أمريكا.. بين أزمة وجود وأزمة نفوذ..!
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
أزمات مركبة ذاتية وموضوعية تعصف بالولايات المتحدة الأمريكية على صعيد النفوذ الجيوسياسي الخارجي، وأخرى داخلية متصلة بحقيقة الوجود لدولة تحولت من دولة ليبرالية إلى أخرى إمبريالية خاضعة بالمطلق لإرادة ورغبات كارتل مجمع الصناعات العسكرية من ناحية والشركات القابضة العابرة للقارات من ناحية أخرى، وخلال الثلاثة عقود الماضية بدت أمريكا الإمبريالية أسيرة لرغبات جماعة المحافظين الجدد، وهي جماعة صهيونية بدأت تظهر في ألمانيا في العقد الأخير من القرن الماضي تحت اسم الليبرالين الجدد، أو النيو ليبرالية مؤسسوها من التروتسكيين القدماء الذين تحولوا مع انهيار المعسكر الاشتراكي إلى الليبرالية ثم أخذوا بقيم الإمبريالية وغايتهم كانت حماية الكيان الصهيوني والانتصار لخيارات وجوده على أرض فلسطين ومنحه حق الوصاية والسيادة المطلقة على الوطن العربي أو ما اصطلح على تسميته من قبل العواصم الاستعمارية بالشرق الأوسط.
غير أن المخططات الأمريكية ورغم احتلالها للعراق وتدمير قدراته ثم تشجيع العدو لشن عدوانه على لبنان عام 2006م بزعم تشكيل شرق أوسط جديد..!
أخفقت واشنطن في حملتها الكونية لمكافحة الإرهاب، كما أخفقت في تحقيق انتصارات تذكر من احتلالها للعراق، وفشل كيانها اللقيط في إحراز أي انتصار على المقاومة في لبنان في حرب 2006م ناهيكم عن فشلها في أفغانستان التي اتخذت منها نقطة انطلاق لحملتها المزعومة ضد الإرهاب..!
ما عملت عليه لاحقاً واشنطن تحت يافطة (الربيع العربي) وكان أبرزها تدمير قدرات ليبيا واليمن وسوريا وإرباك أكثر من قطر عربي، وكل هذه التداعيات لم تحقق لواشنطن أهدافها بل ارتدت عملياتها الاستعمارية عليها بصورة سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقد تكون حادثة مواطنها الأسود (جورج ) وما تبع عملية اغتياله من قبل الشرطة الاتحادية من تداعيات اجتماعية أظهرت مدى فداحة الأزمة الوجودية التي تنخر مفاصل المجتمع الأمريكي، ثم تبعت الظاهرة عملية اقتحام الكونجرس من قبل أنصار الرئيس السابق ترمب والتي لا تزل عالقة أمام محاكم الولايات والمحكمة العليا الفيدرالية، كل هذه القضايا، إذا ما أضفنا لها الانسحاب الأمريكي المذل من أفغانستان ثم حرب أوكرانيا ومعها الصراع الجيوسياسي المتفجر مع الصين في مضيق تايوان والمحيط الهادي، كل هذه التداعيات الجيوسياسية دفعت واشنطن للعودة بأساطيلها للوطن العربي بهدف التمترس أمام قطاري روسيا والصين، وقطع الطريق أمامهما، وأيضا تطويق النفوذ الجيوسياسي الإيراني وتصفية بؤر المقاومة الرافضة للوجودين الصهيوني والأمريكي ونفوذهما في المنطقة خاصة وان المقاومة في المنطقة قدمت أداء نضالياً متميزاً وغير معهود، أداء أخفقت في تحقيقه الجيوش العربية الكلاسيكية وأنجزته المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا واليمن مع ان في اليمن لا توجد مقاومة بل دولة ومؤسسات وجيش ولجان شعبية، وقد تمكنت اليمن أن تصبح محوراً فاعلاً في مواجهة المخططات الصهيونية الأمريكية الاستعمارية وأهدافهما بثقة واقتدار رافضة سياسة الاحتوي والتبعية والارتهان.
واللافت أن الموقف اليمني الداعم للمقاومة الفلسطينية وانخراط صنعاء ضمن محور الممانعة والمقاومة الرافض للهيمنة والتبعية الاستعمارية، فعل اربك واشنطن التي قدمت للمنطقة بعد أن اخفق حليفها الصهيوني في أداء مهامه في حماية وجوده وحماية المصالح الاستعمارية والأمريكية، الأمر الذي ضاعف من ارتباك واشنطن في ظل تحقيق المقاومة الفلسطينية انتصارات متتالية للشهر الرابع رغم الجرائم غير المسبوقة التي ترتكب بحق الشعب العربي الفلسطيني في القطاع والضفة والقدس وكل أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وان كانت اقساها جرائم الإبادة الجماعية التي تجري في قطاع غزة من قبل الكيان الصهيوني وبرعاية أمريكية ودولية بلغت تداعياتها حد إقدام أمريكا والغرب بإطلاق التهديدات غير القابلة للنقاش بحق اي طرف عربي أو إسلامي أو دولي يقدم أي شكل من أشكال الدعم للشعب الفلسطيني وان كان في نطاق المساعدات الإنسانية أو الدعم الإعلامي والذي تقابله أمريكا بالتهديد والوعيد فيما هي تقود وتشارك في حرب الإبادة وتمول كيانها اللقيط بكل أدوات الموت وتدفع دول الغرب إلى الاقتداء بمواقفها وتقديم الدعم للكيان بذريعة( حق الدفاع عن النفس) الذي تمنحه أمريكا للمحتل وحرمه عن من يستحقه وهو الشعب المحتل الذي وحده من يحق له الدفاع عن نفسه أمام قوات الاحتلال التي تحتل وطنه وتصادر حقوقه وحريته وسيادته.
إن معركة طوفان الأقصى تشير بكل تداعياتها الا انها معركة استثنائية وغير عادية وتشكل نقطة تحول مفصلية في العلاقات الدولية، والقانون الدولي الذي فرضته أمريكا والذي سينتهي بخفوت مدافع معركة الطوفان التي تمثل بداية النهاية للغطرسة الأمريكية، وهذا ما دفع واشنطن إلى شن عدوانها على اليمن بدافع إعادة هيبتها التي إهانتها اليمن بمواقفها القومية المساندة للأشقاء في قطاع غزة، ورغم حرص أمريكا عدم توسيع نطاق المواجهة إلا أن صنعاء أجبرتها على رد فعل يعيد لها قدرا من هيبتها المفقودة وان أمام مواطنيها خاصة والإدارة مقبلة على انتخابات رئاسية مجبولة بالكثير من التحديات والتصدعات الاجتماعية والسياسية التي تؤكد أن (بايدن) والحزب الديمقراطي سيخسران الانتخابات حتما.
للموضوع صلة
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ما الذي على ترامب أن يسمعه في الرياض غدًا؟!!
تختلف القمة الخليجية الأمريكية التي يحضرها الرئيس الأمريكي ترامب هذه المرة عن تلك التي حضرها في ولايته الرئاسية الأولى، فالعالم لم يعد هو العالم والشرق الأوسط تغير كثيرا عما كان عليه في عام 2017، حتى أفكار ترامب نفسها تغيرت رغم أن استراتيجية «الصفقة» ما زالت هي التي ترسم تفاصيل المشهد في مجمله.
عودة ترامب إلى المنطقة هذه المرة لا تمثل استئنافا لتحالفات تقليدية ولكنها اختبار لتوازنات جديدة تتشكل بهدوء في شرق العالم وغربه. ولذلك سيكون أمام قادة دول الخليج الذين سيحضرون القمة غدًا مسؤولية كبيرة ليُسمعوا ترامب ما يجب أن يسمعه حول مستقبل الشراكة الخليجية الأمريكية وحدودها وشروطها.
أحد أهم الأفكار التي على ترامب أن يسمعها غدًا في الرياض أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تجاوزت كل الحدود وباتت عبئا أخلاقيا واستراتيجيا على حلفاء واشنطن، وفي مقدمتهم دول الخليج. وإذا كانت دول الخليج لا تستطيع، منطقا، الطلب من أمريكا أن تتخلى عن إسرائيل، فإن عليها في هذه القمة أن تطلب من أمريكا قبل ترامب إعادة تعريف العلاقة معها ضمن إطار يحفظ للمنطقة استقرارها ويكبح جماح السياسات التي تهدد بإشعال صراعات لا يمكن احتواؤها.
ورغم أن الحديث عن التطبيع مع إسرائيل بات مريرا، بعد سلسلة الجرائم التي ارتُكبت في غزة ولبنان وسوريا واليمن خلال الأشهر الماضية، فإن من الضروري أن توضح دول الخليج موقفها للرئيس الأمريكي إذا ما أعاد طرح ملف الاتفاقيات الإبراهيمية وتحيله إلى شروط المبادرة العربية التي تشترط قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، ودون ذلك، إن الدفع باتجاه تطبيع غير مشروط يعكس ما وصفته دراسات غربية بأنه «تسوية وظيفية» لا «تسوية سياسية»، أي بناء علاقات سطحية دون معالجة جذور الصراع، مما يهدد بإعادة تدوير العنف، إضافة إلى أنه تخلٍ واضح عن القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق، فإن ملف الطاقة لا يُمكن فصله عن مفهوم الشراكة الاستراتيجية. فالاستقرار الاقتصادي الذي تسعى إليه واشنطن مرهون باستقرار سياسي لا تصنعه السوق وحدها، بل يضمنه التفاهم العميق مع الحلفاء.
ولا يجب هنا أن يغيب عن بال ترامب أن موازين القوى في الخليج لم تعد أمريكية بالكامل. فالصين بعد الاتفاق النفطي في عام 2023 مع الرياض، أصبحت شريكا موازيا في التجارة والاستثمار، فيما تتقدم الهند كمحور جيو ـ اقتصادي بديل، كما أن المستثمرين الروس، وهم كثر، نقلوا الكثير من ملياراتهم إلى الخليج منذ فبراير 2022 إلى اليوم. وعلى ترامب أن يسمع بوضوح أن الحديث عن «العودة إلى الشرق الأوسط» لا يكفي وعليه أن يعرف جيدا أن الشراكة اليوم لم تعد عمودية، بل أفقية، قائمة على التوازن لا التبعية.
ثمة أمر آخر شديد الأهمية، وهو إشكالية عميقة تراكمت منذ ولاية ترامب الأولى وتتمثل في تداخل المصالح الخاصة مع مصالح الدولة، ومن حق الدول الخليجية أن تسمع إجابة واضحة: هل الشراكات التي أبرمت منذ ولاية ترامب الأولى إلى اليوم هي عميقة مع واشنطن أم مرحلية عمرها الافتراضي لا يتجاوز أربع سنوات!
هذا السؤال وما شابهه من الأسئلة ليست هامشية؛ فالثقة الاستراتيجية تُبنى على مؤسسات، لا على أفراد. والدول الخليجية لا تريد بناء علاقات استراتيجية قائمة على أفراد وإلا فإنها قادرة على البحث عن توازنات جديدة أكثر موثوقية في لحظة مفصلية من لحظات التغير العميق في العالم.
وفيما يخص الطاقة وهو موضوع لا يمكن فصله عن العلاقات الاستراتيجية والاستقرار السياسي فمن المهم أن يسمع ترامب وجهة نظر خليجية قوية مفادها أن ليس في مصلحة أمريكا أن تضعف أصدقاءها وحلفاءها عبر العمل على انهيار أسعار النفط، وكذلك فرض رسوم جمركية تنهار معها اتفاقيات التجارة الحرة بين أمريكا ودول الخليج.. تحتاج دول الخليج إلى أخذ التزامات من واشنطن تضمن استقرار المنطقة سياسيا واقتصاديا.
سيكون على الرئيس الأمريكي، إذا أراد استعادة ثقة حلفائه، أن يُظهر استعدادا للاستماع إلى الكثير من الملاحظات الاستراتيجية وفي مقدمتها أن الخليج بات قادرا على بناء شراكات استراتيجية أمنية واقتصادية مع أقطاب جديدة في العالم، وأن تكلفة دعم إسرائيل باتت عالية سياسيا وأمنيا، وأن الشراكة الاقتصادية لا يمكن أن تغطي على فجوات الثقة.
لن تكون قمة الرياض، إذن، اختبارا لشكل العلاقة مع إدارة ترامب فقط، ولكن للحظة الخليج نفسها: هل ما زالت ترى في أمريكا شريكا حصريا، أم أصبحت شريكا بين شركاء في نظام عالمي يعاد تشكيله بلا قيادة مركزية؟ الجواب لن يظهر في البيان الختامي ولكن في الخيارات الفعلية التي تتخذها العواصم الخليجية بعد القمة.