يمن مونيتور:
2025-07-04@09:02:51 GMT

الجمر تحت رماد خيمة

تاريخ النشر: 16th, December 2023 GMT

الجمر تحت رماد خيمة

سميرة المسالمة

الخيمة هي “عراء” لا يستتر فيه بشيء، عراء متنكر بقطعة قماش، يهرب بها من برده وقيظه، لكن عورة قيامها تبقى مكشوفة لكل من هو تحتها، يرصد ساكنها من خلف جدرانها الواهية تداعي هذا العالم بكل قيمه وشعاراته، يفكك مدنية الغرب وقضية العرب المركزية، تتحول تلك الأقمشة التي تنازع الموت إلى مرآة سحرية تنبئ سائلها عن المستقبل، وتمده بأسباب الحياة، باختصار تصنع الخيمة عالمها، وقوانينها ومواقيت ثورتها، وتعيد ترتيب أولويات مواطنيها، فيصبح الموت خلفهم، والحياة أمامهم، فلا اشتداد الحرب يزحزحهم عنها، ولا ثقل خطواتها العابثة بأقدارهم تهزمهم، الخيمة هي الحرب التي لا ينجو منها إلا من يعرف “ديتها”، وتشبّع من تجاربها.

تدرك إسرائيل في حربها الهمجية على غزة أن التشريد وبناء المخيمات للفلسطينيين في أرض فلسطين لن يغير من حالة الذعر التي يعيشها الإسرائيليون، فقد حول الفلسطينيون منذ النكبة حتى مخيم جنين الصامد اليوم، خيام اللجوء إلى منابت للثورات، والمخيمات إلى قلاع، قضّت مضاجع المحتلين، وقطعت قلوبهم، واللاجئون هم الذين خاطبهم الكاتب غسان كنفاني “لك شيء في هذا العالم، فقم” وقد لبى أبناء المخيمات في كل يوم دعوته، وحولوا خيامهم ومخيماتهم إلى فزاعة ترهب جلادهم، وتحاصره بالخوف من اليوم التالي لصمتهم.

فالخيمة التي تؤرق ساكنها هي الخيمة ذاتها التي تفزع المتسبب فيها، وهي عادة ما تقود الأطراف المتصارعة إلى استمرار الحرب، حيث لا يمكن أن تصبح الخيمة وطنًا هادئًا وسط مستوطنات الاحتلال، ويمكن تعميم ذلك للقول إن الخيمة ستبقى جمرًا تحت الرماد ما إن تأتي ريح حتى تشتعل بكل من تسبب في وجودها، سواء كان محتلًا، أو حاكمًا مغتصبًا لإرادة شعبه، وهو ما يجعل الإمعان في القتل وسيلة من وسائل حرب الوجود للمعتدين، ليس على المدن وحسب، بل وصولًا إلى المخيمات التي تحاول إسرائيل اقتلاعها، أو الحيلولة دون وجودها أساسًا.

صحيح أن “الحرب هي تكملة السياسة بوسائل أخرى” حسب المؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز، لكنها في الحالة الإسرائيلية يمكن أن تكون هي السياسة بعينها، حيث لا يمتلك صانعها (بنيامين نتنياهو) أي رؤية لما بعدها، سوى الاستمرار فيها، لأنها تساوي استمراره في منصبه، ولأنه بحربه الإجرامية هذه يصنع من كل من حوله أعداء له، سواء الداخل الإسرائيلي، أو الخارج الدولي الذي بدأ يرتاب من دوافع الحرب قبل نتائجها، في ظل غياب توضيح إسرائيلي لما سيكون عليه اليوم التالي، الذي يسعى لأن يجعله بعيدًا قدر استطاعته، لأن اليوم التالي في غزة سيكون هو اليوم التالي لإسرائيل أيضًا، ما يعني أنه اليوم الأخير لمستقبل السياسة “النتنياهوية الوحشية”.

“الخيمة ستبقى جمرًا تحت الرماد ما إن تأتي ريح حتى تشتعل بكل من تسبب في وجودها، سواء كان محتلًا، أو حاكمًا مغتصبًا لإرادة شعبه”

التهجير ببعده المعنوي ليس بالضرورة أن يكون مآله “خيمة نزوح”، فسياسات إسرائيل عامة، وآخرها السياسة العدوانية لحكومة نتنياهو ألحقت بالإسرائيليين خسائر معنوية تفوق خسائرهم المادية، فقد أدت إلى تحطيم حلم وطن الأمان، وحرضتهم على الهجرة العكسية، أي قد تعمل هذه الحرب الطويلة والشرسة والمكلفة على تهجير الإسرائيليين، وتدفعهم إلى البحث عن أوطان لجوء آمنة، قد لا يسكن الإسرائيليون فيها تحت أسقف ورقية أو قماشية، كحال خيام اللاجئين التي ملت أجساد الفلسطينيين منها منذ عام 1948، ولحقهم السوريون الذي اختبروها وذاقوا مآسيها بسبب حرب النظام السوري عليهم منذ عام 2011، ما يعني أن الحرب ليست بالضرورة تكملة للسياسة، فقد تكون مدمرة لها، فإسرائيل منذ نشأتها لم تستخدم إلا القتل والتهجير والحروب ضد الفلسطينيين، ربما تكون مجزرة الطنطورة (22 ـ 23 مايو/ أيار 1948)، التي ارتكبت بعد أسبوع من إعلان الدولة اليهودية، بأبشع الطرق والأدوات، كما يروي تفاصيلها مرتكبوها الإسرائيليون أنفسهم، توضح حقيقة حرب غزة وهدفها الحقيقي، وهو التطهير العرقي للبلاد، ما  يعني أيضًا أن الحرب هي كل السياسة عند مجرمي الحروب عامة، ومغتصبي حقوق الشعوب.

استمرار حركة الهجرة المعاكسة للإسرائيليين المتصاعدة وتيرتها، في وقت كان نتنياهو يحتاج فيه إلى دعم سياسته العدوانية، ويبحث عن الإجماع الإسرائيلي عليها، ربما هو إشارة على عمق سردية انهيار دولتهم المحتوم في عقدها الثامن، حسب نبوءة العهد القديم، فهل بوادر هذه الهجرة هي الشعرة التي ستقصم ظهر البعير، وتقلب السحر على الساحر؟ وهل استخدام “النبوءة التلمودية” من قبل ساسة إسرائيل كوسيلة ترويج لبرامجهم الانتخابية، كانت محض دعاية “ترهيبية”، أم إيمان راسخ بزوال قريب لدولتهم؟ وهل يمكنهم فعليًا بعد هذه الحرب تقديم أنفسهم كضمانات لفك سحر التعويذة التي تلاحق ممالك إسرائيل؟

تلك الضمانات التي تحولت بفعل سياسات رئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو إلى ما يشبه الدليل المحسوس على صحة مخاوفهم، حيث الحرب التي يخوضها جيشهم ضد شعب أعزل، بدل أن تحاصر الفلسطينيين حاصرت الإسرائيليين، وعملت على “عقلنة” أحلام كثير من الإسرائيليين، ما قادهم إلى الهروب منها على أمل النجاة من المصير الذي يجرهم إليه قادتهم، فيحولونهم من ضحية استثمرت معاناتها المؤلمة “الهولوكوست” لعقود طويلة ولا تزال، إلى قاتل منبوذ يخشاه كل المتمدنين في العالم الحر، حتى وإن غيبت “السياسة القذرة” لبعض الوقت حقائق هذه الحرب وجرائمها.

لا يخشى الفلسطيني من خيمة يتذوق فيها كل ملامح قسوة الحياة على بشاعتها، وعدم إنسانيتها، وتمثلها لمعنى تخلي المجتمع الدولي بكل منظماته وأدواته عن دوره في حماية المدنيين، وحقهم في حياة كريمة، إلا أنه ومع كل آلامها، ما يعني الفلسطيني هو أن يشد حبال خيمته فوق أرضه، وأن يسند أطرافها بحجارة يدخرها ليوم عظيم، يوم قد لا يطيقه ساسة إسرائيل، ولا يتحملون تبعاته، فيهربون أفواجًا، كما قالت لهم نبوءة العهد القديم.

 

المصدر: ضفة ثالثة

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: الثقافة الخيمة الیوم التالی

إقرأ أيضاً:

نجل نتنياهو: هربت من إسرائيل خوفا من معارضي والدي

قال يائير، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، إن خشيته على حياته من المعارضين لوالده دفعته لمغادرة إسرائيل مطلع العام 2023 والتوجه إلى الولايات المتحدة.

وعلى مدى أكثر من عام أثار يائير جدلا لوجوده بولاية ميامي الأميركية حتى أثناء حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وللمرة الأولى قال يائير -في مقابلة مع قناة "تي أو في" (TOV) المحلية بثت مساء الاثنين- إنه "غادر إسرائيل خوفا على حياته".

وأضاف: "كانت تلك الليلة عندما قام بنيامين نتنياهو بطرد وزير الدفاع يوآف غالانت من منصبه، ما أثار ردود فعل غاضبة في إسرائيل".

وأردف "كنت وحدي في المنزل، وفي لحظة ما خشيت بشدة أن يقتحم المتظاهرون المنزل، لقد تسلقوا الأسوار حاملين المشاعل، وهو تكتيك أعتبره فاشيا".

وقال إنه سمع تهديدات بقتله، ورأى أن الشرطة لا تفعل شيئا، وكان من الواضح أن هناك أوامر عليا للسماح بحدوث ذلك.

وتابع: "بعد تلك الحادثة شعرت بالحاجة إلى الابتعاد حفاظا على سلامتي".

وادعى يائير أنه عندما انتقل إلى أميركا، شنت حركة كابلان الاحتجاجية (المعارضة لقوانين الحد من سلطات القضاء) عملية مراقبة ضده باستخدام محققين خاصين كلفوا ملايين الدولارات.

كما أشار إلى أن هناك مليشيات تعمل كوحدات عسكرية ممولة من أفراد "مختلين عقليا" -بعضهم داخل وخارج مصحات عقلية- يستخدمون الاحتجاجات "كغطاء لإرهاب يهدف لجعل حياتك لا تُطاق حتى تستسلم".

إسرائيل مثل إيران

وقارن ما بين إسرائيل وإيران قائلا "تشبه إسرائيل اليوم إيران في بعض النواحي.. في إيران هناك وهم الديمقراطية، لكن الجميع يعلم أنها مجرد مظهر، فالسلطة بيد رجال دين غير منتخبين يديرون البلاد حقا، وفي إسرائيل تلعب المحكمة العليا دورا مشابها؛ هيئة غير منتخبة ذات سلطة هائلة".

إعلان

وتابع: "لا يمكن أن يستمر الوضع الحالي لأن إسرائيل ليست ديمقراطية في الواقع في الوقت الحالي".

تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل كانت قد شهدت من يناير/كانون الثاني وحتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 مظاهرات غير مسبوقة ضد الحكومة لمحاولاتها الحد من سلطات القضاء، وبدأت لاحقا مظاهرات أخرى تطالب بإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة.

وتدعو الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو إلى سن قوانين تحد من سلطات المحكمة العليا ومنعها من التدخل في قرارات الحكومة أو الكنيست الذي يسيطر عليه اليمين الإسرائيلي.

مقالات مشابهة

  • من مطالب حماس الـ3 لموقف إسرائيل وما يريده نتنياهو.. إليكم أين يقف أمل انفراج أزمة غزة
  • من غبار الغيتوهات إلى رماد غزة: تحالف النار والدم واشنطن- تل أبيب
  • 10 مصابين في استهداف خيمة نازحين في دير البلح
  • نتنياهو بين ترامب وبن غفير
  • باحث: الحرب في غزة سبب تراجع شعبية نتنياهو
  • ويتكوف يلتقي اليوم أحد مساعدي نتنياهو لمناقشة خطط بشأن غزة ما بعد الحرب
  • ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة
  • ترامب: سأكون حازما مع نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة وقد نتوصل لاتفاق قريبا
  • ترامب: نتنياهو يريد إنهاء الحرب في قطاع غزة
  • نجل نتنياهو: هربت من إسرائيل خوفا من معارضي والدي