوري، وليس فقط من خلال التصريحات، بل عبر خطوات ملموسة على الأرض.
ما تأثير التقارب بين الإدارة الأمريكية والسورية على الأوضاع في سوريا والمنطقة؟
هدف الولايات المتحدة من انخراطها مع الحكومة السورية الجديدة هو دعم انتقال سياسي يُسهم في استقرار سوريا والمنطقة ككل. هذا الانفتاح الدبلوماسي لا يُفهم على أنه "تقارب" بمفهومه التقليدي، بل هو مسعى لتعزيز الحوار البنّاء ضمن رؤية واضحة تحترم تطلعات السوريين. نعتقد أن خفض التوتر والانفتاح المحسوب يمكن أن يساعد على دعم مسار أكثر استقرارا، إذا التزمت الحكومة الجديدة في دمشق بمسؤولياتها.
كيف سينعكس هذا التقارب على ملف إدماج "قسد" في الدولة السورية؟ وهل هناك جديد بهذا الخصوص؟
الولايات المتحدة لطالما شدّدت على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وعلى ضرورة الوصول إلى حلول سياسية تشمل جميع المكونات السورية. موقفنا من "قسد" كان ولا يزال قائما على التعاون في مكافحة تنظيم "داعش"، ونحن ندعم أي مسار سياسي سلمي يضمن دمج كافة الأطراف ضمن الدولة السورية، على أساس العدالة والتمثيل المتساوي وضمان الحقوق. نحن نتابع عن كثب أي ترتيبات جديدة على هذا الصعيد.
هل الموقف الأمريكي من الحكومة السورية الحالية يشجع دولا أخرى على إعادة علاقاتها مع دمشق؟
الولايات المتحدة تدرك أن العديد من الدول تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في سوريا، بما في ذلك انتقال السلطة وتشكيل حكومة جديدة. قرار واشنطن برفع بعض العقوبات كان نتيجة مراجعة دقيقة، ويعكس تقديرا للتحول الجاري، مع التزام واضح بمواصلة التقييم وفقا لسلوك الحكومة الجديدة. نحن لا نوجّه أو نُملِي على الدول قراراتها السيادية، لكننا نُشجع أي تفاعل مع دمشق في سياق دعم الاستقرار، ومواصلة الإصلاحات، وتلبية تطلعات الشعب السوري.
هل هناك تنسيق كبير بين أمريكا وتركيا والسعودية ودول أخرى بخصوص الموقف من الإدارة السورية الجديدة؟ وكيف تنظرون لدور تركيا في سوريا على وجه التحديد؟
الولايات المتحدة تُجري مشاورات مستمرة مع شركائها الإقليميين والدوليين بشأن سوريا، بما في ذلك تركيا والسعودية ودول إقليمية أخرى. هناك إدراك مشترك لأهمية استقرار سوريا، وضرورة منع عودة الإرهاب، والتعامل مع الأزمات الإنسانية. فيما يتعلق بتركيا، فإننا نُقدر دورها كدولة جوار ذات مصالح أمنية مشروعة، ونؤمن بأن الحل في سوريا يتطلب تنسيقا متعدد الأطراف.
ما هي أولويات وأهداف واشنطن في التعاطي مع الملف السوري؟
تركّز الولايات المتحدة في تعاملها مع الملف السوري على دعم الاستقرار الإقليمي، ومواصلة جهود مكافحة الجماعات الإرهابية التي لا تزال تُشكّل تهديدا لشركائنا ولأمن المنطقة. لا تزال واشنطن حريصة على ضمان عدم عودة "داعش"، وعلى تعزيز المسار السياسي نحو مستقبل أفضل للسوريين، بقيادة وطنية سورية.
علاقتنا مع الإدارة السورية الجديدة تُبنى على تقييم واقعي لأدائها على الأرض، ونشجّع الخطوات التي تُسهم في مكافحة الإرهاب وتثبيت الأمن. نؤمن بأن مقاربة واقعية وتدريجية، ترتكز على التنسيق مع شركائنا الإقليميين والدوليين، هي السبيل الأفضل لتحقيق نتائج ملموسة، بعيدا عن الحلول السريعة أو الشعارات. لا نزال ملتزمين بأمن شركائنا وندعم كل جهد جاد لتعزيز الاستقرار ومواجهة التهديدات الأمنية.
هل تخطط الولايات المتحدة لسحب قواتها بشكل كامل من شمال شرق سوريا؟
لا توجد في الوقت الحالي خطط مُعلنة لسحب كامل القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا. تواصل الولايات المتحدة وجودها هناك ضمن التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، ونعمل بالتنسيق مع الشركاء المحليين لضمان عدم عودة التهديدات الإرهابية. أي تغيّر في هذا الانتشار يخضع لتقييمات دورية تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الميدانية والتهديدات الأمنية وسلامة القوات الأمريكية.
هل الولايات المتحدة تضع شروطا لاستمرار الدعم السياسي للحكومة الجديدة في دمشق؟
الولايات المتحدة تتبع نهجا قائما على التقييم المستمر لسلوك الحكومة السورية الجديدة. الدعم السياسي مرتبط بمدى التزامها بتحقيق الاستقرار، وحماية حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب، وإطلاق عملية سياسية تشمل الجميع. نحن لا نتعامل وفق شيكات على بياض، بل ضمن رؤية واضحة تضع مصالح الشعب السوري في المقام الأول، وتحترم تطلعاته لمستقبل أفضل.
كيف تُفسر التحوّل الأمريكي تجاه أحمد الشرع؟ وهل واشنطن ربما تغير موقفها الداعم له في المستقبل؟
الموقف الأمريكي تجاه الرئيس أحمد الشرع يستند إلى أداء الحكومة السورية الجديدة، ومدى التزامها بالتحرك نحو مستقبل أكثر استقرارا وشمولا. لم يكن هذا التحول وليد اللحظة، بل جاء نتيجة تقييم دقيق للتطورات على الأرض وتغيّر في المعطيات السياسية والميدانية. لا يمكن الحديث عن "دعم غير مشروط"، ولكن واشنطن تُبقي الباب مفتوحا أمام العلاقة مع أي جهة تثبت جديتها في تحقيق الأمن، ومكافحة الإرهاب، وبناء مؤسسات وطنية تُلبي تطلعات الشعب السوري.
الرئيس أحمد الشرع اتخذ خطوات أولية حظيت باهتمام واشنطن، ونحن نتابع هذه المؤشرات عن كثب، مع التأكيد على أن الانفتاح لا يعني التخلي عن المبادئ الأساسية المتعلقة بالشفافية، والاستقرار، وسيادة القانون.
هل تدعم الولايات المتحدة مسار العدالة الانتقالية في سوريا؟ وما موقفها من محاكمة رموز نظام الأسد؟
تدعم الولايات المتحدة بشكل عام مبادئ العدالة الانتقالية في أي عملية سياسية تهدف إلى إنهاء الصراعات وتحقيق الاستقرار، بما يشمل سوريا. لكن يجب أن نكون واضحين أن الأولوية في هذه المرحلة هي دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي يسمح للسوريين بالمضي قدما نحو مستقبل أكثر ازدهارا. نحن نؤمن أن تطبيع الحياة اليومية، وتحقيق النمو الاقتصادي، واستعادة الخدمات الأساسية في سوريا هي خطوات ضرورية تسبق أي نقاش شامل حول العدالة الانتقالية أو المحاكمات. وبطبيعة الحال، فإن قرارات تتعلق بالمحاسبة يجب أن تُبنى على توافق داخلي سوري مدعوم بآليات قانونية شفافة.
هل تتوقعون قيام الكونغرس برفع العقوبات عن سوريا بشكل كامل ودائم؟ ومتى سيحدث هذا؟
رفع العقوبات عن سوريا بشكل دائم يتطلب عملية قانونية داخل الولايات المتحدة، والكونغرس هو جزء أساسي من هذه المعادلة. من الصعب التنبؤ بإطار زمني محدد لهذه الخطوة، خاصة وأننا نتحدث عن قرار تتقاطع فيه السياسة الخارجية مع القوانين الداخلية. ما يمكن قوله هو أن الرئيس ترامب عبّر بوضوح عن رغبته في رفع العقوبات، وهو يجري مناقشات مستمرة مع أعضاء الكونغرس بشأن مستقبل السياسة الأمريكية تجاه سوريا، بهدف التوصل إلى تفاهم يضمن مصالح الأمن القومي الأمريكي والاستقرار الإقليمي في آن واحد.
هل الكونغرس سيفرض شروطا بعينها مقابل ذلك؟
بصفتي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، لا يمكنني التحدث نيابةً عن الكونغرس، لكننا نتابع هذا المسار عن كثب وندعمه بما يتماشى مع توجهات الإدارة الأمريكية.
ما الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى رفع العقوبات عن سوريا؟ وما هي الآليات التي ضمنت عدم استفادة بقايا النظام من هذه الخطوة؟
القرار برفع العقوبات جزئيا جاء بعد تقييم شامل للوضع الراهن في سوريا، وخاصة بعد سقوط النظام السابق. العقوبات التي كانت مفروضة فقدت فعاليتها في ظل غياب الكيان الذي كانت تستهدفه، وأصبحت في كثير من الأحيان تعيق تعافي الاقتصاد السوري وتؤثر سلبا على الشعب السوري نفسه.
الرئيس ترامب اتخذ القرار برفع العقوبات كخطوة تهدف إلى إعطاء الاقتصاد السوري فرصة للانتعاش، انطلاقا من قناعة بأن النمو الاقتصادي والاستقرار المالي هما عنصران أساسيان لدعم أي مسار سياسي فعّال، وتحقيق السلام الداخلي. الإدارة الأمريكية ترى أن هذه الخطوة تخدم الشعب السوري أولا وأخيرا، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار في المنطقة.
متى سيعلن الرئيس ترامب أن سوريا ليست دولة راعية للإرهاب؟ وما الذي سيترتب على هذه الخطوة؟
تقييم إدراج أو شطب أي دولة من قائمة الدول الراعية للإرهاب يتم من خلال عملية مراجعة شاملة تقودها وزارة الخارجية الأمريكية بالتنسيق مع وكالات أخرى. فيما يتعلق بسوريا، فقد بدأ هذا التقييم فعليا استنادا إلى التغيرات التي طرأت في توجهات القيادة الجديدة، وتعاونها في مجال مكافحة الإرهاب. لكن لم يتم اتخاذ قرار نهائي بعد بشأن الإعلان الرسمي. أي خطوة من هذا النوع ستكون لها تداعيات قانونية وسياسية، تشمل تسهيل بعض التعاملات الدولية، وتوسيع فرص التعاون الثنائي، لكن دون أن يعني ذلك غضّ الطرف عن التحديات أو الالتزامات المطلوبة.
ماذا قدّمت الإدارة السورية الجديدة لواشنطن مقابل الإجراءات الأمريكية المُتمثلة في رفع العقوبات وشطب دمشق من قائمة الدول الراعية للإرهاب؟
الولايات المتحدة لا تتعامل مع الملفات وفق منطق "المقايضة"، بل وفقا لمصالحها الوطنية ومبادئها السياسية. ما شجّع الإدارة الأمريكية على اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية تجاه دمشق هو التغير الملموس في سلوك الحكومة السورية الجديدة، وتأكيدها على التزامها بمكافحة الإرهاب، والانفتاح على الشراكة مع المجتمع الدولي، واستعدادها لاتباع نهج أكثر شمولية في إدارة البلاد. هذه المؤشرات الإيجابية دفعت واشنطن لتقديم بعض الدعم مثل قرار رفع العقوبات الاقتصادية.
هل هناك خطة أمريكية واضحة للمساهمة في إعادة إعمار سوريا؟ وما حجم المساعدات المرصودة؟
من المبكر الحديث الآن عن خطة إعادة إعمار شاملة، خاصة وأن العملية السياسية لا تزال في مراحلها الأولى. تركيز الولايات المتحدة في هذه المرحلة ينصب على دعم الاستقرار الاقتصادي وتعزيز الظروف التي تسمح بتعافٍ تدريجي للاقتصاد السوري. الإدارة الأمريكية ترى أن خلق بيئة اقتصادية مواتية هو أساس ضروري قبل الحديث عن أي التزام مالي واسع النطاق، لكننا سنبقى منفتحين على دعم مشاريع التنمية مستقبلا بالتنسيق مع المجتمع الدولي، عندما تتوفر الأرضية السياسية والاقتصادية المناسبة لذلك.
ما صحة ما قيل حول وجود ثمة خلافات داخل الإدارة الأمريكية بخصوص الموقف من الحكومة السورية الجديدة؟
الإدارة الأمريكية تتحدث بصوت واحد بشأن الملف السوري، بقيادة الرئيس ترامب. القرار برفع العقوبات نتج عن مراجعة استراتيجية عميقة شاركت فيها مختلف الوكالات المعنية. من الطبيعي أن تكون هناك نقاشات داخلية عند التعامل مع ملفات مُعقّدة، لكن التوجه الرسمي واضح: دعم رؤية جديدة لسوريا مستقرة وآمنة، خالية من الإرهاب، ومنفتحة على محيطها الإقليمي والدولي.
هل الولايات المتحدة تقود محادثات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل؟ وهل سنشهد قريبا توقيع اتفاق عدم اعتداء بين سوريا وإسرائيل؟
لا يمكنني الخوض في تفاصيل أي اتصالات دبلوماسية من هذا النوع، لكن ما يمكن تأكيده هو أن الولايات المتحدة تدعم أي خطوات من شأنها تعزيز الاستقرار الإقليمي وخفض التوترات. نحن نشجع جميع الأطراف على تجنّب التصعيد والانخراط في مسارات حوارية سلمية. وفيما يخص سوريا، فإن أحد عناصر الرؤية الأمريكية التي طرحها الرئيس ترامب يشمل ضمان ألا تكون سوريا مصدر تهديد لجيرانها، بما في ذلك إسرائيل، وقد سمعنا من الطرفين أنه جرت مباحثات بينهم، وهو مؤشر إيجابي جدا ونأمل أن يؤدي إلى السلام.
برأيكم، هل يمكن أن يحدث تطبيعا في العلاقات بين سوريا وإسرائيل خلال الفترة المقبلة؟
نحن لا نتوقع ولا نُحدد مسار العلاقات الثنائية بين الدول. لكن بشكل عام، الولايات المتحدة ترحب بأي خطوات تعزز الاستقرار وتفتح آفاق التعاون السلمي في الشرق الأوسط. إذا رأت الأطراف المعنية أن هناك فرصة لبناء علاقات قائمة على الاحترام المتبادل وضمان الأمن، فنحن سندعم هذا المسار بما يخدم السلام الإقليمي.
ما موقفكم من الاعتداءات الإسرائيلية التي تحدث في الأراضي السورية من وقت لآخر؟
الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل خلال الفترة الماضية جاءت في سياق الحفاظ على أمنها القومي، خاصة بعد سقوط نظام الأسد وما تبعه من فراغ سياسي وأمني كبير داخل سوريا. في مثل هذه الظروف، سعت إسرائيل إلى التصدي لأي تهديدات محتملة، لا سيما من قِبل الجماعات الإرهابية التي قد تستغل هذا الفراغ للتمركز داخل الأراضي السورية. الولايات المتحدة تتفهم حاجة إسرائيل إلى حماية أمنها، وتواصل العمل مع شركائها في المنطقة لضمان ألا تعود سوريا ملاذا للمتطرفين أو مصدرا لزعزعة استقرار الجوار.
أخيرا، كيف تنظرون لمستقبل سوريا خلال المرحلة المقبلة؟
نرى فرصة حقيقية أمام سوريا لتفتح صفحة جديدة تضمن الاستقرار والازدهار لشعبها. الرئيس ترامب عبّر بوضوح أن لدى الولايات المتحدة رؤية لسوريا ما بعد الحرب، قائمة على إنهاء وجود "داعش" وكل التنظيمات الإرهابية، وضمان أن لا تكون سوريا ملاذا آمنا للمتطرفين، وأن تكون خالية من أي تدخل خارجي مثل التدخل الإيراني، وتحقيق سلام مع جيرانها، وبناء دولة لا تهدد استقرار المنطقة. إذا ما تم دعم هذه الرؤية بخطوات داخلية حقيقية، فإننا نعتقد أن مستقبل سوريا يمكن أن يكون أكثر استقرارا وازدهارا، وسنظل على استعداد لدعم هذا المسار بالتعاون مع المجتمع الدولي.