بعد “انتهاء المسار التفاوضي”.. ما سيناريوهات أزمة سد النهضة؟
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
أثار البيان المصري بانتهاء “مسار التفاوض” بشأن سد النهضة واحتفاظ مصر الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حاله تعرضه للضرر، والذي قابله بيان إثيوبي يتهم القاهرة بـ”التحريف”، التساؤلات حول السيناريوهات المتوقعة بشأن الأزمة، وهو ما يوضحه مختصون لموقع “الحرة”.
والثلاثاء، أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية، انتهاء الاجتماع الرابع، الأخير، من مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا في أديس أبابا، الذي سبق إطلاقه في إطار توافق الدول الثلاث على الإسراع بإعداد الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد في ظرف 4 أشهر.
وتحدث البيان عن “تعنت الجانب الإثيوبي ضد مطالب دولتي المصب، مصر والسودان”، حيث أكدت القاهرة أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، مع احتفاظها بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حاله تعرضه للضرر.
ومن جانبها، قالت الخارجية الإثيوبية، إن القاهرة “حرفت” مواقف أديس أبابا في المحادثات، مضيفة أن مصر لا تزال لديها “عقلية العصر الاستعماري ووضعت حواجز أمام جهود التقارب”.
وأفاد بيان وزارة الخارجية الإثيوبية بأن “إثيوبيا تظل ملتزمة بالتوصل إلى تسوية ودية عن طريق التفاوض تلبي مصالح الدول الثلاث، وتتطلع إلى استئناف المفاوضات”.
ولطالما عارضت مصر مشروع سد النهضة بسبب المخاوف المتعلقة بإمداداتها المستقبلية من المياه من نهر النيل الذي تعتمد عليه اعتمادا كبيرا، وقد عبر السودان أيضا عن قلقه إزاء تنظيم وسلامة إمدادات المياه والسدود الخاصة به.
ومن جانبها ذكرت إثيوبيا، التي تقول إنها تمارس حقها في التنمية الاقتصادية، في سبتمبر أنها أكملت المرحلة النهائية لملء خزان لمحطة ضخمة للطاقة الكهرومائية عند السد المقام على النيل الأزرق.
ويرى وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن “أثيوبيا تريد استغلال وجود السد لإعادة توزيع حصص مياه النيل كما كانت تخطط في اتفاقية عنتيبي التي رفضتها مصر والسودان”.
وتكمن المشكلة في أن “مصر لا تملك رفاهية نقص ولو نقطة مياه واحدة، لأن نصيب الفرد في مصر 500 متر مكعب من المياه سنويا (50% من الحد الأدنى للفقر المائي)، وتعاني فجوة غذائية مقدارها 10 مليار دولار سنويا، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشير إلى أن مصر أنشأت وحدات تحلية للشرب بسعة تزيد عن نصف مليار متر مكعب سنويا حتى الآن، كما تعالج القاهرة مياه الصرف الصحي والزراعي لاستخدامها في الري للتغلب على “شح المياه”.
وتحدث الوزير السابق عن مخالفة إثيوبيا للقوانين الدولية فيما يتعلق ببناء هذا السد، قائلا إن “عند بناء أي دولة لمشروع على نهر دولي مشترك فعليها القيام بعدة خطوات”.
وتتمثل تلك الخطوات في “الإخطار المسبق لدول الجوار عن المشروع وأهدافه، وإعداد دراسات بيئية عن تأثير المشروع على دول الجوار لضمان عدم الإضرار الملموس بهم، وضرورة موافقة دول الجوار على المشروع بعد أي تعديلات مؤثرة”، وفق الوزير المصري الأسبق.
“وهذا ما لم تفعله أديس أبابا، لكنها قامت بتصميم السد بدون الرجوع للقاهرة والخرطوم، رغم أنه في بداية التفاوض بين إثيوبيا ومصر والسودان تم التوصل لإعلان مبادئ تم الاتفاق فيه على ضرورة توافق الدول الثلاث على قواعد الملء والتشغيل التي لا تسبب ضررا لدولتي المصب”، حسبما يضيف.
لكن على جانب آخر، يرى النائب البرلماني الإثيوبي، محمد العروسي، أن “البيان المصري استباقي ويعبر عن يأس غير مبرر”.
وتحاول مصر “استجداء التدخل الدولي بطريقة غير مباشرة”، وهو ما لا تقلبه إثيوبيا، والقاهرة “متمسكة ومصرة على اتفاقيات من الحقبة الاستعمارية وتحاول فرضها على لجان التفاوض”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
وفي سياق متصل، يؤكد المحلل السياسي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد حسن، أن سد النهضة تحول من ” مسار يتفاوض فيه الأطراف الثلاثة لتحقيق رؤية وبرنامج إثيوبيا التنموي” إلى “مشروع سياسي”.
ومصر قامت بـ”تسيس مشروع سد النهضة” برفضها لبناء السد منذ البداية، ومحاولة استخدام المشروع لـ”تشويه صورة إثيوبيا إعلاميا وفي المحافل الدولية، ما أضطر أديس أبابا للتعامل بالمثل وحشد الرأي العام لصالحها”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشدد على أن إثيوبيا حشدت الرأي العام لـ”تمويل المشروع الذي تحول إلى ايقونة تنموية عليها إجماع وطني”، واصفا الموقف المصري بـ”المتعنت”.
وتعتبر مصر والسودان السد الذي كلف 4,2 مليارات دولار، تهديدا لإمداداتهما من المياه، وقد طلبتا مرارا من أديس أبابا التوقف عن ملئه إلى حين التوصل لاتفاق بشأن سبل تشغيله.
واستؤنفت المفاوضات بين الدول الثلاث في 27 أغسطس بعدما توقفت منذ أبريل 2021.
تعتبر القاهرة سد النهضة “تهديدا وجوديا” لأنه يعتمد على نهر النيل في 97 في المئة من احتياجاته المائية، أما الخرطوم، فقد تباين موقفها في السنوات الأخيرة، ولم تصدر الجهات السودانية المختصة تعليقا على ” انتهاء المفاوضات”.
لكن الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، يشير إلى أن “الخلاف بين السودان ومصر وإثيوبيا” حول سد النهضة قد خرج من “العباءة الفنية إلى السياسية”.
ومنذ جولات التفاوض الأولى كان موقف السودان “قريب من الموقف المصري”، ويطالب بـ”اتفاق ملزم وتبادل المعلومات بشأن سد النهضة”، وفق حديثه لموقع “الحرة”.
ويشير إلى أن “الموقف السوداني الرسمي الحالي يقف بجانب مصر، تنفيذا لمبدأ (لا ضرر ولا ضرار) لكن إثيوبيا (لا تلتفت لذلك)”.
سد النهضة في قلب خطط التنمية في إثيوبيا، وفي فبراير 2022 أعلنت أديس أبابا أنها بدأت توليد الكهرباء للمرة الأولى، وقد بلغت تكلفته أكثر من 3,7 مليارات دولار، ويدخل في صلب صراع إقليمي منذ أن بدأت إثيوبيا العمل فيه في العام 2011.
ومن خلال هذا السد الكبير، الذي يبلغ طوله 1,8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا، تعتزم إثيوبيا مضاعفة إنتاجها من الكهرباء، التي لا يصل إليها سوى نصف سكّانها البالغ عددهم حوالي 120 مليون نسمة.
لكن تقديرات الأمم المتحدة تفيد بأن “المياه قد تنفد في مصر بحلول عام 2025″ وبأن مناطق في السودان حيث كان النزاع في دارفور مرتبطا بشكل أساسي بإمدادات المياه، معرضة بشكل متزايد للجفاف بسبب تغير المناخ”.
في حديثه لموقع “الحرة”، يؤكد وزير الري الأسبق، محمود أبو زيد، أن لدى مصر عدة خيارات متاحة وعلى رأيها “إشراك مجلس الأمن الدولي بشكل رسمي في نتائج المباحثات، وإيضاح مدى الضرر الذي يقع على مصر والذي يمس أمنها القومي”.
ويجب أن تعمل مصر بشكل دولي لإيقاف الملء الخامس من خلال إعداد دراسة وافية معترف بها من قبل الخبراء المختصين الدوليين بمدى الضرر الذي سيقع على السودان ومصر والذي قد يصل إلى مرحلة الجفاف وتقديمها إلى مجلس الأمن، وفق حديثه.
ويشير إلى أنه يمكن للقاهرة الحديث مع الولايات المتحدة وعدد من دول الخليج لإقناعهم أن أمان مصر في ظل الحروب الحالية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها ما يحدث في غزة والسودان، يتحتم الدفاع عن الأمن القومي للقاهرة بالضغط على الجانب الإثيوبي للوصول إلى اتفاق مرضي لجميع الأطراف”.
ويمكن لمصر أن تستغل الرفض الإثيوبي لتقديم أي تنازلات وبالتالي إعلان إمكانية لجوئها إلى المادة 51 وتحديدا الفصل السابع والخاص بحق الدفاع الشرعي من القانون الدولي، حسبما يذكر وزير الري السابق.
ويتعلق الفصل السابع من “ميثاق الأمم المتحدة”، بما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان.
وتنص المادة 51 على أنه “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء (الأمم المتحدة)”.
وحسب نص المادة “يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه”.
لكن على جانب آخر، يتحدث العروسي عن عدة خيارات إثيوبية تتعلق بـ”توضيح الحقائق دبلوماسيا”، ويقول “لقد نجحنا تماما في كافة المراحل التي تبنينا فيها هذا النهج”.
وهناك خيارات أخرى كثيرة “ولدى إثيوبيا بنك من الخيارات في حال مواجهة أي ضغوطات مصرية”، وسوف تحافظ أديس أبابا على “السيادة الإثيوبية”، وفق النائب البرلماني الإثيوبي.
ويقول العروسي إن ” أي كانت الضغوطات المصرية فلن تكون كما كانت بالسابق ولن تنجح الضغوطات مهما كان قدرها”.
والضغوطات المصرية المتوقعة سوء كانت دبلوماسية أو إعلامية “لن تصبح ذات أي تأثير”، حسبما يشير النائب البرلماني الإثيوبي.
وفي سياق متصل، يشدد حسن على أن مصر استخدمت بالفعل “أذرعها الدولية وعلاقتها للضغط على إثيوبيا”، لكن أديس أبابا تفهم “الهدف المصري”، وتستطيع التعاطي مع تلك الضغوطات.
ويشير إلى أن مصر ذهبت لمجلس الأمن عدة مرات وطلبت وساطة من عدة دول حول العالم، لكن “الكل يطالب مصر بالعودة إلى الحوار الثلاثي أو الاتحاد الأفريقي الذي تنطوي تحت مظلته عضوية القاهرة والخرطوم وأديس أبابا”.
وأثيوبيا “متمسكة بالشرعية الدولية والمعاهدات التي تحفظ حقوق الجميع وتضمن الاستفادة من الأنهار الدولية العابرة للحدود”، وسوف تستمر أديس أبابا في هذا الإطار وهي “مطمئنة قانونيا”، حسبما يؤكد المحلل السياسي الإثيوبي.
ويقول إن “ما تفعله إثيوبيا يتماشى مع اتفاقية المبادئ الموقعة بالخرطوم عام 2015، وجيب أن تنحصر مفاوضات سد النهضة على تعبئة وتشغيل سد النهضة”.
ومن يريد “تغيير فحوى الاتفاقية” باتفاقية “تلزم إثيوبيا بحصص من المياه”، فليس هذا “محل التفاوض حسب اتفاقية المبادئ”، وفق المحلل السياسي الإثيوبي.
تتحدث خبيرة الشئون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، أماني الطويل، عما وراء البيان المصري الذي يلمح أن “جميع الخيارات مفتوحة أمام مصر”.
وتمتلك القاهرة “أوراق محدودة للضغط على إثيوبيا”، بسبب “الانتباه الدولي الموجهة ناحية الحرب في غزة، والحرب بأوكرانيا، وعدم قدرة مجلس الأمن على تفعيل قدراته بشأن أزمة سد النهضة”، وفق حديثها لموقع “الحرة”.
وترى أن “لا توجد آلية أفريقية مناسبة للتفاعل مع الأزمة في الحرب بالسودان”، ويمثل ذلك “فرص مناسبة لإثيوبيا لمواصلة منهج التعنت”.
وتشير الطويل إلى أن القاهرة وأديس أبابا “تمارسان سياسات التعتيم الكامل على مسار المفاوضات”، ما يعطي فرص وإمكانية لـ”أوراق قد تكون مجهولة”، على حد تعبيرها.
وعن تلك الأوراق المجهولة، يتحدث مجذوب الذي يقول إن” السيناريو الأقرب هو رفع الأمر لمجلس الأمن بما يحفظ مصالح مصر والسودان”.
وإذا لم يتخذ مجلس الأمن موقفا واضحا، فالقاهرة والخرطوم حاليا “في صف واحد”، بعدما اتخذت أديس أبابا موقفا “غير مقبول” فيما يتعلق بالحرب في السودان، حسبما يوضح المحلل الاستراتيجي السوداني.
وحسب حديثه فإن “الخرطوم قد رتبت أمورها ومصالحها لكي تكون مع القاهرة في جانب واحد، وإذا اتخذت مصر (أي عمل فالسودان سوف يقف مع مصر قلبا وقالبا)”، على حد تعبيره.
لكن العروسي يقول “نحن نأخذ في الاعتبار الموقف السوداني ونرفض محاولات الضغط على الخرطوم”، وهناك إجماع إثيوبي على أن “السودان إلى جانبا قولا ومضمونا”.
ويتحدث النائب البرلماني الإثيوبي عما يسميه “ضغوطات على السودان”، لكنه يعتقد أن يكون الموقف السوداني ” مجمع على فوائد سد النهضة”، رغم بعض التصريحات التي تقول “عكس ذلك”.
ويرفض استغلال “الوضع السوداني للضغط على إثيوبيا”، وتتصدى أديس أبابا لتلك المحاولات، على حد تعبيره.
وائل الغول – الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: مصر والسودان الدول الثلاث مجلس الأمن أدیس أبابا من المیاه سد النهضة الدفاع عن أن مصر على أن
إقرأ أيضاً:
رئيسة مجموعة الأزمات: أميركا لم تعد واثقة في النظام الذي بنته وهناك أزمة مبادئ
الدوحة- أعربت الرئيسة التنفيذية لمجموعة الأزمات الدولية كومفورت إيرو عن مخاوفها من أن النظام الدولي الذي بُني على أكتاف الديمقراطية الليبرالية بات يواجه أزمة ثقة عميقة، لافتة إلى أن "أميركا نفسها أصبحت لا تثق في النظام الذي قامت ببنائه"، في إشارة إلى التحولات الجذرية التي طرأت على البنية الدولية منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 والتدخلات في العراق وسوريا، مرورًا بالربيع العربي الذي كشف صدامًا في الحظوظ والتطلعات.
وأوضحت إيرو -في تصريحات خاصة للجزيرة نت على هامش منتدى الدوحة الـ23 الذي عُقد مطلع هذا الأسبوع في العاصمة القطرية- أن الثقة الغربية تراجعت بعد أن اتضح أن التدخل في العراق "لم يؤدِ إلى تغيير إيجابي، بل تسبب في ديناميات جديدة"، مشيرة إلى أن المبادئ الدولية تعرضت للتحدي في أماكن مثل سوريا، خاصة ما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية، مما أدى إلى شعور الناس بأنهم لم يعودوا قادرين على الوثوق في النظام الدولي.
وأكدت مسؤولة مجموعة الأزمات أن الوضع في السودان يسوء، رغم الجهود الدولية التي توّجت بتوقيع الرباعية الدولية على اتفاق مبدئي في سبتمبر/أيلول الماضي، مؤكدة أن الأزمة السودانية ستكون في مقدمة جدول أعمال المنظمة خلال عام 2026.
وأشارت إلى أن المنطقة تشهد تحولات غير مسبوقة؛ من خروج سوريا من العزلة الدولية إلى الحديث عن رفع العقوبات عنها، ومن انعقاد قمة غزة في شرم الشيخ إلى الحديث عن اتفاقات سلام في منطقة البحيرات العظمى. لكنها حذرت أيضا من أن "الصورة القاتمة" لا تزال تخيم على عدة بؤر صراع حول العالم.
وتشغل إيرو منصبها منذ ديسمبر/كانون الأول 2021، وهي حاصلة على درجة الدكتوراه من كلية لندن للاقتصاد، وأمضت مسيرتها المهنية في العمل على الدول المتأثرة بالنزاعات، بدءًا من انضمامها لمجموعة الأزمات عام 2001 كمديرة مشروع غرب أفريقيا، مرورًا بعملها مسؤولة الشؤون السياسية ومستشارة السياسات للممثل الخاص للأمين العام في بعثة الأمم المتحدة في ليبيريا (2004-2007)، ومنصبها في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، قبل أن تتدرج لتصبح مديرة برنامج أفريقيا ثم نائبة رئيس مجموعة الأزمات بالإنابة في يناير/كانون الثاني 2021.
وفي تفاصيل تصريحاتها، وصفت إيرو الأزمة السودانية بأنها "الأصعب والأكثر تعقيدًا" بين الملفات التي تعمل عليها مجموعة الأزمات حاليًا، رغم الجهود الدولية المبذولة. وأشارت إلى أنه "تم جمع الرباعية الدولية، وهي الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، للتوقيع مبدئيًا على اتفاق فيما بينهم في سبتمبر/أيلول الماضي"، لكنها أكدت أنه "لا أحد من الطرفين مستعد حتى الآن للجلوس على الطاولة"، في إشارة إلى طرفي الصراع الرئيسيين في السودان.
إعلانوأضافت "نحن نشهد المزيد من العنف على الأرض. ومع ذلك، لا تزال هناك اختلافات بينهم جميعًا، لذلك لم نخرج من الأزمة في السودان أبدًا، وأكبر مخاوفي هو أن الوضع سيسوء قبل أن يتحسن".
أما بالنسبة لغزة، فأكدت الرئيسة التنفيذية لمجموعة الأزمات أن الملف سيبقى أيضًا على رأس الأولويات في 2026، موضحة أنه "علينا أن نرى تشكيل مجلس السلام، وتشكيل اللجنة الفنية الفلسطينية وعلينا أن نحرص على وقف ضم الضفة الغربية".
وفي سياق الحديث عن التطورات الإيجابية خلال الفترة الماضي، ضربت إيرو مثلا بانعقاد قمة غزة في شرم الشيخ، والحديث عن "اتفاق سلام" في عدة مناطق، بما فيها منطقة البحيرات العظمى، مما يشير إلى بوادر أمل وسط المشهد المعقد.
ولفتت إلى أن العام الحالي شهد تطورات كانت "غير متوقعة" قبل عام واحد فقط، قائلة "لو سألتني العام الماضي عما إذا كنا سنرى خلال العام الحالي سوريا تخرج من العزلة، حيث يمكن لشخص مثل الجولاني آنذاك، والآن هو الشرع، أن يذهب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لأول مرة منذ عقود، وأن يحضر زعيم سوري إلى الجمعية العامة، وحيث يرفع رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وأن تكون تركيا ودول الخليج أدوات أساسية مع الولايات المتحدة في المساعدة على تحول سوريا، فقبل عام لم أكن لأتخيل بعض هذه التطورات".
وفي ما يتعلق بالتحولات الجذرية التي طرأت على المشهد الدولي منذ تأسيس مجموعة الأزمات، لفتت إيرو التحولات الجذرية عقب أحداث الربيع العربي. وقالت "ذلك بدأ يتغير في وقت الربيع العربي. وفجأة، أعتقد أنه حصل صدام في الحظوظ والتطلعات، وأصبح المدنيون غير راضين عن أنظمتهم".
وأوضحت أن "الثقة الغربية في التدخل" بدأت تتراجع "في ضوء ما بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، والدخول إلى العراق، حيث اتضح أن هذا التدخل الواثق لم يؤدِ إلى تغيير إيجابي، بل تسبب في ديناميات جديدة في العراق، على سبيل المثال، ثم سوريا، ثم ما حدث في مصر وتونس. وهكذا بدأت الأمور في الانهيار".
وتابعت الرئيسة التنفيذية لمجموعة الأزمات إن "المبادئ الدولية التي كانت تشكل التدخل الدولي تعرضت أيضًا للتحدي في أماكن مثل سوريا، حيث قال قادة العالم الغربي إنه سيكون هناك خط أحمر فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، وهذا لم يحدث. وهكذا فُقدت الثقة، وبدأ الناس يرون أنهم لم يعودوا قادرين على الوثوق بالنظام الدولي، وأن الغرب لم يعد يتمتع بالشرعية".
وأشارت إلى أن "الحرب العالمية على الإرهاب كانت تسبب مشاكل أخرى في العديد من المناطق، فقد كانت تؤدي إلى ممارسات غير ديمقراطية، وإلى انهيار أجندة حقوق الإنسان، وإلى مزيد من العنف". واختتمت هذا المحور بملاحظة لافتة: "إذا تقدمنا سريعًا إلى الأمام، نجد أن أميركا نفسها أصبحت لا تثق في النظام الذي قامت ببنائه"، في إشارة إلى تحول عميق في البنية الدولية التي سادت لعقود.
مجموعة الأزمات في 30 عامًا
وعن دور المنظمة التي تستعد لإكمال 30 عامًا من العمل ضمن النزاعات العالمية، قالت إيرو إن مجموعة الأزمات الدولية تضطلع بمهمة محورية في المشهد الدولي المعقد، موضحة أن "دورنا هو التحذير المبكر، ودق ناقوس الخطر، وتحليل الوضع، وتزويد صناع القرار على جميع أطراف الصراع بالمعلومات الصحيحة، والتحليل الصحيح، والتفكير في خيارات السياسات الممكنة لإنهاء الصراع".
إعلانوأضافت أن المنظمة عندما تأسست قبل 3 عقود "كان في صميم ذلك المساعدة في تشكيل الإرادة السياسية لدفع الأطراف إلى التحرك في الوقت المناسب وبالتماسك والعزم، من أجل إيجاد طريقة لإنهاء الصراع"، وشددت على أن هذا الدور "أصبح أكثر إلحاحًا الآن لأننا نتحدث في وقت تتزايد فيه الحروب".
ورسمت إيرو صورة قاتمة للواقع الحالي، قائلة "نحن نشهد المزيد من التهجير الجماعي ونزوح المدنيين، ونشهد جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ونشهد استعدادًا أكبر لاستخدام القوة، ونشهد استخدام الغذاء والمساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية سلاحا في الحروب أيضًا". مؤكدة أن هذه التطورات الخطيرة تجعل "هناك إلحاحًا أكبر لعملنا الآن" مقارنة بأي وقت مضى.
وأشارت إلى أن مجموعة الأزمات "وُلدت في لحظة زمنية معينة، في وقت كان فيه المجتمع الدولي آنذاك، خاصة اللاعبين الغربيين، يشعر بالثقة"، موضحة أن تلك الحقبة تميزت "بالقوة الأميركية أحادية القطب، التي كانت تشعر بثقة في استخدام القوة، والديمقراطية الليبرالية الدولية التي كانت تشكل طبيعة المشهد الدولي"، لكنها استدركت: "ولكن هذا تغيّر الآن"، في إشارة إلى التحولات الجذرية التي شهدها النظام الدولي على مدى العقدين الماضيين.
ولفتت إلى أن عمل المنظمة على مدى 3 عقود أثبت أهمية "التحدث مع جميع الأطراف وجميع الجهات التي تؤمن بشكل أساسي بفكرة الحوار"، مؤكدة أن منهجية مجموعة الأزمات تقوم على "جلب الناس إلى طاولة النقاش، ومحاولة إيجاد الحلول، وقضاء الوقت في محاولة فهم ما يحدث على الأرض، والتحقق من الحقائق، وضمان الاستماع والتواصل".
تحديات العام القادم
ورغم القتامة التي تطبع المشهد، فقد شددت إيرو على أن التحدي الأكبر يكمن في "جعل الدول والقادة وجميع الأطراف الرئيسية يركزون حقًا على الوقاية والدبلوماسية الوقائية"، محذرة من أن "التصرف المبكر يكلف أقل، لكن التصرف المتأخر يكلف أكثر، سواء من حيث الأرواح البشرية أو من حيث الأموال المطلوبة لصناعة الدفاع أيضًا".
وأضافت أن "الشيء الآخر الذي أراه تحديًا حقيقيًا هو كيفية إعادة التفكير في جدار الحماية متعدد الأطراف؛ فالأمم المتحدة تمر بظروف صعبة للغاية، وعليها أن تفكر في تقليل النفقات مقابل تقليل النتائج، وأوروبا أيضًا تحت ضغط كبير، وكذلك الاتحاد الأفريقي يواجه أيضًا الكثير من التحديات".
وأشارت إلى قلقها من قضايا وجودية تواجه البشرية، قائلة "أكبر ما يقلقنا هو أمن المناخ، وهو مشكلة وجودية، والتحدي الآخر يتعلق بالحد من انتشار الأسلحة النووية ووقف إطلاق النار، وأن تتحول المفاوضات بشأن ذلك إلى نتائج أكثر استدامة".
واستمرت مسؤولة مجموعة الأزمات في سرد ما يقلقها من تحديات مبينة أن ما "يقلقني بالنسبة للعام المقبل هو أن نتمكن من تحويل كل بوادر وقف إطلاق النار والهدن والاتفاقات إلى شيء أكثر استدامة في المستقبل أيضًا"، محذرة من أن "هذا سيجعل عملنا صعبًا للغاية في العام القادم".
ولفتت إلى أن التحديات لا تقتصر على الملفات المعروفة، قائلة "أثناء حديثي معك الآن، هناك توترات تتصاعد على الحدود بين تايلند وكمبوديا، ونحن نراقب تطورًا مقلقًا للغاية في فنزويلا أيضًا". وأضافت "أعتقد أنه سيكون أمامنا المزيد من التحديات في عام 2026، لكن الصورة ليست قاتمة بالكامل، وهناك فرص".
وختمت كومفورت إيرو تصريحاتها للجزيرة نت بأهمية "الحوار والتفاوض" كأدوات أساسية لحل النزاعات، موضحة أن "ما سيكون حاسمًا أيضًا في الفترة القادمة هو القدرة على جمع الدول ذات الأفكار المتشابهة والمختلفة معًا إلى طاولة مفاوضات واحدة، بطريقة لم نتخيل أبدًا أننا قد نراها في سوريا، أو في غزة، أو في البحيرات العظمى".
إعلان