هل تؤثر حماية الأم المفرطة لأطفالها على سلامة اكتسابهم للغة حقًا؟
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
اﻻﻛﺗﺳﺎب ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻓطرﯾـﺔ وعفوية يصدرها الطفل في إطار غير رسمي من دون قصد أو اختيار، فيمكن لكل طفل اكتساب أية لغة إنسانية من لغات البشر بسهولة ويسر، وذلك بمجرد أن يعيش في مجتمع لغوي، لهذا لا يمكن وﻗــف ﺗطور اﻟﻠﻐـﺔ أو ﻛﺑـتهـﺎ، كونها ﻘــدرة ﻛﺎﻣﻧـﺔ ﻋﻧــد اﻟطﻔل، ﺗﻣﻛﻧﻪ ﻣن اﻛﺗﺳﺎب اﻟﻠﻐـﺔ بشكل قوي ﻟدرﺟـﺔ أﻧﻬـﺎ ﺗﺗطـور ﻓـﻲ وﺟـﻪ أكبر اﻟﺻـﻌوﺑﺎت وذﻟـك ﻷن ﻛـل طﻔـل ﯾوﻟـد ﻓﻲ ﺟﻣﺎﻋـﺔ ﯾﻛﺗﺳب ﻋﺎداﺗﻬـﺎ اﻟﻛﻼﻣﯾـﺔ واﺳــﺗﺟﺎﺑﺎﺗﻬﺎ ﻓـﻲ اﻟﺳــﻧﯾن اﻷوﻟـﻰ ﻣـن ﺣﯾﺎﺗﻪ.
فالطفل كائن متفرد في قدرته على اكتساب النظام اللغوي الثري لأنه يمارس اكتسابه للغة دون وعي بقواعدها ، فهو قادر على اكتساب اللغة دون وصفها، لأن وصف اللغة يحتاج إلى إدراك لقواعد اللغة، وهذا ما لا يملكه بالمرحلة المبكرة من عمره، وعملية اكتساب اللغة من الناحية النفسية تشبه عملية اكتساب العادات، ويؤكد ذلك ابن فارس بقوله: تؤخذ اللغة اعتيادا ﻛﺎﻟﺻﺑﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ﯾﺳﻣﻊ أﺑوﯾﻪ وﻏﯾرﻫﻣﺎ، فهو يأخذ اللغة عنهم على مر الأوقات.
ويعد اكتساب اللغة من أبرز المواضيع التي يدرسها علم اللغة النفسي من قبل باحثين مختصين سلوكيين ومعرفيين وغيرهم ممن كانت لهم إسهامات ودراسات أثرت الموضوع، ومن المؤكد أن اكتساب اللغة يعد علامة على أن الطفل أخذ يتبوأ مكانة في مجتمعه، كما أنه دليل واضح على أن بنية الطفل العقلية التي تتطور من التركز حول الذات إلى الموضوعية، ومن الإدراك السطحي إلى إدراك العلاقات القائمة بين الأشياء.
وفي أثناء هذه الظاهرة تبدأ اللغة عند الطفل كردة فعل أو تعبير عن انفعالاته وحاجاته لمن حوله من أجل تلبية هذه الاحتياجات، وتتمثل في الحاجات البيولوجية من الطعام والشراب والإخراج، فالكلام في هذه المرحلة هو امتداد لتعبير الانفعال لديه للمحافظة على أمنه وسلامته، وعند ميلاد الطفل يصرخ صرخته الأولى التي يسميها البعض صدمة الميلاد.
وللاكتساب اللغوي عاملان أساسيان مهمان يرتكز عليهما، وهما العامل العضوي والعامل في المحيط فالعامل العضوي هو الذي يتكون من حاسة السمع والجهاز الفموي والصوتي اللذان يعملان من خلال أوامر الجهاز العصي، أما العامل الثاني في المحيط، أي الوسط الاجتماعي خاصة الاسرة التي تحقق شروط استعمال الجهاز الصوتي للتكلم بلغة معينة لما توفره من تشجيع للنشاط اللغوي، فالطفل يحاول التحكم بمحيطه بواسطة التلفظ بالكلمات. فيتجاوب الأهل مع كلماته، ويتم اكسابه المعاني والقواعد التركيبية عندما يتعلم الترتيب الصحيح للكلمات في الجمل، وهكذا إلى أن ترقى لغته إلى مستوى لغة الراشدين.
ومن أبرز طرق اكتساب المفاهيم اللغوية للطفل: تدريبه على الاهتمام بما يعرض عليه من أحاديث بطريقة مشوقة، و مناقشة الطفل للوصول إلى المفاهيم والحقائق العلمية، كأن تجعل الطفل يستمع لقصة أو حكاية ثم تناقشه فيها.إضافة إلى تعويد الطفل على الانطلاق في الحديث وتشجيعه على طرح الأسئلة لتنمية محصوله اللغوي وطلاقة لسانه.و تصحيح أخطاء الطفل اللغوية وتعويده على النطق الصحيح للكلمات والتركيب النحوي السليم للجمل.
عوامل تعطل الاكتساب اللغوي عند الأطفال
ومن العوامل المؤثرة في الاكتساب اللغوي للطفل هي "التعدد اللغوي"، وتعدد اللغات الأجنبية في بيئة، حيث تتميز معظم الدول العربية بتعدد لغوي، فمثلا في سلطنة عمان نجد استخدام لغات مثل الإنجليزية والسواحيلية و الاوردية وغيرها ، ونتج هذا التّعدد جراء ظروف تاريخية، وتظهر آثار هذا التّعدد اللغوي في المحيط المدرسي للطّفل، حيث يجد الطّفل نفسه أمام لغات جديدة مختلفة عن لغته الأم، ويمكن أن تشكل ظاهرة التّعددية اللغوية عقدة تعيق نمو الطّفل ثقافيا ولغويا، ولهذا حاولت بعض المدارس اللسانية التّصدي لها، فقد نادت المدرسة التوليدية بالاعتماد على اللغة الأم في تعّلم اللغة الثانية، ونادت المدرسة البنيوية بضرورة عزل اللغة الأم عن اللغة الثانية؛ لأنّها تعرقل عملية تعلمها.
ويهتم علم الأرطوفونيا (Orthophonie ) بتصحيح اضطرابات النطق، وباستعادة التلفظ السليم للكلمات والجمل شفاهيا وكتابيا، والطبيب الأرطوفوني يهتم بتصحيح الأخطاء النطقية والكتابية التي يقع فيها الطفل؛ لأهميته في عملية الاكتساب اللغوي، ومن أبرز معيقات الاكتساب اللغوي، عسر الكلام، ونعني به تلك الاضطرابات الكبيرة والعميقة ضمن تنظيم عملية الفكر المتصلة باللغة، منها اضطرابات مرتبطة بالحركية الفولسانية، أو مرتبطة بالحس السمعي، أو مرتبطة بعملية الفهم، أو مرتبطة بالصعوبة في التّلفّظ بلغة سليمة.
أما الخرس المكتسب فهو تلك الاضطرابات التي تصيب نظام اللغة المنطوقة لدى الطّفل، وقد يكون نظام اللغة المختزنة في دماغ الطفل وذاكرته سليما، إلا أن الاضطراب يصيب عملية النّطق، والتّجسيد الكلامي والفعلي لّلغة، وهناك عدة أسباب تؤدي إلى هذه العّلة؛ منها عاطفية انفعالية، ومنها أسباب مرتبطة بالمحيط، وربما أسباب أخطر متعّلقة بشخصية الأم؛ كالرعاية المفرطة، أو الهجران المفرط، والإهمال.
وقد يصاب الطفل بالتأتأة، التي تعرف بأنها اضطراب يصيب عملية التواصل، ونظام واتزان الكلام والنّطق، وقد تكون التأتأة وراثية، ويمكننا التّعرف على ظهور التأتأة بداية من المرحلة الأولى للطفولة من خلال أعراض وعلامات حسية معينة كوجود اختلالات في مسار الكلام وسيولته وتقطّعات في جريانه.
وأخيرًا، الحبسة الوراثية ، وتسمى انعقاد اللسان، وهي فقدان القدرة على التعبير بالكلام أو الكتابة، أو عدم القدرة على فهم معنى الكلمات المنطوق بها، وتظهر هذه الحبسة في عدة حالات منها التأخّر الملحوظ في القدرة على التعبير بالكلام وعلى فهم معاني الكلمات المنطوق به،والخلل الوظيفي في مستوى الإدراك العام مما يضر بعمليات استقبال وتضمين وتنظيم وتخزين المعلومة، وبعملية بناء المعنى وبالاستجابة التفاضلية ، والقصور على مستوى الإدراك السمعي.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نجاح باهر.. لقاح جديد قد يحمي البشر من الحساسية المفرطة
نجح فريق من الباحثين بقيادة معهد باستور بجامعة باريس في تطوير لقاح واعد قادر على حماية الفئران من الحساسية المفرطة، دون أن يظهر أي تأثيرات جانبية سلبية خلال عام كامل من المراقبة.
ويستهدف اللقاح الجديد، الذي يُعرف باسم IgE-K، الجلوبولين المناعي E، وهو البروتين المسؤول عن ردود الفعل التحسسية الشديدة، بما في ذلك الصدمات التحسسية المرتبطة بالطعام والأدوية.
وفقًا لموقع Medical Xpress، تعتبر الحساسية المفرطة من المشكلات الصحية الخطيرة التي قد تهدد حياة المرضى، ويُعد الجلوبولين المناعي IgE المسبب الرئيس لهذه الحالة، ما يجعل تطوير لقاح قادر على التحكم فيه خطوة علمية مهمة نحو الحد من المخاطر الصحية المرتبطة به.
تفاصيل التجربة العلميةنشرت نتائج الدراسة في مجلة Science Translational Medicine، حيث صُمم اللقاح لتحفيز إنتاج أجسام مضادة قادرة على محاصرة الجلوبولين المناعي الحر، وإدخاله في حالة مغلقة تمنعه من التسبب في الصدمات التحسسية؛ وقد استُخدمت فئران مؤنسنة لإنتاج أجسام مضادة ضد الجلوبولين المناعي البشري، وأظهرت التجارب قدرة اللقاح على منع التفاعل الضار الذي يؤدي عادةً إلى الأعراض التحسسية.
وأوضحت النتائج أن اللقاح IgE-K ولد استجابة مناعية طويلة الأمد، حيث أظهرت الفئران انخفاضًا ملحوظًا في التسرب وتحلل الخلايا البدينة خلال اختبار رد الفعل الجلدي الموضعي، مما يقلل إطلاق الهيستامين والإنزيمات في الجلد مقارنة بالحيوانات غير الملقحة.
نتائج واعدة لحساسية الفول السودانيكما أظهرت التجارب على الفئران المصابة بحساسية الفول السوداني أن اللقاح يقلل بشكل كبير من علامات الحساسية المفرطة، حتى بعد تعريضها لجرعات عالية من مضادات IgE متعددة النسائل. وتشير هذه النتائج إلى أن اللقاح قادر على السيطرة على الحساسية المفرطة الناتجة عن الجلوبولين المناعي البشري، وتكوين مستودعات طويلة الأمد للأجسام المضادة التي تعزز الحماية.
وأظهرت الفئران الملقحة أن الخلايا البدينة استمرت في العمل بكفاءة، مما يعكس قدرة اللقاح على تعزيز الاستجابة المناعية الطبيعية دون التسبب في آثار جانبية ضارة.
الخطوة التالية والتطبيق المحتمل للبشريقترح الباحثون في المرحلة القادمة اختبار اللقاح في نموذج عدوى طفيلية متعددة الخلايا للتأكد من فعاليته في سيناريوهات مختلفة، بما في ذلك الحالات التي تشارك فيها كل من IgE والخلايا البدينة.
وتُعتبر النتائج الحالية واعدة للغاية، إذ يقدم IgE-K نموذجًا علاجيًا جذابًا لمكافحة الحساسية المفرطة، مع إمكانية التوسع لتطبيقه على البشر مستقبلًا إذا تم ترجمة النتائج التجريبية بنجاح.
ويشير الباحثون إلى أن القمع الفعال للتحسس المفرط في غياب أي آثار سلبية يجعل من هذا اللقاح خطوة علمية واعدة نحو تطوير علاجات جديدة للأشخاص الذين يعانون من الحساسية الشديدة، أو أولئك الذين يواجهون مخاطر الصدمات التحسسية المهددة للحياة.