إن هذه المقالات المتواضعة التي هي تحت عنوان كبير أعلاه تعالج معلومات أساسية من تاريخ استعمال آلة العود في الموسيقى العُمانية، ولكنها معلومات لا تزال بحاجة إلى توسُّع بقدر اتّساع الفترة الزمنية المبدئية التي أتحدث عنها هنا التي تمتد من وقتنا هذا إلى القرن السادس الميلادي. إن جبر الفراغات الزمنية الواسعة في تسلسل المعلومات عبر هذه القرون الطويلة تأخذ وقتا طويلا من البحث في المصادر المختلفة، وهذا عمل شاق في ظل غياب التأريخ للفنون والموسيقى في بلادنا عبر القرون، ولكن المهم للإشارة إليه في هذا الاستعراض التاريخي المتواضع هو تنوُّع أسماء الآلات العودية المستعملة في سلطنة عُمان وصلة ذلك بباقي أجزاء الجزيرة العربية وخاصة بلاد حضرموت.

وقد جاء ذكر أنواع هذه الآلات في نصوص الشعر العربي قبل الإسلام، وإن تطور صناعتها، ومهارات العزف عليها تختلف من زمن لآخر. ومن الملاحظ في هذا السياق اختفاء -تقريبا- العازفات الإناث وتزايد عدد العازفين الذكور في الجزيرة العربية بالمقارنة بما كان عليه في صدر الإسلام وقبله.

وبناء على ذلك سوف أكشف في هذه المقالات عما أعتقد أنه أقدم «تخت» موسيقي غنائي في عُمان والجزيرة العربية، وأدعو المعنيين بالأمر إلى إعادة تأسيس هذه الفرق الثلاثة التراثية في صلالة ومرباط وقريات وحمايتها ورعايتها قبل أن تنقرض.

وقبل أن أستعرض أهمية دور آلة العود ومكانتها وتطور استعمالاتها الفنية ومهارات العازفين عليها من آلة مصاحبة للمطرب إلى آلة عزف منفرد تبرز مهارات العازفين العُمانيين وثقافتهم الموسيقية وظهور صناعتها وصيانتها بسبب الاهتمام والرعاية الرسمية بعد تأسيس الجمعية العُمانية لهواة العود عام 2008 أتابع البحث عن أبرز أسماء المطربين الرواد العُمانيين وأنماط الغناء العودي المشترك بين عُمان وحضرموت خاصة واليمن عامة والخليج اعتمادًا على المصادر المكتوبة والمرويات الشفهية والنصوص الشعرية من وقتنا هذا إلى القرن السابع عشر.

وفي الواقع، هذه المقالات جاءت تفصيلًا للمحاضرة التي تشرفت بإلقائها في منتصف هذا الشهر يناير بدعوة كريمة من وزارة الثقافة والرياضة والشباب بمناسبة ورشة آلة العود التي نظمتها الوزارة ضمن الأعمال الجارية لتسجيل آلة العود كملف مشترك مع الدول العربية في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية.

وآلة العود آلة خفيفة في وزنها، ثقيلة في تاريخها ومكانتها ودورها الفني وجميع الآلات العودية تصنع من أنواع متعددة من الأخشاب ولها نفس طريقة العزف وتستخرج درجات النغمية بواسطة قسمة الوتر والنقر بالريش أو بالأصابع. وقد عرفنا نوعين من هذه العوديات في عُمان أقدمها عود المِزهَر/ القنبوس الشائع في الجزيرة العربية قبل وبعد الإسلام. وقد كتبت ونشرت عددا من البحوث والمقالات عن هذه الآلة الموسيقية وأهميتها ودورها في موسيقى الجزيرة العربية (راجع مثلا: دراسة بعنوان: «آلة العود في الجزيرة العربية.. دراسة تاريخية» قدمت الدراسة في الندوة العلمية عن آلة العود بمناسبة افتتاح جمعية هواة العود عام 2008م، وتم نشر البحث بصورته الأولية في مجلة البحرين الثقافية العدد السابع والخمسون 2009م. ودراسة بعنوان: «جذور غناء العوادين العُمانيين وتطوره». قدمت الدراسة في ندوة «الفنون المغناة في عُمان والجزيرة العربية» التي نظمها مركز الدراسات العُمانية بجامعة السلطان قابوس عام 2010م ونُشرت الدراسة في أدبيات الندوة المذكورة. ثم مع بعض الإضافات نُشرت الدراسة في مجلة نزوى العدد 70 أبريل 2012م، إضافة إلى مقال بعنوان: «الألحان عَمارة الموسيقى والغناء» نشر في المجلة العربية (عدد 542 نوفمبر 2021م) التي تصدر من الرياض بالمملكة العربية السعودية)، حيث لا تزال هذه الآلة تصنع وتستعمل ولو بشكل محدود جدا في موطنها الأصلي اليمن وهي معرضة للانقراض، ومن أهم الشخصيات العلمية التي اهتمت وأتقنت العزف على هذه الآلة الباحث الفرنسي الدكتور جون لامبير.

وقد جاءت التسمية القديمة المِزهَر في اعتقادي من شكل المزهرية التي ترسم على وجه رقمته الجلدية، أما تسمية القنبوس فهي حديثة مقارنة بالأولى ومعناها غير واضح وكذلك مصدره، وهناك اقتراحات عدة لتفسير ذلك في عدد من المصادر التي تطرقت لهذه الآلة، على سبيل المثال، كتاب الدكتور محمود قطاط «آلة العود بين دقة العلم وأسرار الفن» إصدار مركز عُمان للموسيقى التقليدية 2006 وغيرها.

واليمنيون في صنعاء يسمون هذه الآلة الطُربي، وهم الصناع والممارسون لها، وهي الآلة الوترية الأساسية في الغناء الصنعاني ولها أربعة أوتار، ثلاثة منها مزدوجة وتنقر بالريشة التي تصنع من مواد مختلفة. ويصنع الطُربي/ القمبوس من قطعة خشبية واحدة يحفر الصندوق الصوتي في عمق الخشبة ثم تغطى بقطعة من الجلد الرقيق لتعظيم الصوت. واستعمل هذه الآلة المطربون العرب وحملوها معهم إلى شرق إفريقيا وآسيا الشرقية، وتوجد في عدد من المتاحف، منها المتحف الوطني في مسقط.

وفي الواقع ليس لدى الباحث أي معلومات عن وجود صناعة لهذه الآلة في أي من بلدان الجزيرة العربية غير اليمن. ومن الملاحظ أن تسمية «قمبوس» تستعمل فقط في حضرموت وعُمان والخليج وشرق آسيا ولدى الإيرانيين والأتراك آلة وترية تسمى «قوبوز»، وهناك تشابه بين المزهر العربي والقوبوز الفارسي. وقد انتشرت هذه التسمية على الأرجح عند الجالية العربية الحضرمية بالهند منذ القرن السادس عشر على الأقل حيث عاش هناك عدد من أشهر عازفي هذه الآلة العرب كما سنرى لاحقا. وفي جميع الأحوال من الواضح أنهما آلتان قديمتان جدا في التراث الثقافي العربي والفارسي والتركي... وللمقال بقية.

مسلم الكثيري موسيقي وباحث

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجزیرة العربیة الدراسة فی الع مانیة هذه الآلة آلة العود

إقرأ أيضاً:

الكرة العُمانية عند مفترق الطرق

 

 

د. أحمد بن علي العمري

كلنا كعُمانيين مع الكرة العُمانية... لقد أصبحت الكرة على مستوى العالم هي المعرف الحقيقي والواقعي للدول في رُقيِّها ونجاحها وتقدُّمها وتميُّزها، وبالتأكيد تفوُّقها.

إنَّ الكرة لدى كل شعوب العالم أضحت هي المُحرِّك والمُفَعِّل والباعث في ميل الجماهير وجموحها وتطلُّعاتها ورغبتها، بل ومصدر فخرها واعتزازها بأوطانها. وهذا يعني أن الكرة أصبحت هي الوطن، وليس لدى العُمانيين أغلى وأفضل وأهم من سلطنتهم الحبيبة، فهي لبُّ قلوبهم وقُرَّة أعينهم وأغلى ما عندهم.

وحيث إننا في الوقت الحاضر عند مفترق طرق، فنحن أمام حلم المشاركة في كأس العالم من خلال مباراتنا القادمة مع المملكة الأردنية الهاشمية وكذلك دولة فلسطين، بقيادة المدرب الوطني القدير الكابتن رشيد جابر، والذي كنَّا نتأمل لو تم التعاقد معه مُبكِّرًا؛ حيث إن المثل العُماني يقول: "لا يعرف رطنتها إلا ولد بطنها"، خاصة في المواقف الحاسمة. وإن كنَّا نتأمل أن نشارك في كأس العالم بفريق أكثر جاهزية، وإن شاء الله يحصل ذلك، وبإذن الله نكون جاهزين.

وأتمنى من الكابتن رشيد جابر ومعاونيه متابعة مباراة الفريق الأردني مع الشقيق السعودي يوم 30 مايو الجاري، ويا ليت يكون ذلك حضوريًا حتى يتمكَّنوا من متابعة أدق التفاصيل وأصغرها، كما يردد الكابتن رشيد أن المباريات تُحسم في جُزئيَّات صغيرة أثناء المباراة؛ حيث إننا نتمسَّك بخيط دقيق من الأمل، ونتمنى أن يتحوَّل إلى حبل متين وسميك بإذن الله.

وفي ذات الوقت يجري التشكيل والإعداد، وطبعًا عبر انتخابات حرة لتكوين مجلس إدارة جديد للاتحاد العُماني لكرة القدم. وهذا هو مفترق طرق آخر فعليٌّ أيضًا.

كما تم تشكيل اللجنة الأولمبية العُمانية الجديدة برئاسة صاحب السمو السيد عزان بن قيس بن طارق آل سعيد، الذي نتمنى له ولزملائه في مجلس الإدارة كل التوفيق والنجاح... وهذا هو مفترق الطريق الثالث.

فماذا نحن فاعلون؟

يتبين لنا هنا أن الكرة العُمانية تمر حاليًا بمرحلة مهمة جدًا؛ حيث تواجه تحديات وتطلُّعات جديدة على مختلف الأصعدة المحلية والخليجية والآسيوية وحتى العالمية.

فلو نظرنا إلى الدوري المحلي المسمَّى دوري عُمانتل، فسنجد أنه يعاني من ضعف المنافسة وقلة العائد المادي مقارنة بالدوريات الخليجية المجاورة؛ حيث إن معظم الأندية، إن لم يكن أغلبها، تعتمد على لاعبين محليين ذوي جودة محدودة دون تطعيمهم بخبرات خارجية على مستوى عالٍ، رغم ظهور العديد من المواهب الشابة المميزة.

نعم، هناك تطور ملحوظ في الملاعب والمرافق، لكنه يحتاج إلى المزيد لمواكبة المعايير الآسيوية والدولية.

آخر إنجاز لنا هو التأهل لكأس آسيا 2023 (أول مشاركة منذ عام 2015)، لكن الخروج من دور المجموعات كشف لنا الفجوة في المستوى مع المنتخبات الكبرى. كما إن التغيير المستمر في المدربين وعدم اختيار المدرب المناسب أثر على مستوى المنتخب وأدى إلى عدم الاستقرار، مثلما حدث مع إيفانكوفيتش ثم جارديتش.

إن الاعتماد على خليط من اللاعبين المخضرمين والشباب الجدد يحتاج إلى خطة طويلة المدى وصبر.

وبناءً على ذلك، فإن صعوبة مواكبة منتخبات الخليج المجاورة تبدو واضحة بسبب الفارق الكبير في الدعم والاحتراف، ونشير هنا إلى قلة اللاعبين المحترفين في الدوريات المتميزة.

كما تجب الإشارة إلى أهمية إنشاء أكاديميات كروية متخصصة تعتمد على منهجيات حديثة.

وإذا خططنا الآن تخطيطًا سليمًا، فأمامنا كأس آسيا 2027، التي ستقام في السعودية، مما قد يشكِّل حافزًا لمنتخبنا لتحسين أدائه.

كذلك، علينا من الآن فصاعدًا التركيز على الفئات السنيَّة؛ حيث إنها قد تحدث نقلة نوعية في دعم المنتخب وتطعيمه.

ولذا؛ حيث إننا في مفترق طرق، ونظرًا لكل ما تقدم، فإني أقترح الآتي:

أن يتوجه رئيس اللجنة الأولمبية العُمانية ورئيس الاتحاد العُماني الجديد لكرة القدم إلى صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد الموقر، وزير الثقافة والرياضة والشباب (سيد شباب عُمان)، وهو أحرص الحريصين على الرياضة العُمانية بشكل عام، وعلى كرة القدم بشكل خاص، ويدعوان لاجتماع معه بحضور معالي رئيس جهاز الاستثمار العُماني، وذلك لتحقيق الآتي:

1. أن تتولى كل شركة من شركات جهاز الاستثمار العُماني أحد الأندية في دوري الدرجة الممتازة، وتتولى دعمه وصرف ميزانيته.

2. تخصيص الشركات نسبة من ميزانيتها للخدمة الاجتماعية، والتي تتراوح بين 5% و10%، ليتم توجيهها لدعم الأندية.

3. تحويل ميزانيات الدعاية والإعلان في الشركات لدعم الأندية العُمانية.

4. استثمار الأراضي والمنشآت المخصصة للأندية من قِبَل الشركات، بما يحقق الاستفادة المستدامة.

5. تعيين كل شركة رئيس تنفيذي للنادي يعمل بالتنسيق مع الإدارة الرياضية.

6. توفير فرص وظيفية لمنتسبي الرياضة، ما يساهم في تقليل البطالة ودعم المجتمع.

وبهذه الطريقة يمكن النهوض بالأندية، وربما تحويلها مستقبلًا إلى مؤسسات ربحية بدلًا من كونها مستهلكة، بدلًا من أن يبقى رئيس النادي هو النادي، كما ورد في مقال سابق.

هذا إن أردنا المنافسة الحقيقية، وليس المشاركات المخجلة التي تحرق الأعصاب دون أي تقدم يُذكر.

وهذا مجرد مقترح، وربما يكون هناك أفضل منه، بشرط أن يكون قابلًا للتطبيق.

وإن لم يكن كذلك، فعلى الدنيا السلام...

وعلينا التوقف عن المشاركات الخارجية، والاكتفاء بالدوري المحلي، الذي لا أريد أن أوصفه.

ولا يجب أن يغيب عن بالنا أن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- هو أول رئيس للاتحاد العُماني لكرة القدم، وهذا بحد ذاته أكبر فخر وأعظم اعتزاز، وأسمى باعث للعطاء والعمل والتضحية والإنجاز.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • كلام كذب وهكشف التفاصيل.. وليد سامي يرد على تصريحات طليقته إلهام عبدالبديع
  • طالبان تتلف 100 آلة موسيقية بينها طبول ودفوف وجيتارات ومكبرات صوت
  • إيكول دوكاس أبوظبي يُنظّم يوماً مفتوحاً لاستعراض برامجه العالمية في فنون الطهي والحلويات الفرنسية
  • الكرة العُمانية عند مفترق الطرق
  • ما حكم كلام القائمين على المسجد أثناء خطبة الجمعة لتنظيم الناس؟.. الإفتاء تجيب
  • بعد اجتماع مدريد.. بيان مشترك لوزراء المجموعة العربية الإسلامية بشأن غزة
  • شوبير يوجه رسالة للمسئولين بشأن مشاركة منتخب مصر في البطولة العربية
  • ‏⁧‫كلام مهم إلى الشباب العراقي‬⁩ !
  • "اللجنة الوزارية العربية الإسلامية" تعقد اجتماعًا موسعًا بشأن غزة
  • بيان مشترك لأعضاء اللجنة الوزارية المكلّفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية بشأن التطورات في قطاع غزة