سرقة المال أمر يمكن تعويضه رغم ما به من خسارة مادية، أما سرقة الفكر فهو ما لا يمكن أن يعوضه مال الدنيا، هذا هو إيمانى وإيمان أى كاتب أو أديب له فكره المحترم المتفرد به، لأنه كنزه الثمين غير القابل للبيع ولا المساومة ولا حتى الخضوع للتدليس تحت مزاعم الاقتباس، وأرى أن سرقة الفكر والأدب على حد سواء من أبشع أنواع جرائم السرقة، فلا أتصور أبدًا أن يقبل أى إنسان طبيعى محترم له شخصيته أن يبيع «دماغه» أو يؤجر «مخه».
والمؤسف أن سرقة الفكر والأدب أو السطو الجزئى عليها تحت مسمى الاقتباس لا يعانى منها المفكرون أو الكتّاب الشباب فقط، كما لا يرتكبها أيضاً لصوص فكر وأدب من الشباب فقط، بل هناك أسماء أدباء كبار ضُبِطوا مُتلبِّسين بسرقة أعمال غيرهم من نصوص روائية، مسرحية، شعرية، والأكثر احترافًا يلجأون إلى السرقة من الأعمال الأجنبية من خلال ترجمتها وسرقة محتواها، أو حتى سرقتها حرفياً، ويعتمدون فى هذا على أن العامة لا يقرأون الكتب غالبًا باللغات الأجنبية، ولا المفكر أو الكاتب الأجنبى سيتمكن من ضبطهم ومقاضاتهم، ويعتقدون بهذا أنهم أفلتوا من فضيحة السرقة.
وأذكر أنى قرأت تقريرًا صحفيًا منذ فترة طويلة، كشف أن الأديب والمفكر توفيق الحكيم واحد من هؤلاء الذين اقترن اسمهم بتهمة السرقة الأدبية منذ بداية مشواره، خاصة فى أول نص مسرحى له بعنوان «العريس» 1942، وقال الصحفى عاصم زكريا فى تقريره الذى نُشر فى مجلة «المصوّر» أغسطس عام 1993، أن المسرحية مقتبسة من مسرحية فرنسية مجهولة رجِّح الناقد فؤاد دوراة أن اسمها «مفاجأة أتور».
المدهش أن هذا التقرير الصحفى كشف أن توفيق الحكيم اعترف بـ «الاقتباس» فى أعماله الأدبية «سجن العمر» و«من البرج العاجى»، كما كشف نقاد بعد ذلك أيضًا أن رواية «حمار الحكيم» مقتبسه من رواية «أنا وحمارى» للإسبانى خوان رامون خيمينيث 1881 – 1958، ومن الكتاب الكبار الذين أشارت لهم اصبع الاتهام بالاقتباس الشديد جمال الغيطانى، حيث أشار الكاتب الصحفى عصام زكريا إلى أنه اقتبس كثيرًا من أدب «ابن إياس» الأديب المصرى الكبير وأفضل المؤرخين فى العهد المملوكى «1448م-1523م»، خاصة فى روايته «الزينى بركات»، وأن الغيطانى قام بنقل صفحات كاملة بالنص من «ابن إياس».
وحتى لا أدخل فى مهاترات مع اتهام ودفاع عن هذا وذاك، فمن المؤكد أن السرقات الأدبية والفكرية موجودة على مر التاريخ الإنسانى الفكرى والأدبى، ولهذا تم تشريع قوانين فى دول العالم لمعاقبة اللصوص من هذا النوع وحماية الملكية الفكرية، ولكن للأسف هذه القوانين لم ولن تتمكن من ضبط عمليات الاقتباس والتشوية التى تحدث للنصوص الأدبية، وهو تشويه متعمد لأصول النص الأدبى يعمد إليه اللصوص خاصة من كتاب السيناريو للفرار من العقوبات القانونية مع الاحتفاظ بجوهر الفكرة، وإضافة الرتوش من عبارات وكلمات ومواقف، خاصة فى تلك الأعمال الأدبية المسروقة التى يتم تحويلها إلى أعمال فنية عبر السينما أو التليفزيون.
وإذا كانت مواقع التواصل قد أسهمت قليلًا فى كشف بعض هذه السرقات والاقتباسات، إلا أن الكثير والكثير من السرقات الأدبية فى الفن أو حتى فى الأدب الهجين نفسه لن يتم كشفه بسبب تشويه أصول النصوص الأدبية، ولا يتبقى أمام الأديب المسروق سوى الرهان على يقظة ضمير اللص ليعود إلى ضميره ونفسه، ويعترف بنسب ما اقتبسه إلى صاحبه، أو حتى يشير إليه فى العمل المنسوخ أو المقتبس.
للأسف أصبح من الصعب ضبط هذه السرقات، لأنها تأخذ مضمون الفكرة، و«تحبيشها» بالتوابل الرديئة والحريفة للبعد بها عن الأصل، ومهما كان هذا التزييف، فإن الفضح سيحدث إن آجلًا أم عاجلًا، ويجب ألا ينسى هؤلاء اللصوص أبداً عقاب الله، السرقة سرقة مهما كان نوعها، فهى جريمة أمام الله.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: فكرية أحمد سرقة المال
إقرأ أيضاً:
مفاوضات الدوحة.. هل تكون الفرصة الأخيرة للنجاة بغزة؟
رام الله - محمـد الرنتيسي
إن لم تنجو غزة هذه المرة، فربما لن تنجو أبدًا، ولن يكون بإمكان الفلسطينيين مغادرة ما يمكن أن تنتهي إليه هذه المواجهة الدامية، لا سيما وأن كيان الاحتلال هو المحرك الرئيس للعبة الموت في قطاع غزة، فيما المجتمع الدولي يأخذ موقع المتفرج.. هذا ما يقوله المراقبون حيال التطورات السياسية الأخيرة بشأن الحرب على غزة.
وليس بمقدور أي طرف آخر، التأثير على سير العملية التفاوضية كما الإدارة الأمريكية، التي ربما تضغط على إسرائيل للقبول بالاتفاق، كي تنتهي الحرب، ويصار بعدها إلى تريب المنطقة أمنيًا وسياسيًا من غزة إلى إيران، مرورًا باليمن ولبنان، ذلك أن هذه الفرصة ربما تكون الأخيرة، أقله خلال المرحلة الحالية، لإنقاذ غزة من المحنة المستمرة منذ 21 شهرًا.
ولا يتطلب الأمر التعمّق كثيرًا في قراءة السيناريوهات والتداعيات، التي يمكن أن تقف وراء الاتفاق من عدمه، وجميعها تتمحور حول وقف إطلاق النار، وآلية انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، ونزع السلاح، وتحسين آلية إدخال المساعدات، وما يجري بشأن هذه القضايا، كفيل بالإجابة على ما يمكن أن تنتهي إليه المفاوضات.
ويبدو من كيفية ردود الطرفين على المقترح الأمريكي، أن الأمور تسير باتجاه تسوية سياسية، تنهي الوضع الإنساني المتأزم في قطاع غزة، فالكيان الإسرائيلي أعد عدته وعديده، وقد حسم أمره حيال بسط سيطرته على قطاع غزة، ومواصلة الحرب، في حال فشلت الجهود السياسية، وهذا ما لا يتمناه الوسطاء والغزيون.
وربما تكون مثل هذه النتيجة حتمية، والواقع على أرض غزة ما زال يتحدث عن ذلك، لكن الإشارات القادمة من عواصم صنع الاتفاق، الدوحة والقاهرة وواشنطن، تعكس مواقف إيجابية، وتعزز احتمال التسوية على حساب استمرار الحرب، حتى لو كان هذا دون حسم واضح، بحيث ينال كل طرف حصته من "كعكة" غزة إلى حين تسوية شاملة.
"من يداه في الماء، ليس كمن يداه في النار.. وأهل غزة كلهم في دائرة النار" هكذا وصف الوزير الفلسطيني السابق عاطف أبو سيف، الأوضاع على الأرض، مبينًا أن الغزيين يريدون لهذه الحرب أن تنتهي، ولهذا القتل اليومي أن يتوقف، مشددًا على أن المطلوب هو وقف الحرب بشكل نهائي، وليس فقط لـ60 يومًا، فهدنة الشهرين، كالمحكوم بالإعدام الذي تأجل شنقه 60 يومًا، على حد تعبيره.
وبرأيه: "يجب التفكير فيمن يدفعون الثمن، وهم المدنيون الغزيون، فحماية أرواح الناس الأبرياء أهم من كل القضايا.. الوقت كالسيف، وها هو السيف يجز رقاب أهلنا في غزة مع كل ثانية".
بينما يرى الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، أن الأمر الأكيد بالجهود السياسية الحالية أنها تميل أكثر فأكثر، لأن تكون الفرصة الأخيرة في خضم الحرب، فإسرائيل تذهب متثاقلة إلى الاتفاق نتيجة للضغط الأمريكي، أكثر من القناعة، فضلًا عن وجود وزراء في الكيان يعلنون صراحة رفضهم للاتفاق، ومحاولة منعه وتعطيله، وجعله غير قابل للتطبيق.
وثمة ما هو أكثر من دليل وأقوى من قرينة، بأن التوجه الفلسطيني العام مع إنهاء الحرب بأي وسيلة، للنجاة بما تبقى من غزة وأهلها، وهذا ما يؤرق ويشغل بال المواطن الفلسطيني أكان في غزة أو الضفة الغربية، فظروف الحرب تبدو أكثر قساوة وتعقيدًا، أمام شعب متعب ومنهك، وحكومة إسرائيلية لا يبدو عليها القلق أبدًا، من الاستمرار في الحرب.