صحيفة التغيير السودانية:
2025-12-12@17:10:16 GMT

هل يحقق «إعلان أديس» سلام السودان؟

تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT

هل يحقق «إعلان أديس» سلام السودان؟

 

هل يحقق «إعلان أديس» سلام السودان؟

عثمان ميرغني

لا يمكن لعاقل أن يرفض مبدأ إعلاء السلام على صوت البندقية، ووقف الحرب بالتفاوض إن أمكن، على أن يكون هذا السلام معالجا للأسباب التي أدت إلى الاقتتال، وأن يكون باباً لإنصاف ضحاياها، والمحاسبة على أي انتهاكات ارتكبت حتى لا يتكرر مثلها. من هذا المنطلق كنت أتمنى أن أقول إن إعلان أديس أبابا الموقع أول من أمس بين قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) الدكتور عبد الله حمدوك، يعطي بارقة أمل حقيقية بنهاية قريبة لهذه الحرب، لكنني بعد متابعة مخرجات الاجتماعات، أجد نفسي غير متفائل.

اجتماعات أديس أبابا خلطت السياسي بالعسكري، خلافاً لمنبر جدة التفاوضي الذي كان واضحاً في ضرورة معالجة ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية، كخطوة أولى ضرورية تقود إلى مسار آخر منفصل لمحادثات شاملة بين القوى السياسية والمدنية حول الترتيبات السياسية للمرحلة المقبلة، وشكل الحكم وأسس الدستور وخلافه من قضايا هوية الحكم والدولة السودانية. من هنا فإن إعلان أديس بدلا من أن يؤسس لإخراج العسكر من العملية السياسية، فإنه يقحمهم فيها، ويجعلهم جزءا من طروحات الرؤية السياسية. لذلك بدا من الإعلان السياسي أنه يعطي أرضية وصوتا سياسيا لقوات الدعم السريع، وبالضرورة للجيش في أي جولة قادمة من الإعلان، إذا انعقدت مثل هذه الجولة.

فبعض المظاهر في اجتماعات أديس أبابا جعلت «تنسيقية القوى المدنية» تبدو وكأنها متوافقة مع مواقف قائد الدعم السريع، لا سيما في التصفيق أحيانا، أو في سماع الضحكات خلال هجومه على الفريق عبد الفتاح البرهان. هذا التوافق قد يعقد احتمال ترتيب أي اجتماع بين «التنسيقية» والفريق البرهان، كما أنه سهل على البعض القول إن إعلان أديس بابا كان بمثابة رؤية بين حليفين، وقعا اتفاقا يعرض بوصفه أمرا واقعا على البرهان لاحقا، إن اعترض عليه، بدا طرفا رافضا لوقف الحرب ومعرقلا لجهود السلام.

كذلك فإن اتهامات حميدتي للجيش بإثارة النعرات الجهوية والقبلية والتصفيات العرقية، من على منصة الاجتماع وحمدوك جالس جواره، لن تضيف إلا لأجواء التوتر مع قيادة الجيش، والاتهامات لأطراف تنسيقية «تقدم» بالتوافق مع خطاب الدعم السريع.

 

من الملاحظات في «إعلان أديس» أنه في تطرقه لموضوع إعادة بناء القوات المسلحة، ذكر أن تشكيل جيش واحد مهني وقومي يتم وفقا لمعيار التعداد السكاني، وهذه في تقديري مسألة خطيرة تعني تشكيل جيش محاصصات مناطقية، يحمل مخاطر الانقسام والتشرذم والولاءات المناطقية، بدلا من جيش وطني مفتوح أمام أي مواطن وفق شروط الكفاءة واللياقة والرغبة من دون أي اعتبارات لتمكين أو محاصصات من أي نوع.

الإعلان تحدث أيضا عن وقف العدائيات وليس وقف إطلاق النار بما يعني بقاء كل طرف في مواقعه، وهو أمر يثير كثيرا من المشكلات العسكرية، والتعقيدات للمواطنين. وفي هذا الصدد يلاحظ أن الاتفاق بين تنسيقية تقدم وقوات الدعم السريع تجاوز إعلان جدة الموقع في مايو (أيار) الماضي والذي كان من بين أهم بنوده إخلاء بيوت المواطنين والمنشآت المدنية والخدمية. وعلى الرغم من الإشارة إلى «تهيئة الأجواء لعودة المواطنين إلى منازلهم»، فإن «إعلان أديس» ربط ذلك بنشر قوات الشرطة، من دون أن يشرح ماذا يمكن للشرطة أن تفعل لحفظ الأمن في مواجهة قوات مدججة بالسلاح في الأحياء، بينما ذهب حميدتي إلى أبعد من ذلك عندما أعلن أن قواته لن تغادر البيوت والأحياء إلا بعد اتفاق وقف النار.

 

هناك ملاحظات أخرى في الإعلان لا يتسع لها المجال كلها في هذا المقال، لكن تبقى هناك مسألة مهمة لا بد من التطرق إليها، لأنها تشكل العقبة الكؤود أمام إنهاء الحرب وتحقيق السلام المبتغى. فعلى الرغم من كثير من التصريحات التي سمعناها عن أن الحرب فرضت واقعا جديدا، لا يمكن معه العودة إلى ما قبل تاريخ اندلاعها، فإن متابعة مجريات اجتماعات أديس أبابا، وقراءة الإعلان الصادر في نهايتها، تعيداننا إلى الأجواء نفسها التي رافقت «الاتفاق الإطاري»، وقادت إلى الحرب. فالصراع الذي نسف الفترة الانتقالية، وأجج الأجواء، ومهد لهذه الحرب هو صراع بين القوى السياسية بالأساس، قبل أن ينتقل إلى المكون العسكري بشقيه آنذاك. وإذا لم تتوافق القوى السياسية والمدنية وتتوصل إلى حلول تستوعب الجميع من أجل الخروج بالبلد من هذه المحنة، فإننا سنبقى في الدائرة ذاتها من الصراعات، التي من شأنها أن تبقي الحرب مشتعلة إلى أجل غير معلوم.

 

بصورة أكثر وضوحا، فإن الصراع الإقصائي، كان من العوامل الرئيسية التي عرقلت الفترة الانتقالية وقادت إلى اندلاع الحرب. هذا لا يعني أنه لم تكن هناك أسباب أخرى، لكن ذلك الصراع كان عاملا أساسيا وقتها، ويبقى الآن من بين الأسباب التي تسهم في استمرارها، ولا يمكن في تقديري معالجة وقفها من دون نزع فتيل هذا الصراع.

إذا كنا نرى أن السلام يقتضي اتفاقا بين الجيش وقوات الدعم السريع، على الرغم من كل ما فعلته هذه الأخيرة وخلق فجوة عميقة بينها وبين أغلبية المواطنين، فلماذا لا يكون هناك توافق بين القوى المدنية المتصارعة بدلا من الاستمرار في سياسة الإقصاء الصفرية التي لن تعني إلا إطالة أمد الحرب والإضافة إلى تعقيداتها التي تتسع كلما تأخرت نهايتها

الوسومإعلان أديس أبابا إيقاف الحرب السلام عثمان ميرغني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إعلان أديس أبابا إيقاف الحرب السلام عثمان ميرغني

إقرأ أيضاً:

حوار مع صديقي المصري عاشق السودان

ليس كلُّ مصري يعرف أىَّ شئ عن السودان، واِنْ كان معظمهم يزعمون ذلك خاصةً سائقي سيارات الأُجرة!! ولعل مردّ ذلك ناتج من كثرة مخالطتهم (لاخواتهم) السودانيين ولكثافة وجود أبناء السودان منذ زمن بعيد في مصر، لكن صديقي المصري عاشق السودان يعرف بلادنا عن قرب ومعايشة لصيقة بأهله، ذلكم هو الدكتور عبدالعاطي المناعي الطبيب الانسان رائد السياحة العلاجية، ومن المفارقات أنه لم يدخل السودان أولَ مرةٍ بصفته طبيباً- إنَّما زاره بصفته مديراً لأعمال المحسن الكبير الشيخ الحاج سعيد لوتاه، لينفذ مشروعاً له في ولاية الجزيرة حيث توطدت صلته بالأستاذ عبد المنعم الدمياطي، والبروفسير الزبير بشير طه، والفريق أول عبد الرحمن سرالختم، والأستاذ عبد الباسط عبد الماجد، وغيرهم كثير، ومن ثم انداحت علاقاته مع أهل السودان، الذي زاره لأكثر من خمسين مرة، وأقام فيه السنوات ذوات العدد وأسس فرعاً لمركز ترافيكير، وشهد لحظة اندلاع الحرب، وعاش في قلب المعارك بالخرطوم لمدة تزيد عن شهرين متتاليين وانتقل لمدني ثم بورتسودان قبل أن يغادر إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، وكتب كتاباً- تحت الطبع- وثَّق فيه بعضاً من شهادته على الحرب!!

د.المناعي قال لي وهو في حالٍ من الدهشة عن ما يجري من بعض ضيوف مصر من أهل السودان الذين وصلوا بعد الحرب إذ لم يجد فيهم مثل من عرفهم من قبل!!
قال: شهدت مصر لجوء كثيرٍ من العرب من دول مختلفة، ولكنها لا تعتبر السودانيين لاجئين، فأهل مصر يعتبرون أهل السودان أشقاء بحق وحقيقة، هذه هي القاعدة، وإن كان لكل قاعدة شواذ!!
لكن ما تُظهره بعض فئات السودانيين من سلوكيات غير مناسِبة لأناسٍ وطنهم فى حالة حرب وجودية يكون بعدها أو لا يكون .. شئ يجعل الحكيم حيران!!

حفلات ساهرة ورقص خليع، نحن لم نَرَ مثل ذلك من جنسيات أخرى سبق وصولها لمصر وصول السودانيين بعد الحرب!!

صحيح أن معظم السودانيين فى حالة ذهول وحزن شديدين، ويتحرَّقون شوقاً للعودة لبلادهم، لكن تفشي ظاهرة هذه السهرات طغىٰ على ما سواه من ما يعانيه أهل السودان في مصر من آلام مع قسوة الحياة خارج أرضهم وديارهم !!

والناشطون من السودانيين على وسائل التواصل الإجتماعي، وهو الإعلام الأكثر تأثيراً والأسرع وصولاً للمتلقي، مشغول بسفاسف الأمور ومحاربة طواحين الهواء أما الإعلام الرسمي فمحصلته صفر كبير مع شديد الأسف.

وعلى ذكر الإعلام يقول د.المَنَّاعى لماذا لا نلحظ اهتماماً من إعلام سائر الدول العربية تجاه ما يدور فى السودان، ومصر ليست أستثناءً ؟؟
فى الوقت الذي نجد فيه إعلاماً سالباً تنشط فيه دولة الإمارات مع دورها المعروف في هذه الحرب، لدى كل دول العالم !!

ويختم د.المناعى هذه التساؤلات الحيرىٰ بتأكيده أن السياسة ليست من اهتمامته، لكن الوضع الماثل قد اضْطَره لطرح هذا الموضوع على كل سوداني يلتقي به، فهو عاشق للسودان ولكل ماهو سوداني!!!

وهكذا لم يَدَعْ صديقي المصري عاشق السودان، لِىَ ما أقول!! فالحقُّ أًنطَقه وأخْرَسَني، وبدا الحوار وكأنه من طرفٍ واحد.

والحقيقة أن ماتنضح به مجالس السودانيين في مصر أو بالأحرىٰ في القاهرة عن مثل هذه الممارسات الشائنة شئ لا يمكن الدفاع عنه، بل هى أشياءَ لا يمكن السكوت عليها، ولكن ما باليد حيلة، اللهم أهدِ قومي فإنهم لا يشعرون، ولا أقول لا يعلمون، فالأمر لا يحتاج إلى علمٍ أو كثير بيان، ومع كون أن التعميم ظالم، فهنا في مصر الكثير جداً من الأسر الكريمة المتعففة التي تعانى من شظف العيش في بلد ليس له فيها مصدر رزق ولا قريب قادر على التخفيف من وطأة الحياة اليومية فهم فى بلد [مافيهاش يامَّه أرحمينى] !!

ولربما وجد بعضاً من المطربين والمطربات وفِرَقَهم العذر في أن ما يفعلونه هو لجني المال لأنهم في بلد القول المأثور فيها [معاك قرش تساوي قرش، ما معاكش ما تسواش] !! لعن الله الفقر فإنه يذل أعناق الرجال، ولربما امتثلوا للمقولة الشعبية السودانية [بلداً ما بلدك أمشي فيها عريان] !!
لكن تلك المقولة -على عوارها- كانت مبلوعة قبل أن يصبح العالم كقرية واحدة يُرى فيها العريان أين ما كان !!

عفواً صديقي الفاضل فإن ما تراه هو من عقابيل الحرب التي لم تكن في الحسبان، أو على الأقل ليست بمثل هذه الصورة البشعة، عسىٰ أن تكون خيراً لنا،قال تعالى:-
﴿كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡهࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تَكۡرَهُوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰۤ أَن تُحِبُّوا۟ شَیۡـࣰٔا وَهُوَ شَرࣱّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾

جزىٰ اللهُ الشدائدَ كلَّ خيرٍ عرفت بها عدوِّى من صديقى ، ياصديقى.

محجوب فضل بدري

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/11 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة نسمع ضجيجاً ولا نرى2025/12/11 إبراهيم شقلاوي يكتب: العودة للخرطوم ورسائل مفضل2025/12/11 إسحق أحمد فضل الله يكتب: (يا أيها القبر… كم أنت حلو)2025/12/11 هذه المقالة حِصراً لغير المتزوجين2025/12/10 قصة السرير !!2025/12/10 الجيش والمليشيات: لكن الدعم السريع وحش آخر2025/12/10شاهد أيضاً إغلاق رأي ومقالات آلهة “تقدم” تعاقبنا بحمل صخرة الكيزان صعوداً وهبوطاً إلى قيام الساعة 2025/12/10

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • حوار مع صديقي المصري عاشق السودان
  • نواف سلام: الدولة وحدها تقرر الحرب والسلم والانتهاكات الإسرائيلية تقوض الاستقرار
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • عثمان باونين لـ "الفجر":الشباب أولًا والوحدة أساسًا.. تحالف القوى يحدد خارطة الطريق للسودان
  • أمريكا ترامب: سلامٌ بالقُوّة (القوّة الذّكيّة)
  • الولايات المتحدة وأوكرانيا يجتمعان اليوم لمناقشة خطة سلام عاجلة بعد مهلة دونالد ترامب لزيلينسكي
  • ترامب يمنح زيلينسكي مهلة حتى عيد الميلاد لقبول صفقة سلام
  • أمريكا ترامب: سلامٌ بالقُوّة (القوّة الذّكيّة[1])
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى
  • إسرائيل تتوقّع إعلانًا لبنانيًا عن نزع السلاح جنوبي الليطاني