صرخة أمهات جنود يحاربون في غزة.. حركة مناهضة للحرب في إسرائيل آخر محاولات انقاذ تل أبيب من خسائر الاحتلال بالقطاع
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
"صرخة أمهات" .. هكذا كان اسم الحراك الشعبي المتزايد داخل إسرائيل، والمناهض للحرب في قطاع غزة، حيث يطالبون بانقاذ أبنائهم من مستنقع غزة، وكان من بين العدد الصغير ولكن المتزايد من الإسرائيليين الذين يحتجون على تلك الحرب، أمهات يعمل أبناؤهن جنوداً هناك في القتال بغزة، وهم يسمون مجموعتهم الجديدة صرخة الأمهات، ولكن الكثير منهم لا يملكون الشجاعة ليخبروا أبنائهم أنهم يحاولون بناء حركة وطنية لإعادتهم إلى الوطن، وذلك بحسب ما جاء بتقرير صحيفة NPR الأمريكية.
وتأتي تلك التحركات، بعد أن تمت تعبئة حوالي ثلث مليون جندي احتياطي إسرائيلي بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر، ولم تحظ مبادرة الأمهات المناهضات للحرب إلا بالقليل من الاهتمام العام، ولكنهم يستلهمون حركة احتجاجية شعبية مماثلة لأمهات الجنود تسمى "الأمهات الأربع" ، والتي يرجع لها الفضل في التأثير على الرأي العام ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وارتفاع عدد القتلى من الجنود، مما أدى إلى انسحاب القوات الإسرائيلية في عام 2000، وتقول راشيل مادبيس بن دور، إحدى قادة حركة الأمهات الأربع الداعمة للأمهات المناهضات للحرب: "كوني أما، فأنت تعرفين بالضبط ما يجب عليك فعله، فأنت هناك لإنقاذ الأرواح، بهذه البساطة".
أستاذة الرياضيات وابنها
تبدأ قصة تأسيس أستاذة الرياضيات الإسرائيلية ميشال برودي باركيت لمجموعة الأمهات المناهضة للحرب في اليوم السادس من حرب غزة، ففي 12 أكتوبر، كانت برودي-باريكيت تسير في وسط مدينة القدس، وهي تحمل لافتة مكتوبة بخط اليد، في طريقها لحضور أول مظاهرة احتجاجية تمت الدعوة إليها منذ بداية الحرب، وعندما وصلت، لم يكن هناك أحد، وكانت الشرطة قد فرقت المظاهرة، وتقول: "بعد ذلك، ألقى بي رجال الشرطة بقوة على الأرض، أنا ولافتتي"، ووجه لها إسرائيليون كانوا يمرون في الشارع تهديدات بالقتل.
وتقوم ميشال برودي-باركيت، وابنها جندي منتشر في غزة، بجمع أمهات الجنود وغيرهم من الإسرائيليين المعنيين للضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب، وبسحب الصحيفة الأمريكية، فإن ما دعت إليه على اللافتة كان "المفاوضات من أجل إطلاق سراح الرهائن"، وهو بالضبط ما فعلته إسرائيل بعد شهر: فقد تفاوضت مع حماس من أجل إطلاق سراح حوالي نصف الرهائن.
"جرح كبير جداً في روحه"
وقد تم إرسال نجل برودي باركيت البالغ من العمر 21 عامًا مع وحدة القوات الخاصة التابعة له للقتال في غزة، فقد كان هناك في معظم فترات الحرب، وتقول: "في أسوأ أحلامي، لم أفكر قط في مثل هذا الوضع الذي سيتم فيه إرسال ابني إلى داخل غزة، كنت أتسلق الجدران، وكنت متوترة للغاية، وقد كانت مجموعته عدد جنودهها 16 جنديًا، وقد انخفض الآن إلى سبعة، حيث قُتل شخص على طول الحدود بين إسرائيل وغزة يوم 7 أكتوبر، وأصيب ثمانية آخرون خلال الغزو البري لغزة، بعضهم بنيران صديقة".
وفي إجازة قصيرة خلال عطلة حانوكا اليهودية، عاد ابنها إلى المنزل، نظر إليها وقال: "كم تريدى أن تسمعى؟" فقلت له : "تحدث، وتحدث معي، وكان لديه بعض القصص الفظيعة، لكنني لا أريد أن أرويها، وبالطبع سيكون لديه جرح كبير جدا في روحه، لما شاهده من فظائع، ففريقه قتل مقاتلين ومدنيين في غزة.
مجموعات معارضة من الأمهات
وتعرف برودي-باريكيت نفسها بأنها يسارية متطرفة تعارض الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم حماس، وتقول: "كما لو أن مذبحة ضخمة في غزة يمكن أن تعوض ما حدث في طوفان الأقصى ولا أستطيع قبول ذلك"، فافتتحت برودي-باريكيت مجموعة دردشة على تطبيق واتساب، مع دعوة لسحب القوات البرية من غزة، وعرضت ست حجج رئيسية لانسحابهم:
دفعت إسرائيل بالفعل ثمنا باهظا من الضحايا والرهائن.لم يتمكن الجيش من ضرب قادة حماس، بينما أصيب الجنود بنيران صديقة.ولم يتمكن الجنود من التعامل بشكل صحيح مع أرض حماس الداخلية.لقد فشلت الحكومة الإسرائيلية في منع هجوم حماس، ولم تكن مجهزة لقيادة الحرب.وواصلت حماس ضرب الجنود الإسرائيليين على الرغم من الهجوم الإسرائيلي المدمر.إسرائيل في وضع يخسر فيه الجميع.
ودعت الآباء من وحدة جيش ابنها للانضمام إليها. لم يستجب أحد، وقد حضر الاجتماع الأول للمجموعة، في حديقة تل أبيب، سبع نساء، وشاركت بعض الأمهات ما قاله لهن أبنائهن عن تجاربهن في الخدمة كجنود في غزة، وتقول إحدى الأمهات، التي اكتفيت بذكر لقبها "تالي": "أخبرنا أن المدينة مثل هيروشيما، فقد صدم من الدمار، وإنه عديم الفائدة، فإنه يؤدي إلى قتل أبنائنا، وهذا هو الشيء الوحيد الذي أراه."
كرة الثلج تتزايد طالما هناك حركة
وتقول إيفي، وهي أم أخرى لجندي، طلبت أيضًا الكشف عن هويتها: "نريد تشجيع الحلول الأخرى، لكننا نشعر أن الأغلبية في حالة صدمة بعد أحداث 7 أكتوبر، لذا فهم غير قادرين على تقييم الأمور بموضوعي"، وإيفي مثل برودي باركيت، لا يريد الاثنان أن يعرف أبناؤهما عن احتجاجهما، خوفًا من أن يتركهما ذلك في حيرة من أمرهما في ساحة المعركة، وكذلك هناك يفاح سحر، التي يخدم ابنه في الجيش، والذي يقول إنهما دارت بينهما محادثة طويلة حول نشاطها المناهض للحرب، فهو جزئياً عن المجموعة، وقد أضافت: "إنه ليس مثلي، الذي يدعو إلى إخراج القوات من غزة، لكنه يعتقد أنه من أجل إخراج الرهائن، يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار"، وقد ناقشت الأمهات في محادثة الواتساب الخاصة بهن كيفية دعم أبنائهن الذين يخدمون بالزي العسكري أثناء معارضة الغزو البري لغزة، وأعدادهم تتزايد طالما هناك فعاليات وحركة لتلك المجموعة.
ولكن هناك أيضا، مجموعة أخرى من أمهات الجنود، تدعى أمهات المقاتلين ، تدعو إلى العكس: تكثيف القتال في غزة ومقاومة الدعوات الأميركية لتقليص العمليات العسكرية، وصرخت رينا شامير عبر مكبر الصوت خارج فندق في تل أبيب حيث كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يقيم في زيارة قام بها مؤخرا: "دعونا ننتصر في الحرب"، ويقاتل زوج شامير وابنه في غزة، وقالت عن مجموعة الأمهات المناهضات للحرب: "لا أريد أن أحكم عليهم، ولكن هذا جنون، ولكننا سننتصر، وسنفوز بهذه المعركة".
الشرطة تقمع المظاهرات المناهضة للحرب
وسمحت الشرطة الإسرائيلية بتنظيم مظاهرات تطالب الحكومة بالتحرك من أجل إطلاق سراح الرهائن المتبقين في غزة، ولكن العديد من الوقفات الاحتجاجية التي دعت إلى وقف إطلاق النار أو التعبير عن التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين في غزة، تم تفريقها من قبل الشرطة، وغالبًا ما كان ذلك باستخدام العنف، وقال رئيس الشرطة الإسرائيلية، يعقوب شبتاي، في مقطع فيديو منتصف أكتوبر: "نرحب بأي شخص يريد التماهي مع غزة، وسأضعه على متن الحافلات المتجهة إلى هناك الآن، وسأساعده على الوصول إلى هناك".
"في السنوات الأخيرة، هذا أمر غير مسبوق، فهناك قمع ضد حرية التعبير وحرية الاحتجاج لم يسبق له مثيل"، هكذا تحدثت نوعية ساتاث، مديرة جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل ، التي ناضلت بنجاح في المحكمة للحصول على تصاريح لمناهضي العنف، وتنظيم احتجاجات الحرب، وتقول: "في كل حروب غزة لم يكن هناك شيء من هذا القبيل."
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
برد وجوع وانهيارات.. صرخة استغاثة من مخيمات النزوح في غزة
تحت زخات المطر المتواصلة ورياح تعصف بالخيام البالية ومنخفض جوي جديد، وجد الغزيون أنفسهم في فصل جديد من المعاناة لا يقل قسوة عمّا عاشوه خلال أشهر الحرب.
فقد أعلنت وزارة الداخلية في غزة استشهاد 8 مواطنين منهم أطفال، وإصابة آخرين، بفعل تأثيرات المنخفض الجوي العميق الذي ضرب قطاع غزة، كما أشارت إلى وجود مفقودين تحت الأنقاض في مناطق متفرقة، في حين سُجل في ساعات قليلة 12 حادث انهيار مبانٍ مقصوفة سابقا.
وتزامنت هذه التطورات مع مشاهد موجعة في المستشفيات، حيث أعلن مصدر طبي في مستشفى الشفاء وفاة طفلين رضيعين- تيم الخواجة وهديل المصري- بردا في مخيم الشاطئ ومركز إيواء غربي غزة، إضافة إلى وفاة الطفلة رهف أبو جزر داخل خيمة نزوح في المواصي بخان يونس.
وفي خان يونس، رسم مراسل الجزيرة رامي أبو طعيمة صورة أكثر تفصيلا لمعاناة آلاف النازحين، وهو يقف وسط مخيم العطار الذي غمرته المياه بالكامل، ومن خلفه خيام غارقة، وأطفال يرتجفون، وأصوات الرياح تختلط بصرخات العائلات وهي تحاول إنقاذ ما تبقى من مقتنيات.
يقول رامي، إن هذا المخيم يضم 250 عائلة باتت جميعها تقريبا بلا مأوى بعد أن اجتاحت السيول خيامها.
عجز مركبومع تقدمه داخل الأزقة الطينية، كانت الكاميرا ترصد أطفالا حفاة يسيرون في الوحل بملابس رقيقة لا تقيهم البرد، في حين تحاول الأمهات إخراج المياه من الخيام بأوعية صغيرة، في مشهد يختصر عجزا مركّبا، عن ضعف الإمكانات وغياب البدائل.
وفي إحدى الخيام التي دخل إليها، ارتفع منسوب المياه إلى متر ونصف متر، في حين غطّت طبقة الطين الأغطية والأفرشة والأمتعة البسيطة التي تعتمد عليها الأسر للبقاء، وقضت بعض العائلات ليلتها في العراء بعد أن غرقت خيامها تماما، وأخرى لجأت إلى خيام الجيران رغم اكتظاظها أصلا.
ويضيف رامي أن المشهد لم يقتصر على الغرق فقط، بل تحوّلت الرياح القوية إلى خطر إضافي بعدما مزّقت "الشوادر" البلاستيكية التي تغطي الخيام.
إعلانويؤكد أن وضع النازحين في هذا المخيم يعكس جزءا صغيرا فقط من واقع 900 ألف نازح في جنوب القطاع ووسطه، ممن هم في أزمة مضاعفة تجمع بين آثار الحرب والمنخفض الجوي.
وتحدّث المراسل أيضا عن انهيار منزل في خان يونس بعد أن سقطت 3 أسقف على ساكنيه، ما اضطر إلى إجلاء 3 عائلات من عائلة العقاد، في مشهد يعكس هشاشة الأبنية التي دُمّر جزء منها خلال الحرب، والتي لم تعد قادرة على تحمل الأمطار الغزيرة.
ومن وسط غزة، قدّم مراسل الجزيرة غازي صورة مشابهة لما يجري في الجنوب، إذ غرقت خيام مخيم "البصة" في دير البلح بعدما تحولت الساحة إلى برك مياه ضخمة.
وأوضح أن معظم الخيام هنا لم تصمد أمام الأمطار المتواصلة، مما أجبر العائلات على مغادرتها دون أن تتوافر بدائل جاهزة.
مناشدات عاجلةورصدت الكاميرا رجالا يحفرون مجاري مياه بوسائل بدائية، في محاولة لإبعاد السيول عن خيامهم، في وقت تعالت المناشدات العاجلة للمؤسسات الدولية لإدخال خيام جديدة ومستلزمات عاجلة لمواجهة البرد والأمراض.
أما في الشمال، فكانت المأساة أكثر قسوة، حيث وقفت مراسلة الجزيرة نور خالد أمام منزل انهار في منطقة بئر النعجة شمالي القطاع، كان داخله 6 أشخاص، انتُشِل جثمان الأب وطفل مصاب، في حين لا تزال الأم و3 أطفال تحت الأنقاض منذ ساعات.
وتوضح نور أن طبقات الإسمنت الهائلة تتطلب معدات ثقيلة للوصول إلى العالقين، لكن الدفاع المدني ليس عنده سوى أدوات بسيطة بسبب الحصار وتدمير معداته خلال الحرب.
ومع استمرار هطول الأمطار، كان الأهالي يحفرون بأيديهم في مشهد يجسّد اليأس والتمسّك بالأمل في آن واحد.
وبين جنوب القطاع ووسطه وشماله، تتقاطع روايات المراسلين الثلاثة عند حقيقة مشتركة وهي أن المنخفض الجوي كشف هشاشة واقع النزوح، وعمّق جراحا لم تلتئم بعد.
فبينما خيام مزقها الريح، وأطفال يمشون حفاة على الطين، وأمهات يبحثن عن مكان جاف لأطفالهن، تتضاعف الحاجة إلى تدخل عاجل يوفّر خياما بديلة وملاجئ آمنة ومعدات إنقاذ.
وفي انتظار ذلك، يبقى النازحون في مواجهة بردٍ لا يرحم، وحربٍ لا تزال آثارها قائمة، ومنخفضات جوية تزيد العبء فوق كاهل من لم يعد يمتلك غير الخيمة، وهي الأخرى لم تعد تقوى على الصمود.