استكمالا للمقال السابق أتذكر كيف كانت صديقتي تجلس معنا كالشبح، تفكر بحبيبها الذي هجرها، وتتفقّد تليفونها المحمول كل ثانية أملا في كلمة منه، تعيد قراءة رسائله السابقة، لا تمل من رؤية صوره، تُجنّ حينما تكتشف أن شبكات المحمول ضعيفة في المكان الذى تتواجد به خشية أن يتصل بها ولا يعثر عليها، تتوهم سماع النغمة المخصصة لاتصاله، تتابعه عبر كل مواقع التواصل الاجتماعي لتطمئن أنه بخير، وطبعا لا تشارك بالحديث إلا عنه!! وتستهجن أي كلمات من نوعية (المشاعر لا تُستجدَى، والتوسل لا يتفق مع الحب).
ظلت تذبل وتنطفئ وتعتزل كل مظاهر الحياة التي فقدت بهجتها بالنسبة لها حينما تيقنت من الحقيقة، ثم بعد فترة طويلة تغلبت على التجربة الموجعة وعادت إلى نفسها مليئة بالتفاؤل والحيوية والإقبال على الحياة، ولم يعد اسمه أو سيرته تؤثر فيها، وسألتها هل كرهته؟ فردت لا.. لكنى لم أعد أحبه، لا يهمني أمره.
إنه قول موجز، إنها لا تحبه ولا تكرهه، فقط هي لا تبالى!!
لقد تخطت كل ما حدث حينما آمنت بأنها تستحق الحياة، وأن السعادة حق لها كما هي حق لكل إنسان.
أتذكر كلمات قرأتها ولا أعرف كاتبها (لقد عذبتني يوم كنت ملكا لك، أذلني حبك واستعبدني رضاك، كان بإمكانك أن تجعلني أسعد إنسانة فى الوجود، لكن قسوتك روعتني!! سيجئن اليوم الذى نتبادل فيه الأماكن، فابتسم أنا، وتبكى أنت، تتوه وتتمزق وتذوب نفسك حسرة!! انتبه، لو تمردت كرامتي على حبى، فإنني لن أرحمك لو بكيت، لن أسمعك لو ناديت، سأترك الأيام تسحق بقايا نفسك!! أفق، فأنا حبك الذى لن تفنيه السنون!!).
كلمات مؤثرة تحمل معانى الألم مع الأمل، في البداية تشرح إحساسها وتحلم بتبادل الأدوار، ثم تحذره من استيقاظ كرامتها وتمردها، لكنها فى النهاية تنبهه- بأمل دفين كأنها تستجديه لتمنحه فرصة أخيرة- أن يدرك قيمة المشاعر!! إنها رسالة مختصرة من امرأة مقهورة تتمسك بأهداب أمل بعيد المنال!!
وللحكاية بقية، ،
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
العداء الإثيوبي.. والصبر المصرى
تواجه إثيوبيا مشاكل وتحديات كبيرة تهدد وحدتها نتيجة الصراعات العرقية والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وكلما زادت الضغوط على الحكومة الإثيوبية والمخاوف من تفكك الاتحاد الفيدرالى الإثيوبي، تذهب الحكومة الإثيوبية إلى خلق مشكلة أو نزاع خارجى لشغل الرأى العام الإثيوبي عن مشاكله الداخلية من خلال تصريحات وخطابات عدائية مع الدول المجاورة، فى تناقض شديد للواقع الذى بدحض كل مزاعم إثيوبيا المضللة، ويؤكد اعتداءها على سيادة الدول ومخالفة كل قرارات الشرعية الدولية، وتزعزع الأمن فى منطقة القرن الافريقى، بداية من الاعتداء على دولة الصومال واحتلال ميناء بربرة على البحر الأحمر من خلال اتفاق غير شرعى مع الانفصاليين فى شمال الصومال مقابل اعتراف إثيوبيا للانفصاليين باستقلال هذا الاقليم فى خطوة شكلت انتهاكا لسيادة دولة ورفضها المجتمع الدولى والمنظمات الأممية وأدانتها جامعة الدول العربية، وتكرر الأمر نفسه مع الجارة اريتريا فى تصعيد إثيوبي جديد لدولة أخرى بهدف الحصول على منفذ بحرى بالقوة وعلى حساب سيادة الدول، وهو النهج نفسه الذى تتخذه إثيوبيا مع دول حوض النيل فى محاولة فرض أمر واقع مخالف للشرعية الدولية.
الأسابيع الأخيرة شهدت حملة عداء وتصعيدًا إثيوبيا ضد مصر، ومزاعم ومغالطات وصلت إلى حد إنكار اتفاقيات النيل عام 1920، 1929، وباقى الاتفاقيات الدولية التى تحفظ حقوق مصر التاريخية فى مياه النيل.. هذه الحملة الإثيوبية الممنهجة لم تأتِ من فراغ وإنما لأسباب جوهرية يأتى على رأسها انهيار الحلم الإثيوبي فى النهضة الشاملة جراء إنشاء هذا السد الذى روجت له واعتبرته مشروع القرن لتحويل إثيوبيا إلى مصاف الدول الاقتصادية الكبرى والخلاص من كل مشاكلها وخدعت الشعب الإثيوبي بالمساهمة فى إنشاء السد رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة، وبعد مرور 15 عامًا على إنشاء السد وافتتاحه رسميًا، فاق الشعب الإثيوبي على صدمة كبيرة، وواقع أليم لم يتغير وحالة اقتصادية أكثر سوءًا.. الأمر الثانى الذى كشف الواقع الإثيوبي المذرى كان حالة الصبر المصرى اللامحدود فى المسار التفاوضى لسنوات رغم التلاعب الإثيوبي والهروب من التوقيع على اتفاق قانونى بشأن الجوانب الفنية وتشغيل السد، لتأتى المفاجأة بفشل إثيوبيا فى تشغيل السد بعد تعطل معظم التربونات عن العمل، واضطرار إثيوبيا لتصريف المياه بصورة عشوائية وبكميات هائلة بعد أن شكلت خطورة على جسم السد، وأدى الأمر إلى خسائر كبيرة فى السودان وتهديد مصر، وهو ما سبق أن حذرت منه مصر وكشفه الواقع والتجربة.
الحقيقة أن إثيوبيا فى مزنق شديد ما بين مطرقة الواقع فى فشل إدارة وتشغيل السد، وسندان مخالفة قرارات الشرعية الدولية بسبب قراراتها الاحادية المخالفة للقرارات الأممية التى تنظم الأسس الحاكمة للأنهار الدولية العابرة للحدود، وهو ما يدفع إثيوبيا للهروب من الواقع الذى تعيشه بأكاذيب وخطاب سياسى متطرف، تقابله مصر بأقصى درجات ضبط النفس.. إلا أن الأخطر من كل هذا هو الاعلان الإثيوبي الأخير عن إنشاء عدد من السدود الجديدة بحجة الاستفادة من المياه فى الزراعة، فى هروب جديد من فشل سد النهضة وصناعة أزمة جديدة مع مصر، ويبدو أن إثيوبيا ومن يقف خلفها، لا تعى أن مصر الآن، ليست مصر عام 2011 التى انشغلت بأزمتها الداخلية وكانت أولويتها الحفاظ على وحدتها واتقرارها المجتمعى فى مواجهة مخطط دولى كبير تحطم على صخرة الإرادة المصرية.. ومصر الآن قادرة على حماية أمنها القومى أينما وجد، وعلى رأسه حصتها فى مياه النيل، وعلى إثيوبيا أن تدرك أنها لن تستطيع وضع حجر واحد جديد على مجرى النيل الذى يشكل شريان الحياة لكل مصرى.
حفظ الله مصر