هذا مصطلح أو تعبير ربما لم تسمع به من قبل، رغم أنك ممكن أن تكون قد لمسته لدى مشاهدتك أحد الأفلام حين تجد الممثل بعد احتدام المعارك يلجأ إلى الحد من استخدام ذخيرته حتى لا تنفد. تخيل أن هذا هو وضع إسرائيل بالضبط فى الحرب الجارية على غزة. بالطبع لك ولغيرك أن يشعر بالدهشة والاستغراب، ولكن هذه هى الحقيقة التى تنقلها الأخبار الخارجة من الكيان العبرى بشأن تطورات الحرب الدامية فى غزة.
بالطبع هذا جانب من المشهد وهناك جوانب أخرى من المؤكد أنها مأساوية أو قد تكون أكثر مأساوية على صعيد الموقف بالنسبة لحركات المقاومة. لكن إذا اتفقنا على أن حماس ورفيقاتها ليست سوى حركة مقاومة كما أشرنا سابقا وأن إسرائيل دولة تغذيها الدول الغربية بالسلاح، فضلا عن أن تل أبيب لديها القدرة على تغذية نفسها بالسلاح والذخيرة أدركنا أهمية هذه المفارقة ودلالاتها على صعيد رصد أبعاد ما يجرى.
وحتى لا يتوه منا الموضوع نشير إلى ما ذكرته صحيفة يديعوت أحرونوت من لجوء إسرائيل إلى اتباع سياسة الاقتصاد فى الأسلحة والذخيرة إزاء الخسائر الفادحة التى تكبدها المقاومة الفلسطينية يوميًا للجيش الإسرائيلى بالعتاد والقوى البشرية.
وحسب الصحيفة فإن الجيش بادر إلى تخفيض كميات الذخائر تحسبًا لاندلاع حرب أخرى مع حزب الله، وعلى ذلك الأساس لن يتم المساس بالذخيرة المخصصة للهجوم والدفاع بالجبهة اللبنانية، وكذا التوفير فى استخدام السلاح حفاظًا على احتياط العتاد العسكرى بالمستودعات. كل ذلك رغم لجوء إسرائيل، حسبما تذكر الأخبار الواردة من هناك، إلى تفعيل عقود طويلة الأمد لأسلحة ومعدات عسكرية كانت على الرفوف أووجدت فى مخازن الطوارئ الأمريكية وفق ما نقل موقع «سكاى نيوز عربية».
هذا التطور وتلك الرؤية نقدمها إلى من لا يملكون سوى زرع اليأس فى نفوس المواطنين العرب، بشأن قدرات إسرائيل التى لا تقهر وإمكانيات جيشها التى لا تنافس. المسألة ليست كذلك على الإطلاق. فعملية طوفان الأقصى وتداعياتها كشفت وفق ما يشير إليه خبير عسكرى أمريكى عن ضعف الجيش الإسرائيلى رغم كل ما يمتلكه من معدات وعتاد عسكرى وتكنولوجية عسكرية متفوقة. ليس ذلك فقط بل إن الأرقام، التى تصدر من تل أبيب، تشير إلى أن حرب غزة كلفت إسرائيل ميزانية تاريخية وخرافية ومن المرجح أنها ستستمر فى الإنفاق بكثافة على الدفاع فى السنوات المقبلة فى ظل تلك الحرب، لدرجة أنه من المتوقع أن تكون الميزانية التى يسجلها الجيش الإسرائيلى للإنفاق العسكرى هذا العام 2024 الأكبر فى تاريخ الدولة العبرية حيث ستصل لنحو 37 مليار دولار بعد أن كانت نحو 23 مليارًا عام 2022 وارتفعت إلى 31 مليارًا عام 2023 بفعل الحرب على غزة. هذا بالطبع بخلاف المساعدات الأمريكية.
بعيدا عن لغة الأرقام الجافة والتى تكشف عن هول ما جرى وتأثيره على إسرائيل، يمكن استيعاب المشهد إذا أضفنا إلى ما سبق التوقعات العبرية بأن تتواصل الحرب على غزة لشهور أخرى فضلا عن تزايد الشعور وسط المحللين هناك بأن الحرب رغم طول أمدها ودخولها شهرها الرابع الأسبوع المقبل لم تحقق نصرا ذا قيمة لإسرائيل، بل إن تطورها على النحو الذى تجرى به قد يرتقى لمستوى الهزيمة فى ظل حاجة تل أبيب لترميم صورة جيشها التى اهتزت بعد الخسائر الفادحة على يد المقاومة. كل ذلك ربما يجسد حالة الزلزال التى مثلتها عملية طوفان الأقصى دون إنكار ضخامة وهول الخسائر التى لحقت بالفلسطينيين فى غزة.. ولتكن الخلاصة من كل ما سبق دحض أكذوبة أن جيش إسرائيل لا يهزم وكشف زيف الأسطورة التى صيغت حوله وهو ما يعرى للأسف أنصار هذا الطرح على الجانب العربى.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: اقتصاد الذخيرة تأملات مصطلح إسرائيل الحقيقة غزة الحرب الموضوع
إقرأ أيضاً:
لقمة تحت النار.. كيف تتعمد إسرائيل استهداف تكايا الطعام في غزة؟
أظهر تحليل أجرته وكالة "سند" للتحقق الإخباري بشبكة الجزيرة، كيف تعمد الجيش الإسرائيلي استهداف أكثر من 20 "تكية طعام" ومركز توزيع وتخزين، في مختلف مناطق قطاع غزة، بين 26 مارس/آذار حتى 27 مايو/أيار الجاري.
وأمعنت إسرائيل في استخدام الجوع كسلاح ضد الفلسطينيين في قطاع غزة على مدار 600 يوم من الحرب المتواصلة، لا سيما خلال الأشهر القليلة الماضية، حتى أصبحت لقمة الطعام الهم اليومي الأكبر للمواطنين، في ظل شُح أو انعدام المساعدات، والحصار المحكم، وتدمير السلة الغذائية المحلية لسكان القطاع.
وظهرت "تكية الطعام" كواحدة من المبادرات المحلية التي يحاول فيها الناس التغلب على الجوع، بالحصول على طبق يومي من الطعام، وباتت الحياة اليومية للنازحين تبدأ بطوابير مزدحمة يصطفون فيها لساعات طويلة، على أمل الحصول على وجبة واحدة تسد رمقهم أو تساعدهم على مواصلة يومهم في ظل الجوع، والإرهاق، ونقص الموارد الأساسية.
ولم تترك آلة الحرب الإسرائيلية "تكايا الطعام" خارج دائرة الاستهداف، بل أصبحت في بؤرة القصف، وظهر ذلك جليًا منذ استئناف الحرب على غزة في 18 مارس/آذار الماضي، إذ يُظهر تحليل أجرته وكالة "سند" للتحقق الإخباري بشبكة الجزيرة، كيف تعمد الجيش الإسرائيلي استهداف أكثر من 20 "تكية طعام" ومركز توزيع وتخزين، في مختلف مناطق قطاع غزة، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 26 مارس/آذار حتى 27 مايو/أيار الجاري.
إعلان شهداء وجرحىووفقا لبيانات المكتب الإعلامي الحكومي ومصادر إعلامية فلسطينية، فقد بلغ عدد الشهداء نتيجة عمليات القصف لهذه المواقع نحو 60 شهيدًا على الأقل ومئات المصابين، بينهم متطوعون لدى مؤسسات خيرية وفرق ومبادرات محلية، إضافة للسكان الذين كانوا يتوافدون لهذه النقاط للحصول على الطعام والمساعدات الغذائية.
وتُظهر معطيات التحليل أن عمليات القصف التي استهدفت تكايا الطعام ومراكز توزيع المساعدات تركزت بشكل رئيسي في منطقتي مدينة غزة وشمال القطاع، حيث تم التحقق وتأكيد 8 عمليات استهداف منذ استئناف الحرب على غزة.
في المقابل، سُجّلت 7 استهدافات في دير البلح ومخيمات وسط القطاع، بينما بلغت الاستهدافات في منطقة خان يونس 5 عمليات قصف مؤكدة.
وتشير البيانات إلى أن عمليات الاستهداف بلغت ذروتها خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار الجاري، فيما سُجّلت خلال مارس 3 غارات على تكايا طعام في خان يونس ومخيم النصيرات ومدينة غزة، وهي الفترة ذاتها التي منعت فيها إسرائيل دخول المساعدات الغذائية إلى القطاع، وتصاعدت خلالها وتيرة المجاعة بين السكان.
في الوقت ذاته، كان الجيش الإسرائيلي يُنشئ نقاطا لتوزيع المساعدات في وسط وجنوب القطاع، ضمن إطار الخطة الأميركية لتوزيع المساعدات، وهي الخطة التي قوبلت برفض وتشكيك وأثارت جدلا واسعا حول أهدافها وجدواها.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الجيش الإسرائيلي استهدف منذ بداية الحرب 68 مركزا وتكية لتوزيع الطعام، مشيرا إلى أن هذا "السلوك الإجرامي"، المتمثل في الاستهداف المتعمد لمنشآت الإغاثة والتكافل الاجتماعي، يُثبت بما لا يدع مجالا للشك أن إسرائيل تستخدم الغذاء كسلاح حرب، في انتهاك صارخ لكافة القوانين الدولية، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المرافق الإنسانية والمدنيين تحت أي ظرف.
إعلان
لقمة تحت النار
وجمعت الجزيرة شهادات من مواطنين في مدينة غزة أثناء انتظارهم للحصول على طبق من العدس أمام تكية أُقيمت بمبادرة محلية داخل مدارس النازحين في شارع الثورة، صباح اليوم.
تقول الطفلة لين أبو شعبان "أعتمد على التكية بسبب صعوبة الأوضاع وغلاء الأسعار، مثل الطحين والمعلبات الغذائية. لا يمكن أن نعيش بدون التكية. أحتاج للانتظار من 5 إلى 7 ساعات تحت حرارة الشمس للحصول على الطعام، وسط مخاوف القصف".
وتقول السيدة أم أحمد الصيفي، وهي تصطف أمام التكية" قبل سنة من الآن، كنا نخجل من الوقوف أمام التكية، لكننا اليوم بحاجة إليها، رغم أنها لا تقدم سوى العدس. نحن وأطفالنا نعاني من نقص المواد الغذائية المفيدة، وأجسامنا بحاجة إلى البروتين والكالسيوم والحديد".
وعن استهداف تكايا الطعام، قالت أم أحمد "يتم قصف التكايا حتى نموت من الجوع. شهدت قصف تكية قبل أيام، ورأيت الأطفال يحترقون. لماذا لا يريدون لنا الحياة؟".
كما تحدثت السيدة أم علي الوكيل عن سبب مجيئها للحصول على طبق من الطعام، قائلة "أبحث عن أي تكية لأحصل على لقمة طعام لي ولأطفالي.. أنا جائعة. جئت يوم أمس ولم أستطع الحصول على الطعام، وبكيت من الجوع".
وأضافت "لدي 15 نازحا داخل صف في المدرسة، ولا أستطيع توفير الطعام لهم. أبكي على حالهم. وصلنا إلى مرحلة غير طبيعية من المجاعة. لا يوجد طحين ولا طعام. نحصل على طبق عدس ونأكله بالملاعق. نحن نعيش أكبر درجات الظلم".
وطالبت أم علي بوقف الحرب والجوع الذي تعيشه غزة، مضيفة أنها تصل عند الساعة السابعة صباحًا وتنتظر حتى الثانية عشرة ظهرًا أمام التكية، لكنها كثيرًا ما تعود خالية اليدين بسبب الازدحام أو الخوف من الإصابة بحروق من قدر الطعام.
وتصف الوضع بأنه "ذلّ حقيقي"، إذ تنتظر في الشمس لساعات طويلة على أمل الحصول على وجبة.
إعلان سياسة التجويعوقال المسن أبو محمد الفيومي "أضطر للمجيء إلى التكية بسبب عجزنا عن تأمين لقمة العيش لخمسة أشخاص لدي. أحيانًا أجد العدس، لكن لا أجد الحطب. أرى الأطفال في الصباح وهم يحملون أكياسًا ويبحثون عن الحطب والأقمشة والبلاستيك لطهي الطعام. لا نملك مالًا ولا مواد تموينية. كيلو الطحين أصبح بـ100 شيكل (نحو 29 دولارا)، بينما كان سابقًا بشيكل واحد فقط".
وشعر أبو محمد بالغصة عندما سأله المصور عن عدد الساعات التي يقضيها أمام التكية، وقال "أنتظر ما بين أربع إلى خمس ساعات للحصول على طبق طعام. وفي إحدى المرات، حصل قصف قرب التكية فهربنا، لكنني لم أستطع الهرب بسبب سني".
وأضاف أن تكايا الطعام أصبحت مستهدفة تحت ذرائع مثل "وجود مطلوبين"، مؤكدا أن لا صحة لهذه المزاعم، وأن الهدف الحقيقي هو تجويع الناس وزيادة معاناتهم وإشعال غضب الشارع.
ويواصل السكان حديثهم مؤكدين أن التكية أصبحت الملاذ الوحيد للفقراء والجوعى في غزة، حيث ينتظرها المئات يوميا، من بينهم الأطفال والنساء وكبار السن.
ويقول الشاب عمر الكحلوت "استهداف التكايا يهدف إلى تجويع الناس، بالتزامن مع إغلاق المعابر منذ أكثر من 80 يوما. ما يدخل من مساعدات قليل جدا، والجميع تخلى عنا".
وأوضح "أصبحت التكية من أخطر الأماكن في غزة.. قبل أيام قُصفت تكية في شارع الجلاء، ومع ذلك، لم يبق للناس أي خيار آخر".
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير التهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أميركي، نحو 177 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال.