فيلم رينر .. الذكاء الاصطناعي يسيطر على حياة الشخصية ويبحث عن الشر في ماضيها
تاريخ النشر: 29th, June 2025 GMT
مهندس برمجيات محاصر ما بين عقدة أوديب وإعادة تنظيم يومياته
لا شك أن هنالك الكثير مما نقرأه ونسمع عنه فيما يتعلق بالمستويات التي تغلغل فيها الذكاء الاصطناعي في مفردات حياتنا اليومية، وإلى أين يمكن أن يصل أيضًا في المستقبل، إلى درجة إطلاق العديد من الأصوات المحذّرة الصادرة عن باحثين ومبرمجين وعلماء، وهم يحذّرون من النتائج الوخيمة لسيطرة الذكاء الاصطناعي على صناعة القرار وحياة البشرية، وإمكانية أن يتمرد على قوانين البشر.
ولقد شاهدنا خلال المدة الماضية العديد من الأفلام التي عالجت مسألة خروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة وتخريبه حياة صانعيه، أو تشويشه على حياة المجتمع برمّته، أو التسبب في مشكلات معقّدة، ويمكننا أن نتذكر أفلامًا مثل إكس ماشينا وميجان وتشابي وأنا أم، وسلسلة الفاني، وسلسلة ماتريكس، وفينتش، والمائة، وآي روبوت، ومتسابق المتاهة، وغيرها من الأفلام.
وفي هذا الفيلم، للمخرج وهو نفسه مشارك في كتابة السيناريو روبرت ريبيرجر، سوف نكون في مواجهة شكل سينمائي ومعالجة تُضاف إلى تلك السلسلة من الأفلام التي ترتبط بمسألة الذكاء الاصطناعي بوصفها حقيقة راسخة ومؤكدة في حياتنا اليومية، حيث يقدم لنا شخصية الباحث والمبتكر في مجال الذكاء الاصطناعي "رينر" -يقوم بالدور الممثل فرانكي مونيز- الذي يكون بصدد تطوير برمجية يُطلق عليها "سالينوس" بإمكانها تقديم الاستشارات والنصائح والحلول للبشر، من أجل جعل حياتهم أكثر سعادة ويُسرًا، إلى درجة أن يتم إبراز منجز ذلك الباحث الشاب وظهور صورته على أغلفة المجلات؛ لكنه في المقابل يفرض على نفسه نظامًا صارمًا، من أولى علاماته النظافة المفرطة التي تصل إلى درجة الشك والوسواس، وأن يكون كل شيء في مكانه الصحيح لا يتعدّاه ولو بسنتيمتر واحد، كما أن يومه يبدأ منذ الصباح بفعاليات متتابعة، فضلًا عن تعقيم كل شيء في المنزل قبل أن يخرج إلى العمل، وفي موازاة ذلك، هو يبحث عن حياة أكثر استقرارًا تشاركه فيها امرأة تتفهمه وتتفاعل مع شخصيته وطبيعة عمله، ولهذا سيكون الحل لدى "سالينوس"، برنامج الذكاء الاصطناعي الذي يقترب من وظيفة "حلال المشاكل".
وتمضي أحداث الفيلم مع تطور علاقة رينر مع جارته "جامي" -تقوم بالدور فيوليت بيان- التي، بسبب ثقته بها، تتكشف شخصيته الأوديبية المعقّدة؛ فهو نشأ في طفولة كان فيها خاضعًا خضوعًا تامًا لوالدته وأوامرها وعقوباتها الصارمة، فضلًا عن لسانها السليط، إلى درجة أن رينر لا يستطيع اتخاذ قرار من تلقاء نفسه دون مشورة والدته، وهو ما سوف يعترف به وهو ينهار أمام جامي من فرط ما تحمّله بسبب أسلوبها في التعامل معه.
هذه الموازنة ما بين حضور برمجية سالينوس التي لا تفارق رينر، وبين حياته الاجتماعية الغريبة والمغلقة، سوف تحيلنا إلى ذلك النوع من الحياة الاستثنائية التي تم تقديمها من خلال أحداث هذا الفيلم، وفي هذا الصدد تقول الناقدة شاينا ويذرهيد في موقع "كوريدور": "لا شك أن هذا الفيلم يقدم لنا ذلك النوع الملفت للنظر للاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي، وبما يحمله من مساحة خيالية توفّرها إمكانات السينما المتنوعة بكل تأكيد. واقعيًا، إن مثل هذه القصص تُثير جدلًا مستمرًا حول مديات التقدم التكنولوجي الذي وصلنا إليه، مع تساؤلات حول عواقب ما قد يحدث إذا تطورت هذه الأدوات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي بشكل يفوق فهمنا أو سيطرتنا".
وبالنتيجة، إنه فيلم يطرح سؤالًا مهمًا خلاصته: ماذا سيحدث إذا امتزجت شخصية واقعية مع برمجيات الذكاء الاصطناعي؟ الإجابة ببساطة: إنه لا شيء مُفاجئ واستثنائي، وبالتأكيد لا شيء متوقّع، كما ثبت في أعمال مثل "المرآة السوداء" و"إكس ماشينا".
أما الناقد ناثانيل جوير في موقع "إيبت كوميك" فيقول: "إننا بصدد قصة اجتماعية بجذور قديمة ولكنها تُروى من منظور معاصر، وحيث نكون أمام نوع مختلف من الابتكار يتمثل في إدخال الشر في برمجيات الذكاء الاصطناعي، وكأنها عودة إلى ذلك النوع من الروبوتات الشريرة، حيث يُعاني البشر الحقيقيون بدل أن تصبح حياتهم أكثر سهولة، وهنا سوف نواجه المشكلة نفسها التي سبق وشاهدناها في أفلام أخرى من النوع نفسه، ابتداء من الشخصية الرئيسية التي قد تبدو عبقرية، ولكنها في ذاتها غريبة الأطوار، وهي التي تبتكر وتتغلغل في قوانين الذكاء الاصطناعي، إلا أنها تدفع الثمن باهظًا".
أما إذا مضينا مع تلك الأحداث وقد توطدت علاقة رينر مع جامي، ولم يعد يستطيع أن يمضي يومه دون أن يراها ويشاركها أفكاره وهمومه، لا سيما مع جاذبيتها الآسرة وتمكنها من التغلغل في شخصيته، فإن السؤال الذي سوف يكون بمثابة تحوّل درامي هائل وحبكة استثنائية وتحوّل في مسار السرد الفيلمي، وخلاصته هي: ماذا لو كانت جامي ليست إلا واجهة لعصابة تضم من تدّعي أنه شقيقها وآخرين، وقد نجحت في استدراج رينر لغرض السطو على برمجية "سالينوس" بوصفها مستوى متقدّمًا من الذكاء الاصطناعي؟ وماذا لو كانت جامي قد سكنت بشكل مقصود بجوار رينر، وأنها تعلم عنه الكثير من المعلومات؟ وماذا لو وقع التباس في وقت خروج رينر إلى العمل، مما دفع جامي وصديقها لاقتحام شقته بحثًا عن برمجية الذكاء الاصطناعي التي لا تُقدّر بثمن؟
هذه الأسئلة هي في الواقع ما سوف تتطور لاحقًا إلى ظهور الوجه الآخر الأكثر شرًا في شخصية رينر، وما يمارسه من عمليات تعذيب بحق صديق جامي، وكذلك باتجاه جامي التي خانته وأحبطته، ولكن ها هي تحاول التخفيف عنه ومساندته في أزمته، ولكن بعد أن يكون قد قتل صديقها.
على أن من المفارقات التي قدمها الفيلم هو أن نصائح برمجية سالينوس لم تكن إلا وجهًا آخر لنصائح الأم الصارمة والمتشددة، وأن رينر لم يستطع التخلص من ماضيه، فقام بتوظيفه في برمجيات الذكاء الاصطناعي.
ولعل ما يلفت النظر أيضًا هو نجاح المخرج وفريق السيناريو في تقديم دراما فيلمية وبناء سردي لم يتراجع مستواه، رغم كون الأحداث تقع في مربع واحد محدود بشقة رينر السكنية وشقة جامي والممر، وأن الشخصيات ظلّت تدور في نطاق هذا المربع وتؤدي أعمالها الروتينية اليومية المتكررة، وصولًا إلى ارتكاب رينر الجريمة ثم مقتله في النهاية، وهي نقاط مهمة تُحسب لهذا الفيلم، في كون استثمار الجغرافيا المكانية عاملًا إضافيًا للكشف عن شخصية منغلقة ومعزولة، وأن العبرة ليست في كثرة الشخصيات، وأن الحوارات المتقنة والمدروسة ليست عوامل إضعاف في البناء الفيلمي، بل بالعكس نجد في حوارات الشخصيات عناصر عزّزت الدراما الفيلمية، فضلًا عن المرونة المتميزة لشخصيتي رينر وجامي في التنقل بين منحنيات البناء النفسي وأزمات الذات بمرونة ملفتة للنظر.
سيناريو وإخراج / روبرت ريبيرجر
تمثيل / فرانكي مونيز في دور رينر، فيوليت بيان في دور جامي، تايلور جراي في دور تشاد
مدير التصوير / شين إيمر
مونتاج / جابريل جولين
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی هذا الفیلم إلى درجة
إقرأ أيضاً:
جوجل فوتوز تدمج البحث مع الذكاء الاصطناعي لتسريع النتائج
بعد أن أجلت شركة التكنولوجيا الأميركية جوجل إطلاق خاصية "اسأل الصور" المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تطبيق جوجل فوتوز، والتي كانت تعاني من بعض المشاكل، أعلنت الشركة تحسين قدرتها على عرض نتائج البحث بسرعة. وتتيح خاصية الذكاء الاصطناعي، التي طرحت لأول مرة في مؤتمر جوجل للمطورين في العام الماضي، للمستخدمين البحث في مجموعات الصور الرقمية الخاصة بهم باستخدام أسئلة اللغة الطبيعية. وتستفيد خاصية "اسأل الصور" من الذكاء الاصطناعي في فهم محتوى الصورة وبياناتها الوصفية الأخرى عند الرد على سؤال المستخدم. ومع ذلك، اشتكى المستخدمون من أن خاصية الذكاء الاصطناعي لم تكن موثوقة وكانت بطيئة في كثير من الأحيان في الرد بينما كان الذكاء الاصطناعي "يفكر" قبل عرض الإجابة. ولمعالجة هذه المخاوف، كتب جيمي أسبينال، مدير منتجات جوجل فوتوز، على منصة التواصل الاجتماعي إكس في وقت سابق من الشهر الحالي أن خاصية "أسأل الصور" ليست في المكان المناسب لها، من حيث زمن الوصول والجودة وتجربة المستخدم"، مشيرا إلى أن إطلاقها سيم تعليقه مؤقتا لبضعة أسابيع ريثما تعمل جوجل على استعادة "سرعة البحث الأصلي وقدرته على التذكر".
كما أعلنت جوجل أنها ستجلب أفضل خصائص البحث الكلاسيكي في جوجل فوتوز إلى الخدمة الجديدة، خاصة لعمليات البحث البسيطة مثل البحث عن معلومات خاصة بشاطئ معين، أو معلومات عن الكلاب. في هذه الأثناء، سيعمل الذكاء الاصطناعي في الخلفية للعثور على الصور الأكثر صلة، والإجابة على استفسارات أكثر تعقيدا. على سبيل المثال، إذا بحثت عن صورة "كلب أبيض"، فستظهر لك سلسلة من نتائج البحث الأولية فورا. بعد انتهاء الذكاء الاصطناعي من تحليله، ستظهر النتائج في الأسفل، مع نص تمهيدي قد يعرف كلبك بالاسم، إذا أضفته، ويخبرك متى ظهرت صور الحيوان لأول مرة.