موجة حر تاريخية تجتاح الكوكب.. ما الذي يحدث للعالم في شهر يوليو؟
تاريخ النشر: 18th, July 2023 GMT
ربما لم تكن تعرف ذلك، لكن يونيو/حزيران 2023 حصل على لقب جديد وهو "يونيو الأكثر سخونة على الإطلاق" وفقا لتحليل درجة الحرارة العالمية التابع لوكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) وعدة هيئات أخرى حول العالم، ربما أيضا لم تعرف أن أول أسبوع في شهر يوليو/تموز الحالي سجَّل رقما قياسيا جديدا كونه الأسبوع الأكثر حرارة على الإطلاق في العالم أجمع، وربما كذلك لم تكن تعرف أن ما تمر به بينما تقرأ هذه الكلمات من حرارة شديدة لا يحدث فقط في بلدك أو حتى في العالم العربي الأوسع، فالكثير من دول العالم تمر بموجة حارة تاريخية في الوقت الراهن!
صيف تاريخيفي الصين على سبيل المثال، سجَّل الأسبوع الماضي أعلى إنتاج من الكهرباء على مستوى البلاد بينما تصارع موجة حر شديدة، حيث أعلنت مؤسسة استثمار الطاقة الصينية، وهي أحد أكبر مولدات الطاقة التي تعمل بالفحم في العالم، أن إجمالي توليد للكهرباء بلغ 4.
وعلى الجانب الآخر من العالم، انطلقت التحذيرات في أجزاء متفرقة من جنوبي وغرب الولايات المتحدة الأميركية عبر الإنترنت وقنوات التلفزيون خوفا من مستويات حرارة "خطيرة" قد تضر بصحة ثلث السكان (نحو 110 ملايين شخص)، تحذيرات شبيهة حمراء اللون انطلقت في وسائل الإعلام لست عشرة مدينة في جميع أنحاء إيطاليا، حيث لا يزال جنوب أوروبا يعاني من درجات حرارة شديدة الارتفاع. تعني التنبيهات الحمراء أنه حتى الأشخاص الأصحاء قد يتعرضون للخطر بسبب الحرارة، ونصحت الحكومة الإيطالية الموجودين في مناطق التأهب بتجنب أشعة الشمس المباشرة بين الساعة 11 صباحا و6 مساء.
إلى جانب ذلك عانت العديد من المناطق في فرنسا وإسبانيا من درجات حرارة قصوى، مع تقارير عن انهيار السياح في اليونان، حيث وصلت درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية أو أعلى، أما في الوطن العربي فلا حاجة لنا لإخبارك، حيث من المحتمل أنك تشعر بالأمر الآن، وأن هيئة الأرصاد في دولتك قد أعلنت عن درجة حرارة أعلى من 40 بفارق واضح.
كل هذا ولم نتحدث بعد عن موجة الحر التاريخية التي ضربت أوروبا العام الماضي وتسببت في قتل 60 ألف شخص بحسب دراسة صدرت مؤخرا في دورية "نيتشر ميدسن"، والسبب في ذلك هو أن المشكلات الصحية المتعلقة بالموجات الحارة ترتبط بدرجات الرطوبة، فكلما ارتفعت الرطوبة كانت درجات الحرارة الأقل أكثر تأثيرا، يشرح ما يسمى مؤشر الحرارة تلك الفكرة، وهو مؤشر يجمع بين درجة حرارة الهواء والرطوبة النسبية في محاولة لتحديد درجة الحرارة التي يشعر بها الإنسان حقا.
في نشرة الأخبار يمكن أن تلاحظ قولهم إن درجة الحرارة في الأسبوع المقبل مثلا ستكون 35 لكنك ستشعر وكأنها 40 درجة، هذا الفارق يُمثِّل تأثير الرطوبة على رفع الشعور بالحرارة. ويُعرف مؤشر الحرارة "الخطير" على أنه شعور الحرارة الذي يزيد على 39.4 درجة مئوية، ويُعرف مؤشر الحرارة "شديد الخطورة" بمعيار 51 درجة مئوية، ويُعَدُّ كلٌّ منهما غير آمن للإنسان لأي فترة زمنية مهما كانت قصيرة.
في حال تعرض الشخص لهذه المستويات من الحرارة فقد يتسبب الأمر في مشكلات طبية تبدأ بأعراض العطش والجفاف وقد تصل إلى صدمة حرارية يصاب خلالها الشخص بصداع شديد وتهيج في الجلد وفقدان للتركيز، وإذا استمر الأمر يمكن أن نصل إلى مرحلة فقدان كامل للوعي مع اختلاجات قد تؤدي إلى الوفاة في النهاية.
هل هو التغير المناخي؟لكن المشكلة الحقيقية ليست فيما حدث أو ما يحدث للأسف، بل فيما هو قادم، حيث يتوقع بعض المتخصصين في هذا النطاق أن شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز يفتحان الباب لموجة حر إضافية في شهر أغسطس/آب يمكن أن تكون استثنائية إذا استمر صيف 2023 على هذا المنوال!
يُجمع العلماء في هذا النطاق على أن ما يحدث منذ يونيو/حزيران وحتى الآن ليس إلا تمظهرا واضحا للمشكلة الكبرى التي يواجهها كوكب الأرض حاليا: التغير المناخي، لكن الموضوع يكون عادة أعقد قليلا مما قد تظن، فمثلا في منطقتنا العربية نتأثر كل عام بالموجات الحارة في مثل هذا الموسم منذ زمن طويل، لكن المشكلة ليست في الموجة الحارة نفسها، بل في ما يُحدثه التغير المناخي بها.
على سبيل المثال، استخدم فريق بحثي من جامعتي واشنطن وهارفارد الأميركيتين في دراسة نُشرت العام الماضي بدورية "كومينيكيشنز ايرث آند انفيرونمنت" التابعة للمؤسسة البحثية "نيتشر"، نهجا إحصائيا جديدا يجمع بين البيانات التاريخية لتطور درجات الحرارة والتوقعات الديمغرافية والنمو الاقتصادي المرتبط بما يسمى "كثافة الكربون"، وهي كمية الكربون المنبعثة مقابل كل دولار من النشاط الاقتصادي، ليتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن الأيام شديدة الحرارة، التي تُمثِّل درجة كبيرة من الخطورة على الجسم البشري، ستصبح أكثر شيوعا بحلول نهاية هذا القرن.
وبحسب هذه الدراسة، فإنه حتى إذا تمكنت دول العالم من إيقاف متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالم عند حد 1.5 أو درجتين مئويتين بحسب اتفاقية باريس، فإن تجاوز الحد "الخطير" للحرارة سيكون أكثر شيوعا بمقدار ثلاث إلى عشر مرات، وفي حالة استمرار تصاعد ارتفاع متوسطات درجات الحرارة دون تدخل سياسي فإن الدراسة تتوقع أن عدد الأيام الخطيرة للغاية سيصل إلى 30-40 يوما في السنة، وهي أوقات سيكون محظورا تماما على الناس الخروج إلى الشارع خلالها، وهذا بالطبع يؤثر على معاشهم، واقتصاد الدول بالكامل.
يتأكد ذلك بدراسة أخرى بقيادة فريق من جامعة هاواي جاء فيها أن أكثر من 30% من سكان العالم يتعرضون لمدة 20 يوما على الأقل لظروف حرارية تتجاوز عتبة التعرض لخطر الوفاة، وبحلول عام 2100 سوف ترتفع تلك النسبة إلى 48% في حال أخذنا حذرنا وبدأنا في التقليل من نفث غازات الصوبة الزجاجية (الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري) بالغلاف الجوي، وستصل إلى 74% في حال ظل السيناريو الحالي لأفعالنا ولاستجابات الطبيعة قائما، يبدو إذن أن التهديد المتزايد للحياة البشرية من الحرارة الزائدة هو كارثة حتمية تقريبا، ولكن سيزداد تفاقما إذا لم تنخفض غازات الصوبة الزجاجية إلى حدٍّ كبير.
تلك هي المشكلة التي نتحدث عنها، فموجات الحر تحدث من حين إلى آخر، لكن التغير المناخي يرفع من معدلاتها فتحدث أكثر، وكذلك من شدتها فتتجاوز أرقاما قياسية، وطول مدة الواحدة منها، فتطول الموجات الحارة لأسابيع وشهور وليس أياما كما اعتدنا قديما. لنأخذ الولايات المتحدة نموذجا مدروسا جيدا، ففي السنوات الأخيرة كان متوسط موجة الحرارة عبر 50 مدينة في بالولايات المتحدة أطول في المجمل بنحو 49 يوما مما كان عليه الأمر في الستينيات، وكذلك أصبحت موجات الحرارة أكثر حِدَّة بمرور الوقت.
الأمر لا يتوقف على الحرارةولا يتوقف الأمر على الحرارة للأسف، بل يصل إلى كل شيء، فقط تخيل أن المنظومة البيئية بالكامل هي مجموعة من الأجراس الموزعة على مسافات متساوية صغيرة (متر واحد بين كلٍّ منها) في مساحة واسعة مربعة تساوي 10 ملاعب كرة قدم، وأن كل واحد من هذه الأجراس يحوي حساسا دقيقا يمكن أن يستشعر أي صوت قريب، وما إن يفعل ذلك حتى يطلق هو صوتا بدوره.
الآن تخيل أننا في حالة صمت تام، لكن أحد هذه الأجراس في الطرف الأيسر من تلك المساحة قد أطلق صوتا فجأة، هنا سيقوم المستشعر في الأجراس القريبة منه بتفعيل خاصية إطلاق الصوت، ويؤثر ذلك بدوره على الأجراس المجاورة للأجراس الأخيرة، وهكذا دواليك حتى تدخل كل الأجراس في حالة فوضى.
الأمر ذاته بالنسبة للتغير المناخي، ارتفاع طفيف في درجات الحرارة يتسبب في خلل بكل شيء في بيئتنا، ولنبدأ مثلا من من أقرب المأكولات إليك، الأرز على سبيل المثال، حيث وجدت دراسة صادرة في 2018 عن وزارة الزراعة الأميركية أن درجات الحرارة المرتفعة قد تؤدي إلى خفض محصول الأرز بنسبة تصل إلى 40% بحلول نهاية القرن الحالي، حيث يؤدي الإجهاد الحراري الناتج عن ارتفاع درجة الحرارة في الموجات الحارة إلى تغيرات فيسيولوجية في نبتة الأرز تؤدي إلى عقم الزهيرات.
ويجري ذلك على كل ما نعرف تقريبا من نباتات، بداية من القمح ووصولا إلى القهوة، فدرجات الحرارة المرتفعة تؤدي إلى زيادة الجفاف بنسبة أعلى من المعتاد ما يزيد من إجهاد النبات، كما أن الاحترار العالمي يخل بمواعيد إزهار النباتات، ويؤدي كل ما سبق بالتبعية إلى نقص واضح في الإنتاج، وبالتبعية غلاء الأسعار.
وينطلق الأمر ليؤثر على الحياة البرية، فمعدلات انقراض الأنواع في كوكب الأرض ارتفعت بقيمة 1000-2000 مرة عن الطبيعي، وفي كتابها "الانقراض السادس" تشير الصحفية المعنية بشؤون البيئة والحائزة على جائزة بوليتزر إليزابيث كولبرت إلى أن هذا هو أول انقراض كوكبي يقوده الإنسان عبر مساهمته في تغيير طبيعة الكوكب، وبشكل أساسي عبر نفث الغازات الدفيئة المسببة لاحترار الغلاف الجوي.
ويمكن لو مددنا الخطوط على استقامتها أن نلاحظ أن ما سبق يمكن أن يقود إلى مشكلات سياسية، وقد أشارت بعض الأبحاث في هذا النطاق إلى أن الاضطرابات السياسية التي حدثت في سوريا مثلا عام 2011 كانت متعلقة (إلى درجة ما لم تحدد بعد) بموجة جفاف سابقة لهذا التاريخ ولمدة ثلاث سنوات، وكانت الأقسى منذ عقود. ويرى كريستيان بارينتي، الصحفي الاستقصائي الأميركي، في كتابه "مدار الفوضى" أن الأمر لن يتعلق بدولة واحدة فقط، بل يمكن أن تتسبب التغيرات المناخية في موجة توتر سياسي شديدة وخاصة في الدول التي تقع بين مداري الجدي والسرطان.
يتبقى في هذا السياق أن تعرف أن إجماع العلماء في نطاق التغير المناخي هو أن النشاط البشري له دور رئيسي في كل هذا، عبر استخدام الوقود الأحفوري الذي ينفث الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، لكن المشكلة للأسف ليست فيما يُجمع عليه العلماء، بل في اتخاذ قرارات سياسية مناسبة لإيقاف الأمر عند هذا الحد، وإلى لحظة كتابة هذه الكلمات لم تجتمع دول العالم على هذا القرار، نحن لازلنا في مرحلة الجدل السياسي حول ما ينبغي فعله بشأن التغير المناخي، وهي مرحلة نأمل ألا تطول أكثر من ذلك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التغیر المناخی درجات الحرارة درجة الحرارة یولیو تموز تؤدی إلى یمکن أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
توقعات العلماء.. هل سيكون 2025 العام الأكثر حرارة على الإطلاق؟
شهد العالم في عام 2024 درجات حرارة غير مسبوقة، فقد سجل أعلى متوسط شهري للحرارة على الإطلاق، وشهد ثلثا سطح الأرض شهرًا أو أكثر من درجات الحرارة القياسية، متجاوزة في بعض المناطق المعدلات السابقة بما يصل إلى 5 درجات مئوية.
بعد انقضاء هذا العام الذي حطّم الأرقام القياسية في معظم القارات، يراقب علماء المناخ عام 2025 عن كثب، ليس فقط بسبب الحرارة، بل لأنه سيُمثّل اختبارًا حاسمًا لفهمنا لمدى سرعة ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
منذ بداية عام 2025، تحطمت بعض الأرقام القياسية السابقة، فقد سجلت درجات الحرارة العالمية في الربع الأول من هذا العام ثاني أعلى درجة حرارة مسجلة، مواصلةً بذلك موجة حر استثنائية بدأت في يوليو/تموز 2023.
وفي فبراير/شباط الماضي، أفادت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة أن الشهر الأول من عام 2025 كان أحر شهر يناير على الأرض في تحليلات بيانات الطقس العالمية التي تعود إلى عام 1850.
وشهدت مساحات اليابسة العالمية أعلى درجات حرارة مسجلة في عام 2025، كما شهدت المحيطات العالمية ثاني أعلى درجات حرارة لها.
إعلانكما صنفت وكالة ناسا، وخدمة كوبرنيكوس الأوروبية لمراقبة تغير المناخ ومنظمة "بيركلي إيرث" (منظمة غير ربحية مستقلة تُركز على تحليل بيانات درجة حرارة الأرض لأغراض علم المناخ)، يناير/كانون الثاني 2025 على أنه أحر شهر يناير على الإطلاق، بزيادة قدرها 1.59 درجة مئوية عن الفترة 1880-1899، وتجاوز الرقم القياسي السابق المسجل في يناير/كانون الثاني 2024 بمقدار 0.12 درجة مئوية.
بالنسبة للعديد من علماء المناخ، مثل عالم الأرصاد الجوية المتخصص في الأعاصير جيف ماسترز، الذي شارك في تأسيس خدمة الطقس التجارية "ويزر أندرجراوند"، كان الرقم القياسي الجديد لشهر يناير غير متوقع، إذ تجاوز الرقم القياسي السابق المسجل العام الماضي، عندما أسهم التقلب المناخي الطبيعي في إحداث ظاهرة النينيو القوية، مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية.
وتشير ظاهرة النينيو المعروفة أيضًا بالتذبذب الجنوبي، إلى ظاهرة مناخية طبيعية تتكرر كل سنتين إلى 7 سنوات، وتستمر عادة من 9 إلى 12 شهرًا، ويصبح فيها سطح المياه في وسط المحيط الهادي الاستوائي وشرقه دافئًا إلى ساخن، ولذا تحدث تغيرات في أنماط الطقس التي تؤدي إلى ظواهر مثل الجفاف الشديد وحتى الأعاصير.
وبالنسبة لعلماء آخرين، مثل نيك دانستون من مكتب خدمة الأرصاد الجوية الوطنية في المملكة المتحدة، فليس هذا رقما مفاجئًا بذلك المعنى، ويقول في حديثه للجزيرة نت "يأتي شهر يناير هذا العام بعد أن كان عام 2024 أحر عام على الإطلاق، كما أن هناك تقلبات أكبر في شهر واحد مقارنةً بالعام بأكمله".
وأشار عالم المناخ برايان بريتشنايدر إلى أن أشهر يناير الثلاثة السابقة الأكثر دفئًا حدثت جميعها خلال أحداث النينيو، عندما أسهمت مياه المحيطات الدافئة في شرق المحيط الهادي في رفع درجة الحرارة العالمية بنحو 0.2 درجة مئوية.
إعلانولكن في يناير/كانون الثاني 2025، كانت درجات الحرارة أقل من المتوسط في شرق المحيط الهادي، وذلك بسبب ما صنَّفته الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي على أنه نتيجة لظاهرة النينيا الضعيفة التي حدثت في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وحلَّت محل ظاهرة النينيو، والتي تُخفّض درجات الحرارة العالمية قليلًا.
ومن النادر تحطيم الرقم القياسي الشهري لدرجات الحرارة خلال ظاهرة "النينيا"، التي تُمثل مرحلة التبريد من دورة "التذبذب الجنوبي"، وتحدث عادةً كل 3 إلى 5 سنوات تقريبًا، ولكنها قد تحدث أحيانًا على مدار سنوات متتالية، وترتبط بالانخفاض الدوري في درجات حرارة سطح المحيط في وسط وشرق وسط المحيط الهادي الاستوائي.
تقلبات مارس/آذارلم يكن يناير/كانون الأول الماضي الشهر الوحيد الذي حطَّم الأرقام لقياسية هذا العام، ففي مارس/آذار 2025، ظلت درجات الحرارة العالمية مرتفعة بشكل غير طبيعي، مسجلة ثاني أحر شهر مارس عالميًا، والأكثر حرارة في أوروبا على الإطلاق.
وبلغ متوسط درجة الحرارة العالمية 14.06 درجة مئوية، أي أعلى بمقدار 0.65 درجة مئوية عن متوسط مارس للفترة 1991-2020، وأقل بمقدار 0.08 درجة مئوية فقط عن أعلى درجة حرارة مسجلة لشهر مارس/آذار عام 2024.
ووفقًا لبيانات خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ، شهد مارس 2025 ثاني أعلى درجة حرارة لسطح البحر عالميًا خارج المناطق القطبية، حيث بلغت 20.93 درجة مئوية، أي أقل بقليل (0.12 درجة مئوية) من مارس/آذار 2024.
وكانت درجات الحرارة في مارس/آذار الماضي مرتفعة على الرغم من ضعف ظروف ظاهرة النينيا خلال الشهرين الأولين من العام، والتي عادةً ما تؤدي إلى انخفاض درجات الحرارة، وقد بدأت متأخرةً كثيرًا عن التوقعات السابقة، بعد أن كان شهر يناير/كانون الثاني الأكثر حرارة في التاريخ المسجل.
هذا يجعل مارس الشهر العشرين خلال الأشهر الـ21 الماضية الذي تجاوز فيه متوسط درجة الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية التي تم تحديدها في قمة المناخ "كوب 21" لعام 2015، عندما وقّع 196 طرفًا على اتفاقية باريس.
إعلانكما سجّل أبريل/نيسان الماضي ثاني أحر شهور أبريل عالميًا، حيث بلغ متوسط درجة حرارة الهواء السطحي 14.96 درجة مئوية، أي أعلى بمقدار 0.60 درجة مئوية من متوسط الفترة 1991-2020 لشهر أبريل، وأبرد بمقدار 0.07 درجة مئوية من أبريل/ نيسان 2024 القياسي، وأكثر دفئًا بمقدار 0.07 درجة مئوية من ثالث أعلى شهر في عام 2016.
كانت فترة الـ12 شهرًا، من مايو/أيار 2024 إلى أبريل/ نيسان 2025، أعلى بمقدار 0.70 درجة مئوية عن متوسط الفترة 1991-2020، وأعلى بمقدار 1.58 درجة مئوية عن مستوى ما قبل الصناعة.
بالإضافة إلى الحر شبه القياسي، سجَّل جليد بحر القطب الشمالي في مارس/آذار أدنى مستوى شهري له منذ بدء تسجيلات الأقمار الصناعية قبل 47 عامًا، متجاوزًا أدنى مستوى سابق سُجّل عام 2017 بمقدار 150 ألف كيلومتر مربع.
ويصل جليد بحر القطب الشمالي إلى أقصى مستوى له في مارس من كل عام، مما يجعل أقصى مستوى لهذا العام، هو الأدنى على الإطلاق في المنطقة.
وكشفت البيانات الأولية الصادرة عن المركز الوطني الأميركي لبيانات الثلوج والجليد أن غطاء الجليد البحري في القطب الشمالي شهد انخفاضًا قياسيًا جديدًا بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار، وهو ثاني أدنى مستوى شهري مسجل لامتداد الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية في ذلك الوقت من العام.
بدراسة العلاقة بين الأشهر الثلاثة الأولى من العام ودرجات الحرارة السنوية لكل عام منذ عام 1970، بالإضافة إلى ظروف ظاهرة النينيو، وتطورها المتوقع خلال الأشهر المتبقية، وضعت منصة "كاربون بريف" المتخصصة في علوم وسياسات تغير المناخ، توقعات لمتوسط درجة الحرارة العالمية النهائية المُرجح لعام 2025.
وتشير توقعات "كاربون بريف" إلى أن عام 2025 سيكون بالتأكيد أحد أكثر 3 أعوام حرارة، مع أفضل تقدير يُقارب درجات الحرارة العالمية في عام 2023. ومع ذلك، يفترض هذا النموذج أن عام 2025 سيتبع أنماط المناخ التي شوهدت في الماضي.
إعلانواستنادًا إلى بيانات درجات الحرارة للأشهر الثلاثة الأولى من العام، تشير توقعات مكتب خدمة الأرصاد الجوية الوطنية في المملكة المتحدة إلى أن عام 2025 من المرجح أن يكون أحد أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق، ليأتي بعد عامي 2023 و2024 مباشرة.
أحد الأسباب الرئيسة وراء ذلك هو احتمالية أن تكون ظاهرة النينيا قصيرة الأجل على الأرجح، مع عدم استبعاد احتمال حدوث ارتفاع غير عادي في درجات الحرارة أو عودة ظاهرة النينيو، التي تُسبّب ارتفاعًا في درجات الحرارة العالمية وأنماطًا جوية غير متوقعة كما حدث في عامي 2024 و2023، وهذا يعني موجات حرّ أطول، وجفافًا أكثر، وهطول أمطار غزيرة في بعض المناطق.
ويقول دانستون الذي قاد إنتاج توقعات خدمة الأرصاد الجوية الوطنية "يبدو أن الربع الأول من عام 2025 يُشير إلى أنه يسير على مسارٍ ليكون من بين الأعوام الثلاثة الأكثر دفئًا، على الرغم من أن الطريق لا يزال طويلًا، وكما هو الحال دائمًا، لا يُمكننا استبعاد ثوران بركاني كبير يُؤدي إلى تبريد الكوكب بشكلٍ مفاجئ".
ردًا على هذه التوقعات، تقول جوليان ستروف، كبيرة العلماء في المركز الوطني الأميركي لبيانات الثلوج والجليد "من المستحيل التنبؤ بما إذا كنا سنحطم رقمًا قياسيًا آخر هذا العام. تحدث أشياء كثيرة في النظام المناخي، ويمكن للتقلبات الداخلية إما أن تزيد من الاحترار أو تبطئه".
وتضيف في تصريحات للجزيرة نت "لست متأكدة من كيفية توقّع أن يكون هذا العام مشابهًا للعامين الماضيين، لا سيما وأنّ ظاهرة النينيو في مرحلة محايدة، ولكن من المرجح أنّه أن يستمرّ هذا الاتجاه".
وتجدر الإشارة إلى أن الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 قد لا تُمثل العام بأكمله، إذ إن ارتفاع معدلات الاحترار التاريخية يعني أن درجات الحرارة، مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، تميل إلى الارتفاع في أشهر الشتاء (ديسمبر ويناير وفبراير) في نصف الكرة الشمالي.
إعلانوتُشير تقديرات حديثة أخرى – مثل تلك التي نشرتها منظمة "بيركلي إيرث" – إلى أن احتمالية أن يسجل عام 2025 رقمًا قياسيًا جديدًا في درجات الحرارة تبلغ 34%، وهذا أقل بقليل من نسبة 38% المتوقعة في نهاية مارس/آذار الماضي، وأن يكون ثاني أكثر الأعوام حرارةً على الإطلاق بنسبة 46%.
ومن المرجح أن يشهد ما تبقى من عام 2025 انخفاضًا طفيفًا عن درجات الحرارة المسجلة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار. وإذا حدث ذلك، فمن المرجح أن يكون عام 2025 أقل دفئًا من الرقم القياسي المسجل في عام 2024.
وفي حديثه لـ"الجزيرة نت"، يتوقع ماسترز، العالم الذي عمل سابقًا مع فريق رصد الأعاصير في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، أن يشهد عام 2025 موجات حرارة عالية، لكنه قد لا يتخطى الرقم القياسي لعام 2024، ويعود ذلك إلى أن هذا العام بدأ بظاهرة النينيو القوية، التي رفعت درجات الحرارة العالمية بشكل طفيف، ولكن من غير المتوقع أن يشهد ما تبقى من العام ظروف النينيو.
ويستدل ماسترز على ذلك بقوله "شهد العام الماضي أكبر معدل زيادة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما سيُبقي درجات الحرارة العالمية قريبة من مستوياتها القياسية، على الرغم من أن التقلبات الطبيعية ستُفضي إلى درجات حرارة أكثر انخفاضًا".
اختبار حاسم لتغير المناخبخلاف تلك التوقعات، ظهرت نظرية جديدة مثيرة للقلق في طليعة علوم المناخ لتفسير الارتفاعات المفاجئة في درجات الحرارة، وتتوقع أن يُصنّف عام 2025 من بين أشد الأعوام حرارة على الإطلاق رغم ظاهرة النينيا.
في ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا، جادل العالمان بوشكر خاريشا وجيمس هانسن من معهد الأرض بجامعة كولومبيا، بأنه من المتوقع أن يكون ارتفاع درجة الحرارة العالمية هذا العام مماثلا لارتفاع العام الماضي (العام القياسي) ما لم يحدث ثوران بركاني كبير يُبرّد الكوكب.
إعلانيقول خاريشا، في حديثه للجزيرة نت "من السابق لأوانه التنبؤ بما إذا كان سيُسجل رقمًا قياسيًا جديدًا، ولكن كما أوضحتُ أنا وهانسن في منشور غير رسمي حديث، نتوقع أن يظل قريبًا جدًا من (أو ربما يتجاوز) الرقم القياسي المسجل في العام الماضي".
بالإضافة إلى استمرار انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن أنشطة الإنسان، يجادل خاريشا بأن هناك سببين رئيسين: أولًا، حساسية مناخ الأرض لزيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون الناجم عن الأنشطة البشرية في الغلاف الجوي، وثانيًا، الانخفاض الكبير في انبعاثات الهباء الجوي (الجسيمات الدقيقة في الغلاف الجوي) الناتجة عن صناعة الشحن العالمية، وهي مهمة للغاية ليس فقط لأنها تعكس ضوء الشمس، ولكن أيضًا لأنها تزيد من اتساع الغيوم وسطوعها".
ويضيف "في أوراقنا البحثية الأخيرة، نقيِّم أن كلا العاملين (تأثير الهباء الجوي على الغيوم وحساسية المناخ) قد تم التقليل من شأنهما منذ فترة طويلة من قبل مجتمع علوم المناخ السائد، لذلك بالنسبة لنا، لم تكن درجات الحرارة المرتفعة الشهرية الأخيرة مفاجئة للغاية لأنها تتفق مع تحليلاتنا الأخيرة".
ويجادل خاريشا بأن عام 2025 سيكون بمثابة "اختبار حاسم" لنظرياتهما حول تسارع الاحتباس الحراري، فإذا ظلت درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية أو أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية -على الرغم من تلاشي ظاهرة النينيو- فسيؤكد ذلك حدوث تحول جوهري في ديناميكيات المناخ.
من ناحية أخرى، إذا انخفضت درجات الحرارة بشكل ملحوظ في عام 2025، فهذا يشير إلى أن دورات الاحترار السابقة الناجمة عن ظاهرة النينيو لا تزال مهيمنة، وأن بعض الارتفاع الأخير في درجات الحرارة ربما كان مؤقتًا.
على أي حال، هذا العام أكثر من مجرد عام حار آخر، إنه تجربة حاسمة لعلم المناخ. إذا كانت توقعات خاريشا صحيحة، فقد ندخل مرحلة جديدة خطيرة من تغير المناخ، حيث يستمر الاحتباس الحراري حتى بدون تأثير النينيو.
إعلان