في مثل هذا اليوم من سنة 979 توفي البابا القديس الأنبا أبرآم بن زرعة البطريرك الإسكندري الثاني والستون.

كان هذا الأب من مسيحيي بلاد السريان، وكان تاجراً ثرياً يتردد على مصر كثيراً لشئون تجارته، ثم أقام بها وكان يتحلى بفضائل كثيرة أهمها الرحمة على ذوى الحاجات، كما شاع ذكره بالعلم والصلاح. 
 لما خلا الكرسي البطريركي أجمع الأساقفة والشعب على اختياره بطريركاً.

فلما جلس على الكرسي المرقسي وزَّع كل أمواله على الفقراء والمساكين، وقد أبطل العادات الرديئة ومنعَ وحرمَ السيمونية في الكنيسة، واتخاذ السراري، ولما تمسَّك أحد الأغنياء بسراريه حرمه الأب البطريرك فمات شر ميتة واتّعظ الكثيرون مما أصابه. (ومن أهم الأساقفة معاصريه الأسقف العالم الروحاني والمؤرخ الضليع الأنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين الذي كتب تاريخ البطاركة وبعض الكتب الروحية والطقسية). 

وفي عهد هذا البابا تمت معجزة نقل الجبل المقطم الشهيرة. وذلك أنه كان للخليفة المعز لدين الله الفاطمي وزير اسمه يعقوب بن كِلِّس يكره المسيحيين ويريد الإيقاع بهم، فدخل على الخليفة وقال له: يوجد في إنجيل المسيحيين آية تقول: "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل" (مت 17: 2). ولا يُخفي على أمير المؤمنين ما في هذه الأقوال من الادعاء الباطل. 

وللتحقُّق من ذلك يجب استدعاء بطريركهم ليقيم الدليل على صدق قول مسيحهم. ففكَّر الخليفة قليلاً ثم قال "إذا كان قول المسيح هذا صحيحاً فلنا فائدة عظمى، فإن الجبل الذي يكتنف القاهرة إذا ابتعد عنها يصير مركز المدينة أعظم وأوسع، ثم دعا الخليفة الأب البطريرك وعرض عليه هذا الكلام، فطلب منه مهلة ثلاثة أيام فأمهله. 

ولما خرج من لدنه جمع الأساقفة والرهبان القريبين ومكثوا بكنيسة القديسة العذراء – المعلقة – بمصر القديمة، ثلاثة أيام صائمين ومصلين لله، وفي فجر اليوم الثالث ظهرت القديسة العذراء للأب البطريرك وأعلمته عن إنسان دبَّاغ قديس اسمه سمعان، سيجرى الله على يديه هذه المعجزة. فاستحضره وأخذه معه وجماعة من الأساقفة والكهنة والرهبان والشعب، ومثلوا بين يدي المعز، وأبلغوه باستعدادهم لنقل الجبل، فخرج المعز ومعه رجال الدولة إلى قرب الجبل المقطم، فوقف البطريرك ومن معه في جانب، والمعز ومن معه في جانب آخر. ثم صلى البطريرك والمسيحيون الذين معه وسجدوا ثلاث مرات قائلين: (كيرياليسون ... يارب ارحم) وكان عندما يرفع البطريرك والشعب رؤوسهم بعد كل ميطانية يرتفع الجبل، وكلما سجدوا ينزل إلى الأرض، وإذا ساروا سار أمامهم. فوقع الرعب في قلب الخليفة ومن معه، فتقدم الخليفة من البطريرك وهتف قائلاً (عظيم هو الله وتبارك اسمه، لقد أثبتم أن إيمانكم حقيقي حي، فاطلب ما تشاء وأنا أعطيه لك).

 فلم يقبل البطريرك أن يطلب شيئاً ولما ألح عليه قال له (أريد تعمير الكنائس وخاصة كنيسة القديس مرقوريوس – أبو سيفين – بمصر القديمة). فكتب له منشوراً بذلك وقدَّم له من بيت المال مبلغاً كبيراً، فشكره ودعا له وامتنع عن قبول المال، فازداد توقيراً عند المعز. فعَمَّرَ البابا البطريرك كنيسة أبى سيفين وكنائس أخرى كثيرة. 
وتذكاراً لمعجزة نقل الجبل المقطم أضافت الكنيسة ثلاثة أيام إلى صوم الميلاد فأصبح 43 يوماً، كذلك أخذت الكنيسة عن هذا البابا صوم يونان (3 أيام) التي كان يصومها السريان. 
ولما أكمل سعيه الحسن تنيَّح بسلام بعد أن أقام على الكرسي المرقسي ثلاث سنين وستة أشهر. 
عرف هذا البابا بحبه للفقراء واهتمامه بهم، لهذا في أيامه إذ تعين قزمان الوزير القبطي أبو اليمن واليًا على فلسطين، أودع عند البابا مائة ألف دينار إلى أن يعود، وأوصاه بتوزيعها على الفقراء والمساكين والكنائس والأديرة إن مات هناك. فلما بلغ البطريرك خبر ثورة القرمطيين على بلاد الشام وفلسطين ظن أن قزمان قد مات، فوزع ذلك المال حسب الوصية. ولكن قزمان كان قد نجا من الموت وعاد إلى مصر، فأخبره الأب بما فعله بوديعته، فسّر بذلك وفرح فرحًا عظيمًا.
أعماله الرعوية:
من مآثره أنه أبطل العادات الرديئة ومنع كل من يأخذ رشوة من أحد لتقدمته بالكنيسة.
حرم أيضًا اتخاذ السراري، وشدد في ذلك كثيرًا وقد خاف الكثيرون الله وحرروا سراريهم، وجاءوا يقدمون التوبة على يديه. غير أن أحد الوجهاء لم يبال بحرمان البابا للأمر، وكان البابا ينصحه كثيرًا ويطيل أناته عليه، وأخيرًا إذ رأى أن هذا الرجل قد صار مثلًا شريرًا أمام الشعب قرر أن يذهب بنفسه إلى داره ويحدثه في الأمر. وإذ سمع الرجل بذلك أغلق باب داره ولم يفتح له، فبقى البابا ساعتين على الباب يقرع، وإذ رأى إصرار الغني على عدم فتح الباب والسلوك في حياة فاسدة، قال: "إن دمه على رأسه"، ثم نفض غبار نعله على عتبة الباب. وفي الحال انشقت عتبة الباب أمام الحاضرين وكانت من حجر الصوان. ولم يمض وقت طويل حتى طرد الرجل من عمله وفقد كل ماله وأصيب بأمراض مستعصية، وصار مثلًا وعبرة للخطاة.
في مجلس المعز:
عرف المعز لدين الله الفاطمي بعدله وسماحته وولعه بالعلوم الدينية، فكان يدعو رجال الدين للمناقشة أمامه. كان لديه وزير يهودي يُدعي ابن كِلّس، طلب منه أن يسمح لرجل من بني جنسه يُدعى موسى أن يناقش البابا في حضرته فرحب المعز بذلك، وعرضها على البابا بطريقة مهذبة، فذهب إليه البابا ومعه الأنبا ساويرس أسقف الأشمونين. أذن البابا للأسقف أن يتكلم، فقال: "ليس من اللائق أن أتحدث مع يهودي في حضرة الخليفة". احتد موسى جدًا وحسبها إهانة واتهامًا له بالجهل. وفي هدوء أجابه الأسقف: "يقول اشعياء النبي عنكم "أن الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف" (إش 1 : 2).
أُعجب الخليفة بهذه الدُعابة ورأى الاكتفاء بذلك، لكن الوزير اليهودي حسبها إهانة شديدة، فبدأ مع صديقه موسى يبحثا في العهد الجديد حتى وجدا العبارة: "من كان له إيمان مثل حبة خردل يقول لهذا الجبل انتقل فيكون" (مر 11: 23، مت 21: 21) فأطلعا الخليفة عليها، وسألاه أن يطالب بابا الأقباط بنقل الجبل المقطم إن كان له إيمان ولو كحبة خردل.
استدعى الخليفة البابا وسأله عن العبارة فقال إنها صحيحة، عندئذ سأله أن يتمم ما جاء بها وإلا تعرض الأقباط جميعا لحد السيف. طلب البابا منه مهلة ثلاثة أيام، وخرج على الفور متجها إلى كنيسة العذراء (المعلقة) وطلب بعض الآباء الأساقفة والرهبان والكهنة والأراخنة وأوصاهم بالصوم والصلاة طيلة هذه الأيام الثلاثة. وكان الكل مع البابا يصلي بنفس واحدة في مرارة قلب، وفي فجر اليوم الثالث غفا البابا آبرام من شدة الحزن مع السهر، وإذ به يرى القديسة العذراء مريم تسأله: ماذا بك؟ أجابها: أنت تعلمين يا سيدة السمائيين بما يحدث، فطمأنته، وطلبت منه أن يخرج من الباب الحديدي المؤدي إلى السوق فيجد رجلًا بعين واحدة حاملًا جرة ماء، فإنه هو الذي ينقل الجبل.
قام البابا في الحال ورأى الرجل الذي أشارت إليه القديسة مريم وقد حاول أن يستعفي لكنه إذ عرف ما رآه البابا وضع نفسه في خدمته متوسلًا إليه ألا يخبر أحدًا بأمره حتى يتحقق الأمر. عرف البابا أن هذا الرجل يسمى "سمعان" يعمل كخراز، جاءته امرأة ليصلح لها حذاءها وإذ كشفت عن رجلها لإثارته ضرب بالمخراز في عينه فقلعها، فصرخت المرأة وهربت. وإنه يقوم كل يوم في الصباح الباكر يملأ بجرته ماءً للكهول والشيوخ ثم يذهب إلى عمله ليبقى صائمًا حتى الغروب.
ذهب البابا والأساقفة والكهنة والرهبان والأراخنة مع كثير من الشعب إلى ناحية جبل المقطم وكان الخليفة بجوار البابا، وكان الوزير اليهودي قد آثار الكثيرين ضد الأقباط  وإذ اختفى سمعان وراء البابا  صلى الجميع ولما صرخوا "كيرياليسون"، وسجدوا، ارتفع الجبل فصرخ الخليفة طالبًا الآمان وتكرر الأمر ثلاث مرات، فاحتضنه البابا .... وصارا صديقين حميمين.
طلب منه المعز أن يسأله في أي أمر، وكان يلحّ عليه فلم يشأ أن يطلب وأخيرًا سأله عمارة الكنائس خاصة كنيسة القديس مرقوريوس بمصر، فكتب له منشورًا بعمارة الكنائس وقدم له من بيت المال مبلغًا كبيرًا، فشكره وامتنع عن قبول المال فازداد كرامة في عيني المعز من أجل تقواه وزهده. ذهب المعز بنفسه في وضع أساسات الكنيسة ليمنع المعارضين.
نياحته:
جلس على الكرسي ثلاث سنين وستة أيام ثم تنيح في السادس من شهر كيهك.
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أقباط ثلاثة أیام

إقرأ أيضاً:

ابن البلد الجدع.. رانيا فريد شوقي تعلق على صورتها مع عبدالباسط حمودة

نشرت الفنانة رانيا فريد شوقي، صورة تجمعها بالمطرب الشعبي عبدالباسط حمودة، على صفحتها الشخصية بموقع فيسبوك وعلقت عليها قائلة: "نجم الأغنية الشعبية صديقي العزيز ابن البلد الجدع عبد الباسط حموده، اشتغلنا مع بعض في عملين فيلم و مسلسل مين فاكرهم؟ يلا نشطوا الذاكرة".

رانيا فريد شوقي تتحدث عن قصة حب والدها وهدى سلطان

وكشفت الفنانة رانيا فريد شوقي عن تفاصيل خاصة من حياة والدها الراحل فريد شوقي وزوجته السابقة الفنانة هدى سلطان، مشيرة إلى أن زواجهما كان عن حب، وأنه كانا يغيران على بعضهما بطريقة شديدة، وذلك رغم أنها كانت أكثر شهرة منه في بدايات العلاقة .

وقالت رانيا ، في فيديو نشرته عبر حسابها على «فيسبوك» من لقاء تليفزيوني سابق قائلة : “ علاقة بابا وطنط هدى انهم اتجوزوا عن حب، وكانوا بيغيروا على بعض، وساعتها كانت مشهورة أكثر منه بابا قعد 8 شهور رافض يطلقها، وكانت هي بتكتب في الجرايد عايزة الطلاق، وهو يرد ويقول ”مش هطلق، أنا حبيتها وكان وشها حلو عليا".

وأضافت رانيا أن مسألة الطلاق تم في النهاية دون أزمات أو مشكلات بين الطرفين، واستمرت العلاقة الطيبة بين العائلتين.

وختمت: "طنط هدى قعدت مع بابا وماما بعد وفاة جوز أختي، وماما كانت ذكية وتفهمت أن بنتها محتاجة دعم ومفتعلتش أزمات.. إحنا اتربينا على كده، وعلاقتها بماما كانت لطيفة وبيتقابلوا".

وكانت قد هنأت الفنانة رانيا فريد شوقي، الفنان عادل إمام بمناسبة عيد ميلاده الـ ٨٥.

وشاركت صورة له على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك وعلقت عليها قائلة: "كل سنة وأنت الزعيم عادل إمام، في يوم ميلادك, نحتفل ليس فقط بفنان عظيم، بل بأسطورة حفرت اسمها في قلوب الملايين.

ضحّكتنا، أثّرت فينا، وكنت دايمًا مرآة لواقعنا بذكاءك وموهبتك الفريدة، نتمنى لك الصحة وطول العمر، وأن تظل دائمًا رمزًا للفن الراقي والضحكة الصادقة، عيد ميلاد سعيد للزعيم عادل امام احد أعمدة الفن العربي".

طباعة شارك رانيا فريد شوقي عبدالباسط حمودة فيسبوك هدى سلطان حب

مقالات مشابهة

  • البطريرك ميناسيان زار البابا لاوون الرابع عشر ودعاه لزيارة لبنان
  • ابن البلد الجدع.. رانيا فريد شوقي تعلق على صورتها مع عبدالباسط حمودة
  • رئيس الشاباك الجديد يعارض إبرام أي صفقة تبادل
  • البابا تواضروس يستقبل الأنبا توماس والأنبا دانييل أسقف إيبارشية سيدني
  • في ذكرى رحيله.. شعبان حسين “أبو تلاتة” الذي أضحك القلوب وترك بصمة لا تُنسى(تقرير)
  • محمد عمر: زيادة عدد الفرق الموسم المقبل قرار غير صحيح.. وكان لا بد من الالتزام باللائحة
  • الأنبا أنجيلوس يصلي القداس بمذبح بيت ضيافة الشهيد مار جرجس والأنبا إبرام
  • باحث إسرائيلي يؤكد ضرورة إبرام صفقة مع حماس لتجنب سقوط مزيد من القتلى
  • بابا الفاتيكان يجدد نداءه لدخول المساعدات إلى غزة
  • في ذكرى رحيله.. مدحت السباعي المخرج الذي كتب اسمه بين الكبار بصمت وعمق (تقرير)