الحرب على غزة.. لو كنت أعلم أن المعونة تعني مذبحة ما ذهبت
تاريخ النشر: 16th, January 2024 GMT
كان من المفترض أن يكون مكانا يتجمع فيه النازحون الفلسطينيون للحصول على الإمدادات الغذائية التي هم في أمس الحاجة إليها في شمال غزة.
لكن شهود عيان أخبروا موقع "ميدل إيست آي" كيف تعرض حشد كبير كان ينتظر شاحنة طعام في شارع الرشيد في 11 يناير/كانون الثاني لإطلاق نار من الجيش الإسرائيلي أدى إلى مقتل وجرح العشرات في الهجوم.
ويحكي محمد سالم، أحد شهود المذبحة البالغ من العمر 27 عاما، للموقع البريطاني أنه رأى عشرات الجثث المتناثرة في أنحاء الشارع.
وقال "في التاسعة صباحا ذهبت أنا وأبناء عمومتي إلى شارع الرشيد بعد أن أخبرنا الناس في منطقتنا أن الشاحنات المحملة بالدقيق ستمر بالمكان".
وأضاف "وصلنا إلى هناك في الساعة العاشرة صباحا لأن معظم الشوارع كانت مدمرة ومليئة بالأنقاض، ولذا لم تتمكن السيارات من المرور. وعندما وصلنا إلى شارع الرشيد كان هناك بالفعل مئات الأشخاص ينتظرون هناك".
مشاهد مروعةوتابع "أثناء عبورنا دوار النابلسي ظهرت دبابة إسرائيلية من خلف تلة رملية وبدأت إطلاق النار على الأهالي بشكل عشوائي. وفي الوقت نفسه بدأت المسيرات في مهاجمتنا ومئات الأشخاص، بمن فيهم الأطفال، من حولنا".
ويقول سالم إنه رأى فتاتين أمامه أصيبتا بالرصاص والأشخاص الذين كانوا في مقدمة الطابور قتلتهم نيران الدبابة والمسيرات. ويضيف أنه رأى ما بين 50 شهيدا وجريحا، بالإضافة إلى مئات الأشخاص في الحشد الذين كان يفرون إلى الشوارع الضيفة المجاورة لشارع الرشيد لتجنب وابل رصاص المسيرات وقذائف الدبابات.
ويشير تقرير الموقع إلى أنه بالرغم من عمليات القتل، فقد عاد سالم إلى مكان الحادث مع عشرات آخرين عندما وصلت شاحنات المساعدات في النهاية حوالي الساعة 11:30 صباحا. ورأى 6 شاحنات، 4 منها محملة بالدقيق والمعلبات، بينما تحمل الثنتان الأخريان الأدوية.
وقال سالم "عاد الكثير من الناس لانتظار الشاحنات كما فعلنا، بالرغم من إصاباتهم والجثث من حولنا. وكانوا يحاولون اللحاق بالشاحنات للتأكد من حصولهم على بعض الطعام لعائلاتهم".
"ورأيت فتاتين تركضان بجوار الشاحنة للحصول على بعض الدقيق، وركضتا بكل ما تملكان من قوة لكنهما سقطتا تحت عجلات الشاحنة وماتتا على الفور".
ولفت موقع ميدل إيست آي إلى أن رواية سالم أكدها أيضا شهود آخرون، منهم أحمد العبد البالغ 27 عاما. وذكر أنه في صباح 11 يناير/كانون الثاني التقى العبد بمجموعة من الشباب وتوجهوا إلى شارع الرشيد في السابعة والنصف صباحا بعد سماعهم أن بإمكانهم شراء الدقيق هناك. ومثل سالم عندما وصل إلى دوار النابلسي تحولت رحلته إلى الأسوأ.
إطلاق النار عشوائياوقال "فجأة وبدون أي استفزاز أو تحذير، بدأ إطلاق النار ينهمر علينا من حيث كان يُتوقع وصول شاحنات الدقيق. وفي الوقت نفسه ظهرت مسيرات فوقنا وبدأت تطلق النار عشوائيا علينا جميعا. وكانت المشاهد مروعة، ورأيت أناسا تطلق عليهم النار ويسقطون بجواري".
وأفاض الموقع في ذكر قصص المعاناة التي تعرض لها الفلسطينيون في هذا اليوم المشؤوم، ومنها قصة محمود حمدي، البالغ من العمر 33 عاما، وتعيش معه زوجته و4 أطفال في مدينة غزة. واضطرإلى أن يخوض رحلة الحصول على الدقيق مع خطورتها، لأن أطفاله كانوا يتضورون جوعا، ولم يتحمل رؤية معاناتهم من الخوف والجوع.
ويحكي حمدي أنه رأى السكان الذين وصلوا إلى مكان الشاحنات وهم يركبون عربات الحمير. وبدلا من استخدامها في نقل الدقيق كانت تنقل الموتى والمصابين الذين سقطوا من إطلاق النار العشوائي. ويقول "لقد تجمدت في مكاني وبدأت أصرخ لأني لم أتمكن من التحرك أو الهرب، ولم أعرف ما أفعله".
وعندما استجمع قواه جرى لكن رصاصة أصابت قدمه أثناء الجري، ومع ذلك واصل الفرار وهو ينزف. وقال "عدت إلى المنزل في وقت متأخر دون الحصول على الدقيق أو الطعام لأطفالي. لو كنت أعرف أن الحصول على المساعدة سيعني مذبحة لما ذهبت قط. وشكرت الله لأنني تمكنت من العودة هذه المرة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شارع الرشید إطلاق النار
إقرأ أيضاً:
مأزق الحرب في غزة.. هدنة إسرائيل المؤقتة لتخفيف حدة الانتقادات الدولية .. نتنياهو سيقبل اتفاق وقف إطلاق النار فى هذه الحالة
بين نيران الحرب والضغوط الدولية المتصاعدة، وجدت إسرائيل نفسها مضطرة لاتخاذ خطوة مفاجئة تمثلت في تعليق مؤقت ومحدود لعملياتها العسكرية في قطاع غزة.
خطوة وُصفت بـ"التكتيكية"، لكنها تعكس، في جوهرها، حجم المأزق الذي تواجهه الحكومة الإسرائيلية داخليًا وخارجيًا، لا سيما في ظل موجة الغضب الدولي العارم التي فجرها الانتشار الواسع لصور الأطفال الجائعين في غزة على صدر الصفحات الأولى للصحف والمجلات العالمية، خصوصًا الأوروبية والأمريكية.
وهذا التقرير يرصد تفاصيل التحركات الإسرائيلية الأخيرة، وسياقاتها الإنسانية والسياسية، والتداعيات المحتملة لها داخليًا وخارجيًا.
رغم تعثر مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، أعلنت إسرائيل بشكل مفاجئ تعليقًا تكتيكيًا مؤقتًا ومحدودًا للعمليات العسكرية في بعض مناطق القطاع، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات واسعة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التحول المفاجئ في الموقف الإسرائيلي، رغم استمرار العمليات الميدانية.
وتزامنت هذه الخطوة مع موجة غضب عالمي غير مسبوقة، أشعلتها صور الأطفال الفلسطينيين الذين يعانون من الجوع والمرض، وقد تصدرت هذه الصور الصفحات الأولى للصحف والمجلات العالمية، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة. الأمر الذي استدعى تدخلًا دبلوماسيًا عاجلًا وواسع النطاق للحد من تداعيات هذه الكارثة الإنسانية.
حاولت الحكومة الإسرائيلية تبرير حجبها للمساعدات الإنسانية عن سكان قطاع غزة، غير أنها فشلت في إقناع الرأي العام الدولي، ووجدت نفسها مضطرة إلى اتخاذ خطوات تخفف من حدة الانتقادات المتصاعدة.
وبحسب ما كشفه عدد من المسؤولين الإسرائيليين، من بينهم الرئيس إسحاق هرتسوغ، فقد أجرت العديد من الشخصيات العالمية، من قادة وزعماء ودبلوماسيين ومؤسسات إعلامية، اتصالات مكثفة تطالب بوقف ما يجري ووضع حد للكارثة.
رغم محاولاتها تحميل المسؤولية للمؤسسات الأممية والدولية، واتهامها برفض تسلم وتوزيع المساعدات، رفضت هذه المؤسسات هذا الطرح، وأكدت أن العرقلة كانت من جانب الاحتلال.
وصرح الرئيس هرتسوغ، الأحد، قائلًا: "أدعو وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى القيام بدورها وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين دون تأخير، كما طالبت إسرائيل منذ فترة. من غير المقبول أن تظل المساعدات المُقدمة إلى غزة دون توزيع أو أن تستولي عليها حماس، حتى مع اتهامها إسرائيل زورًا بمنعها".
محاولات بديلة فاشلةوكانت إسرائيل سعت سابقًا إلى تأسيس "مؤسسة غزة الإنسانية" لتكون بديلاً عن الوكالات الدولية، مدعومة من الإدارة الأمريكية، لكن المشروع واجه رفضًا دوليًا واسعًا، ولم تنجح إسرائيل في فرضه كأمر واقع.
وواجهت هذه المؤسسة انتقادات حادة من وسائل الإعلام العالمية، ما اضطرها إلى إصدار سلسلة من البيانات التوضيحية في محاولة للدفاع عن شرعيتها وأهدافها.
في مواجهة العاصفة العالميةومع تعثر مفاوضات التهدئة، وجدت إسرائيل نفسها أمام موجة انتقادات لم تعد تُقال في السر، بل تحولت إلى بيانات علنية صادرة عن قادة العالم، خصوصًا في أوروبا، الذين لم يعودوا يكتفون بالتحذيرات خلف الأبواب المغلقة، بل أطلقوا تصريحاتهم على الملأ، الأمر الذي ضاعف الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عبّر بدوره عن امتعاضه الشديد من الصور القادمة من غزة، مما زاد من حرج الإدارة الإسرائيلية.
وقال الرئيس الإسرائيلي، السبت: "في الأيام الأخيرة، تلقيت عددًا لا يُحصى من الرسائل من قادة، وأصدقاء لإسرائيل، وشخصيات إعلامية، وزعماء يهود من أنحاء العالم حول هذا الموضوع، والرد الصحيح هو تحرك عملي مسؤول".
التناقض الداخلي في إسرائيلرغم ما تعلنه إسرائيل رسميًا من نفي وجود مجاعة في غزة، إلا أنها تقر بوجود "أوضاع إنسانية صعبة ومعقدة"، وهو ما يتناقض مع مواقف عدد من وزراء الحكومة اليمينية المتطرفة، كوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، اللذين يطالبان صراحة بوقف دخول أي مساعدات إنسانية إلى القطاع.
وقد اتخذ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرارًا بتخفيف الأوضاع الإنسانية في غزة في غياب هذين الوزيرين، مستغلًا فترة السبت التي لا تُعقد خلالها اجتماعات حكومية رسمية.
النتائج المحتملةرغم أن التعليق التكتيكي المؤقت للعمليات العسكرية والسماح بالإنزال الجوي للمساعدات قد يمنح نتنياهو بعض الوقت لتخفيف حدة الانتقادات الدولية، إلا أن هذه الخطوات تواجه رفضًا داخليًا شديدًا من شركائه في الائتلاف الحكومي.
وتُرجّح التقديرات الإسرائيلية أن يؤدي الضغط الدولي والمحلي المتزايد إلى دفع حكومة نتنياهو نحو قبول اتفاق لوقف إطلاق النار، خاصة إذا تضمن الاتفاق استعادة رهائن إسرائيليين، وهو ما قد يساهم في تهدئة الشارع الإسرائيلي الساخط.
ولم يكن التعليق التكتيكي الإسرائيلي للعمليات العسكرية مجرد خطوة ميدانية، بل كان انعكاسًا مباشرًا لحجم الحرج السياسي والإنساني الذي تواجهه تل أبيب في مواجهة الرأي العام العالمي. وبينما تتصاعد الضغوط من الخارج، والانقسامات تتعمق في الداخل، يبقى ملف غزة اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحكومة الإسرائيلية على الصمود، أو التراجع تحت وطأة العزلة الدولية.
أكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن مصر تتحرك على أعلى مستوى سياسي ودبلوماسي لاستئناف مفاوضات غزة، بالتوازي مع إدخال المساعدات الإنسانية.
وأضاف فهمي في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن هذه الخطوة تمثل جزءًا من مسار سياسي متكامل يستهدف التوصل إلى هدنة شاملة تعالج جذور الأزمة. واعتبر أن نجاح دخول المساعدات يعكس فاعلية التحرك المصري المنضبط في مواجهة التعنت الإسرائيلي.
وأشار فهمي إلى أن الضغط السياسي والدبلوماسي الذي تمارسه القاهرة أجبر إسرائيل على فتح مسارات محددة للمساعدات، مؤكدًا أن ما يُعرف بـ"الهدن الإنسانية" لا تمثل وقفًا دائمًا لإطلاق النار، بل خطوات مرحلية. ولفت إلى أن مصر تواصل تنسيقها مع الولايات المتحدة وأطراف دولية، وأن نجاح تلك الهدن قد يمهد لهدنة موسعة لمدة 60 يومًا تمهيدًا لاستئناف المفاوضات.