لا مبرر إطلاقًا للصوصية وسرقة أى شيء من ممتلكات الغير واستحلاله لنفسك، فمهما صغر قدر وقيمة هذا الشيء، فلن يعفيك من كونك لصًا أمام نفسك، أمام المجتمع والعدالة، وقبل كل هذا أمام الله، حتى لو استخدمت العدالة روح القانون مع لص سرق رغيف خبز لجوعة وفقره الشديد، فإن تطبيق روح القانون لن يعفى المجتمع من الشعور بالمسئولية ورفض تلك السرقة رغم ضآلة حجمها.
سرقة الغير تخلق مجتمعًا فوضويًا متوحشًا، تسوده الأحقاد ورغبات الانتقام حتى بعيدًا عن مظلة القانون نفسه، الذى كثيرًا ما يقف عاجزًا بسبب ثغراته وتلاعب بعض رجال العدالة بتلك الثغرات لإعفاء لص ما من العقاب وجعله يفلت بسرقته منعمًا ومعافى من أى عقاب، وهو إعفاء مدفوع الثمن بالطبع لهؤلاء الرجال الذين من المفترض أنهم يحمون حقوق الإنسان وممتلكاته، فإذا بهم يسهمون بشكل أو بآخر فى إهدار تلك الحقوق.
الجوع والفقر ليسا مبررًا للسرقة ولا لارتكاب أى جريمة تروع أمن المجتمع وتسلبه الأمان وتسقط غطاء الحماية للحق، فما بال لو كانت هذه السرقات ليس لها مبرر من الجوع والفقر، بل هى سرقة عقل جوعان وفكر فقير وقلب مريض، إنها سرقة الأدب، سرقة لعصارة عقل وقلب كاتب كتب اسطره من مداد حياته نفسها، لا يوجد مبرر للصوص الأدب والفكر لأن يرتكبوا تلك الجريمة الشنعاء، ثم يواصلون حياتهم فى امن وسلام نفسى مع أنفسهم، ولا أعرف كيف يشعرون وهم يحصدون نجاحًا ليس لهم، ويسمعون دوى تصفيق هو حق لغيرهم، ويملأون جيوبهم بأموال هى فى الأصل ليست من حقهم، بل من حق صاحب الإبداع الأدبى الأصلى الذى تمت سرقته وتشويهه ونسبه إلى أنفسهم بكل جرأة بل وقاحة فريدة.
أكتب تلك الأسطر بمرارة، لأنى شخصيًا وقعت ضحية تلك السرقات الأدبية، التى يطلق عليها لصوص الأدب مسميات قبيحة من الاقتباس، واستلهام الأفكار، وتوارد الأفكار، ففى عام 1996 كانت أول رواية لى هى مملكة العبيد، وكانت الأولى من نوعها التى تكتب عن المهاجرين والمغتربين المصريين والعرب فى هولندا بحكم معيشتى بينهم، واتحدى أى إنسان أن يذكر أن كاتبًا أو أديبًا مصريًا سبق وأن كتب رواية أو حتى قصة قصيرة عن المصريين فى هولندا قبل روايتى تلك، ولأنى كنت فى مهجرى المؤقت هولندا سنوات طويلة التى عدت منها فى منتصف عام 2011، لم أتنبه ولم أشاهد فيلم «همام فى أمستردام» والذى تم إنتاجه عام 1999 أى بعد ثلاث سنوات من صدور روايتى عن دار نشر الأمل للطباعة برقم إيداع 13350.
وعندما أتيح لى مشاهدة الفيلم متأخرًا، وجدت به الكثير والكثير من اللقطات المأخوذة عن روايتى مع التغيير التبديل والإضافة بالطبع للتمويه، لكن جوهر الموضوع واحد، وبعض اللقطات هى مشاهد طبق الأصل مما كتبته فى روايتى، ولم يكلف السيناريست الهمام نفسه لأن يشير إلى روايتى، وانه حتى استوحى السيناريو من الرواية ولا استلهم الفكرة من اصل روايتى، وبالطبع عندما سألت أهل القانون، قالوا إن الوقت صار متأخرا لإثبات حقك الأدبى.
نعم للأسف تأخر الوقت فى القانون البشرى، لكن القانون الإلهى لا يسقط أبدًا أمامه الحق، فلن أعفى كاتب السيناريو من الذنب العظيم أمام الله، ومؤكد سيدفع ثمن ما ارتكبه دنيا وآخرة، لأنه استلب فكر وأدب غيره، ونسبه إلى نفسه فى منتهى الجرأة.
ناهيك عن بعض المشاهد واللقطات التى تضمنها أيضاً فيلم «هاللو أمريكا» والتى كانت مستوحاة أيضاً من روايتى مملكة العبيد حول المهاجرين خاصة الجزئية المتعلقة بزواج البطل عادل أمام من سيدة مريعة الأخلاق من أصول أفريقية للحصول على الإقامة، وهو زواج البزنس أو الإقامة، وكنت أول من يكتب عن هذا النوع من الزواج فى روايتى، وكان أن تضمنت روايتى ضمن أحداثها أيضاً قصة شاب تزوج من سيدة مريعة أيضاً من أصول أفريقية مقابل المال للحصول على الإقامة، وللحديث بقية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فكرية أحمد
إقرأ أيضاً:
بين نوبل وبوليتزر.. لماذا رفض سارويان الجوائز؟
في عالم الأدب، يُعد الفوز بجائزة بوليتزر أو نوبل قمة الإنجاز، لحظة تتويج يحلم بها الكُتاب طوال حياتهم.
لكن ويليام سارويان، الكاتب الأمريكي الأرمني، قرر قلب المعادلة: عندما فاز بجائزة بوليتزر عام 1940، رفض استلامها، وأثار بذلك جدلًا واسعًا لم ينتهِ حتى اليوم.
حصل سارويان على جائزة بوليتزر عن مسرحيته الشهيرة The Time of Your Life (“زمن حياتك”)، وهي مسرحية لاقت نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كبيرًا، واعتُبرت لحظة نضوج في تجربته المسرحية.
لكن المفاجأة لم تكن في الفوز، بل في رفضه الجريء للجائزة. كتب قائلاً:
“جائزة لا تعني شيئًا إذا جاءت من مؤسسة لا أفهم دوافعها.”
لماذا رفض سارويان الجائزة؟سارويان كان دائمًا مناصرًا للحرية، لا في السياسة فقط، بل في الأدب أيضًا.
رأى أن الجوائز حتى الرفيعة منها قد تكون شكلًا من أشكال الهيمنة أو التقييم السلطوي للفن، وهو ما يتعارض مع إيمانه بأن الأدب لا يقاس ولا يحكم عليه بمعايير ثابتة.
قال في أحد تصريحاته:
“الأدب ليس سباق خيول. لا أحد يفوز. الجميع يحاول أن يقول الحقيقة بطريقته.”
فلسفة سارويان: اكتب كأن لا أحد يراقبككانت كتابات سارويان مليئة بالإيمان بالإنسان، بالبساطة، بالحياة العادية التي تمنح المعنى العميق.
وهو ما يتماشى مع موقفه من الجوائز: لا يريد تكريمًا، بل تواصلًا حقيقيًا مع القارئ، لم يكتب ليربح، بل ليُضيء جزءًا صغيرًا من روح الإنسان.
تمرد رافق مسيرتهرفض سارويان لاحقًا أيضًا بعض الأشكال الرسمية في النشر، وكتب بنفسه عن صراعاته مع دور النشر والنقاد.
موقفه من بوليتزر كان حلقة في سلسلة مواقفه “العنيدة” تجاه كل ما يمكن أن يقيد حرية الكاتب أو يُضعف صدق الكتابة.
موقف نادر… لكن ليس وحيدًارغم أن موقف سارويان كان نادرًا، إلا أنه ألهم لاحقًا أدباء آخرين في العالم رفضوا جوائز كبرى، مثل جان بول سارتر الذي رفض نوبل، وألبرتو مورافيا الذي شكك في مصداقية بعض الجوائز الأدبية.
أصبح رفض الجوائز أحيانًا علامة على النزاهة لا على الجحود.