واهمٌ من يظن أنه يستطيع فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني، وشريكٌ في الجريمة من يسعى لمكافأة الاحتلال على مجازره، وضمان أمنه، بينما لا يسعى لإنهاء الاحتلال ومعاقبته على جرائمه.

لقد صار الحديث عن الترتيبات السياسية المستقبلية لوضع غزة، بعد انتهاء العدوان عليها، شغلا شاغلا لحكومة الاحتلال الإسرائيلي والحكومات الغربية، وكذلك للبلدان العربية والإسلامية، ولأعداد كبيرة من الباحثين والمتخصصين ومؤسسات الدراسات.



الأمر اللافت والخطير في الموضوع أن المشاريع والتصورات الإسرائيلية والغربية المطروحة تتصرف بعقلية فرض الإرادة على الشعب الفلسطيني؛ كما تضع التصورات وكأن الاحتلال حسم المعركة لصالحه، وهو يستبق تحقيق مكاسب سياسية، بينما النتائج الميدانية حتى الآن تثبت فشله الذريع في كسر شوكة المقاومة وفي تطويع الإرادة الشعبية، في الوقت الذي تؤدي فيه المقاومة أداء يعطيها منطقيا فرصة قوية في أن تهزم العدوان الوحشي ضد القطاع.

المشاريع والتصورات الإسرائيلية والغربية المطروحة تتصرف بعقلية فرض الإرادة على الشعب الفلسطيني؛ كما تضع التصورات وكأن الاحتلال حسم المعركة لصالحه، وهو يستبق تحقيق مكاسب سياسية، بينما النتائج الميدانية حتى الآن تثبت فشله الذريع في كسر شوكة المقاومة وفي تطويع الإرادة الشعبية، في الوقت الذي تؤدي فيه المقاومة أداء يعطيها منطقيا فرصة قوية في أن تهزم العدوان الوحشي ضد القطاع
ونحن في هذا المقال بصدد وضع عدد من النقاط على الحروف، بشأن أي ترتيبات لما بعد انتهاء العدوان على قطاع غزة، دون الخوض في الشكل الذي ستنتهي إليه الحرب.

لا وصاية على الشعب الفلسطيني:

المعيار الأول هو أن الشعب الفلسطيني شعبٌ ناضجٌ، وقادرٌ على أن يُقرّر مستقبله بنفسه، ولا يجوز لأحد أن يضع الوصاية عليه أو يُقرّر بالنيابة عنه. ولا يمكن للمشاريع الدولية والإسرائيلية أن تُفرض عليه مهما كانت (وصاية دولية، قوات عربية إسلامية، حكومة رام الله بمعايير إسرائيلية، حكومة تكنوقراط محلية مَرضيٌ عنها إسرئيليا ودوليا..). ولا يمكن بأي حال أن يُعطي الشعب الفلسطيني الحقَّ لعدوه المحتل الغاصب في اختيار قيادته ومسارات عمله ونضاله.

والاحتجاج بأن الفلسطينيين منقسمون لا قيمة له هنا؛ لأن الفلسطينيين مجمعون على رفض الوصاية، وعلى نيل حريتهم. ومن حقهم بناء مؤسساتهم الوطنية التشريعية والتنفيذية التي تُعبّر عن الإرادة الحرة لشعبهم، دون استبعاد أي من القوى الفلسطينية، واختيار قيادتهم واستراتيجياتهم، سواء أحبها الاحتلال وحلفاؤه أم كرهوها.

الحلول تكون لإنهاء الاحتلال وليس لإدامته:

المعيار الثاني هو أن أي اقتراحات لحلول يجب ألا تكون حلولا لمشاكل الصهاينة، الناتجة عن الاحتلال واغتصاب الأرض والمقدسات وقهر الشعب الفلسطيني؛ وإنما إنهاء للاحتلال وإنهاء لمعاناة الشعب الفلسطيني. فليس المطلوب إيجاد بيئات أفضل لاستمرار الاحتلال، وغطاء أفضل لاستمرار الجرائم والمذابح، بما يريح الاحتلال ويُقوّيه، ويدفعه لمزيد من العدوان ومصادرة الحقوق الفلسطينية، بخلاف كل الحقوق الإنسانية الأساسية... وإنما المطلوب هو إيجاد الأسس الجادة لإجبار الاحتلال على الانسحاب، ونيل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة في أرضه ومقدساته.

ولذلك، فليس من مهمة الفلسطينيين طمأنة الاحتلال على أمنه وأمن مغتصبي أرضه ومقدساته، وبالتالي فأي حديث عن وقف المقاومة، وإيجاد ترتيبات إدارية وسياسية في القطاع لإسكاتها أو لاجتثاثها، أو منع الفلسطينيين من انتخابها ممثلا لهم ومعبرا عن تطلعاتهم، هو حديث غير ذي قيمة. فالأصل هو طمأنة الفلسطينيين وليس طمأنة الاحتلال، ومعاقبة الاحتلال وليس معاقبة الفلسطينيين، ونزع سلاح الاحتلال بعدما رأى العالم أجمع مجازره البشعة بحق النساء والأطفال والشيوخ وتدميره للمستشفيات والمدارس ودور العبادة، وليس نزع سلاح الفلسطينيين الذين يمارسون حقهم الطبيعي في تحرير أرضهم ومقدساتهم.

ليس من مهمة الفلسطينيين طمأنة الاحتلال على أمنه وأمن مغتصبي أرضه ومقدساته، وبالتالي فأي حديث عن وقف المقاومة، وإيجاد ترتيبات إدارية وسياسية في القطاع لإسكاتها أو لاجتثاثها، أو منع الفلسطينيين من انتخابها ممثلا لهم ومعبرا عن تطلعاتهم، هو حديث غير ذي قيمة. فالأصل هو طمأنة الفلسطينيين وليس طمأنة الاحتلال، ومعاقبة الاحتلال وليس معاقبة الفلسطينيين
ليس مجرد تحسين الحياة تحت الاحتلال:

المعيار الثالث هو أن أي حلول لمستقبل قطاع غزة (ولمستقبل القضية) ليست مرتبطة بمجرد تحسين حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال أو تحت الحصار. ليس المطلوب تحسين شروط الحياة في أكبر سجن مفتوح في العالم (القطاع)، وإنما تحرير الشعب من الاحتلال، والشعب بعد ذلك لديه من القدرات والكفاءات والإمكانات ما يكفيه للنهوض بنفسه، دون مِنَّةٍ من أحد، ودون أن يحتاج قرشا أو دولارا من أحد. والاحتلال بحد ذاته هو من القبح والإجرام والدناءة بما لا يمكن العيش تحته، أيا كان توفر الطعام والشراب؛ والكرامة والحرية والشرف هي صفات أصيلة في الإنسان لا تتحقق إلا بزوال الظلم والاحتلال. فليس المطلوب عمل الترتيبات للعودة إلى "الحظيرة"، وإنما المطلوب السير في إجراءات الانعتاق والحرية.

انتهى عهد الكيان فوق القانون:

المعيار الرابع أن على القوى الكبرى أن تكفَّ عن توفير الغطاء للكيان الصهيوني ليظل "دولة فوق القانون". هذا الوضع الخطير الظالم أعطى هذا الكيان على مدى 75 عاما الضوء الأخضر لممارسة أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ومصادرة الأرض والمقدسات وتهويدها، دونما حسيب أو رقيب. وما كان بإمكان الاحتلال الإسرائيلي أن يقتل خلال شهرين نحو 16 ألف فلسطيني بينهم أكثر من 7,500 طفل و5,100 امرأة، وتحت عدسات الكاميرات والبث المباشر، لولا اطمئنانه للغطاء الأمريكي الغربي.

هذا الغطاء الذي يَشلُّ المجتمع الدولي ويمنع الأمم المتحدة من اتخاذ أي إجراءات بحق الكيان الصهيوني، لا يكتفي بهذا فقط، وإنما يقوم بتزويده بالسلاح والمال والدعم اللوجيستي، ويقوم بضغوط هائلة على البلاد العربية والإسلامية ودول العالم لمنعها من دعم المقاومة الفلسطينية، ولإتاحة المجال للعدوان الصهيوني في الاستمرار في جرائمه ومذابحه.

لا للتهجير، نعم للعودة:

المعيار الخامس هو حق الشعب الفلسطيني الأصيل في أرضه ومقدساته، وبالتالي الوقوف في وجه محاولات تهجيره وتشريده، ومنع إيقاع نكبة جديدة به استجابة للغرور والعجرفة والوحشية الصهيونية. فلا تهجير لسيناء أو الأردن أو أي مكان، وإذا كان ثمة انتقال للاجئين في القطاع فهي إنفاذ حقهم الطبيعي في العودة إلى بيوتهم ومنازلهم التي أخرجوا منها سنة 1948، والتي تكرر اتخاذ القرار الدولي بحقهم في ذلك أكثر من 150 مرة.

الإجراءات المستعجلة:
ليس ثمة حاجة لمشاريع تسوية جديدة، وليس ثمة حاجة لممارسة ضغوط جديدة على الشعب الفلسطيني. فالعنوان الذي يجب أن تَنصبَّ عليه الضغوط هو الكيان الإسرائيلي، لتحقيق نتيجة واضحة لا تحتمل اللبس هي إنهاء الاحتلال، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وتقرير المصير
المعيار السادس هو أن الإجراءات المستعجلة المطلوبة تتلخص في: وقف العدوان، وفتح المعابر وفك الحصار عن قطاع غزة، ومنع التهجير، وإعادة إعمار قطاع غزة، والسعي لتدفيع الاحتلال أثمان جرائمه في قتل المدنيين، وأثمان تدميره للبيوت والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس والبنى التحية وغيرها.

* * *

وأخيرا، فمن حق الشعب الفلسطيني أن يعيش حياته بحرية وكرامة مثل باقي شعوب الأرض. وإن أولئك الذين يقدمون الاقتراحات لمستقبل غزة، عليهم أن يعلموا أنهم إذا كانوا يتحدثون عن "السلام"، فليس ثمة سلام دونما عدل، وليس ثمة سلام دون حرية، وليس ثمة سلام دون كرامة.

وليس ثمة حاجة لمشاريع تسوية جديدة، وليس ثمة حاجة لممارسة ضغوط جديدة على الشعب الفلسطيني. فالعنوان الذي يجب أن تَنصبَّ عليه الضغوط هو الكيان الإسرائيلي، لتحقيق نتيجة واضحة لا تحتمل اللبس هي إنهاء الاحتلال، وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة وتقرير المصير.

twitter.com/mohsenmsaleh1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني الاحتلال المستقبلية غزة المقاومة فلسطين غزة الاحتلال المقاومة المستقبل مقالات مقالات مقالات رياضة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على الشعب الفلسطینی الاحتلال على قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

صحة غزة : ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع لأكثر من 56 ألف شهيد

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية-غزة أستقبال مستشفيات قطاع غزة 103 شهيدا ، و 219 إصابة خلال 24 ساعة الماضية.

وأشارت صحة غزة الي انه لازال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات ، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

كما أفادت صحة غزة بارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 56,259 شهيد و 132,458 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023.

كما بلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 بلغت (5,936 شهيد، 20,417 إصابة).

وشهد قطاع غزة فجر اليوم الخميس تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا واسع النطاق، تخللته سلسلة من الغارات الجوية التي استهدفت مناطق سكنية ومدارس وخيامًا للنازحين، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، في تطور جديد يفاقم الوضع الإنساني المتدهور في القطاع.

وقال شهود عيان ومصادر طبية إن طائرات الاحتلال شنّت غارة جوية استهدفت مدرسة "عمرو بن العاص" الواقعة في حي الشيخ رضوان غرب مدينة غزة، والتي تُستخدم كمأوى لنازحين من مختلف مناطق القطاع.


وأكدت المصادر أن القصف أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل، وإصابة العشرات بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، ممن لجؤوا إلى المدرسة هربًا من القصف المستمر في مناطقهم الأصلية.

استهداف منازل ومناطق نازحين


وفي ضربة أخرى، استهدفت طائرات الاحتلال منزلاً في منطقة "تل الهوا" جنوب غرب غزة، ما أدى إلى مقتل ستة فلسطينيين، بينهم طفل، وإصابة العشرات، بحسب ما أفادت به المصادر الطبية في مستشفيات المدينة، والتي تواجه ضغطًا هائلًا بفعل تزايد أعداد الجرحى.

كما شهدت مناطق جنوب قطاع غزة، لا سيما مدينة خان يونس وبلدة بني سهيلا المجاورة، غارات جوية مكثفة أعقبت كمينًا نفذته كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، ضد قوة إسرائيلية متوغلة، ما أسفر عن مقتل سبعة جنود إسرائيليين على الأقل، وفق اعتراف الجيش الإسرائيلي.

وردًا على العملية، كثّف الاحتلال من غاراته، فاستهدف خيامًا تأوي نازحين في منطقة "مواصي خان يونس"، ما أدى إلى سقوط خمسة قتلى، بالإضافة إلى أربعة آخرين في غارات على بلدة بني سهيلا.

إطلاق نار على تجمعات مدنية


وفي تصعيد ميداني آخر، أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار بكثافة صوب تجمعات من المدنيين الفلسطينيين أثناء انتظارهم المساعدات الغذائية على محور نتساريم وسط القطاع، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، بحسب ما أكدته الطواقم الطبية العاملة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة.

أيرلندا: ما يحدث في غزة غير مقبول إنسانيا ويجب أن يكون لأوروبا موقفالعائلات والعشائر الفلسطينية تؤمن قوافل المساعدات شمال قطاع غزةالهدوء مع إيران لا يعني نهاية المواجهة.. خبراء يُحذرون: غزة قد تكون الساحة التالية للتصعيد الإسرائيليحدث ليلًا| غارات إسرائيلية تستهدف نازحين غزة وسقوط عشرات الشهداء.. وإصابة 10 أشخاص في تصادم سيارات بالإسماعيليةنتنياهو يأمر بوضع خطة خلال 48 ساعة لمنع سيطرة حماس على المساعدات في غزة طباعة شارك صحة غزة فلسطين قطاع غزة العدوان الإسرائيلي مستشفيات غزة

مقالات مشابهة

  • إعلام عبري: الجيش تعمد استهداف الفلسطينيين قرب مراكز المساعدات في غزة
  • وزير السياحة والأثار الفلسطيني: الاحتلال يتعمد تدمير المواقع التراثية في غزة
  • مصطفى بكري: السلام هو الحل والشعب الفلسطيني لديه قوة استثنائية للدفاع عن أرضه
  • صحة غزة : ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع لأكثر من 56 ألف شهيد
  • 35 شهيدا .. قوات الإحتلال ترتكب مجـ.زرة جديدة بحق الفلسطينيين
  • وزير الصحة الفلسطيني: وصول 3500 وحدة دم وبلازما لمستشفى ناصر بغزة
  • مقتل 7 جنود إسرائيليين حرقا.. تفاصيل أعنف عمليات المقاومة منذ بدء الحرب في غزة
  • حرب الإبادة والقدس وتهجير الشعب الفلسطيني
  • الرئيس الإيراني: نعتبر جميع دول الجوار والمنطقة أشقاء وليس لدينا أي نية لمواجهتهم
  • العرباوي: نندد بالعدوان الوحشي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني