يمن مونيتور:
2025-05-19@22:48:20 GMT

الجمر تحت رماد خيمة

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

الجمر تحت رماد خيمة

سميرة المسالمة

الخيمة هي “عراء” لا يستتر فيه بشيء، عراء متنكر بقطعة قماش، يهرب بها من برده وقيظه، لكن عورة قيامها تبقى مكشوفة لكل من هو تحتها، يرصد ساكنها من خلف جدرانها الواهية تداعي هذا العالم بكل قيمه وشعاراته، يفكك مدنية الغرب وقضية العرب المركزية، تتحول تلك الأقمشة التي تنازع الموت إلى مرآة سحرية تنبئ سائلها عن المستقبل، وتمده بأسباب الحياة، باختصار تصنع الخيمة عالمها، وقوانينها ومواقيت ثورتها، وتعيد ترتيب أولويات مواطنيها، فيصبح الموت خلفهم، والحياة أمامهم، فلا اشتداد الحرب يزحزحهم عنها، ولا ثقل خطواتها العابثة بأقدارهم تهزمهم، الخيمة هي الحرب التي لا ينجو منها إلا من يعرف “ديتها”، وتشبّع من تجاربها.

تدرك إسرائيل في حربها الهمجية على غزة أن التشريد وبناء المخيمات للفلسطينيين في أرض فلسطين لن يغير من حالة الذعر التي يعيشها الإسرائيليون، فقد حول الفلسطينيون منذ النكبة حتى مخيم جنين الصامد اليوم، خيام اللجوء إلى منابت للثورات، والمخيمات إلى قلاع، قضّت مضاجع المحتلين، وقطعت قلوبهم، واللاجئون هم الذين خاطبهم الكاتب غسان كنفاني “لك شيء في هذا العالم، فقم” وقد لبى أبناء المخيمات في كل يوم دعوته، وحولوا خيامهم ومخيماتهم إلى فزاعة ترهب جلادهم، وتحاصره بالخوف من اليوم التالي لصمتهم.

فالخيمة التي تؤرق ساكنها هي الخيمة ذاتها التي تفزع المتسبب فيها، وهي عادة ما تقود الأطراف المتصارعة إلى استمرار الحرب، حيث لا يمكن أن تصبح الخيمة وطنًا هادئًا وسط مستوطنات الاحتلال، ويمكن تعميم ذلك للقول إن الخيمة ستبقى جمرًا تحت الرماد ما إن تأتي ريح حتى تشتعل بكل من تسبب في وجودها، سواء كان محتلًا، أو حاكمًا مغتصبًا لإرادة شعبه، وهو ما يجعل الإمعان في القتل وسيلة من وسائل حرب الوجود للمعتدين، ليس على المدن وحسب، بل وصولًا إلى المخيمات التي تحاول إسرائيل اقتلاعها، أو الحيلولة دون وجودها أساسًا.

صحيح أن “الحرب هي تكملة السياسة بوسائل أخرى” حسب المؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز، لكنها في الحالة الإسرائيلية يمكن أن تكون هي السياسة بعينها، حيث لا يمتلك صانعها (بنيامين نتنياهو) أي رؤية لما بعدها، سوى الاستمرار فيها، لأنها تساوي استمراره في منصبه، ولأنه بحربه الإجرامية هذه يصنع من كل من حوله أعداء له، سواء الداخل الإسرائيلي، أو الخارج الدولي الذي بدأ يرتاب من دوافع الحرب قبل نتائجها، في ظل غياب توضيح إسرائيلي لما سيكون عليه اليوم التالي، الذي يسعى لأن يجعله بعيدًا قدر استطاعته، لأن اليوم التالي في غزة سيكون هو اليوم التالي لإسرائيل أيضًا، ما يعني أنه اليوم الأخير لمستقبل السياسة “النتنياهوية الوحشية”.

“الخيمة ستبقى جمرًا تحت الرماد ما إن تأتي ريح حتى تشتعل بكل من تسبب في وجودها، سواء كان محتلًا، أو حاكمًا مغتصبًا لإرادة شعبه”

التهجير ببعده المعنوي ليس بالضرورة أن يكون مآله “خيمة نزوح”، فسياسات إسرائيل عامة، وآخرها السياسة العدوانية لحكومة نتنياهو ألحقت بالإسرائيليين خسائر معنوية تفوق خسائرهم المادية، فقد أدت إلى تحطيم حلم وطن الأمان، وحرضتهم على الهجرة العكسية، أي قد تعمل هذه الحرب الطويلة والشرسة والمكلفة على تهجير الإسرائيليين، وتدفعهم إلى البحث عن أوطان لجوء آمنة، قد لا يسكن الإسرائيليون فيها تحت أسقف ورقية أو قماشية، كحال خيام اللاجئين التي ملت أجساد الفلسطينيين منها منذ عام 1948، ولحقهم السوريون الذي اختبروها وذاقوا مآسيها بسبب حرب النظام السوري عليهم منذ عام 2011، ما يعني أن الحرب ليست بالضرورة تكملة للسياسة، فقد تكون مدمرة لها، فإسرائيل منذ نشأتها لم تستخدم إلا القتل والتهجير والحروب ضد الفلسطينيين، ربما تكون مجزرة الطنطورة (22 ـ 23 مايو/ أيار 1948)، التي ارتكبت بعد أسبوع من إعلان الدولة اليهودية، بأبشع الطرق والأدوات، كما يروي تفاصيلها مرتكبوها الإسرائيليون أنفسهم، توضح حقيقة حرب غزة وهدفها الحقيقي، وهو التطهير العرقي للبلاد، ما  يعني أيضًا أن الحرب هي كل السياسة عند مجرمي الحروب عامة، ومغتصبي حقوق الشعوب.

استمرار حركة الهجرة المعاكسة للإسرائيليين المتصاعدة وتيرتها، في وقت كان نتنياهو يحتاج فيه إلى دعم سياسته العدوانية، ويبحث عن الإجماع الإسرائيلي عليها، ربما هو إشارة على عمق سردية انهيار دولتهم المحتوم في عقدها الثامن، حسب نبوءة العهد القديم، فهل بوادر هذه الهجرة هي الشعرة التي ستقصم ظهر البعير، وتقلب السحر على الساحر؟ وهل استخدام “النبوءة التلمودية” من قبل ساسة إسرائيل كوسيلة ترويج لبرامجهم الانتخابية، كانت محض دعاية “ترهيبية”، أم إيمان راسخ بزوال قريب لدولتهم؟ وهل يمكنهم فعليًا بعد هذه الحرب تقديم أنفسهم كضمانات لفك سحر التعويذة التي تلاحق ممالك إسرائيل؟

تلك الضمانات التي تحولت بفعل سياسات رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو إلى ما يشبه الدليل المحسوس على صحة مخاوفهم، حيث الحرب التي يخوضها جيشهم ضد شعب أعزل، بدل أن تحاصر الفلسطينيين حاصرت الإسرائيليين، وعملت على “عقلنة” أحلام كثير من الإسرائيليين، ما قادهم إلى الهروب منها على أمل النجاة من المصير الذي يجرهم إليه قادتهم، فيحولونهم من ضحية استثمرت معاناتها المؤلمة “الهولوكوست” لعقود طويلة ولا تزال، إلى قاتل منبوذ يخشاه كل المتمدنين في العالم الحر، حتى وإن غيبت “السياسة القذرة” لبعض الوقت حقائق هذه الحرب وجرائمها.

لا يخشى الفلسطيني من خيمة يتذوق فيها كل ملامح قسوة الحياة على بشاعتها، وعدم إنسانيتها، وتمثلها لمعنى تخلي المجتمع الدولي بكل منظماته وأدواته عن دوره في حماية المدنيين، وحقهم في حياة كريمة، إلا أنه ومع كل آلامها، ما يعني الفلسطيني هو أن يشد حبال خيمته فوق أرضه، وأن يسند أطرافها بحجارة يدخرها ليوم عظيم، يوم قد لا يطيقه ساسة إسرائيل، ولا يتحملون تبعاته، فيهربون أفواجًا، كما قالت لهم نبوءة العهد القديم.

 

المصدر: ضفة ثالثة

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الثقافة الخيمة الیوم التالی

إقرأ أيضاً:

عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة: نُطالب نتنياهو بإنهاء الحرب فورا

طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة ، اليوم السبت، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف الحرب فورًا، واصفة استمرار العمليات العسكرية بأنها خطر مباشر على حياة أبنائهم المختطفين، وخضوع لأجندات سياسية متطرفة.

وفي بيان صادر عن هيئة عائلات الأسرى، جاء: "نطالب نتنياهو والوفد المفاوض في الدوحة بإنهاء الحرب فورًا وإعادة أبنائنا. الصفقات وحدها هي ما ينقذ أرواح المختطفين."

واتهم البيان نتنياهو بأنه يخوض الحرب لأغراض سياسية، مشيرًا إلى أنه "يخدم أقلية متطرفة"، ويدفع البلاد نحو "حرب أبدية وإقامة مستوطنات في غزة"، وهي سياسات "ستؤدي إلى مقتل من تبقى من المختطفين بدل إنقاذهم"، على حد وصفهم.

وأطلقت العائلات نداءً إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، داعين إياه إلى وضع حد لنتنياهو و حماس وتحديد "سقف زمني لإنهاء الحرب".

وأكد البيان أن الضغط العسكري لن يعيد المختطفين بل سيقتلهم، مشددين على أن "إنهاء الحرب وإعادة الأسرى مصلحة وطنية إسرائيلية، وهو ما يجب اعتباره النصر الحقيقي".

وختمت العائلات بالقول: "علينا إنهاء الحرب في غزة كما فعلنا في لبنان. دون إعادة الأسرى، لن تقوم لنا قائمة. نطالب نتنياهو بوقف الحرب فورًا."

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية فلسطيني في قرية بروقين محدث: ساعات حاسمة.. استئناف مفاوضات "جدّية" بين إسرائيل وحماس في الدوحة الجيش الإسرائيلي يُعلن توقيف مشتبه به تجاوز الحدود من الأردن الأكثر قراءة شاهد: كتائب القسام تنشر مقطع فيديو جديد لأسرى إسرائيل لديها إصابة برصاص الاحتلال في النبي صالح برام الله 3 شهداء وإصابات في قصف مدرسة تؤوي نازحين غرب غزة اليونيسيف: الخطط الجديدة لتوزيع المساعدات في غزة ستفاقم معاناة الأطفال عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • نتنياهو: إسرائيل تقبل رؤية الرئيس ترامب وتتمسك بشروطها لوقف الحرب
  • ذي هيل: تجنب ترامب زيارة إسرائيل إشارة إلى أن نتنياهو لم يعد حليفا
  • ذي هيل: تجنب ترامب زيارة إسرائيل إشارة أن نتنياهو لم يعد حليفا
  • تعرف على أشهر شركات الطيران التي ألغت رحلاتها إلى إسرائيل
  • هذه الشركات التي ألغت رحلاتها إلى "إسرائيل" خشية صواريخ الحوثيين
  • غولان: لا بد من إنقاذ إسرائيل من حكومة نتنياهو
  • ‏نتنياهو: حماس لن تستطيع الوصول للمساعدات التي تدخل قطاع غزة
  • عاجل. مكتب نتنياهو: إسرائيل منفتحة على اتفاق يتضمن إنهاء القتال في غزة
  • هل يستطيع ترامب إجبار نتنياهو على وقف الحرب فى غزة؟ .. عمرو موسى يجب
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة: نُطالب نتنياهو بإنهاء الحرب فورا