شح في الحياة.. الأوضاع الكارثية لم تلغ التكافل بين سكان قطاع غزة
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
يواصل أهالي قطاع غزة الصمود أمام حرب إبادة الاحتلال الإسرائيلي المستمرة لليوم الـ70، مبتكرين العديد من أساليب البقاء، ومتسلّحين بروح التضامن والتكافل، على الرغم من الظروف التي باتت توصف بـ"الكارثية" التي طالت كل طبقات المجتمع.
ومنذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قطع الاحتلال إمدادات الغذاء والدواء والوقود والكهرباء عن قطاع غزة، باستثناء شاحنات مساعدات معدودة يسمح بمرورها عبر معبر رفح، تكاد لا تشكل شيئا أمام الاحتياجات المتزايدة للسكان.
ورصدت "عربي21" أوضاع الفلسطينيين بعد 70 يوما من اندلاع الحرب، التي راح ضحيتها نحو 20 ألف شهيد.
ويقول الدكتور الصيدلي هاني (38 عاما): إن "صيدليته تكاد تكون فارغة، باستثناء الأدوية البسيطة ومواد التجميل، إضافة لبعض المكملات الغذائية والفيتامينات".
وأوضح هاني لـ"عربي21" أنه "بالتأكيد منذ بداية الحرب عمل الناس على شراء كميات متزايدة من أدوية الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري والربو، وغيرها من أجل تأمين احتياجات مرضاهم لأطول فترة ممكنة".
وذكر أنه "رغم ذلك الناس لم تتجاهل، أو تنسى الفضل بينها، وذلك ليس في حادثة أو حادثتين، إنما في الكثير من المرات والمواقف التي شهدها بنفسه".
وأضاف: "أذكر أن أحد الزبائن جاء ليسأل عن دواء يسمى كادكس، وهو يعطى لارتفاع ضغط الدم.. أخبرته فورا أنه نفد، ثم راجعت نفسي وقلت: يجب أن أتأكد من المخزون عبر الكمبيوتر، وفعلا كان يوجد علبة أخيرة مكونة من ثلاثة شرائط".
ويتابع: "أعطيت الزبون العلبة كاملة، لكنه فاجأني بعبارة: لا، أحتاج لشريطين فقط، وخلّي الأخير لشخص آخر قد يحتاجه؛ أنا دخت وأنا بدوّر، ولعلني أعفي أحدا يبحث عنه من نفس المشقة التي عانيت منها".
من جهتها، تقول سماح (29 عاما) إنها نزحت رفقة عائلتها إلى بيت خالتها المسنة في غزة، وهي التي استشهدت خلال الأيام الماضية، نتيجة الجفاف الشديد وسوء التغذية، وهذا وسط انعدام إمكانية التزود بالطعام أو الشراب في مدينة غزة خشية الاستهداف الإسرائيلي، وبسبب عدم توفر الطعام من الأساس.
وتوضح سماح في حديثها لـ"عربي21" أنه "رغم العوز الشديد، فإن الجيران لم يتركوا خالتها لمصيرها، بل كانوا يتقاسمون معا ما يتوفر من غذاء وماء".
وتكشف: "تقاسمنا كل شيء.. نحن وضعنا الطعام الذي معنا، وبعض الجيران وضعوا طعامهم أيضا وما توفر لديهم من مياه، ثم قسمنا ما جمعناه على من تبقى في العمارة التي نسكنها، كانت الكميات قليلة جدا، بالكاد تكفي لسد رمق أو نجاة شخص بكامل صحته".
وتبين: "خالتي صمدت لأيام طويلة، رغم أمراضها المزمنة المتعددة، وكانت قوية الروح وصابرة، لكن جسدها الضعيف خانها، واستشهدت بعد معاناتها من الجفاف والجوع، خالتي التي كان بيتها عامرا بالخير والفضل وملاذا للملهوف ماتت جوعا وعطشا".
من جهته، يقول محمد (35 عاما) إنه نزح من مدينة غزة في أول أيام الحرب عبر سيارته الشخصية رفقة والدته وأخواته الفتيات، مضيفا: "تركت خلفي بيتي ومخازن تجارية مليئة بشحنة من البسكويت، لم أتمكن من بيعها بعد دون الالتفات خلفي".
ويضيف محمد لـ"عربي21": "بعد الاستقرار في منزل لأحد الأصدقاء، بدأت التفكير بالأمور الأخرى غير النجاة، وشاهدت آلاف الناس ينزحون إلى مراكز الإيواء في المدارس، وعندها تذكرت شحنة البسكوت، وبدأت أسأل معارفي ومن يعمل معي عن إمكانية فتح المخازن وتوزيع البسكوت، الذي كان التجار يرفضون شراءه بسبب ارتفاع سعره، بالمجان على النازحين، للأسف لم أجد أحدا يمكنه ذلك، حتى الاتصالات كانت ضعيفة".
ويشير محمد إلى تلقيه بعد هذه الأفكار لاتصال من أحد العاملين معه، يسأله عن ثمن البسكوت، ويخبره أن المخازن باتت فارغة، والتجار مستعدون لأي سعر، قائلا: "بعت كل الشحنة بالثمن المقرر قبل الحرب دون زيادة، وقررت إخراج هذا المال من أصله وربحه لمساعدة المحتاجين، كما كانت النية عندما تذكرته، هذه تدابير ربنا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة الفلسطينيين فلسطين غزة طوفان الاقصي سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
"الكُظَامة".. مصدر مائي قديم عزز التكافل الاجتماعي في عسير
لم تكن السدود المائية القديمة مجرد أماكن لتخزين المياه وإعادة توزيعها على المزارع، بل مثلت عرفًا اجتماعيًا عريقًا في منطقة عسير منذ مئات السنين يدل على التكافل الاجتماعي والتعاون بين جميع أفراد المجتمع لما فيه الصالح العام.
السدود المائية القديمة المعروفة بـ"الكظايم" كانت من أبرز طرق ري المزارع قديمًا من خلال جداول زمنية تضمن وصول الماء لجميع المزارعين بالقدر نفسه، وفي أوقات متفق عليها تخضع لقوانين اجتماعية صارمة وملزمة .
ويشير الباحث الدكتور صالح أبوعراد إلى أن "الكظايم" عبارة عن عيون مائية عذبة كانت جارية في الماضي، تُسمى واحدتها كُظَامَه، وهي تسمية فصيحة لأنها مأخوذة من كظم الماء أي حبسه، وتمتاز بأن لها مجار خاصة مبنية تُسمى محليًا الدبول، وتكون في العادة مدفونة تحت تراب المزارع التي تمر بها، وتمتد من مكان العين أو المصدر المائي إلى المزارع البعيدة عنها لغرض ريها وسقي مزروعاتها، وقد تكون هذه الكظايم لتصريف المياه الزائدة لاسيما في مواسم الأمطار.
ويمكن وصف "الكظامة" بالسد المائي الصغير الذي يقع أسفل العيون أو الينابيع ويُغلق بالأحجار والطين وعند امتلائه بالماء يقوم المزارع بفتحه من نقطة معينة تسمى "الخرزة" ليسقي مزرعته.
وفي حديثه لوكالة الأنباء السعودية "واس" يستعرض المزارع عبدالرحمن الشهري في أحد المواقع القديمة للكظايم طرق إنشائها قديمًا وكيفية استخدامها وتوزيع الماء المحبوس فيها بين المزارعين، ويؤكد أن العُرف الاجتماعي الذي يحدد طرق الاستفادة منها، من أبرز أدلة التكافل والتعاون، مبينًا أن مصادر المياه تعد هي المحدد الأول لموقع السكن والعمران ولذلك تجد التجمع البشري قديمًا يتركز حول مواقع جمع المياه التي تسمى"الكظايم" وهي سدود صغيرة تبنى بالأحجار والطين ثم توضع لها منافذ لتصريف المياه تغلق عادة بما يسمى "العتلة" التي تكون من مكونات البيئة المحيطة سواء من الأحجار أو جذوع الأشجار، وعادة ما يأتي المزارع صباحًا ويفتح هذا المنفذ لسقي مزرعته في حال كان الدور عليه".
وقال: "إن الجميع يلتزم بشكل كامل باليوم المحدد له في احترام لما يتم الاتفاق عليه مسبقًا وهذا من مظاهر التعاون والتكافل الاجتماعي، ويسمى هذا الجدول الزمني بـ"المشاربة" أي أن لكل شخص نصيب معين من الماء يتحدد حسب مساحة مزارعه".
ومع تطور الزمن وإنشاء السدود الحديثة تقلص الاهتمام بـ"الكظايم" التقليدية حيث لم تعد تفي بحاجة المزارعين نظرا لاتساع مساحات المزارع وتطور تقنيات الزراعة، ولذلك أصبحت من الآثار المهمة التي يحافظ عليها بعض المزارعين.
وتضم منطقة عسير حاليا أكثر من 60 سدًا مختلفة الأحجام والسعات التخزينية من المياه، يبرز في مقدمتها "سد الملك فهد" الذي يقع على ضفاف وادي بيشة حيث تبلغ سعته التخزينية 325 مليون متر مكعب ويبلغ ارتفاعه 103 أمتار، فيما يبلغ طوله عن القمة 507 أمتار، ويبلغ عرضه عند القاعدة حوالي 80 مترًا، وتبلغ مساحة بحيرة التخزين حوالي 18 كيلومترًا، وزود السد بأربعة أنفاق لصرف المياه، يتم التحكم فيها بواسطة 6 بوابات منزلقة، وصمامين سدادة، كما زود بـ 6 مجموعات من أجهزة الرصد والمراقبة المختلفة لمراقبة سلامة واستقرار جسم السد.
ويعد سد وادي أبها من أشهر السدود في منطقة عسير ويقع غرب المدينة، ويصل طوله إلى 350م وارتفاعه إلى 30م و له سعة تخزين بحيرة من الماء يصل مخزونها إلى 2,130,000 م3.
عسيرأخبار السعوديةالسدود المائيةالكُظَامةقد يعجبك أيضاًNo stories found.