بوابة الوفد:
2025-12-13@12:35:42 GMT

رواية بليل «غزة»

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

هذه رواية كتبت تحت جنح الليل، والخوف يعتلى صاحبتها أن تسقط شهيدة القهر والألم قبل أن تكملها، فلا نوم يأتى رحيمًا بها، ولا جفونها المثقلة أبت أن تطاوعها لكى تغفل عن شاشة التلفاز الضخمة الموضوعة على حائط منزلها فى القاهرة، تبث كل لحظة على الهواء مباشرة تفاصيل أحدث محرقة جماعية فى عصرنا الحديث بالصوت والصورة، وذلك عبر مئات التقارير الإخبارية عن سقوط آلاف المدنيين الفلسطينيين العزل بين جرحى وقتلى، وهم يدافعون عن بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم، التى سقطت فوق رؤوسهم بلا رحمة ولا هوادة، فى انتفاضة اندلعت فى قطاع غزة منذ الـ7 من شهر أكتوبر 2023، للرد على الهجوم الأعنف والأشرس من جانب المحتل الصهيونى الخسيس.

أما الرواية فعنوانها «حائط بلا مبكى» لزميلتى فى المهنة والأعلى فى المقام الكاتبة «فكرية أحمد»، التى استطاعت فى مائة يوم فقط زمن اندلاع الانتفاضة حتى الآن، أن تسدل ستائر نوافذها المفتوحة للعالم، وأن تعتكف لتبحث وتنقب فى مئات الوثائق التاريخية، فتكتب وتسجل فى هذه الرواية كل شيء عن التاريخ الفلسطينى المجيد، حتى لا تنسى الذاكرة الجماعية العربية خريطة فلسطين القديمة بمدنها وحدودها ونخلها وبساتينها، حتى عشرات السجون الإسرائيلية البغيضة والمظلمة كسجن نفحة وهاشرون تذكرها الروائية «فكرية أحمد» مرتبطة بقصص نزلائها الحزينة كقصة «فريحة» التى أخذوها وهى فى طريقها من منزلها بمدينة الرميلة التى تبعد مسافة 38 كيلو مترا شمال غرب مدينة القدس، وهى حامل، فى طريقها لشراء ما تحتاجه للبيت، بتهمة اختراق الحاجز الأمنى، ومحاولة دهس الجنود لقتلهم!

كما أنهت الكاتبة «فكرية أحمد» الرواية بإرفاق فصل كامل فى اعتقادى أنه الأول من نوعه، باستثناء رواية الكاتب «صنع الله إبراهيم» «بيروت بيروت» للصور لمعظم الأحداث وأعمال الإبادة التى ينفذها الاحتلال، مبررة الأمر أنه إذا كانت آلة الإعلام الصهيونية ستحذف الصور والأحداث من ماكينات البحث الإلكترونى، فستجدها الأجيال فى هذه الرواية وفى مثيلاتها من الروايات الوثائقية، خاصة أن سلطات الاحتلال عمدت إلى حذف معلومات هائلة حول تاريخ فلسطين وتاريخ الاحتلال اليهودى الصهيونى والمقاومة الفلسطينية، وذلك من المناهج الدراسية للطلاب فى المناطق الواقعة تحت الاحتلال، وهو تعمد لتشويه الهوية، وحتى تنشأ أجيال لا تعرف شيئًا عن حقيقة الاحتلال وحقيقة أن فلسطين عربية وأرض خالصة لأصحابها.

وهو ماجعل الإعلامى والسيناريست محمد الغيطى فى الندوة التى أقيمت بنقابة الصحفيين لمناقشة الرواية، يجد أن رواية حائط بلا مبكى للكاتبة فكرية أحمد عمل وثائقى خطير، وأكد بإنصاف أن فكرية أحمد آخر عنقود السلسال الذهبى فى التوثيق الأدبى، معتبرًا أنه إذا كان يوجد إنصاف أدبى على الساحة لتم وضع هذه الرواية ضمن مناهج التعليم للطلاب فى المدارس لأهميتها.

تحكى الروائية «فكرية أحمد» لكى لا تنسى الذهنية العربية فى روايتها «حائط بلا مبكى» من خلال الشيخ الضرير «أبوصهيب» إمام المسجد الأثرى «القرمى» الكائن فى الحى الإسلامى بمدينة «القدس» العتيقة عن الصبى «محمد عبدالغنى أبوطبيخ سباعنة» أول طفل فلسطينى فدائى، استشهد عام 1929، ولم يتجاوز عمره الخامسة عشرة عامًا.

تروى «فكرية أحمد» على لسان الشيخ «أبوصهيب» أن الطفل الفلسطينى «محمد عبدالغنى» جاء من بلدة قباطية بالجنوب الغربى لمدينة «جنين»، وحينما رأى رئيس النيابات العامة البريطانى اليهودى «نورمان بنتويش» يغادر مكتبه فى القدس، وهو الذى أطلق قوانين تعسفية ضد الفلسطينيين خلال ثورة البراق أطلق عليه ثلاث رصاصات، فى محاولة لاغتياله، إلا أن الرصاصات أصابت فخذه فقط، لتكون أول محاولة اغتيال سياسية موثقة لدى إسرائيل.

لا تتوقف الروائية «فكرية أحمد» عن الحكى، تلهث طوال صفحات الرواية لتقول للقارئ كل شيء عن فلسطينيين حقيقيين يتنفسون كل صباح هواء مشبعًا بالبارود ورائحة الدم، فى محاولة للتأكيد بكلمات تشبه الصراخ أن حيواتهم اليومية عبارة عن ملحمة من النضال والتضحية.

فى رواية «فكرية أحمد» ستبكى مع «فريحة» فى سجن نفحة الإسرائيلى، وستستعيد الذكريات مع «ديما» وزوجها البطل «إبراهيم الزينى»، وستتخذ موقفًا إنسانيًا يبرر الخوف والرغبة فى الخلاص من تأنيب الضمير مع «أحمد العسيلى» أخو «ديما» معلم اللغة العربية، وصاحب ديوان شعرى وحيد فى حب فلسطين، الذى هاجر إلى فرنسا فرارًا بأولاده من مصير الموت الذى ينتظرهم فى أرض الوطن.

ختامًا أدعو الجميع لقراءة هذا العمل البديع للروائية «فكرية أحمد» الذى يذكرنى بـ«ثلاثية غرناطة» و«الطنطورية»  للجميلة الراحلة «رضوى عاشور»، «دخل الخيل الأزهر» لجلال كشك، «عزازيل» «النبطى» للدكتور يوسف زيدان، «البشمورية» للروائية سلوى بكر، وغيرها من الأعمال التى كتبت من لحم ودم لتبقى للأجيال القادمة.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: غزة سقوط آلاف المدنيين الفلسطينيين العزل فکریة أحمد

إقرأ أيضاً:

فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة

منذ يومين مرت الذكرى الرابعة والعشرون لرحيل رجل من أعظم رجال مصر فى القرن العشرين؛ رجل لم يكن مجرد سياسي أو صاحب منصب، بل كان مدرسة كاملة فى الوطنية والعناد الشريف والإصرار على أن تبقى مصر واقفة مهما حاولت قوى الاحتلال أن تكسر إرادتها. 

أتحدث هنا عن فؤاد باشا سراج الدين، الرجل الذى ترك بصمة لا تمحى فى الوجدان المصرى، والذى رحل عن عالمنا فى التاسع من أغسطس عام 2000، لكنه لم يرحل يوما عن ذاكرة الوطن.

فى كل مرة تمر فيها ذكرى رحيله، أشعر أن مصر تعيد اكتشاف جزء من تاريخها؛ تاريخ لا يمكن فهمه دون الوقوف أمام شخصية بهذا الثقل وبهذه القدرة على الصمود. 

ولد فؤاد باشا سراج الدين سنة 1910 فى كفر الجرايدة بمحافظة كفر الشيخ، وبدأ مشواره شابا يحمل حلم الوطن فى قلبه قبل أن يحمله على كتفيه. 

تخرج فى كلية الحقوق، ودخل معترك الحياة العامة صغيرا فى السن، لكنه كبير فى العقل والبصيرة، وفى سن لم تكن تسمح لغيره سوى بأن يتدرب أو يتعلم، أصبح أصغر نائب فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، ثم أصغر وزير فى حكوماتها المتعاقبة، فى زمن لم يكن الوصول فيه إلى المناصب بالأمر السهل ولا بالمجاملات.

لكن ما يجعل الرجل يستحق التوقف أمامه ليس كثرة المناصب، بل طريقة أدائه فيها، فقد كان نموذجا للمسؤول الذى يعرف معنى الدولة، ويؤمن بأن خدمة الناس شرف لا يباع ولا يشترى. 

ومن يعيش تفاصيل تاريخه يدرك أنه لم يكن مجرد جزء من الحياة السياسية، بل كان جزءا من الوعى العام للمصريين، وصوتا قويا فى مواجهة الاحتلال، وسندا لحركة الفدائيين فى القناة، وواحدا من الذين كتبوا بدموعهم وعرقهم تاريخ كفاح هذا الوطن.

ويكفى أن نذكر موقفه الأسطورى يوم 25 يناير 1952، حينما كان وزيرا للداخلية، ورفض الإنذار البريطانى الداعى لاستسلام رجال الشرطة فى الإسماعيلية. 

وقتها لم يتردد لحظة، واختار الكرامة على السلامة، والوطن على الحسابات السياسية، ذلك اليوم لم يصنع فقط ملحمة بطولية، لكنه صنع وجدانا كاملا لأجيال من المصريين، وأصبح عيدا رسميا للشرطة تخليدا لشجاعة رجال رفضوا أن ينحنوا أمام الاحتلال، وهذه الروح لم تكن لتظهر لولا وزير آمن برجاله وبمصر أكثر مما آمن بنفسه.

كما لا يمكن نسيان دوره الحاسم فى إلغاء معاهدة 1936، ودعمه لحركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز، ولا تمويله للفدائيين بالمال والسلاح، كان يعلم أن المستقبل لا يهدى، وإنما ينتزع انتزاعا، وأن السيادة لا تستعاد بالكلام، وإنما بالمواقف.

وفى الداخل، قدم سلسلة من القوانين التى شكلت تحولا اجتماعيا حقيقيا؛ فهو صاحب قانون الكسب غير المشروع، وصاحب قوانين تنظيم هيئات الشرطة، والنقابات العمالية، والضمان الاجتماعى، وعقد العمل الفردى، وقانون إنصاف الموظفين. 

وهى تشريعات سبقت عصرها، وأثبتت أن الرجل يمتلك رؤية اجتماعية واقتصادية عميقة، وميلا دائما للعدل والمساواة، وفهما راقيا لطبيعة المجتمع المصرى.

ولم يكن خائفا من الاقتراب من الملفات الثقيلة؛ ففرض الضرائب التصاعدية على كبار ملاك الأراضى الزراعية حين كان وزيرا للمالية، وأمم البنك الأهلى الإنجليزى ليصبح بنكا مركزيا وطنيا، ونقل أرصدة الذهب إلى مصر للحفاظ على الأمن الاقتصادى للدولة، وكلها خطوات لا يقدم عليها إلا رجل يعرف معنى السيادة الحقيقية ويضع مصالح الوطن فوق كل اعتبار.

ورغم الصدامات المتتالية التى تعرض لها، والاعتقالات التى مر بها فى عهود متعددة، لم يتراجع ولم يساوم، ظل ثابتا فى المبدأ، مؤمنا بالوفد وبالحياة الحزبية، حتى أعاد إحياء حزب الوفد الجديد عام 1978، ليبقى رئيسا له حتى آخر يوم فى حياته، وقد كان ذلك الإحياء بمثابة إعادة الروح لمدرسة سياسية كاملة ترتبط بتاريخ النضال الوطنى الحديث.

إن استعادة ذكرى فؤاد باشا سراج الدين ليست مجرد استدعاء لصفحات من التاريخ، بل هى تذكير بأن مصر لم تبن بالكلام، وإنما صنعت رجالا مثل هذا الرجل، آمنوا أن الحرية حق، وأن الوطنية فعل، وأن الكرامة لا تقبل المساومة. 

وفى زمن تكثر فيه الضوضاء وتختلط فيه الأصوات، يبقى صوت أمثال فؤاد باشا أكثر وضوحا، وأكثر قوة، لأنه صوت نابع من قلب مصر، من تربتها وأهلها ووجدانها.

رحل جسد الرجل، لكن أثره باق، وتاريخه شامخ، وسيرته تذكرنا دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين وأن مصر، رغم كل ما تمر به، قادرة دائما على إنجاب رجال بحجم فؤاد باشا سراج الدين.

مقالات مشابهة

  • «فخ» كأس العرب
  • فؤاد باشا سراج الدين .. الرجل الذى علم المصريين معنى الكرامة
  • حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
  • الوجوه الثلاثة!!
  • حماس ترفض تقرير العفو الدولية وتتهمه بتبني الرواية الإسرائيلية
  • هل كنا في السماء؟.. اعتراف إيراني يهزّ رواية إسقاط مقاتلات إف-35 الإسرائيلية
  • ابن سائق محمد صبحي يقلب الرواية المتداولة رأسًا على عقب .. تفاصيل
  • المكتب الإعلامي في غزة يفند رواية السفير الأمريكي: أرقام المساعدات تكشف حصارا ممنهجا لا تدفقا يوميا
  • بدء العمل على الموسم الثاني من ورد وشوكولاتة: في رواية أحدهم
  • «السيسى» وبناء الدولة