عربي21:
2025-05-28@15:00:54 GMT

وأعوذ بك (اللَّهُمَّ) من تواضع المقاومة بعد الحرب!

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

يسأل كثيرون كيف تنتهي الحرب على غزة؟ في حين تشغلني الإجابة على سؤال: ماذا بعد انقشاع الغبار عندما تضع الحرب أوزارها؟!

يبدو الكيان متراجعا عن الأهداف التي حددها لهذه الحرب، مثل القضاء كلية على حركة حماس، وبسط نفوذه على غزة، وبحثه عن دولة راعية لها، إذ إن نتنياهو يرفض تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية رغم الانبطاح الذي يبديه محمود عباس (أبو مازن) لإثبات أنه رهن الإشارة وطوع الأمر الإسرائيلي، وكما لو كان ينتظر آخر "زاده " في الحيادة الدنيا، ليصدق فيه القول المأثور: يشيب ابن آدم ولا تشيب معه خصلتان؛ الحرص وطول الأمل.

المؤكد أنه ليس في العمر بقية تدفع لأن يقف على أطراف أصابعه من أجل منحه سلطة على غزة، كانت له ولم يقم بالأعباء المنوط به القيام بها، فترك السلطة احتجاجا على إرادة الجماهير التي صوتت لحماس، ومساهمة منه في عقاب الشعب على اختياره، وحتى يضمن له الكيان دخول القطاع على حصان أبيض وبقوة السلاح الإسرائيلي!

تحويل غزة الى جنة:

نتنياهو عارض الرأي الأمريكي الذي يقضي بتسليم القطاع لمحمود عباس، ورفضه بإباء وشمم، وعندما وجد استحالة أن يحتل القطاع ويبسط نفوذه عليه، ونزيف الخسائر في صفوف قواته لم يكن يتوقعه، بحث عن الراعي من دول المنطقة، وجاء الرد من الإماراتي عبد الخالق عبد الله، بأن بلاده قادرة على تحويل غزة إلى جنة، نفس الوعد الذي تصوره الانقلاب العسكري في مصر، حتى حذرناه من هذا الوهم بالقول خذ من التل يختل، لكن سلطة الأمر الواقع المشمولة بالقوة الجبرية لم تأبه بتحذيرنا، فتوقفت المساعدات وبدأ الحساب، ووضع القوم أيديهم على الكثير من مقدرات البلد بهذا المال، فلم تصبح مصر جنة، ولم يعودوا بها كما استلموها سواء في عهد مبارك أو في عهد محمد مرسي! فلم يقدم الإماراتيون نموذجا في مصر، يجعل لكلام عبد الخالق عبد الله معنى، من أنهم قادرون على تحويل غزة الى جنة، وقديما قالت العرب: "ياما جاب الغراب لأمه".. وليس هذا هو الموضوع!

فالأنباء المتواترة تفيد أن البحث عن "راعٍ عربي" لغزة بشرعية من نتنياهو، قد توقف، وأن محادثات مع "عبده مشتاق" في رام الله لاستلام غزة، لتكون المواجهة بين المقاومة وقوات محمود عباس العميلة. والتجارب علمتنا أن مجابهة المحتل أسهل بكثير من المواجهة مع قوات وطنية وإن تأسست على التبعية من أول يوم، أيضا ليس هذا هو الموضوع!

فالموضوع أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة الموتور نتنياهو باتت على قناعة بأن تحقيق أهداف الحرب ليس في مقدورها، وحتى الهدف المتواضع بإخلاء سبيل الأسرى الإسرائيليين بدون قيد أو شرط، سقط، وقد رفض الكيان الاستمرار في الهدنة المؤقتة ولو لتصفية هذا الملف، ولأن رئيس الحكومة "غشيم ومستقوٍ"، فقد قرر أن الجيش الإسرائيلي من سيحررهم بالقوة. ومعلوم أنه ليس لديه ما يمنع من أن يستلمهم جثامين، لكن رعونة جيشه عندما قتل ثلاثة منهم أقامت الدنيا عليه ولم تقعدها، وبدأ الحديث عن طلب إسرائيلي لوساطة القطريين في جولة جديدة من المفاوضات!

ولأن المنتصر هو من يملي شروطه، فقد جاء رد المقاومة بأنها لن تدخل هذه الجولة إلا بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من غزة، وبوقف نهائي لإطلاق النار. وهذا تطور لافت، ففي الهدنة الأولى كانت المقاومة مع تمديدها يوما بعد يوم، لكن ميزان القوة الآن صار لصالحها تماما، وخسرت إسرائيل لأول مرة التعاطف الدولي، وقد شاهد الرأي العام الغربي دولة العصابات الإسرائيلية، في النموذج الواضح لمعنى "العصابة"، فليست هذه هي الدولة، وليس مقاتلوها يمكن أن يطلق عليهم جيشا!

ولم يبق لإسرائيل في الغرب سوى حكومات تدرك أهميتها كمستوطنة غربية في المنطقة وكيلة للمستعمر القديم، وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر تعبيرا عن ذلك (ربما لتقدمه في العمر) عندما قال لو لم توجد إسرائيل لاخترعناها!

لكن هذه الحكومات تواجَه بضغوط شعبية هائلة، وقد دفعها الوضع القائم لأن تبدو كالأنظمة العربية المستبدة، فيقتحم الأمن الحرم الجامعي ويعتدي على المعتصمين أو المنددين بالإجرام الصهيوني، وشاهدنا فصلا لطلاب ولأساتذة في جامعات غربية عريقة، وفرض قواعد تنسف كل قواعد التحضر التي تأسست ومثلت هذه الدول عنوانا لها!

الغرب في خطر:

في الغزو الأمريكي للعراق شاهدنا كيف أن سجّاني الاحتلال ليسوا بأفضل حالا من سجاني العالم العربي المحكوم بالاستبداد، لكن كانوا يقولون هذا أداء خارج حدود هذه الدول، الآن يمارس الاستبداد والعنف بالداخل، ولو طالت الحرب مع هذا التحول في سلوك الحكومات الغربية، فربما خرجت المظاهرات في هذه العواصم، كما خرجت المظاهرات في عدد من عواصم العالم العربي تطالب بإسقاط النظام!

وبدأ الحديث علنيا عن ضرورة وقف الحرب، ولم يمنع من وقوفها سوى أن نتنياهو يخوض حربه هو، لا حرب إسرائيل، وسوف يخسرها، لكن للدقة فليست حربه وحده، فاذا تم وقف إطلاق النار، فقد خرجت إسرائيل من الحرب مهزومة، هزيمة غير مسبوقة في تاريخها كله، وقد سقطت الأساطير التي دشنت على مدى العقود الماضية عن الجيش الذي لا يُقهر، والتفوق الذي عليه القوم، ونجاحهم الإعلامي المستحق!

فها هو الجيش الأيقونة يُهزم، ونشاهده يهرب أمام حفاة يحملون بنادق بدائية تستخدم في ريفنا لإحياء الأفراح، وصار الجيش بأدائه فضيحة سيتغنى بها الركبان ويستخرج منها شعراء الربابة الملاحم كالسيرة الهلالية! وها هو أبو عبيدة يهزم ترسانة الإعلام الصهيوني!

ومن يده في الماء ليس كمن يده في النار، والقادة الغربيون بمن فيهم بايدن يعرفون أنه من الخطورة على مستقبل إسرائيل في المنطقة القبول بإنهاء الحرب بدون تحقيق نصر يُذكر، لكنهم في النهاية يدركون أن الاستمرار فيها سيؤدي إلى مزيد من الخسائر، وقد تساهم في نزوح إسرائيلي جماعي بدأ بالفعل إلى الخارج، فهذا شعب لم يأت من خارج الأرض ليحارب، ولكن ليهنأ بمعادلة الأمن، وللاستمتاع بالامتيازات التي تقدم لهم ولا مثيل لها في البلاد الأوروبية، وكلما امتد أمد الحرب فهذا معناه تكريس صورة أن هذه أرض تلفظ خبَثها كما يلفظ الكير خبَث الحديد!

ونتنياهو هو من يده في النار، فماذا استفاد هو لو ربحت إسرائيل وجودها، وخسر هو مستقبله السياسي، وهو المتوقع؟ وربما يشاركه المحنة وزير دفاعه، لذا فهما يخوضونها حرب حياة (لهما) أو فليمت العالم كله!

لقد فشلا ولو في تحقيق نصر صوري مثل القبض على يحيى السنوار، وإذ استباحا المستشفيات بزعم وجود غرف عمليات للمقاومة أسفلها، فخرج رغم التدمير الذي غض العالم المتحضر الطرف عنه، يجر خلفه أذيال الفضيحة.

بيد أن أهالي الأسرى يمارسون عليهما ضغوطا من أجل إعادتهم، لا سيما بعد الغشم الذي نتج عنه قتل ثلاثة منهم في محاولة فاشلة لتحريرهم، ولم يجد أمامه من سبيل سوى أن يُحدث فتنة بين أهالي الثلاثة الذين قُتلوا والذين فوضوه -حسب قوله- في استمرار الحرب، ليثبتوا انتهازية في أحط درجاتها، وبين أهالي الأسرى الذين قد يلقوا حتفهم أيضا على يد هذا المجنون وجنده. لذا فهم قادوا الشارع الإسرائيلي في اتجاه وقف الحرب والدخول في مفاوضات لتحريرهم، لكن المنتصر وضع شروطا لذلك على النحو الذي بيّنّا!

الخوف من اليوم التالي:

ومع هذه الضغوط قد يكون خيار نتنياهو هو تجرع السم، وهنا يكون من المنطقي أن نفكر في اليوم التالي لوقف الحرب، ليكون أمام القادة الغربيين أن يحصلوا من المقاومة بالمفاوضات ما لا يحصلون عليه بالحرب!

إن من عيوب الشخصية العربية (أتحدث عن القاعدة والسيسي مثلا استثناء لها) هو التواضع المبالغ فيه عند النصر، ومن هنا ينفذ العدو. وعندما فاز الرئيس محمد مرسي برئاسة الجمهورية وبدأت التحديات تواجهه؛ حاولتُ أن أرسم له صورة، وكانت النتيجة على عكس ما توقعتُ في الحملة الانتخابية، وتكرست لديّ بهيئته أنه رجل طيب، وكتبتُ أن القوة شرط من شروط الحكم، وكيف أن النبي رفض أن يولي أبا ذر بكل زهده وورعه أمرا، وقال له إنك امرؤ فيك ضعف!

قال لي من تعاملوا معه من قريب، إنه معتد بنفسه، حاد في قرارته، وخشن في تعامله! وقال لي أحد رؤساء الأحزاب ممن كانوا يحضرون الجلسات مع المجلس العسكري وعندما كان مرسي يحضرها بصفته رئيس حزب الحرية والعدالة، إنه كان قويا، يضرب بيده على المائدة، ويصر على طلباته!

بيد أنه بدا بعد الحكم رجلا طيبا، وهذا ما يصيب كثيرا من الناس بعد النصر، والمقصود هو تغير الشخصية للنقيض!

وفيما عُرف بموقعة الردة، لم يكن أبو بكر الصديق هو، ولم يكن عمر بن الخطاب هو، فالأول لم يُعرف عنه حدة أو تشدد، والثاني لم يعرف عنه لين أو تساهل، فكان ليّنا هيّنا على النحو الذي دفع أبا بكر لأن يعنّفه: "أجبّار في الجاهلية خوّار في الإسلام يا عمر"! ويقول صاحب العبقريات إن كلا منهما أراد أن يحمل نفسه على غير طبعه، خشية أن يكون طبعه خاطئا!

وقد أثبتت الأيام أن شدة أبي بكر كانت هي الصواب، لكن وجود الشخصيتين معا كان ضروريا، فما عسانا أن نفعل لو وُجد عمر، ولم نجد أبا بكر!

عباس ليس كبير العائلة:

إن محنة شعب غزة قد تدفع المقاومة المنتصرة أن تبالغ في التواضع، فيشغلها بناء ما تهدم وجبر ما كُسر، ورفع الضرر عن الناس، فتقدم تسهيلات مع أن الغرب لا يقدم كثيرا في عملية الإعمار، فهو يمارس الشح المطاع في كل مرة!

وقطعا سيستغل المفاوض الغربي هذه الحالة النفسية المرنة وقد يأتي بمحمود عباس، وإذا كان إسماعيل هنية قد طالب الأطراف إياها أن تصرف نظرا عن أي ترتيبات لا تضع حماس في حساباتها، فهل حماس والمقاومة بشكل عام هي مجرد أرقام في معادلة، الرقم الصحيح فيها هو محمود عباس وعصابته؟!

إن من الخيانة للدماء التي سالت، والأرواح التي أُزهقت، والأنفس التي جاعت، بل وللنصر الذي تحقق، أن يتم قبول مثل هذه الحلول الغربية، وأن يتم التعامل مع محمود عباس على أنه "كبير العائلة"، ومن سيخلفه هم الأسوأ منه ولن تكون خلافته في شخصيات مثل مروان البرغوثي، أو سفير فلسطين في لندن، فهذه سلطة لا تُخرج إلا نكدا!

وما هو الحل لو جاء عباس بقواته، فصار على المقاومة في المستقبل إذا تحركت أن تواجه بفلسطيني وليس بإسرائيلي هذه المرة؟!

لقد عوّدتنا حماس على هذا التواضع المبدد للنصر، عندما اضطرت لمواجهة الأمن الوقائي التابع للسلطة ولمحمد دحلان، والذي كان يد إسرائيل التي يبطش بها، وعندما داهمت مقر الجهاز وعثرت على أدلة الخيانة لم تذعها حتى الآن!

إن من العبث أن يكون الثمن لكل هذه الحرب، إخراج كل الأسرى الفلسطينيين مع أهمية ذلك، لأنه ثمن يتضاءل بجانب أعداد الشهداء والمصابين والتدمير الذي جرى!

إن على المقاومة أن تملي شروطها بما يتناسب مع الجرائم الصهيونية ومع حجم النصر غير المسبوق في تاريخ إسرائيل، فلا يجوز أن يصل التواضع بالمقاومة حد أن يكون ثمن النصر هو ثمن الصمود الذي كان يحدث في السابق، فلا معنى لاستمرار الحصار، ولا معنى لإغلاق المعابر، ولا قيمة لنصر ما لا تدفع إسرائيل وحلفاؤها ثمن جريمتهم، وكل هذا لن يكون بتواضع المنتصر، فكم من هزيمة لحقت بالمنتصرين بسبب هذا التواضع، فنعوذ بالله من تواضع المنتصرين المهلك لهم!

تكبروا فإن التكبر على المتكبر صدقة!

twitter.com/selimazouz1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينية الإسرائيلي المقاومة النصر إسرائيل فلسطين غزة النصر المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محمود عباس

إقرأ أيضاً:

هجمة أوروبا على إسرائيل ووقف الحرب

"يسعدني أن هناك اليوم عددًا متزايدًا من الأميركيين الذين سيفهمون ما فعلت، وربما يرونه أكثر الأفعال عقلانية"، هكذا عقّب إلياس رودريغيز على عملية إطلاق النار التي نفذها ضد موظفي السفارة "الإسرائيلية" في الولايات المتحدة، والتي يرى الكثيرون أنها أتت في سياق رأي عام غربي يتصاعد في رفضه حرب الإبادة، ويترافق مع مواقف رسمية أوروبية ضاغطة على "إسرائيل" مؤخرًا.

مواقف مستجدة

شهدت الأسابيع الماضية تصعيدًا ملحوظًا في خطاب ومواقف أوروبية ضد "إسرائيل" على خلفية استمرار عدوانها على غزة وبشكل أكثر دقة بسبب منعها دخول المساعدات للقطاع على مدى ما يقرب من ثلاثة أشهر.

فقد أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني بيانًا مشتركًا هددوا فيه بعدم الوقوف "مكتوفي الأيدي" إزاء ما عدّوه "أفعالًا مشينة" ترتكبها حكومة نتنياهو، ملوّحين باتخاذ "إجراءات عقابية ملموسة" ضدها، إذ لم توقف العملية العسكرية وتسمح بإدخال المساعدات فورًا وبكميات كافية.

كما طالبها وزراء خارجية 22 دولة، في مقدمتها ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، "بالسماح بدخول المساعدات بشكل كامل وفوري" تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، في رفض علني ومباشر الآليةَ التي اقترحتها بالتعاون مع واشنطن.

إعلان

كما وصف وزير خارجية بريطانيا الحصار المفروض على غزة بأنه "غير أخلاقي ولا يمكن تبريره"، معلنًا تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرّة مع "إسرائيل"، وفرض عقوبات على منظّمات ومستوطنين متورّطين بالعنف في الضفة الغربية.

وفي تصعيد أوروبي غير مسبوق، بدأ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مناقشة دعوات قدّمتها عدة دول لتعليق اتّفاقية الشراكة بين الاتحاد و"إسرائيل"، في ظلّ أحاديث عن دعم أغلبية الأعضاء.

كما أكّد ماكرون أن "كل الخيارات مطروحة" للضغط على "إسرائيل" لوقف الحرب وإدخال المساعدات، مع التلويح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. ووصف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز "إسرائيل" بـ "دولة الإبادة"، رافضًا التعامل التجاري معها.

قبل ذلك، كانت ست دول أوروبية، هي أيرلندا، وإسبانيا، وسلوفينيا، ولوكسمبورغ، والنرويج، وآيسلندا، قد أصدرت بيانًا مشتركًا عدّت فيه مساعي "إسرائيل" لتهجير سكان غزة "ترحيلًا قسريًا، وجريمة بموجب القانون الدولي"، منتقدة تعمّد منع دخول المساعدات.

على الجانب الآخر من الأطلسي، تواترت تصريحات أميركية بأن ترامب "يريد وقف الحرب"، في خلاف شبه علني مع نتنياهو، كما أجّل وزير الدفاع الأميركي زيارة كانت مقررة لـ "إسرائيل"، وأكد أكثر من مصدر أميركي أن إدارة ترامب مستمرة في تواصلها المباشر مع حركة حماس، رغم اعتراض نتنياهو، فضلًا عن خلافات علنية بين الجانبين بخصوص المفاوضات الأميركية – الإيرانية وطريقة التعامل مع الحوثيين.

يضاف كل ذلك إلى الحركة الطلابية في الجامعات الأميركية التي ما زالت عالية السقف ضد الحرب، وضد ترهيب الطلاب المتضامنين مع الفلسطينيين.

ويرى الكثيرون أن العملية التي نفذها رودريغيز تأتي في سياق الرأي العام الغاضب من استمرار الإبادة والتجويع، لا سيما أنها أتت من شخص غير عربي أو مسلم، فضلًا عن تعليمه وثقافته واطّلاعه على القضية الفلسطينية وحرب الإبادة بكامل تفاصيلها، وحديثه الملموس عن "المسؤولية الإنسانية"، و"تواطؤ الحكومة الأميركية"، واستمرار دعمها حكومة الاحتلال.

إعلان الدوافع

لا يمكن النظر للمواقف الأوروبية على أنها مواقف مبدئية مع الفلسطينيين وقضيتهم، فقد تبنّت معظم هذه الدول سردية الاحتلال بخصوص هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأيدت ما أسمته "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". بيد أن أكثرَ من سنة ونصفٍ من حرب الإبادة المستمرة، قد راكمَ عدة دوافع وأسباب ساهمت في بلورة الموقف الأوروبي – الغربي المستجد.

في المقام الأول، ليست حرب الإبادة مما يمكن تأييده، تحديدًا بشكل علني ورسمي، لا سيما بعد أن تحوّلت منذ أشهرها الأولى إلى إبادة وحصار وتجويع للمدنيين، ثم تواترت التصريحات الرسمية، ولا سيما من وزير المالية سموتريتش، بضرورة إعادة احتلال القطاع وتفريغه من سكانه.

هنا، تتبدّى رغبة أوروبية بالتنصّل من حرب الإبادة وتبعاتها، ولا سيما في البعد الإنساني، وبشكل أكثر دقة بخصوص قتل الأطفال واستهداف المدنيين بشكل مكثف ومتكرر ومقصود. حيث أكدت وزارة الصحة العالمية أن غزة تواجه "إحدى أسوأ أزمات الجوع عالميًا"، مما يتسبب بوفاة عشرات الأطفال بسبب "الحرمان المتعمّد من الغذاء".

ينطلق ذلك من رغبة أوروبية في تأكيد "المنطلق الأخلاقي" في النظر للقضايا، وكذلك استشعار المسؤولية الأوروبية عن أفعال "إسرائيل" التي نُظر لها لعقود على أنها ممثلة الغرب المتحضر في قلب الشرق الأوسط، فضلًا عن الحقائق التاريخية بخصوص دور أوروبا في إنشائها بالأساس.

إضافة إلى ذلك، يتابع القادة الأوروبيون التغير الكبير في الرأي العام في بلادهم من "إسرائيل" والقضية الفلسطينية، ولا سيما بين الأجيال الجديدة، وهو ما يخشون ارتداده عليهم بشكل سلبي، وخصوصًا في الاستحقاقات الانتخابية، وقد كانت الانتخابات البريطانية العام الفائت مثالًا حيًا على ذلك.

وكمثال يمكن تعميمه بدرجة أو أخرى، فقد أوضح استطلاع للرأي أُجري في يونيو/ حزيران من العام الفائت، أن 54% من الشباب البريطاني (18-24 عامًا) يرون أن "إسرائيل لا ينبغي أن توجد"، بينما رأى نصفهم أنها هي المسؤولة عن الحرب وليس الفلسطينيين.

إعلان

كما أن الاعتداءات "الإسرائيلية" في مجمل المنطقة، في لبنان رغم وقف اتفاق إطلاق النار، وضد سوريا دون أي خطر منها، والتهديد المتكرر لإيران واليمن، تعمّق عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي تسير عكس اتجاه السياسات الأوروبية وعلى النقيض من مصالحها. ولعل حادثة إطلاق النار على دبلوماسيين أوروبيين وعرب في جنين يظهر إلى أي مدى فقدت "إسرائيل" عقلها.

وأخيرًا، قد تكون المواقف الأوروبية في جزء منها مناكفة أو ردًا ضمنيًا على سياسات الرئيس الأميركي غير المرضية بالنسبة لها، ولا سيما ما يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية.

أي تأثير؟

السؤال الأكثر إلحاحًا الآن هو إلى أي مدى يمكن أن تؤثر المواقف الأوروبية والغربية الأخيرة على استمرار الحرب.

بالنظر إلى توجهات حكومة الاحتلال، والدعم الأميركي المستمر، والمواقف الإقليمية الرسمية، والوضع الميداني في غزة، لا يمكن انتظار تأثير أوروبي مباشر يؤدي لوقف الحرب. لكن ذلك لا يعني أن الخطوات الأوروبية بلا أثر بالمطلق.

فقي المقام الأول، ثمة موقف عابر للدول يكاد يشمل معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي ومعهم بريطانيا، برفض استمرار الحرب وضرورة إدخال المساعدات، وهي الدول الأكثر دعمًا لـ"إسرائيل" تقليديًا. يعني ذلك أن الأخيرة تفقد بشكل ملحوظ رصيدها الداعم لها في الغرب ليس فقط على صعيد النخب والشعوب، ولكن أيضًا على الصعيد الرسمي.

كما أنّ الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لدولة الاحتلال، وبالتّالي فإن مضيّه في مسار تعليق اتفاقية الشراكة وغيرها من العقوبات الاقتصادية المحتملة، قد تكون له آثار سلبية وربما كارثية على اقتصاد الحرب في "إسرائيل" المتراجع أصلًا.

من جهة ثالثة، فإن تواتر المواقف الدولية الضاغطة على نتنياهو وحكومته يشكل دعمًا كبيرًا وتحفيزًا للمعارضة الداخلية ضد نتنياهو على الصعيدين؛ الشعبي والسياسي، وهو ما لاحت بعض إشاراته في الأيام القليلة الأخيرة.

إعلان

فقد حذر رئيس الحزب الديمقراطي "الإسرائيلي" يائير غولان من تحول "إسرائيل" إلى دولة منبوذة دوليًا لأنها "تقاتل المدنيين، وتقتل الأطفال كهواية، وتعمل على ترحيل السكان".

وقال رئيس الوزراء السابق إيهود باراك إن الهدف الحقيقي لما أسماه "حرب الأشرار" هو "ضمان بقاء نتنياهو، لا أمن إسرائيل"، داعيًا إلى الإطاحة به. كما دعا رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت إلى سحب الجيش من غزة وإنهاء الحرب، طالبًا "مساندة المجتمع الدولي للتخلص من بن غفير وسموتريتش ونتنياهو".

في المحصلة، فإن المواقف الأوروبية والغربية الأخيرة تشكّل ضغطًا كبيرًا على نتنياهو وحكومته، خارجيًا وداخليًا، وهو ما يمكن أن يساهم مع عوامل أخرى إضافية في وقف الحرب مستقبلًا. بينما قد يكون تأثيرها المباشر والسريع المتوقع هو السماح بإدخال المزيد من المساعدات للقطاع استجابة للضغوط كما حصل مؤخرًا.

وتبقى الحرب الحالية الخالية من أي أهداف عسكرية وبرنامج سياسي لما بعدها عبئًا على الأطراف الداعمة للاحتلال، ويبقى ملف الأسرى عامل ضغط إضافي في المدى المنظور، ما يعزز إمكانية وقف الحرب لاحقًا إذا ما توفرت عوامل ضغط إضافية.

وهنا تتبدى مسؤولية منظومة العمل العربي والإسلامي الرسمي، بشكل مباشر، وكذلك من خلال العلاقات مع الإدارة الأميركية التي أثبتت مرارًا أن ترامب قابل لتغيير المواقف وحسم القرارات إذا توفّرَ ما يقنعه و/ أو يغريه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيل
  • وكيلة وزارة المعادن: الوثائق الروسيه تحتوي على قاعدة بيانات قوية لاستعادة كل الوثائق والتقارير الجيولوجية التي فقدت في الحرب
  • صحيفة صهيونية تقر بعجز أمريكا و”إسرائيل” عن كسر صمود اليمنيين… جغرافيا، عقيدة، وخبرة قتالية تُربك العدو
  • المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
  • اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا.. ماذا تقول في بداية يومك؟
  • شركات الطيران الأجنبية التي ألغت أو أجلت رحلاتها إلى “إسرائيل” نتيجة الضربات الصاروخية على مطار اللد “بن غوريون”
  • لماذا سكتت الأبواق، التي كانت تعارض المقاومة الشعبية فى نوفمبر 2023م
  • هل تنجح هجمة أوروبا على إسرائيل في وقف الحرب؟
  • هجمة أوروبا على إسرائيل ووقف الحرب
  • أمين عام حزب الله: الحرب مع إسرائيل لم تنته