بعد 12 يوما من الحرب مع الاحتلال والولايات المتحدة.. هل تعثر النظام الإيراني؟
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
في أعقاب صراع عسكري دام 12 يوما، تعيش الجمهورية الإسلامية واحدة من أكثر لحظات تاريخها تقلبًا وخطورة، وسط انقسامات داخلية، وأسئلة كبرى عن مستقبل النظام الإيراني الذى حكم منذ أكثر من أربعة عقود.
ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا لرئيس مكتبها في باريس، روجر كوهين، قال فيه إن الجمهورية الإسلامية تترنح بعد صراع دام 12 يوما وتساءل "إلى أين تتجه الأمة من هنا؟"
وبحسب المقال شعرت رقصانة صبري وكأنها عادت إلى سجون طهران وبينما كانت تشاهد قصف إسرائيل لسجن إيفين، مركز الاحتجاز سيئ السمعة الذي يُمثل جوهر القمع السياسي في إيران، ارتجفت من ذكريات الحبس الانفرادي، والاستجواب المتواصل، واتهامات التجسس الملفقة، والمحاكمة الصورية خلال فترة سجنها التي استمرت 100 يوم عام 2009.
وتابع كوهين أنه مثل العديد من الإيرانيين في الشتات وفي الوطن، ترددت صبري، ممزقة بين أحلامها بانهيار الحكومة الذي من شأنه أن يُحرر إمكانات البلاد الهائلة، وقلقها على عائلتها وأصدقائها مع تزايد عدد القتلى المدنيين. تنافست التطلعات إلى التحرير ووقف إطلاق النار.
وأضاف المقال أن صبري، البالغة من العمر 48 عاما، وهي كاتبة تحمل الجنسيتين الإيرانية والأمريكية، قد أخذت استراحة من مسيرتها الصحفية قالت: "تخيلتُ للحظة أنني سأرى إيران مرة أخرى في حياتي".
وأضافت: "فكرتُ أيضا في مدى سخافة إضاعة الجمهورية الإسلامية عقودا في اتهام آلاف المدافعات عن حقوق المرأة والمعارضين وغيرهم بالتجسس، بينما لم يتمكنوا من القبض على الجواسيس الحقيقيين".
وأردف كوهين خلال المقال أن هؤلاء الجواسيس، ومعظمهم من جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي الموساد، اخترقوا أعلى المستويات السياسية والعسكرية في إيران.
وتابع أن السؤال الآن هو: ماذا ستفعل الجمهورية الإسلامية المهتزة التي تعاني من ضائقة اقتصادية خانقة بما وصفه الرئيس المعتدل مسعود بزشكيان بـ"فرصة ذهبية للتغيير"، تلك اللحظة هي أيضا لحظة خطر شديد، بل وجودي، ناجم عن الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي استمرت 12 يوما والتي انضمت إليها الولايات المتحدة لفترة وجيزة.
وقال كوهين أن الحملة العسكرية راودت فكرة إزاحة الاستبداد الديني الذي جعل من تخصيب اليورانيوم رمزا للفخر الوطني لإيران، لكنها توقفت عند حد قتل آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني البالغ من العمر 86 عاما، على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إن وفاة آية الله "ستنهي الصراع". لا تزال الجمهورية الإسلامية البالغة من العمر 46 عاما تتعثر.
وأضاف أنها تفعل ذلك على الرغم من انهيار "محور المقاومة" الذي تشكل من خلال تمويل وكلاء مناهضين للغرب من لبنان إلى اليمن، على حساب ميزانيات ضخمة؛ وعلى الرغم من القصف المدمر لمنشآتها النووية الباهظة الثمن التي لم تنتج قنبلة أبدا ونادرا ما أضاءت مصباحا كهربائيا؛ وعلى الرغم من الإذلال المتمثل في تسليم سماء إيران لأعدائها.
وأكد أنه مع ذلك، يرى خامنئي، بصفته حارس الثورة الدينية المناهضة للغرب التي انتصرت عام 1979، نفسه منتصرا. قال في مقطع فيديو بُثّ يوم الخميس من مكان سري، مُبددا شائعات وفاته: "انتصرت الجمهورية الإسلامية"، إنها لعبة بقاء مُشبعة بالحكمة، تواجه الآن أعظم اختبار لها خلال 36 عاما في السلطة.
وتابع كاتب المقال أن صنم وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث في لندن قالت: "إن فهم إيران وخامنئي والمحيطين به يعني إدراك أن بقاء الجمهورية الإسلامية هو دائما نصر".
وقال إنها تبدو التوترات حول كيفية معالجة الأزمة التي جلبتها الحرب جلية بالفعل.
يبدو أن الرئيس بيزيشكيان يُفضّل تغييرا جذريا، وإصلاح العلاقات مع الغرب من خلال اتفاق نووي محتمل. وقد تحدث في الأيام الأخيرة عن "فرصة لتغيير وجهات نظرنا بشأن الحكم".
وذكر أنه لم يكن واضحا ما يعنيه، لكن الكثيرين في إيران يُفضّلون تعزيز المؤسسات المنتخبة وجعل المرشد الأعلى رمزيا أكثر منه مصدر السلطة المطلقة. إنهم يسعون إلى جمهورية إسلامية أقرب إلى جمهورية، حيث تُمكّن المرأة، ويتخلص الجيل الشاب من القمع الذي يمارسه نظام ديني يحكمه الشيوخ.
وأشار كاتب المقال إلى أن خامنئي أصر على أن الهجوم الإسرائيلي والأمريكي على المنشآت النووية فشل في "تحقيق أي شيء ذي شأن". لكن وزير الخارجية عباس عراقجي بدا وكأنه يشكك في هذا الحكم، إذ قال يوم الخميس إن المنشآت النووية للبلاد قد لحقت بها "أضرار جسيمة وخطيرة".
وبحسب المقال يرى المتشددون أي الانقسام مؤشر خطر. ويعتقدون أن التنازلات تُنذر بالانهيار. لقد أثّر سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، بعد 69 عاما من تأسيسه، و"الثورات الملونة" التي جلبت الديمقراطية الغربية إلى دول ما بعد الاتحاد السوفيتي، تأثيرا عميقا على خامنئي وحاشيته.
وقال كوهين إنهم متشككون في أي اتفاق نووي، ويصرون على أن تحتفظ إيران بحقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها، وهو ما وصفته إسرائيل والولايات المتحدة بأنه غير مقبول. كما أنهم ممثلون بقوة في أقوى مؤسسة في البلاد، الحرس الثوري الإسلامي.
وتابع أن وكيل قالت إن عدد الحرس الثوري يتراوح بين 150 ألفا و190 ألف عضو وبفضل سيطرتهم على قطاعات واسعة من الاقتصاد، فإن لديهم مصلحة راسخة في بقاء الحكومة. إنهم يمثلون نوعا من الحماية المؤسسية الكبيرة التي افتقر إليها الرئيس بشار الأسد في سوريا قبل سقوطه العام الماضي.
وأضاف أنه كما فعلت في عام 2009 عندما هددت انتفاضة واسعة النطاق بإسقاط الجمهورية الإسلامية، شرعت إيران في حملة قمع شملت مئات الاعتقالات، وثلاث عمليات إعدام على الأقل، ونشر الحرس الثوري وميليشيا الباسيج في المناطق الكردية وغيرها من المناطق المضطربة.
وتابع كاتب المقال أن الإيرانيون شاهدوا هذا الفيلم من قبل ويتساءل البعض عن سبب الحرب إذا ما كانوا سيواجهون سحقا آخر. قال عبد الخالق عبد الله، عالم السياسة البارز في الإمارات: "يريد الشعب أن يعرف من المسؤول عن الهزائم المتعددة، لكن لا يوجد قائد يتحدى النظام. قد تصمد جمهورية إسلامية ضعيفة لأربع أو خمس سنوات".
وأشار إلى أنه يبدو هذا الضعف عميقا. إن "النصر" الذي يدّعيه خامنئي لا يخفي حقيقة أن إيران أصبحت الآن دولة ذات ردع شبه معدوم.
يقول جيفري فيلتمان، الزميل الزائر في معهد بروكينغز بواشنطن، ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية عام 2012، وأحد الأمريكيين القلائل الذين التقوا بالمرشد الأعلى: "أتصور أن أولوية خامنئي، وهو في أعماق مخبئه، هي كيفية إعادة بناء ردع قائم على البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ والوكلاء المسلحين، وكلها الآن في حالة تفكك".
ويتذكر فيلتمان: "كان خامنئي مهووسا بكذب الولايات المتحدة وعدوانيتها. كانت عيناه خيرتين، لكن كلماته، التي عُبِّر عنها بنبرة هادئة رتيبة، لم تكن خيرة على الإطلاق".
وأكد كوهين أن وعد آية الله الخميني، سلف خامنئي، بالحرية عندما تولى السلطة في ثورة 1979 التي أطاحت بشاه كان يُنظر إليه على أنه بيدق في يد الغرب العلماني المنحل. لكن ذلك لم يكن ليتحقق. فسرعان ما اندلعت التوترات بين من ناضلوا من أجل الديمقراطية ومن كانوا يعتبرون الحكم الديني أكثر أهمية بالنسبة لهم.
وأشار كاتب المقال أول رئيس للجمهورية الإسلامية، أبو الحسن بني صدر، قد عُزل وأُطيح به بعد أكثر من عام بقليل من توليه منصبه، لتحديه حكم رجال الدين. هرب إلى فرنسا. أُعدم الآلاف مع ترسيخ الحكومة لسلطتها.
وتابع أن الحرب اجتاحت البلاد الثورية عام 1980، عندما أمر صدام حسين، الزعيم العراقي، بغزو البلاد. استمر القتال ثماني سنوات، مخلفا ما يُقدر بـ 500 ألف قتيل، معظمهم من الجانب الإيراني، قبل أن يتجرع آية الله الخميني "كأس السم"، كما وصفها، ويقبل بإنهاء الحرب.
وقال إن الجيل الذي خاض تلك الحرب، والذي نُسي إلى حد كبير في الغرب الآن، يشكل جزءا كبيرا من النخبة السياسية والعسكرية في إيران اليوم. لقد خرجوا من الحرب مقتنعين بالغدر الأمريكي في ضوء الدعم العسكري الأمريكي للعراق، ومقتنعين بصمود إيران، ومخلصين بشدة للثورة التي رأوا الكثيرين يسقطون في سبيلها.
وقالت وكيل: "لقد رسخت الحرب، في كثير من الحالات، رؤية عالمية مهووسة، وشعورا بالضحية دفع النخبة، وخاصة خامنئي، إلى عدم إدراك كيفية تطور العالم من حولهم".
وتابع أن كل هذا شكّل النظام، لقد أصبح الآن مؤسسيا تماما. لقد ثبت أن التغيير صعب، وتفاقم الصراع، على مدى أكثر من أربعة عقود منذ الثورة، استمرّ السعي الإيراني المتواصل منذ قرن كامل لإيجاد تسوية عملية بين رجال الدين والعلمانية، تسوية لا تُنكر رسوخَ الإيمان الإسلامي في البلاد ولا انجذابها الواسع للقيم الليبرالية.
وأشار إلى أنه في بعض الأحيان، تصاعد التوتر إلى مواجهات عنيفة، كما حدث عندما نزل أكثر من مليوني شخص إلى الشوارع عام 2009 احتجاجا على ما اعتبروه انتخابات مزورة أعادت الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى السلطة.
سبقت التصويت أسابيع من المناظرات الرئاسية المتلفزة الصاخبة، التي شاهدها عشرات الملايين من الناس، والصعود السريع للحركة الخضراء الليبرالية بقيادة مير حسين موسوي. تبخّر كل ذلك مع إخضاع الحرس الثوري وميليشيا الباسيج للمحتجين خلال الأيام التي تلت التصويت.
في الآونة الأخيرة، وتحديدا في عام 2022، اندلعت موجة من الاحتجاجات بعد وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الآداب الإيرانية بعد اعتقالها بفترة وجيزة لعدم ارتدائها الحجاب. عكست هذه الحركة استياء عميقا من فكرة أن يُملي رجال الدين المتقدمون في السن على النساء ما يجب أن يرتدينه، وقد أدت إلى بعض التغيير. فالآن، لا ترتدي الكثيرات من النساء الحجاب، وأصبحت التوبيخات أقل وطأة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية الإيراني الحرب إيران امريكا الاحتلال الحرب صحافة صحافة صحافة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجمهوریة الإسلامیة الحرس الثوری على الرغم من کاتب المقال المقال أن فی إیران وتابع أن آیة الله أکثر من
إقرأ أيضاً:
«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
محمد الحسن محمد نور
حين ننظر إلى المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط من منظور القرار الأمريكي في واشنطن، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا لا يدور حول أخلاقية دعم هذا الطرف أو ذاك، بل حول حساب الربح والخسارة في معادلة معقدة. لماذا تظل الولايات المتحدة متمسكة بدعم إسرائيل دعمًا مطلقًا، حتى عندما تتجاوز تصرفاتها حدود القانون الدولي وتسبب إحراجًا دبلوماسيا لواشنطن؟
الجواب لا يكمن في نقطة واحدة، بل في شبكة من المصالح المتشابكة التي تشكل عقيدة استراتيجية راسخة. فإسرائيل، برغم مساحتها الصغيرة، هي أكثر من مجرد دولة حليفة؛ إنها حاملة طائرات غير قابلة للغرق، ومختبر ميداني للتكنولوجيا العسكرية المتطورة، ووكيل موثوق لتنفيذ عمليات تحفظ واشنطن لنفسها تبعاتها المباشرة. هذا الدور التشغيلي الفريد يعطي لإسرائيل قيمة لا تُقدَّر بثمن في منطقة يعتبر الاستقرار فيها شحيحًا والولاءات متقلبة. ولكن تبقى هذه العلاقة محكومة بحسابات البراغماتية الصرفة، فالدعم الأمريكي لا ينبع من عاطفة أبدية، بل من تقاطع مصالح يُعاد تقييمه باستمرار تحت ضوء المتغيرات الإقليمية.
وفي الجهة المقابلة من هذه المعادلة، تقف المملكة العربية السعودية كعملاق جيوسياسي يطرح نفسه بديلاً استراتيجيا جذابًا لأمريكا. وربما مرعبًا لإسرائيل. فبرغم أن مساحة إسرائيل لا تقارن بمساحة السعودية الشاسعة، وبرغم أن ثروة الأخيرة الهائلة تجعلها شريكًا اقتصاديًا لا يُستهان به كما أشار ترمب، إلا أن المقارنة الحقيقية ليست في الجغرافيا أو الثروة وحدهما.
فالسعودية تمتلك ما هو أثمن: نسبة عالية من الاستقرار الداخلي والإقليمي، وغياب الأعداء المباشرين الذين يحيطون بإسرائيل من كل حدب وصوب، ونفوذ ديني وثقافي يمتد لقلب العالم الإسلامي. والأهم من وجهة النظر الأمريكية، أن شراكة السعودية لا ترهق أمريكا بالحروب العديمة الجدوى، ولا تفرض عليها الدخول في صراعات مباشرة؛ بل تقدم نفسها كقوة مستقرة قادرة على إدارة ملفاتها الأمنية بنفسها، وتكون ركيزةً للاستقرار الإقليمي بدلاً من أن تكون بؤرة للصراع الدائم. هذا الواقع يطرح سؤالاً وجوديًا في أروقة تل أبيب: هل تخشى إسرائيل أن تكون السعودية بديلاً لها في يوم ما؟ الخشية حاضرة وبقوة، ولكنها ليست خشية من زوال، بل خشية من إعادة ترتيب للأولويات.
فالقلق الإسرائيلي العميق لا يتعلق باحتمال أن تتخلى واشنطن عن دعمها بين عشية وضحاها، بل بأن يتقلص دورها من حليف استراتيجي لا غنى عنه، إلى مجرد أداة واحدة ضمن عدة أدوات في صندوق أدوات السياسة الأمريكية. إن صعود التحالف الأمريكي-السعودي ليكون المحور المركزي في المنطقة يعني ببساطة أن القيمة التفاوضية لإسرائيل ستهبط، وأن قدرتها على الحصول على دعم غير مشروط لأجندتها الأمنية ستنخفض.
ولهذا، نرى أن إسرائيل تعمل جاهدة على إبقاء ملفات المنطقة ساخنة ومفتوحة، وتقاوم أي محاولة لترتيب الوضع الإقليمي على نحو يقلل من أهميتها العسكرية والاستخباراتية لواشنطن – من مقاومة الاتفاق النووي الإيراني 2015، مرورًا بالضغط لإفشال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وصولاً إلى عرقلة أي تقارب سعودي-إيراني حقيقي. إنها تدرك أن نفوذها مرتبط باستمرار حالة الطوارئ والصراع، فيما تقدم السعودية نفسها كضامن للاستقرار والطاقة والعلاقات الاقتصادية الواسعة، وهي سلع تزداد قيمتها في عالم تتزايد فيه المنافسة مع الصين وروسيا. وإذا حدث هذا التحول وأصبحت الرياض الشريك الأول لواشنطن، فإن المشهد سيتغير جذريًا.
فالسؤال المصيري هو: إذا تحول ميزان القوة لصالح السعودية، هل يزيد هذا من نفوذ أمريكا أم ينقصه؟ الإجابة معقدة وتحتوي على تناقضات.
على المدى القصير، قد يوسع هذا التحول من نفوذ أمريكا، إذ ستمتلك واشنطن بوابة مباشرة إلى قلب العالم العربي والإسلامي عبر شريك قوي ومستقر، قادر على تحقيق استقرار أوسع قد يخفف من حاجة الولايات المتحدة للتدخل المباشر المكلف.
لكن على المدى الطويل، قد تأتي الخسارة من حيث لا تُحتسب. فاستبدال حليف عسكري منضبط مثل إسرائيل، يتحرك كذراع تنفيذي سريع وحاد، بشريك كبير ذي أجندة وطنية مستقلة مثل السعودية، يعني أن واشنطن قد تفقد السيطرة على تفاصيل المشهد. قد تتبع الرياض سياسات اقتصادية أو تقاربًا مع منافسي أمريكا مثل الصين، أو تتبنى مواقف متصلبة في ملفات مثل إيران أو اليمن تتعارض مع الحسابات الأمريكية الدقيقة.
والأخطر من ذلك داخليًا، أن أي تحول في الدعم التاريخي لإسرائيل سيشعل حربًا سياسية ضارية داخل الولايات المتحدة بين المحافظين الإنجيليين والليبراليين وأصحاب المصالح، مما يُضعف قدرة واشنطن على تطبيق سياسة خارجية متسقة وقوية، وهو أكبر هدية يمكن تقديمها لمنافسيها على الساحة العالمية.
في الختام، إن اللعبة الكبرى التي تدور رحاها في الشرق الأوسط اليوم ليست بين السعودية وإسرائيل فحسب، بل هي اختبار حقيقي لذكاء الاستراتيجية الأمريكية نفسها. فالنفوذ الحقيقي لا يكمن في الانحياز الأعمى لحليف واحد، مهما بلغت قوته، بل في الفن الدقيق لإدارة التوازن بين جميع القوى في الساحة، وجعل كل طرف يشعر أنه في حاجة إلى الوسيط الأمريكي بطريقة مختلفة. المصلحة الأمريكية العليا ليست في دعم إسرائيل لأنها الأقوى عسكريًا، ولا في التحول إلى السعودية لأنها الأغنى، بل في منع أي منهما من أن تصبح قويةً لدرجة الاستغناء عن واشنطن، أو أن تشعر بالأمان لدرجة السير في طريق مستقل. الخطر الذي يتهدد النفوذ الأمريكي ليس من منافس خارجي يظهر فجأة، بل من تحول التنافس الخفي بين حلفائه إلى صراع مفتوح، يُجبر واشنطن على الاختيار فتخسر أحد رهاناتها.
وفي النهاية، الولايات المتحدة لا تخسر عندما يتقاتل أعداؤها… بل عندما يتصالح حلفاؤها.
الوسومأمريكا إسرائيل إيران الشرق الأوسط الصين الملف النووي الإيراني دونالد ترامب روسيا سوريا محمد الحسن محمد نور واشنطن