جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-02@19:32:55 GMT

الصداقة التي لا تموت

تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT

الصداقة التي لا تموت

 

حمد الحضرمي **

تسهم الصداقة بدور مهم في حياة الناس، لما للصديق من أهمية بالغة في علاقته ومواقفه مع أصدقائه، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، فإخوان الصدق زينة في الرخاء وعصمة في نوائب الحياة، ورؤيتهم تفرح القلب وتزيل الهم، وبهم تذلل الصعاب وتخفف المشاق وتهون الشدائد. والإنسان في كل مراحل حياته تكون الألفة مطلبًا ملازمًا له ليعيش في سعادة وسرور، فيتخذ أخًا له صديقًا يشاركه أفراحه وأحزانه، فالصديق الصالح له أكبر الأثر في التأثير على صديقه في الالتزام بالطاعات وترك المعصيات، والوقوف بجانبه وقت العثرات، وجبر كسره وقت الإنكسار، والدفاع عنه في غيابه.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: "عليكم بإخوان الصفاء، فإنهم زينة في الرخاء وعصمة في البلاء". ولذلك حثَّ الإسلام على الصداقة النقية ورغب المؤمنين في إخلاصها لله وإبقائها لوجهه، وجعل لها الأجر والفضل العظيم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "قال الله عز وجل: المتحابون بجلالي في ظل عرشي، يوم لا ظل إلا ظلي". فالصداقة كانت وما زالت سببًا لجلاء الأحزان، وعونًا وقت المحن والشدائد، والصديق تجده دائمًا منك قريب، يشعر بهمومك وقلقك ومخاوفك، لأنه بك متجانس متألف، فبالتجانس الأرواح متعارفة، وبفقد التجانس الأرواح متناكرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" وقيل في منثور الحكم: "الأضداد لا تتفق، والأشكال لا تفترق".

الصداقة أولها التجانس بين شخصين، ثم المواصلة لوجود توافق بينهما، ويأتي بعدها الانبساط، ويحدث بعدها المصافاة لخلوص النية بينهما، ومن هذه المصافاة تنتج الثقة التي توصل إلى المودة، ومن المودة تكون المحبة، وقد قيل: "الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك". فما أعظمها من صداقة عندما تكون صادقة، تجمع بينهما الألفة والمحبة والعمل الصالح، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله ناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله"، قالوا: يا رسول الله، فأخبرنا من هم: قال: "هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس".

وإذا وفقك الله بوجود صديق أمين، صاحب دين متين، ورأي سديد، وقلب رحيم، وأخلاق كريمة، ومواقف نبيلة، فحافظ عليه وعمِّق علاقتك به؛ لأنه سيكون لك السند والعزوة في المصائب، وركنًا حصينًا في الشدائد، والمؤنس عند الهموم والكروب، وسيكون معك في الحلوة والمرة، ولن يؤذيك، ولن يجرحك، ولن يضايقك، ولن يظلمك، فلا تصاحب إلا مؤمنًا صديقًا لك محبًا، كي تعيش طوال حياتك في سعادة وسرور وأمن وأمان وسلام. وحتى تدوم الصداق يتوجب أن تكون على قاعدة صلبة من المبادئ والقيم والأخلاق، والحرص على الاحترام والتقدير والاعتناء والاهتمام بأمور الصديق، والحرص عليه في غيابه وحضوره، والإخلاص في المودة والنصح للصديق في الخطأ والزلة، ومساعدته ومواساته في أشجانه وأحزانه، والحرص على ذكر محاسنه، ونشر فضائله، والعفو عن زلاته وستر هفواته وحفظ أسراره، وتفقد أحواله.

ومن أعظم دواعي بقاء الصداقة، أن تكون هذه المبادئ والقيم والأخلاق متبادلة بين الصديقين بلا تكلف ولا تصنع، كلها ألفة وصفاء وود ووئام ومحبة وسلام، حتى تدوم الصداقة وتزداد بينهما الألفة والمحبة. وصدق الشاعر أبو العتاهية عندما قال:

صديقي من يقاسمني همومي // ويرمي بالعداوة من رماني

ويحفظني إذا ما غبت عنه // وأرجوه لنائبة الزمان

ونصيحتي إلى الأبناء والبنات الطلبة منهم والطالبات في المدارس والكليات والجامعات والموظفين والموظفات، الحرص كل الحرص على اختيار الصديق المناسب، لأن الصديق يؤثر على صديقه تأثيرًا كبيرًا في الإصلاح أو الإفساد ويقال: الصاحب ساحب وخاصة في سن المراهقة، حيث يكون الشاب قد اختلط بالزملاء في الحارة والمدرسة والنادي، فاختيار الرفقة الصالحة والابتعاد عن قرناء السوء، حتى لا يخسر نفسه وتخسره أسرته ومجتمعه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

فعليكم أيها الشباب والشابات اختيار الأصدقاء الصالحين، أصحاب الخلق الكريم، والأدب الرفيع، والعادات الفاضلة، أصحاب العقول الكبيرة والنفوس السليمة، وتجنب أصحاب العقول الصغيرة والنفوس المريضة، وخلطاء الشر ورفقاء السوء، حتى لا تقعوا في شباك ضلالهم وانحرافهم، وقد بينت الكثير من الدراسات أن معظم مرتكبي الجرائم والانحرافات يرتبطون بأصدقاء سوء منحرفين، وتكون النتيجة وقوع الشباب من الجنسين في المشاكل والجرائم، كتعاطي الخمور والمخدرات، والانحرافات الأخلاقية بشتى أنواعها وأشكالها، أم الصديق الصالح فهو كالشمعة ينير دربك بالصدق والوفاء، ويمنحك والثقة والطمأنينة.

ولأننا في زمن صعب كثر فيه الكذب والنفاق والمكر والخداع والتضليل والنصب والتحايل وأصحاب المصالح الشخصية، وأصحاب الأهواء والاغواء، فتجنبوا هؤلاء وابتعدوا عن مصاحبة الأحمق فمصاحبته كمصاحبة الأفعى، لا تدري متى تؤذيك، وتجنبوا مصاحبة من تصدأ عقله وقلبه بفكر أو ثقافة أو فن بعيدًا كل البعد عن مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا الإسلامية الحميدة. وكونوا على حذر وفي يقظة ودراية، وبثقة عالية بأنفسكم، لأنكم أصحاب عزة وكرامة، فلا تصاحبوا إلا الأخيار المتقين، لأن مثل هذه الصداقة هي التي لا تموت.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

متى يجوز الصلاة بالحذاء؟.. شوقى علام يجيب

متى يجوز الصلاة بالحذاء ؟ سؤال أجاب عنه الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية السابق.

وقال الدكتور شوقي علام فى تصريح سابق له، إن الصلاة بالحذاء صحيحة إذا كانا خالَيَيْنِ مِن الخبث والنجس لا تتنافى مع طهارة المسلم وصحة صلاته؛ حيث إنها من الرخص التي شُرعت تيسيرًا على العباد، فإذا خالطت النعال للنجاسات ونظر المكلف فيها فلم يجد لتلك النجاسات أثرًا، جازت له الصلاة بها.


واستشهد بما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بأصحابه إِذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاته، قال: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟»، قَالُوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا»، وقال: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا» أخرجه الإمام أحمد، وأبو يعلى في "المسند"، والدرامي، أبو داود في "السنن" واللفظ له، والبيهقي في "السنن والآثار"، وصححه الحاكم في "المستدرك".


وأضاف: أفرد الإمام البخاري في "صحيحه" بابًا في مشروعية الصلاة في النعال، روى فيه عن سعيد بن يزيد الأزدي قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: أكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في نعليه؟ قال: "نعم".

أذكار المساء لتحصين المسلم.. كلمات تنجيك من كل شرأسامة الأزهري أول وزير مصري يزور الفلبين منذ سنوات.. صورما حكم زيارة البحر الميت والصلاة عنده؟.. الإفتاء تجيبحكم الاحتفال بذكرى الميلاد بالصيام شكرا لله؟.. الإفتاء تجيب

وأشار الى أن الترخص بالصلاة في النعلين إنما هو في غير المساجد المفروشة، كما كان الحال على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقد كانوا يصلون على الرمال والحصى، وكان يشُقُّ عليهم خلع النعال؛ أما في عصرنا فقد فُرِشَت المساجد بالسّجّاد أو الحصير الذي يتسخ إذا ديس عليه بالنعال، فتسوء رائحته؛ لِمَا يعلق به من التراب والأوساخ والنجاسات التي تتنافى مع قدسية المساجد وتعظيمها، وذلك مما يتأذى به المصلون؛ فكان حرامًا.

ونوه ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكلف مريد الصلاة في نعليه إلا بالنظر أسفلهما قبل الصلاة بهما، فإذا وجد فيهما شيئًا من الخبث مسحهما بالتراب وصلى فيهما؛ لأن الغالب أن ما أصابهما من خبث أثناء المسير في الطرقات يطهره ما بعده من تراب الأرض؛ ولأن القدم حافية قد تصادفها القاذورات أيضًا، ولم يكلف الشرع المصلي حافيًا بغسل قدميه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلِهِ الْأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ» أخرجه الإمام أبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.

طباعة شارك الصلاة بالحذاء حكم الصلاة بالحذاء متى يجوز الصلاة بالحذاء شوقى علام

مقالات مشابهة

  • هل ورد ذكر يوم عاشوراء في القرآن الكريم؟.. تعرف الآيات التي أشارت له
  • موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر
  • لماذا أوصى النبي بالمحافظة على صلاة الضحى؟.. لـ5 أسباب
  • تركيا تلاحق صحفيين رسما صورة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • هل قصة الحمامتين والعنكبوت في الهجرة صحيحة؟ اعرف حقيقتها
  • متى يجوز الصلاة بالحذاء؟.. شوقى علام يجيب
  • علي جمعة: أبو بكر الصديق نال درجة الصديقية لقربه من النبي بجسده وروحه
  • حرص عليه النبي 9 أعوام| هل صيام يوم عاشوراء فرض؟.. علي جمعة يجيب
  • القنصل العام ببنغازي يشهد انطلاق امتحانات الشهادة السودانية 2024
  • هل النوم على البطن حرام؟.. انتبه لـ13 حقيقة