إن غزة يتم تسميمها الآن من فوق الأرض وتحتها، وسط حملة شرسة لتدمير القطاع الذي يعيش به أكثر من مليوني فلسطيني، حيث تسعى إسرائيل إلى جعله مكان غير صالح للعيش بعد انتهاء الحرب الحالية.

هكذا يحذر الصحفي والكاتب الأمريكي جوشوا فرانك، وهو مؤلف كتاب: "أيام ذرية: القصة غير المروية للمكان الأكثر سمية في أمريكا"، لافتا، في مقاله الذي نشره موقع "ريسبونسبل ستيت كرافت"، إلى أن قصف أجواء القطاع بالفسفور الأبيض المميث وإغراق الأنفاق تحت الأرض بمياه البحر الملوثة، وتدمير ما بين الجو والأرض من مبان وانهيار الخدمات الصحية يشكل جوانب مربع مرعب لتسميم القطاع تماما.

اقرأ أيضاً

أونروا: حرب غزة تسبب في أكبر تهجير للفلسطينيين منذ 1948

إغراق الأنفاق

تتمثل أولى جرائم تسميم غزة بإغراق الأنفاق بمياه البحر، وهو ما أكدت إسرائيل أنها تفعله حاليا بعدة مناطق في القطاع، وهو إجراء سبق لمصر اتخاذه ضد الأنفاق التي كانت تربط بينها وبين القطاع بداية من عام 2013.

وتسببت تلك الممارسات في تلويث إمدادات المياه الجوفية بالمحلول الملحي، ونتيجة لذلك، أصبحت التربة مشبعة وغير مستقرة، مما تسبب في انهيار الأرض ومقتل العديد من الأشخاص

وفي السابق، تحولت الحقول الزراعية الخصبة إلى حفر مملحة من الطين، وتدهورت مياه الشرب النظيفة، التي كانت تعاني بالفعل من نقص في غزة.

وتحذر جوليان شيلينجر، الباحثة في جامعة توينتي بهولندا، قائلة: "من المهم أن نضع في اعتبارنا أننا لا نتحدث هنا فقط عن المياه التي تحتوي على نسبة عالية من الملح - فمياه البحر على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ملوثة أيضًا بالأملاح بسبب مياه الصرف الصحي غير المعالجة، والتي يتم تصريفها بشكل مستمر في البحر المتوسط من نظام الصرف الصحي المختل في غزة".

اقرأ أيضاً

حكومة غزة: الموت جوعا وعطشا يهدد 800 ألف نسمة  

هدف إسرائيلي

ويقول فرانك: يبدو أن هذا، بطبيعة الحال، جزء من هدف إسرائيلي أوسع - ليس فقط لتفكيك قدرات "حماس" العسكرية، ولكن لزيادة تدهور وتدمير طبقات المياه الجوفية في غزة (الملوثة بالفعل بمياه الصرف الصحي التي تسربت من الأنابيب المتهالكة).

وقد اعترف المسؤولون الإسرائيليون علناً بأن هدفهم هو ضمان أن تصبح غزة مكاناً غير صالح للعيش بمجرد إنهاء حملتهم العسكرية القاسية.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت بعد وقت قصير من الهجوم الذي شنته "حماس" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول: "إننا نقاتل حيوانات بشرية، ونتصرف على هذا الأساس". "سوف نزيل كل شيء، وسوف يندمون على ذلك".

ويبدو أن إسرائيل الآن تفي بذلك الوعد، يقول الكاتب.

اقرأ أيضاً

إغراق الأنفاق.. خطة إسرائيلية تقضي على الزراعة والمياه الجوفية بغزة

معاناة المباني المتبقية

وكأن قصفها العشوائي، الذي أدى بالفعل إلى إتلاف أو تدمير ما يصل إلى 70% من كل المنازل في غزة، لم يكن كافيا، فإن ملء الأنفاق بالمياه الملوثة من شأنه أن يضمن معاناة بعض المباني السكنية المتبقية من مشاكل بنيوية أيضا.

وإذا كانت الأرض ضعيفة وغير آمنة، فسوف يواجه الفلسطينيون صعوبة في إعادة البناء، بحسب فرانك.

ويقول عبدالرحمن التميمي، مدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، إن غمر الأنفاق بالمياه الجوفية الملوثة "سيتسبب في تراكم الأملاح وانهيار التربة، مما يؤدي إلى هدم آلاف المنازل الفلسطينية في القطاع المكتظ بالسكان".

ولا يمكن أن يكون استنتاجه أكثر إثارة للدهشة عندما يقول إن "قطاع غزة سيصبح منطقة خالية من السكان، وسوف يستغرق الأمر حوالي 100 عام للتخلص من الآثار البيئية لهذه الحرب".

اقرأ أيضاً

وول ستريت جورنال: إسرائيل بدأت ضخ مياه البحر في أنفاق حماس بغزة

أشجار الزيتون

وينتقل الكاتب للحديث عن تدمير إسرائيل لمزارع الزيتون وأشجاره التي تشتهر بها غزة خلال الحرب الحالية، مؤكدا أن هذا الإجراء، بخلاف تسببه في خسائر ضخمة للفلسطينيين والقطاع، كون الزيتون جزءا مهما للغاية من اقتصاد القطاع، فإن تدمير ذلك الغطاء النباتي المهم سيؤدي لعواقب بيئية وخيمة، حيث تمتص شجرة الزيتون 11 كجم من ثاني أكسيد الكربون لكل لتر من زيت الزيتون المنتج.

الفوسفور الأبيض

شهدت أجواء القطاع منذ بداية الحرب انفجار صواريخ وقنابل إسرائيلية ضخمة، لكن هناك أيضا الفوسفور الأبيض الذي استخدمه جيش الاحتلال بكثافة على حواضر سكنية واسعة بقطاع غزة، وهو ما يعد تسميما لها من الأعلى.

وتعرض العديد من مقاطع الفيديو التي حللتها منظمة العفو الدولية، وأكدتها صحيفة "واشنطن بوست"، لقطات من قنابل مضيئة وأعمدة من الفوسفور الأبيض تنهمر على المناطق الحضرية المكتظة بالسكان.

واستُخدم الفوسفور الأبيض لأول مرة في ساحات القتال في الحرب العالمية الأولى لتوفير غطاء لتحركات القوات، ومن المعروف أنه سام وخطير على صحة الإنسان.

اقرأ أيضاً

واشنطن: قلقون من تقارير استخدام إسرائيل الفوسفور الأبيض

إن إسقاط الفوسفور الأبيض على البيئات الحضرية يعتبر الآن غير قانوني بموجب القانون الدولي، وغزة هي واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض.

وتقول لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": "في أي وقت يتم فيه استخدام الفوسفور الأبيض في مناطق مدنية مزدحمة، فإنه يشكل خطراً كبيراً يتمثل في حروق مؤلمّة ومعاناة مدى الحياة".

وفي حين أن الفوسفور الأبيض شديد السمية للإنسان، فإن تركيزات كبيرة منه لها أيضًا آثار ضارة على النباتات والحيوانات. يمكن أن يعطل تكوين التربة، مما يجعلها حمضية للغاية لزراعة المحاصيل، يقول الكاتب.

انفجار المباني

ويشير الكاتب إلى أن كل مبنى ينفجر يترك سحابة باقية من الغبار السام والأبخرة المسببة للاحتباس الحراري.

ويقول الدكتور إيروم ظاهر، أستاذ الكيمياء في جامعة كراتشي: "في المناطق المتضررة من النزاع، يمكن أن يؤدي تفجير المتفجرات إلى إطلاق كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، بما في ذلك ثاني أكسيد الكربون وأول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين والجسيمات".

وعلى سبيل المثال، دمر الغبار الناتج عن انهيار برجي مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر/أيلولا 2001 المستجيبين الأوائل، مثل رجال الإنقاذ الذين كانوا عرضة بنسبة 41% للإصابة بسرطان الدم مقارنة بالأفراد الآخرين".

اقرأ أيضاً

بأدلة مقنعة.. العفو الدولية تؤكد استخدام إسرائيل الفوسفور الأبيض في غزة

وقد عانى حوالي 10 آلاف من سكان نيويورك من أمراض صحية قصيرة الأمد في أعقاب الهجوم، واستغرق الأمر عامًا حتى تعود جودة الهواء في مانهاتن السفلى إلى مستويات ما قبل 11 سبتمبر.

ويقول فرانك: وفي حين أنه من المستحيل تحليل جميع آثار القصف الإسرائيلي المتواصل، فمن الآمن الافتراض أن التسوية المستمرة لغزة بالأرض ستكون لها آثار أسوأ بكثير من آثار أحداث 11 سبتمبر على مدينة نيويورك.

مياه الشرب والكهرباء

كان الوصول إلى مياه الشرب النظيفة من أهم المعضلات التي واجهها الفلسطينيون في غزة، حتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وقد تفاقمت هذه المعضلة بشكل مروع بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل.

وأشار تقرير صادر عن اليونيسف عام 2019 إلى أن "96% من المياه من طبقة المياه الجوفية الوحيدة في غزة غير صالحة للاستهلاك البشري".

اقرأ أيضاً

إسرائيل تستخدم الفوسفور الأبيض المحرم دوليا في قصف غزة.. والمقاومة ترد

كما أدى انقطاع الكهرباء، كنتيجة مباشرة للحصار الإسرائيلي، إلى تدمير مرافق الصرف الصحي في غزة، مما أدى إلى زيادة تلوث المياه الجوفية، والذي أدى بدوره إلى إصابات مختلفة وتفشي أعداد كبيرة من الأمراض المنقولة بالمياه والتي يمكن الوقاية منها.

المصدر | جوشوا فرانك / ريسبونسبل ستيت كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: غزة تدمير غزة الاحتلال الإسرائيلي إغراق الأنفاق الفسفور الابيض الفوسفور الابيض الفوسفور الأبیض المیاه الجوفیة الصرف الصحی میاه البحر اقرأ أیضا فی غزة

إقرأ أيضاً:

لم أعد أحب نفسي ولا أحب الحياة أيضا

سلام الله على الجميع وبعد: سيدتي قراء الموقع، سأكون مختصرة في رسالتي لأني مشكلتي واضحة وأريد استشارتكم لأستعيد حيويتي وحب الحياة.
أجل سيدتي قد تستغربين الأمر أن تفقد فتاة في ريعان العمر الهمة وحب الحياة، خاصة وأني طالبة جامعية ومن المفروض أن يكون لي الكثير من المشاغل إلا أنني أفضل دوما النوم والراحة والمكوث في البيت والتفكير في أمور تافهة، لا أرغب في شيء، لا أحلام ولا أهداف، مستسلمة للغاية، حتى عائلتي لا أجالسهم، وأحب الإجتماع معهم.
سيدتي هذا الخمول وهذه اللامبالاة أتعبتني نفسيا، بت أرى نفسي غير نافعة، فهل يُعقل أن يكون هذا حال فتاة في الـ20 من عمرها..؟ فما العمل أفيدوني من فضلكم وجزاكم الله عني كل خيرا.
أمال من غرب البلاد
الرد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته عزيزتي أمال، يسرنا جدا مشاركتك معنا، فمرحبا بك، قبل الرد أسأل الله جلّ وعلا أن يشرح صدرك وييسر كل أمورك ويزرع في روحك الهمة ويجعلك من الصالحات المتألقات، وأما بخصوص طرحك فأظن أنه لا يوجد شيء يدعو للقلق مادمت مدركة لمشكلتك، وحلها يستوجب منك أولا التوكل على الله، ثم وقفة مع نفسك وتحديد الأسباب وبعدها التطبيق الفعلي في التخلص منها، وبإذن الله سوف تستعيدين الشغف وطعم الحياة.
عزيزتي في طرحك لاحظت أمرا، هو مرورك على علاقتك بعائلتك مرور الكرام، واكتفيت بأنك لا تجالسينهم كثيرا ولا تحبين الاجتماع معهم، وأنا أعتقد أن هذا هو مربط الفرس، فكل فرد منا يستمد إلهامه الأول من العائلة، لما لها من أثر بالغ في بناء شخصيتنا وتحفيز التطور فيها، فعدم اهتمام الأسرة لما يحصل مع فرد من أفرادها سيؤدي حتما إلى تفاقم الأمور، خاصة حين يكون الأولياء منهمكون فقط بتوفير كل وسائل العيش غير منبهين للحالة النفسية لأولادهم، لذا سأوجه رسالة من خلال هذا المنبر للأولياء انتبهوا لأولادكم، ولا تغفلوا عن أهمية الحوار والتواصل معهم لفهم أعماقهم وتهذيب ما يمكن تهذيبه، هذا من جهة من جهة أخرى أوجه كلامي لك الآن العزلة كل الوقت والابتعاد عن العائلة ليس من الصائب، لأن الله لم يخلقنا هكذا بدون رسالة أو وظيفة، وأنت الحمد لله فتاة راشدة، أما سألت نفسك أنه ق يكون فردا من العائلة بحاجتك..؟ أما سألت نفسك أن أمك قد تكون بحاجة لحبك وعطفك عليها ومساعدتك لها بعد أن اجتهد سنين طوالا في خدمتكم..؟
عزيزتي بهذا الأسلوب أبدا ا تستمر الحياة، لن يكون لك الحق في العتاب أو لو أحد لأنك لا تسعين فيها، لذا لابد لك أن تبدئي وفورا في التغيير، بالتوكل على الله أولا والإرادة القوية حتى تستغلي كل لحظة من وقت وشباب وصحتك وعلمك لتطوير نفسك ونفع من حولك، وفيما يلي سأقدم لك بعض النقاط التطبيقية التزمي بها وهي:
1 حددي أوقات النوم ولا تزيدي عن 7 أو 8 ساعات.
2 نظمي أوقاتك بين ذكر الله وقراءة القرآن والدراسة والتزمي بها مهما كانت الأسباب.
3 حددي وقتا للعائلة واحتكي بهم، اوجدي مواضيع للنقاش فيها، وخلق أجواء تبعث الراحة في النفوس.
4 مهم جدا أن تحددي أيضا وقت لنفسك واعتني بصحتك جيدا.
5 أنصحك أيضا بالمطالعة بعيد عن الهواتف الذكية.
ومع كل هذا لا تنسي الدعاء والتضرع لله، فهو قريب مجيب، وتذكري أنك شابة مقبلة على الحياة، ولابد أن تقبلين عليها بإيجابية حتى تعود عليك بالفلاح والصلاح بحول الله.

مقالات مشابهة

  • لم أعد أحب نفسي ولا أحب الحياة أيضا
  • عاجل.. وقفات احتجاجية في لندن وبرلين دعما للسفينة مادلين التي احتجزتها إسرائيل
  • إسرائيل تعلن العثور على جثة محمد السنوار في نفق بغزة
  • فيديو.. إسرائيل تكشف تفاصيل عملية اغتيال محمد السنوار
  • هيئة دولية تؤكد استمرار “إسرائيل” في ارتكاب جرائم الإبادة في غزة بدعم أمريكي
  • برلين تتجهز تحت الأرض لمواجهة قد تندلع في 4 سنوات.. هل اقتربت الحرب من أوروبا؟
  • صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتحول إلى مقابر خلال 48 ساعة
  • إعلام إسرائيلي: اندلاع حريق في كنيس الحاخام الأكبر السابق
  • من تحت القصف إلى قلب الحقل.. هكذا أنقذت نساء الجنوب الأرض من الموت
  • كاتب اسرائيلي يدعو للتفاوض مع كتائب القسام .. مفتاح الحل في غزة لا الدوحة