فيصل محمد صالح يكتب عن لقاء البرهان وحميدتي

«ما قبل اللقاء»

أكتب هذا الكلام قبل لقاء الرجلين الجنرال البرهان والجنرال حميدتي، قاصدا أن أسبقه وأناقش بعض المواقف من اللقاء التي عبر عنها أناس كثر، اتفق واختلف مع بعضهم، لكن ما ورد من أفكار وأسئلة يستحق النقاش

– هذا اللقاء مهم جدا، وهو أهم خطوة إيجابية نحو إيقاف الحرب منذ تفجرها في 15 أبريل الماضي، ليس لميزات تفضيلية للرجلين على غيرهم من الموجودين على الساحة السياسية والعسكرية، لكن لأنهما من أشعلا الحرب، ولأنهما قائدا الطرفين المتحاربين، وبالتالي هما من يستطيعان وقف الحرب الآن.

– صحيح أن هناك قوى موجودة عند الطرفين تعمل على إطالة أمد الحرب لمصالح تخصها، ولأنها موجودة داخل الطرفين فقد تكون شريكة في القرار السياسي، لكن طالما اتجه الطرفان نحو اللقاء فهذه خطوة تعني تقدم خيار إيقاف القتال، لأي سبب من الأسباب، وهو في كل الأحوال مكسب، ولو أدى الأمر لشقاق داخل الطرفين أو أحدهما، ففي ذلك مكسب أكبر.

– وقف الحرب أمر في غاية الأهمية ، فالمعاناة الإنسانية الآن في أقصى مراحلها ، نزح مئات الآلاف من المواطنين، راكبين وراجلين، بل وهم يحملون كبار السن على أكتافهم، فقدوا مساكنهم وسياراتهم وممتلكاتهم، وهم يكررون النزوح مرة واثنتين وربما ثلاث مرات. النازحون في مهاجرهم، ومراكز الإيواء، والصامدون الذين بقوا في مساكنهم، رغم كل ضروب المعاناة، يعانون من المرض والجوع، وكل الخدمات غائبة. فقد الناس أمنهم وسلامتهم وأهينت كرامتهم. لهذا فإن وقف الحرب هي الأولوية العظمى لالتقاط الأنفاس وعودة بعض مظاهر الحياة الضرورية حتى يستطيع الناس التفكير فيما بعد ذلك. من يحملون أي رؤى أو أفكار سياسية، العودة لمنصة الانتقال، بناء قاعدي، تغيير جذري لا يمكنهم الحوار المفتوح والتبشير بهذه الافكار في جو الحرب، وبالتالي فمن مصلحتهم جميعا وقف الحرب أولا، ومن ثم تأتي المراحل الأخرى.

– حتى تتضح نتائج اللقاء، فإن أهالي وسكان المناطق التي تحتلها قوات الدعم السريع الآن وتشهد انتهاكات واسعة وعمليات نهب وسرقة للسيارات والممتلكات ” تحديدا مناطق ولايتي الجزيرة وسنار”، وتلك التي قد تنتقل لها الحرب، هم وحدهم أصحاب القرار في كيفية التعامل مع هذا الوضع وما ينتج عنه من معاناة إنسانية. هم أصحاب الوجعة وهم يدركون امكانياتهم وقدراتهم، ولا ينبغي المزايدة عليهم وفرض أي خيارات عليهم.

– هل هناك أية أوهام أن أحد الطرفين مع الديمقراطية والحكم المدني ينبغي دعمه وتأييده في مواجهة الطرف الثاني..؟ وهل يمثل أحدهما إرادة الشعب السوداني وسيادته الوطنية بينما الآخر عميل يرهن إرادته لطرف الأجنبي..؟ المؤكد أن الإجابة لا، فالجنرالين يبحثان مصلحتهما وخاضا الحرب للاستئثار بالسلطة وإن ناور أحدهما بشعارات الثورة في الانتقال الديمقراطي والحكم المدني، فهو يفعل ذلك للكسب الشعبي السياسي بينما التجارب تؤكد عكس ذلك، وإن رفع الطرف الآخر شعارات السيادة الوطنية فهو أول من باعها وفرط فيها ورهن نفسه وسيادة الوطن للأطراف والمحاور الأجنبية. ملخص الأمر أن الطرفين ضد الحكم الديمقراطي والدولة المدنية، والطرفان رهنا السيادة الوطنية وباعاها بثمن بخس. وبالتالي الموقف الوطني الصحيح ليس في الاصطفاف خلف أي منهما ، بل الاصطفاف خلف الشعارات والمواقف الصحيحة بعيدا عن الطرفين.

– هل سيقدم هذا اللقاء حلولا للأزمة السياسية التي أدت للحرب…؟ بالتأكيد لا، ولا ينبغي له ولا لهما، هذا اللقاء في أقصى نجاحاته يجب ان يؤدي لاتفاق لوقف اطلاق النار، إعادة تجميع القوات العسكرية خارج الأحياء والمناطق السكنية، وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية من الأغذية والأدوية للنازحين في كل ربوع السودان. هذا ما نريده من الجنرالين.

– وقف الحرب سيقلل من الانقسام الشديد والحاد في المجتمع السوداني، وسيعطي للناس الفرصة لتجديد الاصطفافات على أسس جديدة وبأولويات جديدة. من المفترض أن تكون هناك جولات تفاوض للقوى المدنية لتناقش مستقبل البلاد والعملية السياسية المطلوبة للعودة للانتقال الديمقراطي.

– هناك نقاط عديدة يحتاج الناس للوقوف عندها وتحديد المواقف منها: ما هو دور العسكر في المرحلة القادمة وهل يجب أن يكون لهم دور سياسي أم أن عملية عودة العسكر للثكنات يحب البدء فيها فورا..؟، كيف نستطيع التوصل لبناء مؤسسة عسكرية وطنية موحدة وقفل الباب أمام الميليشيات والحركات والأحزاب المسلحة؟ ما هو مصير المنتمين لقوات الدعم السريع وكيف يتم التعامل معهم..؟

– أكثر ما أضر بتجارب الانتقال السابقة هو عملية الاعفاء من المحاسبة والجرائم والانتهاكات، وهو أمر عليه إجماع كبير، لهذا هناك امكانية لتكوين جبهة واسعة من الداعين لمحاكمة كل من ساهم وشارك وأمر بارتكاب الانتهاكات التي تمت ، من قتل واغتصاب وسرقة ونهب وتدمير الممتلكات. ومن الواضح أن أجهزة العدالة المحلية من نيابة وشرطة وقضاء ستكون عاجزة تماما عن مساءلة ومحاكمة المتهمين لعجز بنيوي فيها وضعف الامكانيات المادية والبشرية والقانونية، وغياب ثقة المواطنين والضحايا. لهذا هناك حاجة لأن تتبنى هذه الجبهة، وبشكل واضح لا لبس فيه، الدعوة لمحاكمات دولية للمجرمين، وأن يكون هذا البند واحدا من النقاط المهمة التي يحملها ممثلو القوى المدنية في أي عملية تفاوضية.

– هناك حاجة حقيقية لتحديد وتعريف القوى المدنية وكيف سيتم تمثيلها في التفاوض، ومنذ الآن هناك خلافات معروفة وموجودة، ومن الأفضل التفكير منذ الآن بموضوعية في هذا الأمر، هناك تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” وهي تمثل جزءا معتبرا من القوى المدنية، ولكن هناك قوى مدنية خارج الجبهة وربنا لا تريد الانضمام لها، ومن حقها أن تكون موجودة لتطرح أفكارها و رؤاها. ليتنا جميعا نكون قد تعلمنا من تجربة الحرب، وبالتالي ننأى عن محاولات الاستئثار بالمنابر والإقصاء ونتجه نحو مرحلة جديدة تستوعب جميع من يرغبون في العمل المدني السلمي ويلتزمون بأسس المشاركة الشعبية الواسعة .

الوسومالبرهان حميدتي فيصل محمد صالح ماقبل اللقاء

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: البرهان حميدتي

إقرأ أيضاً:

هل تنعش التحركات الدولية والإقليمية عملية السلام في السودان؟

الخرطوم- نشطت تحركات أميركية وأممية وإقليمية لإنعاش المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لإنهاء الحرب في البلاد بعد نحو 6 شهور من آخر جولة بينهما في مدينة جدة السعودية.

ويعتقد مراقبون أن الطرفين يسعيان إلى تغيير المعادلة العسكرية، وتحقيق مكاسب على الأرض بعد اقتراب القتال من مرحلة الجمود.

وبعد فترة من انقطاع التواصل بين الحكومة السودانية وواشنطن أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالًا هاتفيا استغرق 30 دقيقة مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، الأربعاء، بحث خلاله إنهاء الصراع في السودان على وجه السرعة، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.

شروط البرهان

وكشفت مصادر قريبة من مجلس السيادة للجزيرة نت، أن بلينكن طلب من البرهان إرسال وفده إلى جدة أوائل يونيو/حزيران المقبل، لعقد جولة مفاوضات جديدة مع قوات الدعم السريع، برعاية السعودية والولايات المتحدة، وبمشاركة مصر والإمارات والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد".

وحسب المصادر ذاتها، فإن البرهان تحفّظ على الدعوة واشترط تنفيذ الاتفاقات الموقعة في جدة في مايو/أيار 2023 مع الدعم السريع، وإرسال دعوة رسمية تشمل أجندة المفاوضات والمشاركين فيها من دول الإقليم وضمانات وآليات تنفيذ أي اتفاق جديد.

وقال مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة، لدى مخاطبته مؤتمرا للإدارة الأهلية في بورتسودان، إن الحكومة "لم توافق ولن توافق على الذهاب إلى جولة أخرى من مفاوضات جدة مع الدعم السريع ما لم تتم استشارتها مسبقا".

وأعلن رفضهم "الطريقة التي طلب بها وزير الخارجية الأميركي من البرهان الذهاب إلى جدة بدون استشارة الحكومة"، وأضاف "هذا استحقار واستخفاف غير مقبول.. نحن لسنا أغناما".

وتزامنت مهاتفة بلينكن مع زيارة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة رمضان لعمامرة، إلى بورتسودان، حيث أجرى مباحثات مع البرهان، وقال إن المنظمة الدولية تسعى لإحياء مفاوضات السلام وإطلاق عملية سياسية لحل الأزمة عبر حوار سوداني -سوداني.

تحرك مصري

وفي 13 يوليو/تموز 2023، استضافت القاهرة مؤتمرا لدول جوار السودان، حث على ضرورة إنهاء الحرب والاحترام الكامل لسيادة السودان ووحدته، ووقف تدخل الأطراف الخارجية، إلى جانب الحفاظ على الدولة السودانية.

وحددت الخارجية المصرية نهاية يونيو/حزيران المقبل موعدا لعقد مؤتمر جديد يضم كافة القوى السياسية المدنية السودانية، ويحضره الشركاء الإقليميون والدوليون المعنيون، بهدف التوصل إلى توافق بين الفرقاء السودانيين حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في البلاد.

ورحبت الخارجية السودانية بالدعوة المصرية، إلا أنها حددت متطلبات لإنجاح المؤتمر، كما رحبت غالبية القوى السياسية والمدنية بالدعوة المصرية وعدّتها جهدًا من دولة حريصة على أمن واستقرار السودان ووحدته، وتقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء.

من جانبه، يوضح السفير صلاح حليمة مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن التحرك المصري تجاه السودان جاء بمبادرة شعبية مجتمعية وتمت إدارتها بواسطة المجلس المصري للشؤون الخارجية.

ويبين حليمة أن معالجة الأزمة السودانية ستتم في إطار شامل عبر مسار أمني عسكري بغرض وقف إطلاق النار، ثم مسار إنساني وآخر سياسي يتعلق بفترة انتقالية تقودها حكومة كفاءات مدنية تنظم بعد ذلك انتخابات على أساس دستور يتم إقراره بالتوافق في المرحلة الانتقالية.

ويضيف السفير صلاح حليمة أن هناك شمولية أخرى تتعلق بمشاركة القوى الإقليمية والدولية المعنية، وستشكل هذه القوى مجموعة اتصال تشارك في مراقبة ومتابعة وضمان تنفيذ ما يتم التوافق عليه.

خطة "تقدم"

وفي العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، اختتم، الخميس، المؤتمر التأسيسي للقوى الديمقراطية المدنية "تقدم" وانتخب رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك رئيسا للهيئة القيادية للتحالف.

وقال البيان الختامي للمؤتمر إن 600 من المؤتمرين أقروا رؤية سياسية لإيقاف وإنهاء الحرب وتأسيس الدولة واستكمال الثورة، وشددوا على وحدة السودان شعبا وأرضا، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية تقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات.

ورحب البيان بالمبادرة الأميركية السعودية عبر منبر جدة، وكذلك بالجهود المبذولة من مصر ودول الجوار لوقف الحرب وتحقيق السلام.

وتعهّد حمدوك -خلال كلمته في ختام المؤتمر- بوقف الحرب. وقال "لن نستجيب للتخوين ولن نستسلم حتى تقف الحرب. لسنا منحازين لأي طرف، ومهما حاول البعض وصمنا بالانحياز لطرف فهذا غير صحيح".

نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف (يسار) أثناء زيارة السودان الشهر الماضي (وكالة أنباء السودان) منبع واحد

ويرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة "التيار" عثمان ميرغني، أن جدة هي المنبر الوحيد لإنهاء الحرب في السودان، ولكن دون ارتباط بالمكان، مثلما جرى في آخر جولة بالمنامة؛ حيث اتسعت فيها الوساطة الثنائية لتصبح خماسية. وقال إن كل المسارات المتعددة ستصب في منبر جدة، مستبعدا أن يضعف التعدد دور الوساطات الخارجية.

ويعتقد ميرغني – في حديث للجزيرة نت – أن المشهد يتجه نحو حل سلمي متفاوض عليه وإذا توفر الوعي والإرادة فسيكون سهلا الوصول الى حل واتفاق نهائي. وأعرب عن أسفه لما وصفه بـ"تعويل بعض الجهات على مغانم الحرب السياسية أكثر من السلام المستدام".

وفي اتجاه آخر، يشير المحلل والباحث السياسي خالد سعد، أن هناك تنافسا إقليميا ودوليا على لعب دور في الأزمة السودانية بعد إبداء السودان توجهات قوية نحو روسيا التي قد تكون مناورة في هذا الملف أيضا.

ولم يستبعد المحلل – في حديث للجزيرة نت- أن تكون دوافع التحركات الدولية والإقليمية، التأكيدات الأخيرة من قيادة الجيش بمواصلة القتال حتى آخر جندي، و"هي توجهات مخيفة لبعض دول المنطقة، في ظل توترات على سواحل البحر الأحمر، والظروف الهشة أمنيًّا لبعض دول الجوار".

ولم يستبعد المتحدث ذاته تنسيقا مصريا وأميركيا وراء هذه التحركات، بهدف بلورة رؤية سياسية بين الفرقاء لحل الأزمة، لكن جميع الأطراف الدولية والإقليمية ترى ضمنيا أن الحل يستهدف بشكل أساسي حملة السلاح، وإذا نجحوا في إجراء محادثات، فإن وضع القوى السياسية في أي اتفاق محتمل سيكون ثانويا.

وباعتقاد سعد، فهذه إستراتيجية أجنبية تقوم على مفهوم أن التفاوض وما ينتج عنه، يؤسس على الأقوياء عسكريا باعتبارهم الجهات القادرة على تنفيذ الاتفاق كما حدث في اتفاقات سلام سابقة.

ورأى أن تعدد المنابر يشتت جهود الحل، ولكن اعتبر توحيد القوى السياسية ورقة رابحة لمقاومة الأجندة الخارجية المؤذية لوحدة البلد ولأنها تعزز مسألة السيادة، وهي كذلك خطوة ضاغطة وحاسمة لإيقاف الحرب، دون الإخلال بمسألة تماسك وشرعية المؤسسة العسكرية، بخلاف استمرار حالة الانقسام، حيث الراجح إطالة الحرب، ومزيد من تعقيد تداعياتها.

مقالات مشابهة

  • كما انفردت البوابة.. اجتماع وزير الرياضة ومدرب المنتخب ومحمد صلاح
  • ماسك ينوي استضافة ترامب في لقاء افتراضي عبر إكس
  • عاجل.. موعد أول لقاء بين حسام حسن ومحمد صلاح في منتخب مصر بعد الأزمة
  • هل تنعش التحركات الدولية والإقليمية عملية السلام في السودان؟
  • مدير أكاديمية درعة تافيلالت يترأس لقاء تنسيقيا جهويا بخصوص مستجدات امتحانات الباكالوريا
  • نِقوش على جِدار الحرب السودانية (5): حكومة بورتسودان
  • الصين تحذر: حركة استقلال تايوان ستؤدى إلى اشتعال الحرب بين الطرفين
  • "الصحافة الأدبية ودورها في التنوير" لقاء بقصر ثقافة أبو قرقاص
  • خلال لقاء عن "المكان السينمائي" كايرو فيلم فاكتوري تحتفل بـ "تقديرية" أنسي أبو سيف
  • تقدم تتقدم خطوتين للأمام .. وقف الحرب وعلمانية الدولة