هل يحقق «إعلان أديس» سلام السودان؟
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
هل يحقق «إعلان أديس» سلام السودان؟
عثمان ميرغني
لا يمكن لعاقل أن يرفض مبدأ إعلاء السلام على صوت البندقية، ووقف الحرب بالتفاوض إن أمكن، على أن يكون هذا السلام معالجا للأسباب التي أدت إلى الاقتتال، وأن يكون باباً لإنصاف ضحاياها، والمحاسبة على أي انتهاكات ارتكبت حتى لا يتكرر مثلها. من هذا المنطلق كنت أتمنى أن أقول إن إعلان أديس أبابا الموقع أول من أمس بين قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ورئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) الدكتور عبد الله حمدوك، يعطي بارقة أمل حقيقية بنهاية قريبة لهذه الحرب، لكنني بعد متابعة مخرجات الاجتماعات، أجد نفسي غير متفائل.
اجتماعات أديس أبابا خلطت السياسي بالعسكري، خلافاً لمنبر جدة التفاوضي الذي كان واضحاً في ضرورة معالجة ترتيبات اتفاق وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية، كخطوة أولى ضرورية تقود إلى مسار آخر منفصل لمحادثات شاملة بين القوى السياسية والمدنية حول الترتيبات السياسية للمرحلة المقبلة، وشكل الحكم وأسس الدستور وخلافه من قضايا هوية الحكم والدولة السودانية. من هنا فإن إعلان أديس بدلا من أن يؤسس لإخراج العسكر من العملية السياسية، فإنه يقحمهم فيها، ويجعلهم جزءا من طروحات الرؤية السياسية. لذلك بدا من الإعلان السياسي أنه يعطي أرضية وصوتا سياسيا لقوات الدعم السريع، وبالضرورة للجيش في أي جولة قادمة من الإعلان، إذا انعقدت مثل هذه الجولة.
فبعض المظاهر في اجتماعات أديس أبابا جعلت «تنسيقية القوى المدنية» تبدو وكأنها متوافقة مع مواقف قائد الدعم السريع، لا سيما في التصفيق أحيانا، أو في سماع الضحكات خلال هجومه على الفريق عبد الفتاح البرهان. هذا التوافق قد يعقد احتمال ترتيب أي اجتماع بين «التنسيقية» والفريق البرهان، كما أنه سهل على البعض القول إن إعلان أديس بابا كان بمثابة رؤية بين حليفين، وقعا اتفاقا يعرض بوصفه أمرا واقعا على البرهان لاحقا، إن اعترض عليه، بدا طرفا رافضا لوقف الحرب ومعرقلا لجهود السلام.
كذلك فإن اتهامات حميدتي للجيش بإثارة النعرات الجهوية والقبلية والتصفيات العرقية، من على منصة الاجتماع وحمدوك جالس جواره، لن تضيف إلا لأجواء التوتر مع قيادة الجيش، والاتهامات لأطراف تنسيقية «تقدم» بالتوافق مع خطاب الدعم السريع.
من الملاحظات في «إعلان أديس» أنه في تطرقه لموضوع إعادة بناء القوات المسلحة، ذكر أن تشكيل جيش واحد مهني وقومي يتم وفقا لمعيار التعداد السكاني، وهذه في تقديري مسألة خطيرة تعني تشكيل جيش محاصصات مناطقية، يحمل مخاطر الانقسام والتشرذم والولاءات المناطقية، بدلا من جيش وطني مفتوح أمام أي مواطن وفق شروط الكفاءة واللياقة والرغبة من دون أي اعتبارات لتمكين أو محاصصات من أي نوع.
الإعلان تحدث أيضا عن وقف العدائيات وليس وقف إطلاق النار بما يعني بقاء كل طرف في مواقعه، وهو أمر يثير كثيرا من المشكلات العسكرية، والتعقيدات للمواطنين. وفي هذا الصدد يلاحظ أن الاتفاق بين تنسيقية تقدم وقوات الدعم السريع تجاوز إعلان جدة الموقع في مايو (أيار) الماضي والذي كان من بين أهم بنوده إخلاء بيوت المواطنين والمنشآت المدنية والخدمية. وعلى الرغم من الإشارة إلى «تهيئة الأجواء لعودة المواطنين إلى منازلهم»، فإن «إعلان أديس» ربط ذلك بنشر قوات الشرطة، من دون أن يشرح ماذا يمكن للشرطة أن تفعل لحفظ الأمن في مواجهة قوات مدججة بالسلاح في الأحياء، بينما ذهب حميدتي إلى أبعد من ذلك عندما أعلن أن قواته لن تغادر البيوت والأحياء إلا بعد اتفاق وقف النار.
هناك ملاحظات أخرى في الإعلان لا يتسع لها المجال كلها في هذا المقال، لكن تبقى هناك مسألة مهمة لا بد من التطرق إليها، لأنها تشكل العقبة الكؤود أمام إنهاء الحرب وتحقيق السلام المبتغى. فعلى الرغم من كثير من التصريحات التي سمعناها عن أن الحرب فرضت واقعا جديدا، لا يمكن معه العودة إلى ما قبل تاريخ اندلاعها، فإن متابعة مجريات اجتماعات أديس أبابا، وقراءة الإعلان الصادر في نهايتها، تعيداننا إلى الأجواء نفسها التي رافقت «الاتفاق الإطاري»، وقادت إلى الحرب. فالصراع الذي نسف الفترة الانتقالية، وأجج الأجواء، ومهد لهذه الحرب هو صراع بين القوى السياسية بالأساس، قبل أن ينتقل إلى المكون العسكري بشقيه آنذاك. وإذا لم تتوافق القوى السياسية والمدنية وتتوصل إلى حلول تستوعب الجميع من أجل الخروج بالبلد من هذه المحنة، فإننا سنبقى في الدائرة ذاتها من الصراعات، التي من شأنها أن تبقي الحرب مشتعلة إلى أجل غير معلوم.
بصورة أكثر وضوحا، فإن الصراع الإقصائي، كان من العوامل الرئيسية التي عرقلت الفترة الانتقالية وقادت إلى اندلاع الحرب. هذا لا يعني أنه لم تكن هناك أسباب أخرى، لكن ذلك الصراع كان عاملا أساسيا وقتها، ويبقى الآن من بين الأسباب التي تسهم في استمرارها، ولا يمكن في تقديري معالجة وقفها من دون نزع فتيل هذا الصراع.
إذا كنا نرى أن السلام يقتضي اتفاقا بين الجيش وقوات الدعم السريع، على الرغم من كل ما فعلته هذه الأخيرة وخلق فجوة عميقة بينها وبين أغلبية المواطنين، فلماذا لا يكون هناك توافق بين القوى المدنية المتصارعة بدلا من الاستمرار في سياسة الإقصاء الصفرية التي لن تعني إلا إطالة أمد الحرب والإضافة إلى تعقيداتها التي تتسع كلما تأخرت نهايتها
الوسومإعلان أديس أبابا إيقاف الحرب السلام عثمان ميرغنيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إعلان أديس أبابا إيقاف الحرب السلام عثمان ميرغني
إقرأ أيضاً:
لكنها الحرب !!
إن كان للحرب نقطة واحدة إيجابية حتما ستكون أنها كشفت لنا حجم التحالفات المعلنة والمستترة وأطماع و (أحلام) الكثيرين في خيرات وثروات بلادنا، وأسقطت أقنعة الخونة والمأجورين ، ووثقت مواقف دول ومنظمات منها ما كان متوقع ومنها مالم يكن متوقعاً ،، لكنها الحرب !!
هناك مَن دعم القوات المسلحة والشعب السوداني ووقف إلى جانب خياراته دعما للشرعية وإحقاقاً للحق ، ومنها من دعم المليشيا بالسلاح والعتاد والمرتزقة والمال ، وعمل على استمرار الحرب مما يعد دعما واضحاً وتأييداً مباشراً لجرائم المليشيا الإرهابية .
على كل نتفق أن النزاع في السودان يصنف نزاعاً مسلحاً غير دولي ، و بغض النظر عن حدة العنف وحجم الجرائم التي ارتكبتها المليشيا الإرهابية ، إلا أن المؤسف حقاً فضح أمر دويلة الشر وأجندتها الصهيونية تجاة المنطقة كلها وليس السودان فقط ، دويلة الشر والتي يفترض أنها عضو في المنظومة الدولية وتحترم القانون الدولي وتعرف مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، و أن هناك مبدأ في القانون الدولي يعطي الحق للدولة المتضررة الدفاع عن سيادتها وأراضيها ومواطنيها وهذا المبدأ يمثل حقاً أساسياً وليس منحة من أحد ولا امتياز ، وبالتالي لها أن تسلح جيشها الوطني بكل أنواع الأسلحة لأنه هو الذي يدافع عن سيادة الدولة وهو مكلف بذلك دستوريا ، ضد أي عدوان خارجي أو تمرد داخلي ، أو عمليات إرهابية و الأخيرة اتفق العالم أجمع على محاربتها ومحاكمة مرتكبيها ومن يمولها أو يدعمها سواء كان دول أو منظمات أو أفراد .
وقد وضع العالم سمات معينة وواضحة لتصنيف المنظمات أو الجماعات أو المليشيات بأنها (ارهابية) ؛ أولها اتباع أيدولوجيا متطرفة بغيضة إقصائية عنيفة، عبر نشر إفكار عنصرية بغيضة بتفوق عنصر علي آخر وهو ما اتبعته المليشيا الإرهابية بالضبط بسعيها إلى إيجاد وطن لعرب الشتات في السودان..
ثانياُ امتداد عابر للحدود وهذا ما تمتلكة المليشيا الإرهابية بصلاتها القبلية الممتدة بقبائل في دول الجوار والعمل على هذة النقطة تحديداً لاستجلاب المرتزقة من تلك الدول للانضمام لصفوفها تحقيقا لحلمهم بـ”وطن” واتباع نمط تطهير عرقي ممنهج .
ثالثاً العشوائية والوحشية وارتكاب جرائم بشعة تجاه المواطنين المدنيين (أصحاب الأرض الأصليين) لإرهابهم ومن ثم هروبهم، والجرائم هنا لا حصر لها والفظائع لا حد لها.
لكن الشعب السوداني أثبت بالفعل أنه أقوى من كل ذلك وأن القوات المسلحة السودانية هي علامة بارزة وبصمة مشرفة في التاريخ العسكري في العالم كله ، وأن ما قدمته من بطولة وجسارة وإقدام يدرس للعالم بأسره.
بناءً عليه فإن عودة السلام للسودان تتطلب العديد من المطلوبات أولها القضاء على هذة المليشيا المجرمة وإدانة جرائمها ومعاقبة قادتها أو بالأدق (الأحياء) منهم ، ومعاقبة مموليها ومسانديها و الدول المتورطة معها.
الجميع يعرف أنه إن لم تجد المليشيا المتمردة المال والسلاح والعتاد والمرتزقة لما استمرت في الحرب يوماُ واحداً.
ولو طبق المجتمع الدولي الاتفاقية الدولية لقمع وتمويل الإرهاب لعام 1999م وقرار مجلس الأمن رقم 1373 لعام 2001م ، والقرار 2462 للعام 2019 والذي يدعو دول العالم إلى منع وقمع تمويل الإرهاب وتجريم توفير الأموال أو جمعها عمداً لأغراض الإرهاب ويحثها لإنشاء آليات لتجميد أموال الأشخاص المتورطين في دعم الإرهاب أو أصولهم المالية أو مواردهم الاقتصادية.
وهناك القرار 2178 للعام 2014 والذي دعا فيه مجلس الأمن الدول الأعضاء لإيقاف أنشطة تمويل الإرهاب المرتبطة بسفر المرتزقة وتجنيدهم وتمويلهم، لكن المؤسف أن آليات القانون الدولي أصبحت مسيسة وأن المصالح المشتركة هي التي تحكم وليس العدالة الدولية.
علي المجتمع الدولي أن يخرج عن صمته المخزي ويصنف مليشيا الدعم السريع بالإرهابية ويجرم أفعالها ويجبرها على وقف جرائمها ضد الشعب السوداني والتي ظهرت بشكل جديد في ولاية شمال دارفور حيث انهيار الوضع الانساني والصحي وقلة الغذاء ومياه الشرب للمواطنين وزيادة حركة النزوح من الولاية في ظل حصار قاس فرضته المليشيا المتمردة ، ثم رفضها للهدنة التي اقترحتها الأمم المتحدة وعدم اهتمامها بما يحدث للمواطنين المدنيين فهي لا تزال في ضلالها القديم ، فالفاشر اليوم هي تحدي أممي لا يقتصر فقط علي جسر جوي إنساني إغاثي قادم من أوروبا بل إلى سعي الأمم المتحدة إلى عودة السلام للسودان، خاصة بعد انتصارات القوات المسلحة وبعد تعيين رئيس وزراء وبعد الشروع في تشكيل حكومة مستقلة وبداية عودة الحياة لطبيعتها في الولايات المحررة ، الكثير من العوامل والأحداث تضع الأمم المتحدة في موقف الداعم والمؤيد لخطوات السودان نحو الانتقال السياسي للبلاد ونحو الاستقرار وبداية مرحلة الإعمار وهذا بالتالي تناهضه المليشيا الإرهابية ومن يساندها ويدعمها .
كان علي الأمم المتحدة قبل أن ترسل إغاثتها لدارفور ، أن تمنع من يرسل الأسلحة والعتاد والمرتزقة للمليشيا، هذا هو الأجدى لإنهاء الحرب ، إن كانت الأمم المتحدة جادة فعلاً في مساعيها.
د. إيناس محمد أحمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب