كانت كرة القدم العربية على موعد مع العديد من الإنجازات خلال عام 2023، بعدما شهد تتويج أكثر من فريق عربي بألقاب قارية، وتحقيق عدد من اللاعبين العرب لنجاحات مختلفة مع أنديتهم.

وجاءت أولى إنجازات الكرة العربية هذا العام عن طريق الهلال السعودي، الذي حصل على الميدالية الفضية في نسخة عام 2022 لبطولة كأس العالم للأندية، التي أقيمت بالمغرب في فبراير الماضي.

وافتتح الهلال مشواره في المونديال بالفوز 5 / 3 على الوداد البيضاوي المغربي بركلات الترجيح في الدور الثاني للمسابقة، عقب تعادلهما 1 / 1 في الوقتين الأصلي والإضافي، قبل أن يفوز الفريق السعودي 3 / 2 على فلامنجو البرازيلي في الدور قبل النهائي.

وخسر الهلال 3 / 5 أمام ريال مدريد الإسباني في المباراة النهائية للمونديال، ليحصل على المركز الثاني، ويصبح ثالث فريق عربي يحصد الميدالية الفضية في البطولة، بعد الرجاء البيضاوي المغربي والعين الإماراتي.

3 ألقاب قارية في المسابقات الأفريقية

وكانت الكرة العربية على موعد مع 3 ألقاب قارية في المسابقات الأفريقية هذا العام، حيث توج الأهلي المصري بلقب دوري أبطال أفريقيا، وحصل اتحاد الجزائر على لقبي كأس الكونفدرالية الأفريقية والسوبر الأفريقي.

وفاز الأهلي بلقب دوري أبطال أفريقيا للمرة الـ11 في تاريخه، ليعزز رقمه القياسي كأكثر الفرق تتويجا بالبطولة الأهم والأقوى على مستوى الأندية في القارة السمراء.

واستعاد نادي القرن في أفريقيا لقبه القاري المفضل، الذي غاب عنه في العام الماضي، عقب فوزه على الوداد البيضاوي في الدور النهائي للمسابقة القارية.

وفاز الأهلي 2 / 1 على الوداد ذهابا بالقاهرة، قبل أن يتعادل معه 1 / 1 في مباراة العودة، التي أقيمت بملعب (محمد الخامس) في مدينة الدار البيضاء في يونيو الماضي، ليثأر من خسارته صفر / 2 أمام منافسه المغربي في نهائي نسخة البطولة عام 2022.

الأهلي يتوج ببرونزية مونديال الأنديةالأهلي يحصد البرونزية الرابعة في كأس العالم للأندية

وواصل الأهلي إنجازاته في العام الحالي، بعدما حصل على الميدالية البرونزية للمرة الرابعة في تاريخه بكأس العالم للأندية لنسخة عام 2023، التي أقيمت منافساتها في المملكة العربية السعودية خلال ديسمبر الجاري.

واستهل الأهلي مشواره في البطولة بالفوز 3 / 1 على اتحاد جدة، حامل لقب الدوري السعودي للمحترفين، الذي شارك في المسابقة بصفته ممثلا للبلد المضيف، في الدور الثاني للمونديال، قبل أن يخسر صفر / 2 أمام فلومينينسي البرازيلي في الدور قبل النهائي.

وحصل الأهلي على المركز الثالث عقب فوزه الكبير 4 / 2 على أوراوا ريد دياموندز الياباني، ليكرر إنجازه التاريخي بالحصول على برونزية المونديال، التي سبق أن حققها أعوام 2006 و2020 و2021.

من جانبه، بات اتحاد الجزائر أول فريق جزائري يتوج بالكونفيدرالية الأفريقية، عقب فوزه باللقب هذا العام على حساب يانج أفريكانز التنزاني في الدور النهائي.

وفاز اتحاد الجزائر 2 / 1 على يانج أفريكانز بالعاصمة التنزانية دار السلام ذهابا، قبل أن يخسر صفر / 1 في لقاء الإياب، الذي جرى في الثالث من يونيو الماضي بالعاصمة الجزائرية.

وحمل الفريق الجزائري كأس البطولة، مستفيدا من تفوقه بفارق الأهداف المسجلة خارج الأرض، والتي يتم الاحتكام إليها في حال تعادل الفريقين في مجموع مباراتي الذهاب والعودة، وفقا للائحة المسابقة.

ومنح اتحاد العاصمة كرة القدم الجزائرية لقبها الثاني في السوبر الأفريقي، عقب فوزه 1 / صفر على الأهلي المصري في اللقاء الذي جرى بينهما في سبتمبر الماضي بمدينة الطائف السعودية، ليحصل على البطولة للمرة الأولى في تاريخه، ويكرر إنجاز مواطنه وفاق سطيف، الذي نال اللقب ذاته على حساب الأهلي أيضا عام 2015.

منتخب المغرب تحت 23 سنةإنجازات لمنتخب الجزائر للمحليين وسيدات المغرب

وحققت الكرة الجزائرية إنجازا آخر في العام الحالي، بحصول منتخب الجزائر على المركز الثاني بكأس الأمم الأفريقية للمحليين، عقب خسارته بركلات الترجيح أمام نظيره السنغالي في المباراة النهائية للمسابقة، التي استضافتها الجزائر في فبراير الماضي.

أما الكرة المغربية، فحققت إنجازا رائعا خلال نهائيات كأس العالم للسيدات، التي أقيمت باستراليا ونيوزيلندا في الصيف الماضي، عقب صعود منتخب المغرب لدور الـ16 للمرة الأولى في تاريخ البطولة.

وحصل المنتخب المغربي للسيدات على المركز الثاني في ترتيب المجموعة الثانية برصيد 6 نقاط، عقب تحقيقه فوزين وتلقيه خسارة واحدة، حيث تأخر بفارق الأهداف خلف منتخب كولومبيا (المتصدر)، في حين تفوق على المنتخب الألماني، بطل العالم مرتين، الذي حل في المركز الثالث بأربع نقاط، وقبع منتخب كوريا الجنوبية في ذيل الترتيب بنقطة واحدة.

كما كانت المغرب على موعد مع إنجاز آخر هذا العام بتتويج منتخبها تحت 23 سنة بلقب كأس الأمم الأفريقية للمنتخبات الأولمبية، التي استضافتها البلاد في الصيف الماضي، عقب فوزه 2 / 1 على نظيره المصري في المباراة النهائية، ليصعد المنتخبان لمنافسات كرة القدم بأولمبياد باريس 2024 الصيف المقبل.

ياسين بونوتألق النجوم العرب في الملاعب الأوروبية

وشهد العام الذي يودعنا بعد ساعات قليلة تألق العديد من النجوم العرب في الملاعب الأوروبية، حيث ساهم النجم الجزائري الدولي رياض محرز في حصول فريقه مانشستر سيتي على الثلاثية التاريخية (الدوري الإنجليزي الممتاز وكأس الاتحاد الإنجليزي ودوري أبطال أوروبا)، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الفريق السماوي، قبل انتقاله خلال فترة الانتقالات الصيفية الماضية لفريق أهلي جدة السعودي.

وقاد الثلاثي المغربي ياسين بونو ويوسف النصيري ومنير الحدادي فريق إشبيلية الإسباني للتتويج بلقب الدوري الأوروبي في عام 2023، للمرة السابعة عقب فوزه 4 / 1 على روما الإيطالي بركلات الترجيح في المباراة النهائية للمسابقة، وذلك بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل 1 / 1.

وتصدى بونو لركلتي ترجيح خلال المباراة، التي أقيمت على ملعب (بوشكاش أرينا) في العاصمة المجرية بودابست، ليلعب دورا مهما في فوز الفريق الأندلسي بالبطولة قبل انتقاله في الصيف الماضي لفريق الهلال السعودي.

كما حصل المغربي نايف أكرد والجزائري سعيد بن رحمة على لقب دوري المؤتمر الأوروبي مع فريقهما ويستهام يونايتد الإنجليزي، عقب فوزه 2 / 1 على فيورنتينا الإيطالي في المباراة النهائية التي جرت في السابع من حزيران/يونيو الماضي، والتي شهدت تسجيل بن رحمة الهدف الأول للفريق الإنجليزي من ركلة جزاء.

كما توج الظهير الأيمن المغربي الدولي أشرف حكيمي بلقب الدوري الفرنسي للموسم الثاني على التوالي مع فريقه باريس سان جيرمان هذا العام، ونال مواطنه نصير المزراوي لقب الدوري الألماني مع فريقه بايرن ميونخ، الذي احتفظ باللقب المحلي للموسم الـ11 على التوالي، وفاز الجناح الجزائري آدم وناس بالدوري الإيطالي هذا العام مع فريقه نابولي الإيطالي، الذي استعاد اللقب الغائب عن خزائنه منذ عام 1990.

محمد صلاح نجم ليفربولمحمد صلاح يواصل أرقامه التاريخية مع ليفربول

ورغم عدم تتويجه بأي ألقاب خلال العام الحالي مع فريقه ليفربول، حقق النجم الدولي المصري محمد صلاح إنجازا تاريخيا، بعدما دخل قائمة العشرة الأوائل في قائمة الهدافين التاريخيين للدوري الإنجليزي الممتاز برصيد 151 هدفا، بواقع 149 هدفا مع الفريق الأحمر وهدفين مع فريقه السابق تشيلسي، الذي لعب في صفوفه خلال الفترة ما بين يناير 2014 يناير 2015.

وفي مارس الماضي، تصدر محمد صلاح قائمة الهدافين التاريخيين لليفربول في الدوري الإنجليزي الممتاز، بعدما حطم الرقم السابق الذي كان يحمله روبي فاولر، صاحب الـ128 هدفا.

وخلال العام الحالي أيضا، تقدم (الفرعون المصري) للمركز الخامس بقائمة هدافي ليفربول التاريخيين في مختلف المسابقات، عقب تسجيله 202 هدف في 331 مباراة لعبها بجميع البطولات بقميص الفريق العريق.

وكان صلاح في طليعة اللاعبين العرب الذين تواجدوا بقائمة جائزة الكرة الذهبية المقدمة من مجلة (فرانس فوتبول) الفرنسية لأفضل لاعب في العالم لعام 2023، حيث حصل على المركز الـ11، متفوقا على ياسين بونو، الذي جاء في المركز الثالث عشر.

منتخب المغربالكرة العربية تفوز بالعديد من الجوائز في عام 2023

ونالت الكرة العربية العديد من الجوائز في عام 2023، حيث حصل منتخب المغرب على جائزة أفضل منتخب أفريقي هذا العام من جانب الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، فيما حصد وليد الركراكي، المدير الفني لمنتخب المغرب جائزة أفضل مدرب بأفريقيا، وفاز ياسين بونو بجائزة أفضل حارس مرمى في القارة السمراء.

ويعود السبب في تلك الجوائز للإنجاز التاريخي الذي حققه منتخب المغرب في نهائيات كأس العالم الأخيرة التي أقيمت بقطر عام 2022، وشهدت تأهل (أسود الأطلس) للدور قبل النهائي في البطولة، ليصبح أول منتخب عربي وأفريقي يصعد للمربع الذهبي في كأس العالم.

كما فازت المغربية فاطمة تكناوت، لاعبة الجيش الملكي المغربي، بجائزة أفضل لاعبة داخل أفريقيا، وتوجت المغربية نسرين الشاد، لاعبة سانت إيتيان الفرنسي، بجائزة أفضل لاعبة شابة.

فريق الأهليالأهلي أفضل ناد في أفريقيا

وحصل الأهلي المصري على جائزة أفضل ناد بأفريقيا، المقدمة أيضا من كاف، بعد حصوله على 5 ألقاب في الموسم الماضي، حيث فاز بالدوري المصري الممتاز وكأس مصر ولقبين للسوبر المصري، بالإضافة للقب دوري الأبطال.

وفي أكتوبر الماضي، نال الدولي السعودي سالم الدوسري، جناح نادي الهلال، جائزة أفضل لاعب في قارة آسيا 2022 المقدمة من الاتحاد القاري لكرة القدم.

وكانت الكرة العربية محط أنظار الجميع خلال عام 2023 من خلال بطولة الدوري السعودي للمحترفين، التي استقطبت العديد من نجوم الساحرة المستديرة في العالم على رأسهم النجم البرتغالي المخضرم كريستيانو رونالدو، الذي انضم لصفوف النصر السعودي في يناير الماضي، بعد انتهاء مسيرته مع مانشستر يونايتد الإنجليزي.

وفتح التعاقد مع رونالدو، الفائز بجائزة أفضل لاعب في العالم 5 مرات، الباب أمام أندية الدوري السعودي للتعاقد مع المزيد من النجوم العالميين مثل المهاجم الفرنسي كريم بنزيمة، نجم ريال مدريد الإسباني، الفائز بجائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم عام 2022، وروبيرتو فيرمينو وساديو ماني وفابينيو ونجولو كانتي ورياض محرز وياسين بونو وإدوارد ميندي وفرانك كيسي وجوردان هندرسون.

وعقب تلك الصفقات المدوية، ارتفعت القيمة التسويقية للدوري السعودي لتصل إلى 42ر989 مليون يورو، وفقا لموقع (ترانسفير ماركت)، المتخصص في القيم التسويقية للاعبي كرة القدم في العالم.

كأس العالمالمغرب والسعودية يستضيفان كأس العالم

وشهد عام 2023 اقتراب بلدين عربيين من استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم عامي 2030 و2034، حيث يتعلق الأمر بالمغرب والسعودية.

وقرر مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إقامة كأس العالم عام 2030 في المغرب والبرتغال وإسبانيا، مع إجراء مباراة واحدة للمونديال في كل من الأرجنتين وباراجواي وأوروجواي.

ويأتي ذلك كجزء من الاحتفالات بالذكرى المئوية للبطولة، التي انطلقت نسختها الأولى عام 1930 في أوروجواي، فيما يتطلب القرار الذي اتخذه مجلس فيفا موافقة نهائية خلال اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي في العام المقبل.

وفي حال الحصول على الموافقة النهائية من جانب الجمعية العمومية، ستكون المغرب ثاني بلد عربي يستضيف كأس العالم لكرة القدم بعد قطر 2022.

وخلال العام الحالي أيضا، اقتربت السعودية بشدة من استضافة مونديال 2034 للمرة الأولى، بعدما أصبحت المرشحة الوحيدة التي أبدت اهتمامها بتنظيم المسابقة، حيث من المقرر أن يتم إسناد البطولة إليها رسميا، خلال اجتماع الجمعية العامة لفيفا نهاية العام القادم.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأهلي الدوري السعودي محمد صلاح ليفربول دوري أبطال إفريقيا كريستيانو رونالدو منتخب الجزائر منتخب المغرب الهلال النصر السعودي ياسين بونو اتحاد العاصمة فی المباراة النهائیة جائزة أفضل لاعب الکرة العربیة للمرة الأولى العام الحالی منتخب المغرب أفضل لاعب فی بجائزة أفضل لکرة القدم التی أقیمت یاسین بونو کأس العالم على المرکز محمد صلاح کرة القدم فی العالم هذا العام العدید من عقب فوزه فی العام فی الدور مع فریقه حصل على عام 2023 فی عام عام 2022 قبل أن

إقرأ أيضاً:

صدمة الإبادة التي تغيّر العالم.. إذا صَمَت الناس فلن يبقى أحد في أمان

في 25 فبراير/شباط 2024، وبعد أشهر قليلة على بدء العمليات الوحشية لجيش الاحتلال في قطاع غزة، الجندي القوات الجوية الأميركية آرون بوشنِل (25 عاما) أمام سفارة إسرائيل في واشنطن بالولايات المتحدة، وأشعل النار في نفسه، احتجاجا على تواطؤ بلاده وجيشه الصريح مع الإبادة الجارية في غزة، وصرخ "فلسطين حرة" حتى فارق الحياة.

لم يكن بوشنِل الوحيدَ الذي لم يحتمل وطأة الإبادة في غزة، رغم أنها تبعد عنه آلاف الأميال.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الرئيس الذي دعا لتحرير فلسطين عبر جيش دوليlist 2 of 2لماذا يريد بلير "الأبيض" حكم غزة؟end of list

ففي أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبعد قرار تسليح إسرائيل المفتوح من قبل إدارة بايدن، قال المسؤول الأميركي جوش بول، المدير السابق للشؤون العامة والتشريعية بهيئة الشأن العسكري-السياسي في وزارة الخارجية الأميركية، في خطاب على "لينكد إن": "لقد تنازلت عن معاييري الأخلاقية في هذا المنصب مرات لا حصر لها.. وعاهدت نفسي دوما أن أبقى طالما أن الضرر أقل من الفائدة التي أحققها.. لكنني أرحل اليوم لأنني أعتقد أن مسارنا الحالي.. جعلني أصل إلى نهاية تلك المعادلة".

في يوليو/تموز 2024، لحق به المسؤول بوزارة الخارجية الأميركية، مايكل كيسي.. "لقد سئمت الكتابة عن القتلى من الأطفال.. وأن أبذل جهدا باستمرار كي أثبت لواشنطن أن هؤلاء الأطفال ماتوا بالفعل.. كلما ازداد علمك بتلك القضية، واجهتك حقيقة لا مفر منها وهي أن الوضع سيئ للغاية".. هكذا صرّح كيسي في حوار مع صحيفة الغارديان البريطانية.

على حد وصفه، بدأ بعض زملائه يمزح حول عدم جدوى التقارير في التأثير على صناع القرار في واشنطن، الذين فضّلوا دوما الانحياز إلى السردية الإسرائيلية، قائلا إنه لا أحد في الإدارة يقرأ تقاريره ولو وضع فيها نقودا هدية.

منذ بدء طوفان الأقصى قبل عامين، تباينت ردود الأفعال في أنحاء العالم بين التضامن والصمت والتضييق، وظهر بون شاسع بين التعاطف مع الفلسطينيين في الشارع وبين الرغبة في التضييق على الحقائق وعلى أي محاولة للتضامن من جهة الحكومات الغربية، مما دفع بعض المسؤولين -مثل كيسي وبول- إلى تغليب بوصلتهم الأخلاقية على منصبهم الرسمي.

إعلان

وقد جرى الحديث لفترة في الأسابيع الأولى حول "تناسُب" رد الاحتلال على العملية الفلسطينية، لكن مع استمرار الحرب على غزة اتسعت دائرة المتابعين والمهتمين حول العالم، وتغيّرت القناعات واتجاهات الرأي العام لما شكّله الحدث من اختبار حقيقي للأخلاقيات والقيم والمواقف السياسية التي يعتنقها الكثيرون في المجتمعات الغربية، بالإضافة للاختبار الحقيقي الذي مثّلته هذه الحرب للقوانين الدولية التي تدّعي الحكومات التمسك بها.

بعد مرور شهور، وتأمُّل التأثير الواسع للطوفان، يمكن القول إن صدمة عميقة أصابت الشعوب حول العالم إزاء ما يحدث في غزة من إبادة يومية. فمنذ بداية الطوفان، بدأ كثيرون يكتشفون أن رد الفعل الإنساني الطبيعي تجاه ما يحدث للفلسطينيين -وهو التعاطف والتضامن معهم- غير مقبول أو مسموح به من قبل كثير من الحكومات حول العالم.

وتعزَّز ذلك الشعور حين توالت فصول الحرب على غزة، وازدادت بشاعتها بحيث لم يَعُد يمكن الدفاع عنها أو التبرير لها بوصفها "ردا" على عملية 7 أكتوبر. وفي خضم هذا الواقع، أدركت الكثير من الشعوب أننا في نظام دولي يسمح بارتكاب إبادة جماعية على الهواء، ولا يسمح حتى بالتضامن مع المظلومين.

آلاف الأشخاص يتظاهرون في مدينة شيكاغو بولاية إلينوي الأميركية دعما لغزة في 21 أغسطس/آب 2024 (الأناضول)الصدمة الأولى.. التضامن ليس مسموحا

قبل أن ينقضي شهر واحد على طوفان الأقصى، وأمام قتل الاحتلال آلاف الأشخاص في غزة، بدأت المظاهرات تَعُم العواصم الأوروبية والعالمية، في اليابان والنرويج وهولندا وبريطانيا وألمانيا ودول أخرى عديدة، حيث خرج مؤيدو القضية الفلسطينية مطالبين بوقف إطلاق النار في غزة، لكنها لم تمض بسلام. ففي دول كثيرة رفعت الشرطة استعدادها واعتقلت عددا من النشطاء، وتعرّض المتضامنون مع القضية الفلسطينية لمشكلات قانونية.

بدا إذن أن الحكومات الغربية اتحدت في الانحياز السياسي إلى الاحتلال، فقيّدت عدة دول الاحتجاج من أجل فلسطين، واستهدفت الأعلام الفلسطينية. وفي الولايات المتحدة تعرّض كثير من المتضامنين للطرد من وظائفهم وإلغاء عقودهم.

ومع اتساع دائرة الحرب، ودائرة المعرفة بها أيضا وبالقضية الفلسطينية في شتى أنحاء العالم، توالت صور الإبادة والتهجير القسري والمجاعة، وطاردت المشاهدين حول العالم بشكل لا يمكن تجنبه.

بعد عامين من طوفان الأقصى، وبعدما جرت المذابح بالبث الحي والمباشر ودُمِّرت البنية التحتية وانهار النظام الصحي وتلوثت المياه وقُصِفت المساعدات الإنسانية والساعون إليها، ومع مشاهد التهجير وإجبار العائلات على النزوح عدة مرات داخل الأرض المحاصرة بالجوع والجفاف، فإن أكثر ما اتضح للمتابعين حول العالم لم يكُن تجاوز الحد فيما يتعلق بارتكاب الجرائم الإنسانية، وإنما تجاوز الحد في الإفلات من العقاب.

فلسطينيون يتواجدون في أحد مخيمات النزوح بمدينة غزة، 12 أغسطس/آب 2025 على إثر سياسة جيش الاحتلال الممنهجة في تدمير كافة مقومات الحياة في القطاع المحاصر (رويترز)

تشير المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إيتشاسو دومينغيث، إلى أنه بعد شهور من النقاش حول مدى تناسب القصف مع الطوفان، يبدو أن المجتمع الدولي اليوم أصبح مستعدا للاعتراف بالانهيار.

إعلان

ولكن دومينغيث تلتقط أيضا ذلك التحوّل الخطابي الذي جرى في هذه الحرب، والذي يميل إلى إدانة الكارثة الإنسانية في غزة دون النظر إلى الجانب السياسي والعسكري منها، فيُكرِّم الضحايا دون تسمية المسؤولين عن الجريمة، وقد أشارت إلى تداول عدد من وسائل الإعلام لصورة طفل جائع مثلا مع تجاهل صورة الجندي الذي يمنع قافلة المساعدات، أو صورة الساسة الذين اتخذوا قرارات الحرب، وهو استبعاد ليس بريئا على حد وصفها، وينطوي على منطق يُتيح للإبادة أن تتكرّر وللمجرم أن يُفلت من جرمه.

على الهواء مباشرة

هذا التدفق المستمر للأخبار والصور التي توثق المذابح، يواجه شعوبَ العالم بصور صادمة للإبادة الجماعية في غزة. ففي ورقة بحثية نشرتها مجلة "إنترناشيونال جورنال أوف مانجمنت" عام 2024، يستكشف الدكتور محمد بوحجي الأضرار والجروح النفسية والعاطفية للمتابعين لمسار الحرب والمعاناة الإنسانية في غزة، ويشير إلى أن متابعة مشاهد الحرب عمّقت الشعور بالعجز والخيانة والذنب والعار، وسبّبت جروحا نفسية في المجتمعات أمام إدراك المتابعين لحجم المعاناة وحجم التواطؤ الذي أدى إلى حدوثها.

وقد عاش البعض أعراض ما بعد الصدمة (PTSD) بسبب التعرض المتكرر والمستمر لهذه الأحداث، وتجلَّت أعراضها في تقلُّب المزاج والقلق والاكتئاب واضطرابات النوم. هذا بخلاف تراكم طبقات من مشاعر الغضب والأسى لدى من يشاهدون الإبادة، مما يجعل أي سلوك طبيعي يعتاد المرء على القيام به في يومه بمثابة "خيانة" لدماء الشهداء ولمعاناة أهل غزة.

في العصر الرقمي حيث تُنتج المواد البصرية بسهولة، وتتعدّد مصادر الصور من الصحفيين ووسائل الإعلام التقليدية ومن السكان المدنيين في قلب الصراع، ومع التعرّض المتكرر لكل ذلك؛ يمكن أن يحدث ما يُعرف بإرهاق التعاطف (Compassion Fatigue) الذي ينشأ عن مشاهدة مكثفة للألم، فيتحوّل إلى نوع من الخدر العاطفي، ومن ثمّ تنخفض الاستجابة العاطفية مع كل مأساة جديدة نتعرض لها.

ومع ذلك، فإن ما يبدو تبلُّدا عاطفيا ليس شعورا نهائيا، بل محطة قد نمُر بها في الصراعات الطويلة. فما يحدث هو أن صورا أخرى سرعان ما تخترق هذا الحاجز العاطفي، فيتجدد التأثير ويتحرّك الشعور بالغضب، لذا فالحرب لا تتوقف عن إيلامنا ولا تُفقدنا إنسانيتنا كما يبدو لأول وهلة.

لذلك، يمكننا اليوم أن نضيف إلى تعداد ضحايا الحرب على غزة؛ آخرين لم يكونوا في القطاع من شعوب العالم التي تابعت العدوان والإبادة، وتعرّضت لما يُعرف باسم "الجرح الأخلاقي". ويشير هذا المصطلح إلى الصدمة النفسية التي يتعرض لها الجنود بسبب عدم قدرتهم على التوفيق بين قيمهم الأخلاقية وما يرتكبونه من أفعال غير أخلاقية مثل التعذيب أو القتل، والذي يظهر في معدلات مرتفعة من الاكتئاب والانتحار لدى المحاربين القدامى.

لكن الجرح الأخلاقي اليوم يُمكن أن يكون أثرا مُحتملا لمشاهدة الفظائع التي يرتكبها آخرون دون الانخراط في القتال، فهو استجابة إنسانية عميقة للأحداث التي تنتهك الأخلاقيات الراسخة، وتُسبّب جُرحا في الروح والضمير، سواء لدى من ارتكب تلك الأفعال أو حتى لدى من شهدها ولم يمتلك القدرة على وقفها.

وبخلاف اضطراب ما بعد الصدمة الذي يقوم على الشعور بالخوف، فإن الجرح الأخلاقي ينشأ من مشاعر الذنب والعار والغضب، ومن أزمة عميقة في المعنى. إنها أزمة يواجهها اليوم متابعو الحرب، وتتسع دائرة المصابين بهذا الشعور حول العالم بسبب قناعاتهم بأنهم لم يفعلوا ما يكفي لوقف الإبادة في غزة. كما ينطوي هذا الجرح الأخلاقي على شعور بالخيانة من سلطات كان يُفترَض أن تكون جديرة بالثقة أو على الأقل أن تفعل شيئا لوقف هذه الحرب، ويمكن لهذا الجرح أن يصيب الأطباء والممرضين والصحفيين وغيرهم حين يشعرون بالعجز عن احتمال معاناة البشر.

إعلان

تُرسّخ مشاهد وصور الإبادة، وحقيقة استمرار الحرب، الاعتقاد بأن العالم مكان بشع ومخيف وغير إنساني، وأن الشر يُمكن أن يتغلّب في النهاية، مما يرسخ شعور الشعوب بأنها "مشلولة" وغير قادرة على الفعل الجماعي لمواجهة ما هو إجرامي وغير إنساني.

كما يزداد هذا الجرج الأخلاقي لدى مواطني بعض الدول التي تقدم مساعدات عسكرية للاحتلال بسبب شعورهم بأنهم متواطئون كدافعي ضرائب، وكذلك بسبب فشل المؤسسات الدولية في وقف شلال الدماء، ما يتسبب في الشعور بانهيار الثقة بالنظام الأخلاقي العالمي.

إن الشعور بأن ظلما جسيما يقع بلا عواقب يولّد إحباطا عميقا، فهو خرق لما تعهّدت الإنسانية بعدم تكراره عقب الحرب العالمية الثانية، وتعود خصوصية التأثير العالمي في حرب غزة بسبب كونها أول إبادة جماعية تُبَث فصولها على الهواء مباشرة، بحيث لا يمكن لمشاهدي الأخبار ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تجنبها أو تجاهل وجودها.

"القيد في أيدينا"

يمكن القول إن الادعاءات الأخلاقية الأوروبية فقدت مصداقيتها مبكرا بعد حروب العراق وأفغانستان و"الحرب على الإرهاب".

واليوم بينما يمارس الاحتلال الإسرائيلي معدلات غير مسبوقة من العنف، تتابع شعوب العالم الحر وخاصة شعوب دول الجنوب العالمي وفي ذاكرتها العبارة الشهيرة التي قالها نيلسون مانديلا: "إن حريتنا لا تكتمل دون حرية الفلسطينيين"، والتي لا تعتبر تضامنا فقط، بل عبارة تحليلية تشير إلى أن الإمبريالية ستستمر في تقييد شعوب دول الجنوب طالما أن بإمكانها حرمان الفلسطينيين من حقوقهم على هذا النحو.

ولكن الأمر يمتد إلى الشمال ذاته أيضا، كما أشار السياسي البريطاني جيمس شنايدر في مقال له، فالسعي كي يتحقّق التحرر الوطني للشعب الفلسطيني بقدر ما يُحارب الإمبريالية في الخارج، فإنه يُرسِّخ أيضا الاستقلال والديمقراطية في الداخل بالنسبة للدول المتقدمة التي انتفضت شعوبها للدفاع عن غزة، ولهذا السبب يؤكد شنايدر "لسنا أحرارا حقا حتى تصبح فلسطين حرة".

في ورقة نشرتها مجلة "بابليك أنثروبولوجيست" في مايو/أيار الماضي بعنوان "فلسطين منهجا"، أوضحت الكاتبة آنا إيفاسيوك كيف تابع العالم بذهول العنف الإبادي الذي شنَّه الكيان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وسجَّلت بداية ملاحظاتها بالقول إنه لا يمكن لأحد أن يدَّعي أنه لا يعلم عن الإبادة الجارية، في وقت يُدرِك فيه المتابعون أن ما يحدث على الأرض يفوق ما تنقله الصور والأخبار. وأضافت إيفاسيوك أن هذا الصمت واللامبالاة ما كانا ليحدثا لو تعرض له آخرون، لا سيما من ذوي البشرة البيضاء.

وأشارت آنا إيفاسيوك إلى التناقض الذي كشفته نقاشات داخل المجتمع الأنثروبولوجي الأوروبي بعد نشر بيان الجمعية الأوروبية للأنثروبولوجيين الاجتماعيين (EASA) لإدانة العنف ضد غزة، وكيف رأى كثير من الأنثروبولوجيين أن هناك سردية واحدة في التعامل مع قضية أوكرانيا، في حين تعدّدت السرديات في حالة فلسطين، وأمكن للبعض الوقوف "على الحياد".

وتتساءل آنا في مقالها: "ما هو الحياد في مواجهة الإبادة الجماعية إن لم يكن تواطؤًا؟ وما هو تعريف إسكات من يتحدثون ضد الإبادة إن لم يكن دعم الإمبريالية؟". وختمت آنا مقالها قائلة إن ما يشهده العالم في غزة اليوم يدفعنا إلى نقطة اللاعودة، ونحو فهم ما تتعرض له شعوب العالم يوميا، والعنصرية والاعتراف الانتقائي في التضامن مع ضحايا الصراعات.

ويقول الكاتب الإسباني خافيير خورادو إن مشاهد عشرات الآلاف من الشهداء وبينهم أطفال، وما حدث من تدمير للبنى التحتية، تثير أعمق التساؤلات غير المحسومة في الخيال السياسي الغربي: كيف يمكن الاستمرار في دعم الكيان المحتل وتبني كونه ضحية تاريخية؟ لقد كانت الشهور الماضية للحرب على غزة كاشفة للحقائق بشأن عنف الاحتلال، وكسرت أمام المتابع الأوروبي رواية ظلت لعقود تُبرّر صمت الغرب إزاء الانتهاكات وتؤسس للاستثناء الإسرائيلي.

تشرح رابيا يافوز المتخصصة في علم النفس الاجتماعي في مقال لها، كيف أن هذا الشعور بالحزن يعني أننا ما زلنا بشرا، وكيف أن القضية لا تتعلق بغزة وحدها، وإنما بكيفية استجابة العالم لكل هذا الألم. فحين تتفوّق المصلحة السياسية على مبادئ العدالة، ويتعرّض المؤيدون والمتضامنون للقمع، فهذا يشير إلى فوضى عالمية أعمق، بما تُسبّبه من جرح في الوعي المجتمعي العالمي.

إعلان

أما حين يصبح الصمت الخيار الأكثر أمانا فإننا أمام عنف نفسي يُهدّد مجتمعاتنا، ويكشف عن وجه مخيف لعالم اليوم، فهذه "الفظائع" تخلف فراغا أخلاقيا لا يُحتمل، يهدد إحساسنا بتحقق العدالة وبإنسانيتنا نفسها، وتتساءل في النهاية: ما ثمن كبح المشاعر أمام المجازر؟

الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ (يمين) تظهر على متن سفينة تحمل ناشطين ومساعدات إنسانية بتهدف كسر حصار جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في 1 سبتمبر/أيلول 2025 (الفرنسية)ما بعد الصدمة

في مقال له حول أنجع العلاجات للجرح الأخلاقي، أوضح أستاذ علم الاجتماع بجامعة ولاية كارولينا الشمالية، مايكل شوالبي، أن أفضل استجابة لما يجري من حولنا هي التكاتف مع الآخرين كي نحافظ على إيماننا بأنفسنا وبإمكانية أن يكون العالم أفضل وأن يُعرض المجرمون يوما ما للعدالة.

ووفقا لشوالبي، فإن موجات الاحتجاج والمسيرات والبيانات المُندّدة التي تؤيد الحقوق الفلسطينية وتسعى لوقف الحرب ضرورية أيضا، لا لوقف الحرب فحسب، وإنما لإنقاذ هؤلاء الذين يشعرون بالجرح الأخلاقي من الإصابة بالعجز الدائم.

لقد تحوّلت غزة -وهي على أعتاب السنة الثالثة للحرب- إلى مرآة تكشف حقائق مخيفة عن نفاق المجتمع الدولي، والرقابة على ما يمكن قوله حول فلسطين، والضغط الذي يُمارس لإسكات الفلسطينيين أو المتخصصين في إنتاج المعرفة بهذا الشأن، وهو ما يزيد أهميتها كمنهج لكشف زيف العالم "كما يُروى لنا".

اليوم لا يزال العديد من النشطاء والمتضامنين مع غزة حول العالم يواجهون عُنفا يطالبهم بالصمت حتى لا يطالهم العقاب، بينما تُهدِّد الحرب إنسانيتنا ويختار البعض التضامن مع دفع أثمانه، في حين يبقى البعض الآخر رهن الشعور بالعجز ومواجهة الصدمات النفسية التي يُسبّبها إدراكنا أن ثمن هذا التجاهل هو ألا يبقى أحد في أمان.

مقالات مشابهة

  • بعثة رجال يد الأهلي تغادر إلى المغرب للمشاركة ببطولة إفريقيا
  • «كوكا» يشترط الحصول على وعد بالاحتراف لتجديد عقده مع الأهلي |تفاصيل
  • نجم الأهلي السابق يوجه رسالة لمحمد صلاح قلب مواجهة جيبوتي
  • موعد مع التاريخ
  • أسبوع الخير يواصل حصاد الإنجازات في قرى الغربية..فرحة بالعيد القومي الـ227 لعروس الدلتا.. والتعليم يحتفل بطريقته الخاصة
  • صدمة الإبادة التي تغيّر العالم.. إذا صَمَت الناس فلن يبقى أحد في أمان
  • ياسر الريان: محمد صلاح العمود الفقري لمنتخب مصر.. ومحمد إسماعيل كان يستحق الانضمام للفراعنة
  • "موانئ": ارتفاع 8.60% في طنيات المناولة في سبتمبر 2025 مقارنة بنفس الشهر العام الماضي
  • أبرز الإنجازات العالمية التي تحققت للقضية الفلسطينية بعد عامين من الإبادة
  • "طوفان الأقصى" الذي عرّى الاحتلال