من فيروسات الـزومبي إلى طائر الدودو المنقرض.. هكذا أعاد العلماء إحياء الماضي في عام 2023
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تكتسب البيولوجيا الخاصة بالأحياء (resurrection biology)، التي تحاول إعادة إحياء سلسلة من الجزيئات والكائنات الحية الأكثر تعقيدًا، زخمًا في المختبرات حول العالم.
وبالنسبة لبعض العلماء، فإن الهدف النهائي للعملية يتمثل بالقضاء على الانقراض، وإحياء الحيوانات والنباتات التي لم تَعُد موجودة.
وينظر باحثون آخرون إلى الماضي بحثًا عن مصادر جديدة للأدوية، أو لدق ناقوس الخطر بشأن احتمال وجود مسببات أمراض خاملة لفترةٍ طويلة.
وتنطوي هذه الدراسات أيضًا على إعادة إنشاء عناصر من تاريخ البشرية في محاولةٍ لفهم كيفية عيش ووفاة أسلافنا بشكلٍ أفضل.
وإليكم أربعة مشاريع بحثية رائعة في هذا المجال الناشئ انطلقت في عام 2023، وحقّقت تقدمًا كبيرًا.
إعادة إحياء فيروسات الـ"زومبي"تتسبب درجات الحرارة الأكثر دفئًا في القطب الشمالي بذوبان التربة الصقيعية في المنطقة، وهي طبقة متجمدة من التربة تحت الأرض.
ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى إثارة فيروسات قد تُعرِّض صحة الحيوانات والبشر للخطر بعد أن ظلّت في حالة سبات لعشرات الآلاف من الأعوام.
ويسعى الأستاذ الفخري للطب وعلم الجينوم في كلية الطب بجامعة "إيكس مرسيليا" بفرنسا، جان ميشيل كلافيري، إلى فهم المخاطر التي تشكلها ما يصفها بـ"فيروسات الزومبي" بشكلٍ أكبر، وذلك عبر إحياء الفيروسات من عينات التربة في سيبيريا.
وتمكن كلافيري من إحياء فيروس في عام 2014 عزله مع فريقه من التربة الصقيعية، ما جعله معديًا لأول مرة منذ 30 ألف عام، وذلك عبر إدخاله في خلايا مُستزرعة.
وفي أحدث بحث له نُشر في فبراير/شباط، عزل كلافيري وفريقه عدة سلالات من الفيروسات القديمة في عينات متعددة من الأرض مثّلت 5 عائلات جديدة من الفيروسات.
ولدواعي السلامة، اختار كلافيري دراسة فيروس يمكنه استهداف الأميبا وحيدة الخلية فقط، وليس الحيوانات أو البشر.
وأفاد كلافيري أنّ استمرار الفيروسات التي تُصيب الأميبا بالعدوى بعد فترةٍ طويلة يُشير إلى تهديد خطير محتمل للصحة العامة.
وقال كلافيري لـCNN في وقتٍ سابق من هذا العام: "نحن نعتبر هذه الفيروسات التي تصيب الأميبا بمثابة وكيلة لجميع الفيروسات المحتملة الأخرى التي قد تكون في التربة الصقيعية"، مضيفًا: "منطق تفكيرنا هو: إذا كانت فيروسات الأميبا لا تزال على قيد الحياة، فلا يوجد سبب يمنع الفيروسات الأخرى من أن تظل على قيد الحياة، وقادرة على إصابة مضيفيها".
البحث عن مضادات حيوية جديدة من العصر الجليديبالنسبة لرائد الهندسة الحيوية، والأستاذ المساعد الرئاسي في جامعة "بنسلفانيا"، سيزار دي لا فوينتي، يمثّل الماضي مصدرًا للفرص التي فتحت جبهة جديدة في الحرب ضد الجراثيم المقاوِمة للأدوية.
ويعني التقدم في استعادة الحمض النووي القديم من الحفريات أنّ المكتبات التفصيلية للمعلومات الوراثية حول أقارب البشر المنقرضين والحيوانات المنقرضة منذ فترة طويلة أصبحت متاحة للجمهور الآن.
وتَستخدم مجموعة علم الأحياء الآلية التي يقودها دي لا فوينتي في جامعة "بنسلفانيا" أساليب حسابية تعتمد على المعلومات الاستخباراتية لاستخراج هذه المعلومات الجينية، وتحديد جزيئات البروتين الصغيرة، أو الببتيد، التي تعتقد أنّها تتمتع بقدرات في مكافحة البكتيريا.
واكتشف دي لا فوينتي مركبات واعدة من إنسان نياندرتال، ومخلوقات العصر الجليدي مثل الماموث الصوفي، والكسلان العملاق.
ورُغم أنّ نهج دي لا فوينتي غير تقليدي، إلا أنّ الحاجة الملحة لتحديد مرشحين محتملين لم تكن أشد من أي وقت مضى، إذ يواجه سكان العالم نحو 5 ملايين حالة وفاة مرتبطة بمقاومة الميكروبات سنويًا، وفقًا لما ذكرته نظمة الصحة العالمية (WHO).
خطط لإعادة إحياء كائنات منقرضة مثل طائر الدودو، والماموث، والنمر التسمانيأعلنت شركة "Colossal Biosciences" الناشئة في مجال التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية في يناير/كانون الثاني أنّها تخطط لإعادة إحياء طائر الدودو، وهو طائر غريب المظهر لا يطير عاش بجزيرة موريشيوس في المحيط الهندي حتّى أواخر القرن الـ17، وإعادته لموطنه الأصلي.
وتعمل الشركة على مشاريع أخرى طموحة بالقدر ذاته لدمج التطورات في مجال تسجيل تسلسل الحمض النووي القديم، وتكنولوجيا تعديل الجينات، والبيولوجيا الصناعية لإعادة إحياء الماموث الصوفي، والنمر التسماني.
واكتشف علماء الوراثة في "Colossal Biosciences" خلايا تعمل كسلف للمبيضين أو الخصيتين في حمام "نيكوبار" الأقرب إلى الدودو، والتي يمكن أن تنمو بنجاح في جنين الدجاج.
ويُحقّق العلماء الآن فيما إذا كان يمكن لهذه الخلايا، التي تسمى الخلايا الجرثومية البدائية (PGCs)، أن تتحول إلى حيوانات منوية وبويضات.
وتخطط الشركة لمقارنة جينومات طائر الدودو وطائر "سوليتير رودريغز"، وهو طائر منقرض يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطائر الدودو، لتحديد مدى الاختلاف بينهما.
ومن ثمّ ستقوم الشركة بتعديل خلايا PGCs لحمامة "نيكوبار" لتجسّد السمات الجسدية لطائر الدودو.
رائحة المومياوات المصريةيمكن لزوار متحف "Moesgaard" في الدنمارك شم رائحة بلسم تحنيط مصري استُخِدم لآخر مرة منذ 3،500 عام.
وأُعيد إنشاء الرائحة من مكونات رُصِدت خلال دراسة البقايا في جرّتين تم اكتشافهما في وادي الملوك بمصر خلال عام 1900.
واحتوت الجرّتان في السابق على بعض بقايا امرأة نبيلة مصرية قديمة تُعرف باسم "سينيتناي".
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: آثار أمراض اكتشافات دراسات التربة الصقیعیة إعادة إحیاء من التربة التی ت
إقرأ أيضاً:
الجرف الكوني ملاحظة متكررة لمرصد جيمس ويب تحير العلماء
في الأسابيع الأولى التي بدأت فيها صور تلسكوب جيمس ويب الفضائي تتدفق إلى المجتمع العلمي عام 2022 لاحظ الفلكيون نمطا غير مألوف يتمثل في نقاط صغيرة شديدة الاحمرار تبدو مضغوطة كأنها نجوم منفردة، لكنها لا تتصرف طيفيا كنجوم، ولا تشبه ما اعتدناه من مجرات بعيدة.
هذه الأجرام -التي صارت تُعرف لاحقا باسم "النقاط الحمراء الصغيرة"- بدت أكثر عددا مما توقعته النماذج، وبدا لونها الأحمر منطقيا فقط إذا تذكرنا ميزة ويب الحاسمة، وهي قدرته على الرصد في الأطوال الموجية تحت الحمراء التي لم تكن في متناول سابقه مرصد هابل.
ومع تراكم البيانات اتضح أن المسألة ليست "غرابة لونية" فحسب، بل مشكلة في التصنيف، فلكي نفهم أي جسم سماوي نحتاج إلى نموذج يربط بين مظهره وطيفه الفيزيائي، النجوم مثلا نعرفها لأننا نفهم الاندماج النووي وبلازما الجاذبية، والمجرات نعرفها لأننا نفهم تراكيبها النجمية وغبارها وتاريخ تشكّلها.
أما هذه النقاط الحمراء الصغيرة فلم تكن تلائم أي خانة جاهزة، وظهرت تفسيرات مبكرة تقول إنها مجرات فائقة الكثافة مليئة بعدد هائل من النجوم ويصبغها الغبار بالاحمرار، أو أنها نوى مجرية نشطة محتجبة بالغبار.
النوى المجرية النشطة هي قلب مجرة يلمع بسطوع غير عادي، لأن في مركزه ثقبا أسود فائق الكتلة يبتلع الغاز والغبار بكثافة أكبر من المعتاد، مما يعطيها لمعانا أكبر.
لكن كل تفسير كان يطلب ثمنا نظريا باهظا، فإما أن هناك معدلات تكون نجوم وكثافات لا تُرى إلا في نوى المجرات وبشكل مبالغ فيه، أو أن الثقوب السوداء فائقة الكتلة كانت أكثر عددا وكتلة مما تسمح به التوقعات المعتادة.
هنا دخلت الأطياف إلى قلب القصة، وهي ببساطة هي "تحليل ضوء" الجرم السماوي، حيث يفككه العلماء إلى أطوال موجية ويرصدون به خطوط امتصاص أو انبعاث وانقطاعات مميزة.
إعلانهذه العلامات تكشف تركيب المادة وحرارتها وسرعتها، وتميز إن كان الضوء صادرا من نجوم أو غاز ساخن حول ثقب أسود، أو محجوبا بالغبار، لذلك فالصورة تخبرنا بالشكل، في حين الطيف يخبرنا بالفيزياء.
درس العلماء في برنامج "روبيز" للرصد الفلكي بقيادة آنا دي غراف من معهد ماكس بلانك لعلم الفلك أطياف نحو 4500 مجرة بعيدة عبر قرابة 60 ساعة رصد في 2024، ووجدوا ضمنها 35 مثالا من "النقاط الحمراء الصغيرة"، بينها جسم شديد التطرف ظهر كحجر زاوية للاختبار.
ذلك الجسم سمي "الجرف"، لأنه أظهر في طيفه قفزة حادة على نحو يذكّر بحافة صخرية.
ومن الناحية التقنية، ما شوهد هو "انقطاع بالمر"، وهو ميزة طيفية معروفة في المجرات، لكنها جاءت هنا أشد مما رُصد في مصادر شبيهة.
يقع الجرف على مسافة نجو 11.9 مليار سنة ضوئية، ويعني ذلك أنه عاش بعد نشأة الكون بنحو مليار إلى ملياري سنة، طيف الجرف لا يتفق مع أي نموذج يعرفه العلماء في فيزياء الكونيات.
عندما تفشل التفسيرات المألوفة يضطر العلم إلى اقتراح هندسة جديدة للمشهد، وهنا طرح الفريق فكرة لافتة، وهي "نجم الثقب الأسود".
الفكرة ليست نجما بالمعنى التقليدي (أي لا يوجد اندماج نووي في القلب)، بل نظام تقوده نواة مجرية نشطة وثقب أسود في المركز محاط المرة بغلاف كثيف شبه كروي من غاز الهيدروجين.
وفي هذا السيناريو يمكن للغلاف الغازي الكثيف المضطرب أن يصنع "الحافة" الطيفية التي حيرت الجميع، ويجعل الجسم يبدو نقطة مدمجة شديدة الاحمرار أقرب في ملامحها إلى طيف "مصدر واحد ساخن" منه إلى مجرة كاملة.
تبعات مزعجةلو صحّت هذه الفكرة فإن تبعاتها تصل إلى سؤال أكبر طالما أزعج فلكيي الكون المبكر: كيف نمت الثقوب السوداء الضخمة بهذه السرعة؟ إن وجود مرحلة "مغلفة بالغاز" قد يتيح معدلات ابتلاع أعلى للمادة المحيطة بالثقب الأسود، وربما نموا أسرع، مما قد يساعد على تفسير رصد ثقوب سوداء فائقة الكتلة في أزمنة مبكرة.
"نجم الثقب الأسود" لم يُثبت بعد، وما زالت الأسئلة ثقيلة: كيف يتشكل الغلاف الغازي أصلا؟ وكيف يستمر رغم أن الثقب الأسود يلتهم مادته ويحتاج إلى تغذية متواصلة؟ وما مصدر بقية التفاصيل الطيفية التي لا تزال عصية؟
تبدو القصة في جوهرها أقرب إلى لحظة إعادة ضبط منهجية، فمرصد جيمس ويب لم يقدم مجرد صور أجمل، بل فتح نافذة طيفية كشفت فئة من الأجرام لا نعرف بعد أي شيء عنها، وصدم العلماء ببيانات تخالف تماما توقعاتهم، فهل نحن على أعتاب فيزياء جديدة؟