أكاديمي فرنسي: حملة صليبية يشنها المسيحيون الصهاينة الأميركيون على الشر الفلسطيني
تاريخ النشر: 29th, January 2024 GMT
قال الأستاذ الجامعي جان بيير فيليو في عموده بصحيفة لوموند إن اليمين الإنجيلي يقدم دعمه الثابت للولايات المتحدة لتدمير غزة، باسم الحرب على ما يسميه قوى "الشر" في القطاع الفلسطيني.
وأوضح الكاتب في عموده أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألقى بنفسه بتهور في الفخ الذي نصبته له حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهو يأمل أن تسمح له الكارثة الحالية إذا استمرت، ولو على حساب إسرائيل، بتجنب المساءلة أمام النظام القضائي في بلاده.
أما الرئيس الأميركي جو بايدن، فقد اندفع بنفس العمى -كما يرى بيير فيليو- إلى فخ مماثل بمنحه دعما غير مشروط للحملة الإسرائيلية. وبعيدا عن العمل من أجل مصالحه الخاصة، لعب في أيدي ألد أعدائه، وهم هؤلاء الصهاينة المسيحيون المتشددون الذين سيطروا على الحزب الجمهوري ويستعدون بحماس لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهم يعتقدون أن حربا شاملة لا بد أن تُشن على "الشر المطلق" الذي يمثله "الإرهاب الفلسطيني".
واستعرض الكاتب تاريخ مايك جونسون، أحد أكثر الشخصيات تطرفا في الصهيونية المسيحية في الكونغرس، وقال إنه إنجيلي متحمس ومقتنع بأن "عودة" الشعب اليهودي إلى "أرضه" إسرائيل تساهم في تحقيق النبوءات، حتى لو كان ذلك يعني أن ثلثي اليهود يُذبحون خلال هذه "المحن"، أما الثلث الباقي فينجو باهتدائه إلى المسيح.
وعندما انتخب جونسون رئيسا لمجلس النواب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كانت أول بادرة له هي تمرير قرار الدعم غير المشروط لإسرائيل "التي تدافع عن نفسها ضد الحرب الهمجية التي تشنها حماس"، ورفض التصويت لصالح حزمة المساعدات لأوكرانيا التي أعدها البيت الأبيض.
وخصص جونسون حوالي 15 مليار دولار كمساعدة فورية للهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة، واتهم صحيفة نيويورك تايمز بتقديم "منصة" لحماس، واقترح "إقالة" أي موظف في الإدارة الفدرالية يُظهر تضامنا مع غزة.
وأشار الكاتب أيضا إلى فرانكلين غراهام، الواعظ الذي ورث عن والده بيلي غراهام، إمبراطورية "تبشيرية تلفزيونية" حقيقية، وقد استقبله نتنياهو، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وطلب من جميع أتباعه أن يصلوا من أجله، لأنه يقود "إسرائيل، شعب الله" في "حرب الخير هذه ضد الشر".
ومن جانبها زعمت ميشيل باشمان، الملهمة السابقة لحزب الشاي في الكونغرس، والآن هي عميدة جامعة ريجنت، معقل الإنجيليين في فرجينيا، أن سكان غزة "يتكونون بشكل أساسي من مرتزقة صناعتهم الإرهاب"، وتقول: "حان الوقت لإنهاء غزة. إن مليوني شخص الذين يعيشون هناك ليسوا سوى قتلة ماكرين، تجب إزالتهم من هذه الأرض. ويجب تحويل هذه الأرض إلى حديقة وطنية".
أما مايك بنس الإنجيلي جدا، نائب الرئيس ترامب السابق، فلم يتردد خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، في التوقيع باسمه على قذيفة معدة لإطلاقها على أهداف عربية في لبنان.
ونبه الكاتب إلى أن الصهاينة المسيحيين الذين عارضوا بشدة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة عام 2005، ما زالوا أيضا معادين لأدنى "تقسيم لأرض إسرائيل" لكي تتحقق النبوءات، وهو عمل إيماني بالنسبة لهم، ويجب أن تظل هذه الأرض بكاملها تحت سلطة إسرائيل، وفق ما يعتقدون.
وخلص الخبير بيير فيليو إلى أن الصهاينة المسيحيين، بعد أن ربطوا خلاصهم الفردي والجماعي بسحق القومية الفلسطينية، سيبذلون قصارى جهدهم لتخريب أي حل دبلوماسي للصراع في الشرق الأوسط، معتمدين على الخلافات التي أثارتها حرب غزة داخل الحزب الديمقراطي نفسه، وهو ما يزيد من إضعاف الرئيس الأميركي في مواجهة "عودة ترامب العظيمة".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
فيلم رينر .. الذكاء الاصطناعي يسيطر على حياة الشخصية ويبحث عن الشر في ماضيها
مهندس برمجيات محاصر ما بين عقدة أوديب وإعادة تنظيم يومياته
لا شك أن هنالك الكثير مما نقرأه ونسمع عنه فيما يتعلق بالمستويات التي تغلغل فيها الذكاء الاصطناعي في مفردات حياتنا اليومية، وإلى أين يمكن أن يصل أيضًا في المستقبل، إلى درجة إطلاق العديد من الأصوات المحذّرة الصادرة عن باحثين ومبرمجين وعلماء، وهم يحذّرون من النتائج الوخيمة لسيطرة الذكاء الاصطناعي على صناعة القرار وحياة البشرية، وإمكانية أن يتمرد على قوانين البشر.
ولقد شاهدنا خلال المدة الماضية العديد من الأفلام التي عالجت مسألة خروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة وتخريبه حياة صانعيه، أو تشويشه على حياة المجتمع برمّته، أو التسبب في مشكلات معقّدة، ويمكننا أن نتذكر أفلامًا مثل إكس ماشينا وميجان وتشابي وأنا أم، وسلسلة الفاني، وسلسلة ماتريكس، وفينتش، والمائة، وآي روبوت، ومتسابق المتاهة، وغيرها من الأفلام.
وفي هذا الفيلم، للمخرج وهو نفسه مشارك في كتابة السيناريو روبرت ريبيرجر، سوف نكون في مواجهة شكل سينمائي ومعالجة تُضاف إلى تلك السلسلة من الأفلام التي ترتبط بمسألة الذكاء الاصطناعي بوصفها حقيقة راسخة ومؤكدة في حياتنا اليومية، حيث يقدم لنا شخصية الباحث والمبتكر في مجال الذكاء الاصطناعي "رينر" -يقوم بالدور الممثل فرانكي مونيز- الذي يكون بصدد تطوير برمجية يُطلق عليها "سالينوس" بإمكانها تقديم الاستشارات والنصائح والحلول للبشر، من أجل جعل حياتهم أكثر سعادة ويُسرًا، إلى درجة أن يتم إبراز منجز ذلك الباحث الشاب وظهور صورته على أغلفة المجلات؛ لكنه في المقابل يفرض على نفسه نظامًا صارمًا، من أولى علاماته النظافة المفرطة التي تصل إلى درجة الشك والوسواس، وأن يكون كل شيء في مكانه الصحيح لا يتعدّاه ولو بسنتيمتر واحد، كما أن يومه يبدأ منذ الصباح بفعاليات متتابعة، فضلًا عن تعقيم كل شيء في المنزل قبل أن يخرج إلى العمل، وفي موازاة ذلك، هو يبحث عن حياة أكثر استقرارًا تشاركه فيها امرأة تتفهمه وتتفاعل مع شخصيته وطبيعة عمله، ولهذا سيكون الحل لدى "سالينوس"، برنامج الذكاء الاصطناعي الذي يقترب من وظيفة "حلال المشاكل".
وتمضي أحداث الفيلم مع تطور علاقة رينر مع جارته "جامي" -تقوم بالدور فيوليت بيان- التي، بسبب ثقته بها، تتكشف شخصيته الأوديبية المعقّدة؛ فهو نشأ في طفولة كان فيها خاضعًا خضوعًا تامًا لوالدته وأوامرها وعقوباتها الصارمة، فضلًا عن لسانها السليط، إلى درجة أن رينر لا يستطيع اتخاذ قرار من تلقاء نفسه دون مشورة والدته، وهو ما سوف يعترف به وهو ينهار أمام جامي من فرط ما تحمّله بسبب أسلوبها في التعامل معه.
هذه الموازنة ما بين حضور برمجية سالينوس التي لا تفارق رينر، وبين حياته الاجتماعية الغريبة والمغلقة، سوف تحيلنا إلى ذلك النوع من الحياة الاستثنائية التي تم تقديمها من خلال أحداث هذا الفيلم، وفي هذا الصدد تقول الناقدة شاينا ويذرهيد في موقع "كوريدور": "لا شك أن هذا الفيلم يقدم لنا ذلك النوع الملفت للنظر للاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي، وبما يحمله من مساحة خيالية توفّرها إمكانات السينما المتنوعة بكل تأكيد. واقعيًا، إن مثل هذه القصص تُثير جدلًا مستمرًا حول مديات التقدم التكنولوجي الذي وصلنا إليه، مع تساؤلات حول عواقب ما قد يحدث إذا تطورت هذه الأدوات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي بشكل يفوق فهمنا أو سيطرتنا".
وبالنتيجة، إنه فيلم يطرح سؤالًا مهمًا خلاصته: ماذا سيحدث إذا امتزجت شخصية واقعية مع برمجيات الذكاء الاصطناعي؟ الإجابة ببساطة: إنه لا شيء مُفاجئ واستثنائي، وبالتأكيد لا شيء متوقّع، كما ثبت في أعمال مثل "المرآة السوداء" و"إكس ماشينا".
أما الناقد ناثانيل جوير في موقع "إيبت كوميك" فيقول: "إننا بصدد قصة اجتماعية بجذور قديمة ولكنها تُروى من منظور معاصر، وحيث نكون أمام نوع مختلف من الابتكار يتمثل في إدخال الشر في برمجيات الذكاء الاصطناعي، وكأنها عودة إلى ذلك النوع من الروبوتات الشريرة، حيث يُعاني البشر الحقيقيون بدل أن تصبح حياتهم أكثر سهولة، وهنا سوف نواجه المشكلة نفسها التي سبق وشاهدناها في أفلام أخرى من النوع نفسه، ابتداء من الشخصية الرئيسية التي قد تبدو عبقرية، ولكنها في ذاتها غريبة الأطوار، وهي التي تبتكر وتتغلغل في قوانين الذكاء الاصطناعي، إلا أنها تدفع الثمن باهظًا".
أما إذا مضينا مع تلك الأحداث وقد توطدت علاقة رينر مع جامي، ولم يعد يستطيع أن يمضي يومه دون أن يراها ويشاركها أفكاره وهمومه، لا سيما مع جاذبيتها الآسرة وتمكنها من التغلغل في شخصيته، فإن السؤال الذي سوف يكون بمثابة تحوّل درامي هائل وحبكة استثنائية وتحوّل في مسار السرد الفيلمي، وخلاصته هي: ماذا لو كانت جامي ليست إلا واجهة لعصابة تضم من تدّعي أنه شقيقها وآخرين، وقد نجحت في استدراج رينر لغرض السطو على برمجية "سالينوس" بوصفها مستوى متقدّمًا من الذكاء الاصطناعي؟ وماذا لو كانت جامي قد سكنت بشكل مقصود بجوار رينر، وأنها تعلم عنه الكثير من المعلومات؟ وماذا لو وقع التباس في وقت خروج رينر إلى العمل، مما دفع جامي وصديقها لاقتحام شقته بحثًا عن برمجية الذكاء الاصطناعي التي لا تُقدّر بثمن؟
هذه الأسئلة هي في الواقع ما سوف تتطور لاحقًا إلى ظهور الوجه الآخر الأكثر شرًا في شخصية رينر، وما يمارسه من عمليات تعذيب بحق صديق جامي، وكذلك باتجاه جامي التي خانته وأحبطته، ولكن ها هي تحاول التخفيف عنه ومساندته في أزمته، ولكن بعد أن يكون قد قتل صديقها.
على أن من المفارقات التي قدمها الفيلم هو أن نصائح برمجية سالينوس لم تكن إلا وجهًا آخر لنصائح الأم الصارمة والمتشددة، وأن رينر لم يستطع التخلص من ماضيه، فقام بتوظيفه في برمجيات الذكاء الاصطناعي.
ولعل ما يلفت النظر أيضًا هو نجاح المخرج وفريق السيناريو في تقديم دراما فيلمية وبناء سردي لم يتراجع مستواه، رغم كون الأحداث تقع في مربع واحد محدود بشقة رينر السكنية وشقة جامي والممر، وأن الشخصيات ظلّت تدور في نطاق هذا المربع وتؤدي أعمالها الروتينية اليومية المتكررة، وصولًا إلى ارتكاب رينر الجريمة ثم مقتله في النهاية، وهي نقاط مهمة تُحسب لهذا الفيلم، في كون استثمار الجغرافيا المكانية عاملًا إضافيًا للكشف عن شخصية منغلقة ومعزولة، وأن العبرة ليست في كثرة الشخصيات، وأن الحوارات المتقنة والمدروسة ليست عوامل إضعاف في البناء الفيلمي، بل بالعكس نجد في حوارات الشخصيات عناصر عزّزت الدراما الفيلمية، فضلًا عن المرونة المتميزة لشخصيتي رينر وجامي في التنقل بين منحنيات البناء النفسي وأزمات الذات بمرونة ملفتة للنظر.
سيناريو وإخراج / روبرت ريبيرجر
تمثيل / فرانكي مونيز في دور رينر، فيوليت بيان في دور جامي، تايلور جراي في دور تشاد
مدير التصوير / شين إيمر
مونتاج / جابريل جولين