جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-01@07:25:56 GMT

إنسانية جنوب إفريقيا تنتصر لغزة

تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT

إنسانية جنوب إفريقيا تنتصر لغزة

 

 

حمد الحضرمي **

 

دولة جنوب إفريقيا لا يوجد بينها وبين دولة فلسطين رابط ديني أو عقائدي، ولا بينهما رابط حدودي، ولا يجمع بينهما رابط تجاري، ولكن رابط  الإنسانية هو الذي جعل رئيس جنوب إفريقيا يطلب من وزير العدل تشكيل فريق قانوني يضم المحامية عديلة هاشم لرفع دعوى جنائية على إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية على أهل غزة، وبتاريخ 29 ديسمبر 2023م، تقدمت جنوب إفريقيا بدعوى مكونة من 84 صفحة، وثقت بالأدلة القاطعة جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، مطالبة المحكمة بإصدار أمر فوري بوقف الحرب لحين البت في القضية.

وهذا حدث تاريخي؛ حيث للمرة الأولى تجد إسرائيل نفسها في مواجهة القانون الدولي، في محكمة الجنايات الدولية، وهي الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة، والتي تتخذ من مدينة لاهاي الهولندية مقرًا لها، والتي تأسست سنة 1945م، ولها اختصاص عام إذ إنها تنظر في جميع القضايا التي تحيلها الأطراف إليها، وجميع المسائل المنصوص عليها بشكل خاص في الميثاق الأممي أو المعاهدات والاتفاقيات النافذة، وتتكون المحكمة من 15 قاضيًا تتقدمهم الأمريكية جوان دونوغير رئيسة المحكمة، والروسي كيريل غيفورغيان نائب الرئيس، ويوجد بالمحكمة 3 قضاة عرب هم: المغربي محمد بنونة، واللبناني نواف سلام، والصومالي عبدالقوي يوسف.

لقد أعدت جنوب إفريقيا طلبها على أسس قانونية سليمة من خلال الاستناد إلى الوقائع الثابتة وتكييفها تكييفًا قانونيًا صحيحًا، بوصفها أفعال إبادة جماعية، وذلك كله بالتأسيس على نصوص اتفاقيات الأمم المتحدة. وقد باشرت المحكمة جلساتها على مدار يومي 11 و12 يناير 2024، فعقدت جلستي استماع علنيتين في إطار بدء النظر بالدعوى، ومن المنتظر أن تصدر المحكمة خلال الشهر الجاري حكمًا بشأن قرار عاجل محتمل يأمر إسرائيل بوقف الحرب، لكنها لن تبت سريعًا في الاتهامات الموجهة لإسرائيل بالإبادة الجماعية، لأن هذه المسائل قد تستغرق سنوات. وقد قررت جنوب إفريقيا الانتصار للعدل والحق على حساب كل المصالح والحسابات، غير مكترثة بكل الانعكاسات التي سوف تترتب على موقفها مستقبلًا، لأن الكيان الصهيوني وأذرعه الطويلة في جميع أنحاء العالم لن تغفر لجنوب إفريقيا هذا الخطوة الجرئية، والتي نجحت فيها بفضح جرائم الكيان الصهيوني وكشفت عورته أمام العالم، لتكون هزيمته أمام طوفان الأقصى هزيمة عسكرية وقانونية وإنسانية.

 

لقد قدم الفريق القانوني لجنوب إفريقيا للمحكمة وقائع بالأدلة والبراهين ثبت بالدليل القاطع ثبوت ارتكاب الجيش الإسرائيلي إبادة جماعية بحق إخواننا وأهلنا في غزة، حيث تثبت الأدلة تصريحات موثقة صادرة من نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي ورموز اليمين المتطرف والقادة العسكريين، وتم عرض أفلام لجنود إسرائيليين يرقصون ويغنون بإبادة الفلسطينيين، ولا يوجد أبرياء في غزة، وهذا دليل على قصدهم المعلن بتنفيذ جرائم ضد الإنسانية. وطوال أكثر من ثلاثة أشهر والكيان الصهيوني يرتكب جرائم حرب بشعة على الهواء مباشرة، ذهب ضحيتها أكثر من 80 ألف فلسطيني من الشهداء والجرحى، 70% منهم من الأطفال والنساء، وتم تهجير نحو مليوني فلسطيني من ديارهم وحرمانهم من الماء الصالح للشرب،،ومن الغذاء والدواء والعلاج، وتم قصف وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، واعتقال الفلسطينيين وتعريضهم للإهانة بنزع ملابسهم وتعذيبهم ونقلهم إلى معسكرات اعتقال غير قانونية في صحراء النقب.

إن هذه الأفعال تشكل دليلًا قاطعًا على ارتكاب جريمة تصنف من أفعال الإبادة الجماعية، كما نصت عليها اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي تعرف هذه الأفعال بأنها جريمة يدينها العالم المتمدن. إن الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية، تضع إسرائيل في دائرة الإتهام، وتضع القانون الدولي والنظام العالمي أمام امتحان حقيقي يحدد مستقبل العالم، فالعدالة الدولية اليوم أمام مفترق طرق كبير، إما أن تنتصر للحق أو أن تضر بنزاهة ولايتها وبمصداقيتها وشرعيتها. وإننا كعرب نستغرب ونتعجب لماذا لم تبادر أي دولة عربية بالتقدم بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، تتهمها بالإبادة الجماعية بحق أهل غزة، ولماذا انتظرت الدول العربية دولة جنوب إفريقيا لتتقدم بهذه الدعوى، التي جعلت الدول العربية في حرج كبير، أو ربما رفعت عنهم الحرج حتى لا تزعل عليهم الدول العظمى!

شكرًا لرئيس جنوب إفريقيا الذي قال: لم أشعر بفخر كهذا من قبل، متمسكون بمبادئنا، ولن نكون أحرارًا حقًا ما لم يتحرر الشعب الفلسطيني، وشكرًا لوزير العدل الذي قال: واثقون مما قدمناه في المحكمة، فهناك هجمات يتضح منها نية الإبادة، وإسرائيل غير قادرة على دحض وإدانة ما يقوم به جنودها وما يكرره مسؤولوها في خطاباتهم، وشكرًا للفريق القانوني وللمحامية عديلة هاشم صاحبة المرافعة التاريخية أمام محكمة العدل الدولية، إننا كعرب ومسلمين يفترض بنا أن لا ننسى لجنوب إفريقيا هذا الموقف الإنساني الشجاع المشرف، حيث سحبت كل دبلوماسيها من دولة الكيان الصهيوني، واليوم ترفع دعوى جنائية على إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية لتنتصر لغزة العربية المسلمة، والعرب والمسلمون في سبات عميق.

ويبقى الأمل الكبير في أن تنتصر العدالة القانونية للحق، لأنها اليوم أمام اختبار حاسم وتحد كبير لإثبات نزاهتها ومصداقيتها حتى لا تتحول إلى مجرد أداة سياسية في أيدي الدول العظمى تطبق أحكامها فقط على الدول الضعيفة.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

جريمة التجويع في غزة .. كارثة إنسانية بصمت العالم

في ظل عدوان طال أمده، وحصار خانق يضيق يومًا بعد يوم، يواجه قطاع غزة جريمة التجويع مكتملة الأركان، منظمة “العمل ضد الجوع” حذرت من تفاقم كارثة إنسانية تفتك بأطفال غزة ونسائها، حيث كشفت عن نقل 20 ألف طفل إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد، فيما يحتاج 300 ألف طفل دون سن الخامسة و150 ألف امرأة حامل أو مرضعة إلى مكملات علاجية عاجلة.

يمانيون / خاص

 

أرقامٌ صادمة تكشف عمق الكارثة

سلّطت منظمة العمل ضد الجوع الضوء على أبعاد المأساة، مؤكدة في بيانها أن المجاعة تتسع رقعتها في القطاع مع استمرار تعطل سلاسل الإمداد الغذائي وانهيار المنظومة الصحية، وفي الوقت ذاته، أعلنت وزارة الصحة في غزة اليوم عن وفاة سبعة أشخاص جدد خلال 24 ساعة، نتيجة المجاعة وسوء التغذية، ما يرفع العدد الإجمالي للوفيات إلى 154 حالة، من بينهم 89 طفلًا.

هذه الأرقام، وإن كانت مفزعة بحد ذاتها، فإنها تمثل جزءًا من مشهد أكبر، تزداد فيه مؤشرات الانهيار الغذائي والصحي، في وقتٍ لم تُفتح فيه الممرات الإنسانية بالقدر الكافي، ولا تزال المساعدات تواجه عقبات إدارية وأمنية ولوجستية، على الرغم من المطالب الدولية المتكررة.

جريمة حرب بصيغة التجويع

ما يحدث في غزة لا يمكن فصله عن القانون الدولي الإنساني، الذي يجرّم استخدام التجويع كسلاح حرب، والتي تعتبر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب يُعد محظورًا،  ومع ذلك، لا تزال ممارسات الحصار الممنهج، ومنع دخول الغذاء والماء والدواء، قائمة على قدم وساق، دون محاسبة تُذكر.

المنظمات الحقوقية والإنسانية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، حذّرت مرارًا من تحول الأوضاع في غزة إلى مجاعة شاملة، خصوصًا في شمال القطاع، حيث يصعب وصول المساعدات، لكن هذه التحذيرات لم تقابلها خطوات دولية حازمة لوقف الانتهاك، أو حتى مساءلة الجناة.

النساء والأطفال .. الضحايا الأضعف في قلب المأساة

ما يزيد من فداحة الكارثة، أن ضحايا هذه المجاعة الفئات الأكثر ضعفاً وتضرراً وهم الأطفال والنساء،  حيث تشير التقارير الطبية إلى تفشي أمراض ناتجة عن نقص حاد في الفيتامينات والبروتينات الأساسية، كالهزال الشديد، وفقر الدم، ونقص النمو، واضطرابات في المناعة، وفي غياب الرعاية الطبية الكافية، تتحول هذه الأمراض إلى حكم بالإعدام البطيء.

صمت دولي مريب 

أمام هذه الجريمة، يبرز الصمت الدولي كواحد من أكثر الجوانب قسوةً، فالاكتفاء بالبيانات الصحفية، أو الوعود غير المُلزِمة، لا يغير من الواقع شيئًا، في المقابل، تستمر آلة الحرب في قطع طرق الإغاثة، وتقييد دخول القوافل، في مشهد يختزل مأساة العصر، الموت جوعًا في القرن الحادي والعشرين.

خاتمة 

المجاعة التي تضرب قطاع غزة اليوم  جريمة تجويع تُمارس عمدًا، وبشكل ممنهج، ضد شعب بأكمله، أمام أنظار العالم. الأرقام الصادرة من غزة ليست مجرد إحصاءات، بل شهادات دامغة على عار الإنسانية الصامتة.

ويبقى السؤال مفتوحًا أمام الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بأكمله ،  كم من الأطفال يجب أن يموتوا جوعًا، قبل أن تُحرّك ضمائركم؟

 

مقالات مشابهة

  • فلسطين: يجب وقف إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية في غزة
  • مهند تصدّر.. ورحمة اكتسحت| أبطال مصر يتألقون في بطولة إفريقيا للبوتشيا وعيونهم على كأس العالم
  • الاحتلال الإسرائيلي أمام اتهامات بالإبادة الجماعية في غزة.. أدلة متزايدة ورفض رسمي
  • خبير دولي: إيصال المساعدات لغزة يُفشل أحد أدوات الإبادة الجماعية الإسرائيلية
  • جريمة التجويع في غزة .. كارثة إنسانية بصمت العالم
  • لأول مرة.. عضوة جمهورية بالكونجرس تصف ما تفعله إسرائيل في غزة بـ الإبادة الجماعية
  • أردوغان: دولة الإرهاب إسرائيل تقتل الشعب الفلسطيني بإجرام منذ 22 شهرا
  • ترامب يستبعد حضور قمة مجموعة العشرين اعتراضا على سياسات جنوب إفريقيا
  • أردوغان: دولة الإرهاب "إسرائيل" تقتل الشعب الفلسطيني بإجرام منذ 22 شهرا
  • إنزال مساعدات إنسانية لغزة بالتعاون مع الأردن