في ستينيات القرن الماضي، قامت عالمة النفس بجامعة كاليفورنيا الأميركية ديانا بومريند بتصنيف أساليب الأبوة والأمومة إلى 3 أنماط، الاستبداد، والتسامح، والتسلط.

ووفقا لجمعية علم النفس الأميركية، فإن الوالدين المتسلطين، "هم الذين يرعون أطفالهم، ويستجيبون لهم، ويدعمونهم، لكنهم يضعون لهم حدودا صارمة، وحتى عندما يستمعون إليهم، فإنهم يركزون على فرض القواعد التي تغير أفكارهم وآراءهم".

وفي خضم ضغوط الحياة العصرية، التي جعلت أوقات الآباء مزدحمة بمواعيد لعب الأولاد ودروس الموسيقى والأنشطة الرياضية، بالإضافة إلى مواجهة تدفق المعلومات المستمر وخيارات الترفيه على أطفالهم عبر الإنترنت، أصدر الصحفي والمؤلف الكندي كارل أونوريه كتاب "تحت الضغط: إنقاذ أطفالنا من ثقافة الأبوة والأمومة المفرطة" في العام 2009، ليكرس نمطا أبويا رابعا هو "الأبوة الحرة"، لمساعدة الآباء في "تربية وتعليم الأطفال في عالم سريع الإيقاع".

ويقوم هذا النمط على التخلي عن نمط التربية المتسلطة، والسماح للأطفال بتحقيق ذواتهم واتخاذ قراراتهم الخاصة، وتعليمهم من خلال التجارب العملية، وعدم الاكتفاء بالمعرفة النظرية التي تقدمها الكتب المدرسية. وهو الكتاب الذي أشادت به مجلة "تايم" الأميركية، واعتبرته "مرجعا لصيحة الأبوة والأمومة الحرة".

ما التربية الحرة؟

وفي العام 2009 أيضاً، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية حوارا مع مؤلف الكتاب كارل أونوريه، قال فيه "إن صعود العولمة وضع معظم الآباء تحت ضغوط هائلة، من أجل منح أطفالهم الأفضل من كل شيء، وجعلهم مثاليين في كل شيء".

من الاستعانة بالمدرسين الخصوصيين، إلى إنفاق الكثير من المال، والعمل لساعات طويلة شاقة، وقضاء سنوات في القلق والتخطيط لدفع أطفالهم بقوة أكبر، "اعتقادا منهم أن هذا يساعدهم على العيش في عالم أصبح أكثر تنافسية".

ومن هنا تأتي أهمية "التربية الحرة"، التي لا تعني القيام بكل شيء بوتيرة بطيئة، بل تعني "تحقيق التوازن في المنزل، والتركيز على الجودة أكثر من الشكل، وإعطاء الأطفال الكثير من الحب والاهتمام دون شروط، "والقبول بالتراجع خطوة للخلف، لمنحهم الفرصة لاستكشاف أنفسهم هم، وليس ما نريدهم أن يكونوا عليه".

وبحسب أونوريه، فإن فرض السيطرة على الأطفال فيما يتعلق بأنظمة الأسرة، "لا ينفي حاجتهم إلى الكثير من الوقت والمساحة لاستكشاف العالم بشروطهم الخاصة، والتوقف فترات كافية للراحة والتفكير والانطلاق".

التباطؤ يساعد في تنمية الصبر

في المقابل، وصف الكاتب الأميركي كريستيان داشيل في مقال نشر مؤخرا على موقع "فاذرلي"، التربية الحرة بأنها "بدء الوالدين بالتخلي عن فكرة أنه ينبغي منح الأطفال كل الفرص جاهزة وسهلة وجيدة"، وتشجيعهم بدلا من ذلك على "خوض تجارب ذات معنى، ومنحهم الوقت والطاقة للتعامل معها"، والتوقف عن طلب الكثير من الأطفال.

وهو ما أكدته أخصائية الطب النفسي نادية تيموريان، قائلة "إن مبادئ التربية الحرة تساعد الآباء على زيادة التفاعلات الهادفة مع أطفالهم".

فعندما يتبنى الآباء أسلوبا أبطأ في التربية، ويتوقفون عن الضغط على أطفالهم باستمرار، "يتعلم الأطفال ابتكار المزيد من الأفكار، واستكشاف اهتماماتهم الخاصة، والتمتع بالأنشطة البسيطة غير المنظمة"، حيث يساعد التباطؤ في تنمية الصبر، "ويتيح للأطفال رؤية العالم من حولهم، وتكوين شخصية أكثر ثراء".

4 طرق لتبني التربية الحرة

فيما يلي 4 طرق لتبني التربية الحرة، ومساعدة جميع أفراد الأسرة للحصول على مساحة كافية للتنفس والإبطاء:

1- عدم المبالغة في وضع البرامج

فأضرار الإفراط في وضع الخطط والبرامج، لا تقتصر فقط على حرمان الأطفال من فرص التمتع بالراحة، ولكنها تقلل من الأوقات الثمينة التي تسمح للآباء والأطفال بإقامة علاقات أوثق.

تقول د. تيموريان "عندما نقاوم الرغبة في الإفراط في إخضاع أطفالنا للكثير من الأنشطة والبرامج، فإننا نجبر أنفسنا وأطفالنا على إعطاء الأولوية للتواصل مع بعضنا البعض"، من خلال قضاء المزيد من الوقت مع العائلة، "لمساعدة الأطفال على التعافي من ضغوط الحياة اليومية".

وتضيف الأستاذة في جامعة ستانفورد دينيس بوب، قائلة "ليس عليك أن تحكم بقبضة من حديد على نشاط أطفالك، لكن ترشيد الجداول والمواعيد، يمكن أن يساعد الجميع في تجنب الإرهاق".

2- تخصيص وقت للعب الحر

هناك قيمة لتخصيص وقت حر للأطفال للعب بطرق طوعية ممتعة، حيث تقول د. تيموريان "إن اللعب الحر والنشاط الخيالي دون قواعد صارمة، يعززان الإبداع وحل المشكلات والمهارات الاجتماعية لدى الأطفال، وينمي لديهم الثقة بالنفس"، لأنه يسمح لهم باستكشاف اهتماماتهم، واتخاذ القرارات، والتنقل بين ألعاب من قبيل إعداد وجبة تخيلية أو التخطيط لعمل مركبة أو بناء حصن، على سبيل المثال.

كما لا بد من الاطمئنان في الوقت نفسه، "أن ألعابهم لن تضيع سدى، وستظل موجودة ليستمتعوا بها في وقت لاحق من اليوم، أو في الإجازة المدرسية القادمة".

3- الصبر على نوبات الملل

فرغم أهمية اللعب غير المنظم، فإنه قد يبدو أحيانا مملا للأطفال، وفي هذه الحالة يعتمد تكتيك الأبوة والأمومة البطيء الحر على الصبر وتحمل التذمر، وعدم التسرع بالعودة إلى برامج الأنشطة المنظمة، وابتكار لعبة مثيرة في الخارج بدلا من ذلك، ولو تسلق شجرة.

فالأبحاث تشير إلى "فائدة هذه الأنشطة لنمو الأطفال، وتطوير قدراتهم التنفيذية، وتعزيز مهارات إدارة المخاطر، والثقة بالنفس، والاستقلال". كما أنه ببساطة "لم يمت أي طفل من الملل على الإطلاق، بل إن الأطفال الذين يشعرون بالملل، سيتعلمون إطالة عضلاتهم الإبداعية والتوصل إلى بدائل في نهاية المطاف"، كما يقول كريستيان داشيل.

4- الاستخدام الواعي والمتوازن للتكنولوجيا

فنمط الأبوة والأمومة الحر ينظر إلى الشراء المستمر لأحدث وأفضل الألعاب للأطفال، باعتباره "فخا محتملا" قد يؤدي إلى توتر العلاقة بين الوالدين والأطفال، بسبب الضغوط المتواصلة للحصول على ما شاهدوه من إعلانات مبهرة على شاشة التلفزيون. كما أن الرغبة المستمرة من الأطفال في المزيد من وقت الشاشة يمثل مشكلة صعبة لهذا النمط التربوي أيضا.

لهذا تقول د. تيموريان إن "الوعي والتوازن" هما المفتاح، وتوصي بتمكين الأطفال من استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي، مع مراعاة رفاهيتهم، وعدم الاستغناء عن الشاشات تماما، "والتركيز بدلا من ذلك على التعلم والإبداع، وليس مجرد الترفيه المستمر".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الکثیر من

إقرأ أيضاً:

ماذا أفعل إذا سمعت أكثر من فتوى في مسألة واحدة؟ أمين الفتوى يجيب

قال الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن عصرنا الحالي يشهد فوضى كبيرة في الفتاوى بسبب تعدد المنصات وكثرة الكلام، مما يدفع البعض لتصديق أي شخص يتحدث باسم الدين، حتى وإن لم يكن من أهل التخصص.

وأضاف أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، في تصريح له: "كل واحد بقى يطلع يفتي ويقول رأيه، والناس بتتلخبط لما تسأل نفس السؤال في مكانين وتلاقي الإجابات مختلفة تمامًا"، متسائلًا: "هو إحنا بنسأل عشان نعرف رأي الناس؟ ولا عشان نعرف حكم ربنا؟".

كيفية تجنب فوضى الفتاوى

وأوضح أمين الفتوىن أن تجنب فوضى الفتاوى لا يكون إلا بطريقين رئيسيين: أولاً: الرجوع إلى أهل التخصص، مثل الأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، مؤكدًا أن "دي جهات ربنا أكرمنا بيها، وموجودة ومفتوحة للناس من الصبح لحد المساء، وموجودة كمان على كل منصات التواصل الاجتماعي".

وواصل: وثانيًا: التوعية المجتمعية، حيث شدد على أهمية نشر ثقافة "أسأل مين؟"، وقال: "زي ما حضرتك لما بيكون عندك وجع في المعدة بتروح لدكتور الباطنة مش دكتور الأسنان، لازم كمان لما يكون عندك سؤال ديني تروح لأهل العلم مش لأي واحد على الإنترنت".

ولفت إلى أن الاستسهال في أخذ الفتوى من غير أهلها لا يُضل صاحبه فقط، بل يُسهم في نشر الفوضى وتشجيع غير المؤهلين على الاستمرار في الظهور، بحثًا عن "التريند والشهرة"، وهو ما يؤدي إلى البُعد عن منهج الله.
دعاء زيادة الرزق .. احرص عليه في الثلث الأخير من الليلدعاء لعلاج الهم والحزن.. ردده قبل الفجر بيقين واستشعر التغيير

مصادر التشريع في الإسلام 

وأكد الشيخ محمد كمال، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الشريعة الإسلامية تستمد أحكامها من أربعة مصادر رئيسية متفق عليها بين العلماء، وهي: القرآن الكريم، السنة النبوية، الإجماع، والقياس، مشيرًا إلى أن هذا الترتيب يعكس منهجية علمية دقيقة في فهم الدين وتطبيقه.

وواصل: "مصادر التشريع تعني الأدلة التي تُستمد منها الأحكام الشرعية، لتحديد ما هو حلال وما هو حرام، وقد اتفق الفقهاء على أربعة مصادر رئيسية مرتبة على النحو التالي: القرآن الكريم، ثم السنة النبوية، ثم الإجماع، ثم القياس".

وأوضح أن هذا الترتيب له أصل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ، فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، مضيفًا: "الآية تشير بوضوح إلى هذه المراتب؛ فأمر الله بطاعته (أي الرجوع إلى القرآن)، ثم بطاعة رسوله (السنة)، ثم أولي الأمر (العلماء والإجماع)، ثم أمر بالرد إلى الله ورسوله عند التنازع (وهذا يشمل القياس والاجتهاد)".

كما استشهد بحديث النبي ﷺ مع معاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن، وسأله: "بِمَ تَحْكُم؟" فقال: "بكتاب الله"، قال: "فإن لم تجد؟" قال: "فبسنة رسول الله"، قال: "فإن لم تجد؟" قال: "أجتهد رأيي"، فقال له النبي: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله".

واستطرد: "هذا الحديث يوضح الترتيب نفسه: القرآن، ثم السنة، ثم الاجتهاد، الذي لا يكون إلا لأهله، المؤهلين علميًا لاستنباط الأحكام".

وأكمل: أن هذا المنهج طبقه الخلفاء الراشدون، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، الذي كان إذا عُرضت عليه مسألة، بدأ بالقرآن، فإن لم يجد، بحث في السنة، فإن لم يجد، جمع كبار الصحابة وشاورهم، ثم أفتى بناءً على ما اتفقوا عليه.

وأردف: "هذا هو الفهم الصحيح لمصادر التشريع في الإسلام، كما ورد في النصوص وكما طبقه الصحابة، وليس لكل أحد أن يجتهد أو يستنبط دون علم وتأهيل، بل الأمر لأهل الذكر والعلم".


 

طباعة شارك ماذا أفعل إذا سمعت أكثر من فتوى في مسألة واحدة فتوى أمين الفتوى

مقالات مشابهة

  • نظام نور.. خطوات التسجيل في رياض الأطفال 
  • بناء وعي مجتمعي سليم.. ورشة توعية ضد التحـ.ـرش للأطفال في بورسعيد|صور
  • "صورة الطفل في الدراما المصرية" بالمجلس الأعلى للثقافة
  • دراسة تحذّر.. عادة يومية لدى الآباء تدمّر أدمغة أطفالهم
  • استشاري يوضح مخاطر مشاهدة أفلام الكرتون وسماع الأغاني عند الأطفال .. فيديو
  • كتائب القسام تعلن الإيقاع ب 19 جنديا إسرائيليا بين قتيل وجريح
  • وفد طبي سعودي يصل دمشق قريباً لإجراء عمليات جراحية مجانية للأطفال
  • ماذا أفعل إذا سمعت أكثر من فتوى في مسألة واحدة؟ أمين الفتوى يجيب
  • بمناسبة اليوم العالمي لمرض التلاسيميا.. مبادرة داعمة للأطفال المصابين بحماة
  • النسخة السعودية من أمي.. دراما تروي معاناة الطفولة والأمومة