تحدي اخراج العسكريين من السلطة والاقتصاد (8 – 10)
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
صديق الزيلعي
تعرض المقال الأول للأهمية القصوى لإيقاف الحرب ومعالجة أسبابها، التي لن تتم بدون وحدة القوى المدنية، للدفاع عن التصور الديمقراطي لحل هذه الأزمة الكارثية. وكان المقال الثاني بعنوان " من يحمي الديار من حماة الديار؟" ومقولته الأساسية ان الخطر على استقرار الشعوب يأتي، وعبر التاريخ، من الجيوش، عندما تنتزع السلطة وتحكم.
أحد أكبر وأخطر النكبات التي مرت بها بلادنا، هي تسلط الأنظمة العسكرية، على معظم سنوات ما بعد الاستقلال. انقلاب عسكري يتسلم السلطة ثم تتحول السلطة الي سلطة فرد مطلق النفوذ، يفعل ما يشاء كيفما يشاء. الم يبيع عبود اثار النوبة ومنطقة حلفا بابخس الاثمان بدون مشاورة الشعب أو حتى أهالي حلفا. من يقرأ كتاب أبراهيم منعم منصور سوف يتعرف على الفرص الضائعة بسبب تسلط فرد أعمته السلطة، فأضاع نميري فرصا لا تعوض لتنمية السودان. ألم يلغي البشير اتفاق عقار – نافع وهو في مسجد يؤدي صلاة الجمعة. وكانت هذه مجرد امثلة وليس كل الممارسات. والآن نشاهد، امام اعيننا، ما يفعله البرهان بهذا البلد. وهل نتوقع إذا انتصر حميدتي، الا ان يكون نسخة أخرى من التسلط وحكم الفرد المطلق.
عرضت في مقالات سابقة تجارب اخراج العسكر من السلطة في عدة اقطار (شيلي، الارجنتين، جنوب افريقيا، كوريا الجنوبية). نجحت تلك التجارب في إتمام المهمة الصعبة. وأثبت التاريخ ان اخراج العسكر ليس بمهمة سهلة. فالعسكر، خلال وجودهم في السلطة، يراكمون مصالح وثروات ضخمة، ومن جانب آخر يتحالفون مع الفئات الطفيلية لنهب موارد البلاد، فيعم الفساد وينتشر. والأخطر، من كل ذلك، انهم يرتكبون جرائم ضد الإنسانية، ويقوضوا كل الحقوق الأساسية، خاصة حقوق الأنسان. هذه الانتهاكات الجسيمة تعرضهم للعقاب بعد تركهم السلطة، لذلك يتشبثون بها. هذه العوامل تجعل عزلهم عن السلطة مهمة شاقة وعسيرة، ولكن لا بد من انجاحها.
هناك عوامل تساعد في رفض العسكر ونظامهم مما يعجل بسقوطه:
• الفشل التام للسلطة العسكرية ودخولها في تخبط وازمات مستحكمة، تزداد حدتها بمرور الأيام. هذا الامر يجعل الا مخرج، سواء باستعمال القمع أو الخداع أو تحالفات زائفة.
• تصاعد الرفض الشعبي لدرجات هائلة، وتصبح المعارضة العلنية هي السمة الغالبة، مما يجعل العناصر المتذبذبة تغير وجهتها وتبعد عن النظام ومؤسساته، ولا تظهر أي تأييد له.
• وجود انقسام داخل الجيش لاقتناع اقسام منه ان لا مستقبل للحكم بالقوة، وان قمع الشعب لن يعطي النظام عمرا إضافيا.
• العزلة الدولية والحصار ورفض تقديم المساعدات للنظام الفاشل.
معظم تجارب العالم اثبتت أن عزل العسكر يتم بأحد هذه الوسائل:
• ثورة شعبية شاملة وقوية، ولديها دعم من صغار الضباط. وهذا انجح الوسائل وأكثرها توفيقا وأعمقها تأثيرا. كانت ثورة ديسمبر فرصة لنجاح هذه الوسيلة للتغيير، ولكن عدم وجود تيار وطني مؤثر داخل الجيش، أعطى اللجنة الأمنية فرصة خداع الثوريين وتعطيل تقدم الثورة.
• قرار جناح من الجيش انهاء النظام القائم وتسليم السلطة للمدنيين (تجربة البرتغال). هذه الوسيلة تكاد تكون معدومة في وضعنا الحالي، ولكن ليست مستحيلة.
• هناك أسلوب المفاوضات، وهي وسيلة صعبة ومعقدة. فليس سهلا امام الثوار قبول التفاوض مع من ساموهم العذاب. ويحاول اولئك انتزاع بعض المكاسب من الثوار.
• التدخل الأجنبي المباشر، وهذا خيار له صعوبات عديدة لتحقيقه، ويحمل مخاطرات كبيرة، ورغم ذلك يظل أسلوبا ممكنا للتخلص من العسكر في حالتنا الحالية.
ما هي الخيارات العملية والمفتوحة امام شعبنا:
• مواصلة توحيد القوى المدنية والضغط على الوسطاء ليكون صوت الشعب حاضرا في المفاوضات لكيلا ينفرد العسكر بتقرير نهاية الحرب لوحدهم، والحفاظ على مصالحهم.
• توسيع وتطوير العمل الجماهيري بكافة اشكاله، داخل وخارج السودان.
• اجراء مفاوضات شفافة وشجاعة مع كافة أطراف المجتمع الإقليمي والدولي، وإبراز المخاطر التي تهدد مصالحهم ومصالح الشعب السوداني، ومخاطر بروز قاعدة جيدة للمتطرفين الإسلاميين. تجمع الدبلوماسيين لعب وسيلعب دورا في هذا المجال.
• مخاطبة ما تبقي من القوى الوطنية داخل القوات المسلحة، وهنا تلعب قيادة العسكريين المفصولين دورا كبيرا. وسائل التخاطب الاجتماعي تساعد في وصول الرسائل الي مجموعات كبيرة.
• المشاركة في مفاوضات احد أطرافها قادة الجيش ليس جريمة، فإنهاء الحرب يستدعي اقتحام كل الطرق غير المأهولة، فالمهم الحصيلة النهائية ومدى تمشيها مع اهداف الثورة.
• الحذر من محاولات اشراك المؤتمر الوطني تحت أي حجج أو اعذار.
• اخراج العسكر من السلطة سيجعل مسألة اخراجهم من الاقتصاد مسألة ممكنة بممارسة المزيد من الضغوط.
• الواجب ان ندعم كل الأساليب أعلاه وندمجها في خط متصاعد يهدف لاستكمال مهام ثورة ديسمبر.
siddigelzailaee@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: من السلطة
إقرأ أيضاً:
بعد إيران.. هل تستطيع أميركا تنفيذ السيناريو نفسه في كوريا الشمالية؟
في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، يرى الكاتب ويليام هينغان أن الضربات الجوية الأميركية لإيران تعزز قناعة زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون بأن امتلاك السلاح النووي هو الضمانة الوحيدة للبقاء. اعلان
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالًا تحليليًا للكاتب ويليام هينغان يتناول تداعيات الضربة الأميركية الأخيرة على البنية النووية الإيرانية، وانعكاساتها على الاستراتيجية الأميركية تجاه كوريا الشمالية. ويرى الكاتب أن تلك الضربة، التي شملت 14 قنبلة ضخمة تزن كل منها 30 ألف رطل، عززت لدى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون قناعة قديمة: امتلاك السلاح النووي هو الضمانة الوحيدة لبقاء النظام.
ويشير المقال إلى أن كوريا الشمالية، بخلاف إيران، تمتلك بالفعل ترسانة نووية تشمل نحو 50 رأسًا حربياً ونحو 40 أخرى قيد التصنيع، إضافة إلى صواريخ باليستية عابرة للقارات يُحتمل أن تطال كبرى المدن الأميركية. وفي ظل غياب التهديد الأميركي المباشر لكوريا الشمالية، مقابل الغارات الجريئة على إيران، يرى كيم أن موقفه بات أكثر قوة، لا سيما مع التطورات الأخيرة في القدرات النووية والتحالفات الإقليمية، ومنها اتفاق دفاعي مع روسيا.
ويوضح الكاتب أن واشنطن، رغم إصرارها على شعار "نزع السلاح النووي الكامل والقابل للتحقق ولا رجعة فيه"، لم تحقق أي اختراق دبلوماسي يُذكر خلال العقود الماضية. حتى أن دعوات الرئيس بايدن في عام 2021 للحوار دون شروط مسبقة لم تلقَ تجاوبًا من بيونغ يانغ. ورغم أن إدارة ترامب لا تبدو منشغلة بالملف الكوري في ولايته الثانية، إلا أن الوقت قد حان لتبديل نهج واشنطن، خصوصًا بعد فشل الضربة الجوية في شل البرنامج الإيراني بشكل حاسم.
Relatedماكرون يحذَر الصين: أبعدوا كوريا الشمالية عن أوكرانيا وإلا ستجدون الناتو في آسياضربات ترامب لإيران تُرسّخ قناعة كوريا الشمالية بالتمسك بسلاحها النوويإخفاق بحري في كوريا الشمالية بعد فشل تدشين سفينة حربية وكيم يصفه بـ"العمل الإجرامي"المقال يدعو إلى نهج جديد يعترف بالواقع النووي لكوريا الشمالية كأمر واقع، دون أن يعني ذلك بالضرورة شرعنته. فالتعاطي الدبلوماسي الواقعي، كما يرى الكاتب، قد يؤدي إلى تجميد البرنامج مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية، وهو خيار لا يخلو من المخاطر السياسية، خاصة تجاه الحلفاء كاليابان وكوريا الجنوبية، لكنه قد يكون السبيل الوحيد لتجنب مواجهة غير محسوبة.
ويستعرض المقال مواقع استراتيجية في البرنامج النووي الكوري، منها مجمع "يونغبيون" الذي يُنتج البلوتونيوم واليورانيوم العالي التخصيب، ومنشأة "كانغسون" التي كُشف عنها مؤخرًا، وموقع التجارب النووية "بونغيي-ري" الذي شهد ست تجارب نووية منذ عام 2006، إضافة إلى مصنع الصواريخ في "هامهونغ" الذي ينتج صواريخ تُصدّر إلى روسيا وتُستخدم في أوكرانيا. كذلك يتطرق المقال إلى موقع "سوهه" على الساحل الغربي حيث تُختبر منظومات الصواريخ.
ويخلص المقال إلى أن تجاهل بيونغ يانغ أو مواصلة استراتيجية "الكل أو لا شيء" لم يؤتِ ثماره منذ عهد بيل كلينتون، ولن ينجح اليوم. فمع تصاعد التهديد النووي وتغير ميزان القوى الإقليمي، يرى الكاتب أن من الحكمة أن تتخلى إدارة ترامب عن أوهام التفكيك الكامل، وتتبنى سياسة احتواء ذكية وواقعية تعكس الحقائق الميدانية وتفتح باب التفاوض لتفادي الأسوأ.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة