مع تواصل انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة بفعل ضراوة العدوان الإسرائيلي، يكافح الجرحى ظروفا بالغة التعقيد للنجاة من الموت الذي يحدق بهم، بفعل غياب الرعاية اللازمة، والنقص الحاد في الأدوية والكوادر الطبية المتخصصة.

عمدت قوات الاحتلال إلى تدمير المرافق الصحية بالتزامن مع بدء العدوان البري الذي شنته على القطاع في السابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في محاولة لدفع الفلسطينيين نحو النزوح، وقتل الحياة في قطاع غزة، ومن أجل ذلك استهدف العديد من المستشفيات في شمال قطاع غزة، بينها مجمع الشفاء الطبي، الأكبر في القطاع، ومستشفى بيت حانون، والإندونيسي، العودة، وكمال عدوان، والمعمداني، والقدس، وغيرها من المراكز الصحية.



عزير سالم شاب فلسطيني من جباليا شمال قطاع غزة أصيب بجراح في الخامس عشر من الشهر الجاري، إثر قصف للاحتلال طال منطقة سوق مخيم جباليا، ما استدعى نقله إلى أقرب مركز رعاية أولية في جباليا، والذي قرر إحالته على الفور إلى مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، لحاجته الماسة إلى إجراء ثلاث عمليات عاجلة لإنقاذ حياته.


يعاني "عزيز" من جرح قطعي في أعلى محجر العين، ومن تمزق في أمعائه، ومن كسر وتمزق نسيجي في قدمه اليسرى، بفعل شظايا الصاروخ التي أصابته، ما جعله بحاجة ماسة وعاجلة لتدخل جراحي ينقذ حياته.

رحلة البحث عن وسيلة نقل
يقول والد الشاب عزيز لـ"عربي21"، إن أول تحد واجهه في رحلة البحث عن علاج لابنه، طريقة نقله من مخيم جباليا نحو مستشفى الشفاء، والذي يبعد مسافة لا تقل عن 7 كيلومترات، إذ لا يوجد سيارات إسعاف بفعل نقص الوقود ومنع الاحتلال إدخاله، الأمر الذي اضطره إلى الاستعانة بعربة يجرها حمار، أملا في إنقاذ ابنه الذي ينزف ويهدد الموت حياته.

وصل "عزيز" أخيرا إلى مستشفى الشفاء أملا في تلقى العلاج، لكن بعد المعاينة الأولى لطبيب الاستقبال، تبين أنه بحاجة إلى إجراء ثلاث عمليات عاجلة لإنقاذ حياته، الأولى في عينه التي تنزف، والثانية في بطنه لانتشال الشظايا، والأخيرة في قدمه بهدف تثبيت العظام، لكن غياب  التجهيزات والكوادر الطبية اللازمة، على إثر تدمير الاحتلال البنى التحتية للمستشفى قبل نحو شهرين، وتهجير الطواقم الطبية منه نحو الجنوب، حال دون إجراء أي من العمليات الثلاث.


البحث عن طبيب متخصص
بدأ والد عزيز رحلة البحث عن طبيب متخصص ومستشفى أو مركز طبي آخر لإجراء العمليات الملحة لابنه، وبعد بحث وانتظار طويل انتقل عزيز ووالده إلى مركز "رعاية المريض" الطبي القريب من الشفاء، وهناك أجريت لابنه عملية جراحية لانتشال الشظايا من بطنه على يد أحد الأطباء في المركز، رغم صعوبة الظروف الفنية والنقص الحاد في أبسط المستلزمات المهمة لإجراء العمليات. 

يقول والد عزيز إن الطبيب اضطر إلى إحداث جرح قطعي في البطن بطول نحو 30 سم، بسبب تعطل جهاز المنظار الذي كان سيسهل مهمة إجراء العملية ويقلص وقتها ويرفع مستوى جودتها بشكل كبير.

يضيف: "في هذه المرحلة توقف جرح عزيز عن النزف، بعد السيطرة على الجروح في بطنه، لكن بقى تحدي العثور على طبيبي عظام وعيون لاستكمال عمليات إنقاذ الحياة".

يؤكد والد عزيز أنه واصل البحث عن أطباء متخصصين آخرين لإجراء العمليتين المتبقيتين، في هذه الأثناء تكفل أحد الأطباء لإجراء تدخل جراحي عاجل ومبدئي في عين "عزيز" إلى حين العثور على طبيب متخصص في وقت لاحق، لكن إيجاد طبيب متخصص في العظام ظل ملحا.


المستشفى الثالث
لم يستسلم والد عزيز للظروف الصعبة التي يعيشها القطاع الصحي، بل ظل يبحث عن بصيص أمل لاستكمال ابنه العلاج، وهنا وجد ضالته أخيرا في مستشفى ثالث قريب، "مستشفى الحلو"، وهو مركز طبي خاص استأجرته وزارة الصحة بعد تدمير العديد من مرافقها الصحية، وهناك جرى نقل "عزيز" لاستمكال علاجه حيث أجرى له طبيب عملية جراحية ثالثة لتثبيت عظام القدم، وبعدها بأيام قليلة اضطر إلى  مغادرة المستشفى الصغير، ليفسح المجال أمام مئات الجرحى الآخرين الذين ينتظرون العلاج.

يتعافى "عزيز" الآن من جروح بطنه وقدمه في أحد مراكز الإيواء في جباليا في مكان قريب من موقع القصف الذي أصابه، على أمل الحصول على فرصة قريبة لإجراء عملية في عينه التي تحتاج إلى انتشال شظية صغيرة استقرت فيها.

ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، يشن الجيش "حملة ممنهجة وشرسة" ضد مستشفيات القطاع خاصة في المناطق الشمالية، ما أدى إلى انهيارها بالكامل، قبل أن يعاد تشغيلها بشكل جزئي.

هذه الحملة تدرجت بين الاستهداف الجوي والمدفعي والمحاصرة والاقتحام والاعتقال والقصف، الأمر الذي هدد حياة آلاف المرضى والجرحى في مناطق عمل هذه المستشفيات، فضلا عن استشهاد العشرت من الأطباء والكوادر الطبية، وتهجير مئات آخرين نحو جنوب القطاع.

وقال متحدث منظمة الصحة العالمية، كريستيان ليندماير، الجمعة، إن الوضع في قطاع غزة "كارثي"، وإن النظام الصحي يشهد انهيارا بفعل استمرار الحرب.

وأضاف أن 7 مستشفيات في شمال وجنوب القطاع تواصل العمل "بشكل جزئي"، وهذا يعني أن 14 مستشفى فقط تعمل بالقطاع.

وأشار إلى أن عدد المستشفيات في غزة يبلغ 36 مستشفى، وأن 22 منها لا تستطيع تقديم الخدمات.
وأوضح أن مستشفيات غزة امتلأت بنسبة تزيد على الـ300 بالمئة من طاقتها، والناس ملقون على الأرض يتألمون وينزفون، والعمليات الجراحية تجرى في الممرات.

وأدى العدوان الإسرائيلي على غزة إلى استشهاد 26 ألفا و83 فلسطينيا، وإصابة 64 ألفا و487 بجروح مختلفة، معظمهم أطفال ونساء، فضلا عن دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية غزة الفلسطينيين فلسطين غزة جريح المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مستشفیات فی قطاع غزة البحث عن

إقرأ أيضاً:

الأبيض: آلية دفع مستحقات القطاع الصحي ستبدأ الأسبوع المقبل

 عقد وزير الصحة العامة الدكتور فراس ابيض ونقيب اطباء لبنان في بيروت البروفسور يوسف بخاش مؤتمرا صحافيا مشتركا في "بيت الطبيب" - فرن الشباك.
وأكد الأبيض في كلمته أنه "كطبيب يشعر بالفخر والإعتزاز للدور الذي يؤديه أطباء لبنان وكل العاملين الصحيين". 
وأضاف: "إن هذا القطاع تمكن عبر خطة الطوارئ إستقبال الأعداد الكبيرة من الجرحى في الأيام الأخيرة بفضل التعاون الذي حصل لدى وضع الخطة حيث إن كل القطاعات والنقابات الموجودة لعبت دورًا في ذلك وتمت إقامة التدريبات اللازمة والخطط سواء على صعيد المستشفيات أم أي مؤسسات صحية أخرى كي تعطي الخطة النتيجة التي رآها الجميع".
 وتناول موضوع العناية بالجرحى، مشيرا إلى أنها "لا تقتصر فقط على عناية متخصصة، بل قد تحتاج أيضا إلى عمليات متعددة وجهود تأهيلية وتدخل من أفرقاء متعددين في القطاع الصحي وحاجة لمستلزمات معينة ودعم نفسي وعقلي وتأهيل وبصريات". 
 وأكد أن "الإمكانات كلها موجودة في لبنان وستنسق الوزارة بشكل كامل في شأن العناية المتخصصة مع كل النقابات، وستغطي التكاليف وسيتم التنسيق بين المستشفيات ونقابة الأطباء لتغطية أي نقص في الخبرات الطبية في هذا الموضوع".
 وبالنسبة إلى التضامن الذي يبديه الأشقاء في دول الجوار وعدد من اللبنانيين المغتربين لناحية إرسال وفود طبية إلى لبنان، أوضح وزير الصحة أن "الشعب اللبناني يقدر كل عون ودعم يأتي من الخارج، والعمل في هذا المجال يجب أن يتم بطريقة منظمة وتحت مظلة وزارة الصحة العامة والنقابات المختصة".
 وقال: "إن أي عامل صحي سيأتي وأي طبيب سيأتي إلى لبنان يحتاج إلى التنسيق في شأنه مع النقابات المختصة، ولا سيما نقابتي الأطباء في بيروت والشمال، لأن هذا التعاون سيضمن تقديم خدمات بجودة جيدة ومتابعة مستمرة للمرضى".
 وذكر الوزير الدكتور الأبيض بأن 98 في المئة من المرضى عولجوا على أيدي أطبائنا واختصاصيينا، بحيث إن القطاع الصحي في لبنان فاق كل التوقعات".
 ولفت في موضوع المستحقات المالية إلى أن "المستشفيات والقطاع الطبي لم يحصلوا على مستحقاتهم وأتعابهم حتى الآن نتيجة الجهود التي بذلوها خلال كارثة انفجار المرفأ قبل أربع سنوات، ولم يتردد أي منهم اليوم من أن يلبي نداء الواجب والمسؤولية خلال الإعتداءات الإسرائيلية الأخيرة". 
 وأكد الأبيض أنه على "الدولة أن تقوم بواجبها تجاههم بحيث لا يتكرر هذا الأمر"، مضيفا أن "تطبيق آلية دفع المستحقات سيبدأ الأسبوع المقبل وستصدر القرارات اللازمة لتغطية جزء من التكاليف، إذ لا يمكن إيفاء كل الحقوق نظرًا للتضحيات الكبيرة التي تم تقديمها". (الوكالة الوطنية)

مقالات مشابهة

  • مصرع طفلة واختفاء والدتها وشقيقها بعد انهيار منزل في نابولي
  • بسبب الصواريخ.. مستشفيات شمال إسرائيل تنقل المرضى إلى مخابئ تحت الأرض
  • طوارئ في مستشفيات أسوان المصرية.. وأهالي في حالة خوف بسبب النزلات المعوية
  • الصحة : استشهاد 990 من الكادر الصحي منذ 7 أكتوبر
  • في اليوم العالمي للزهايمر.. قصة علاج يمنح أملا جديدا في التغلب على المرض
  • الأبيض: آلية دفع مستحقات القطاع الصحي ستبدأ الأسبوع المقبل
  • الدفاع المدني يعلن البحث عن مفقودين في موقع انهيار المبنيين بالجاموس
  • شبكة أطباء السودان: 3492 جريح و704 قتيل في مستشفيات المناقل
  • وزير الصحة خلال جولته التفقدية للمصابين في مستشفيات بعلبك: الاعتداء جريمة حرب
  • مستشفى «حروق أهل مصر» يعزز وعي العاملين بالقطاع الصحي ضمن احتفالية اليوم العالمي لسلامة المرضى