هل سمعت بنمط التربية الحرة؟ 4 خطوات للتنشئة في عالم سريع الإيقاع
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
في ستينيات القرن الماضي، قامت عالمة النفس بجامعة كاليفورنيا الأميركية ديانا بومريند بتصنيف أساليب الأبوة والأمومة إلى 3 أنماط، الاستبداد، والتسامح، والتسلط.
ووفقا لجمعية علم النفس الأميركية، فإن الوالدين المتسلطين، "هم الذين يرعون أطفالهم، ويستجيبون لهم، ويدعمونهم، لكنهم يضعون لهم حدودا صارمة، وحتى عندما يستمعون إليهم، فإنهم يركزون على فرض القواعد التي تغير أفكارهم وآراءهم".
وفي خضم ضغوط الحياة العصرية، التي جعلت أوقات الآباء مزدحمة بمواعيد لعب الأولاد ودروس الموسيقى والأنشطة الرياضية، بالإضافة إلى مواجهة تدفق المعلومات المستمر وخيارات الترفيه على أطفالهم عبر الإنترنت، أصدر الصحفي والمؤلف الكندي كارل أونوريه كتاب "تحت الضغط: إنقاذ أطفالنا من ثقافة الأبوة والأمومة المفرطة" في العام 2009، ليكرس نمطا أبويا رابعا هو "الأبوة الحرة"، لمساعدة الآباء في "تربية وتعليم الأطفال في عالم سريع الإيقاع".
ويقوم هذا النمط على التخلي عن نمط التربية المتسلطة، والسماح للأطفال بتحقيق ذواتهم واتخاذ قراراتهم الخاصة، وتعليمهم من خلال التجارب العملية، وعدم الاكتفاء بالمعرفة النظرية التي تقدمها الكتب المدرسية. وهو الكتاب الذي أشادت به مجلة "تايم" الأميركية، واعتبرته "مرجعا لصيحة الأبوة والأمومة الحرة".
ما التربية الحرة؟وفي العام 2009 أيضاً، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية حوارا مع مؤلف الكتاب كارل أونوريه، قال فيه "إن صعود العولمة وضع معظم الآباء تحت ضغوط هائلة، من أجل منح أطفالهم الأفضل من كل شيء، وجعلهم مثاليين في كل شيء".
من الاستعانة بالمدرسين الخصوصيين، إلى إنفاق الكثير من المال، والعمل لساعات طويلة شاقة، وقضاء سنوات في القلق والتخطيط لدفع أطفالهم بقوة أكبر، "اعتقادا منهم أن هذا يساعدهم على العيش في عالم أصبح أكثر تنافسية".
ومن هنا تأتي أهمية "التربية الحرة"، التي لا تعني القيام بكل شيء بوتيرة بطيئة، بل تعني "تحقيق التوازن في المنزل، والتركيز على الجودة أكثر من الشكل، وإعطاء الأطفال الكثير من الحب والاهتمام دون شروط، "والقبول بالتراجع خطوة للخلف، لمنحهم الفرصة لاستكشاف أنفسهم هم، وليس ما نريدهم أن يكونوا عليه".
وبحسب أونوريه، فإن فرض السيطرة على الأطفال فيما يتعلق بأنظمة الأسرة، "لا ينفي حاجتهم إلى الكثير من الوقت والمساحة لاستكشاف العالم بشروطهم الخاصة، والتوقف فترات كافية للراحة والتفكير والانطلاق".
التباطؤ يساعد في تنمية الصبرفي المقابل، وصف الكاتب الأميركي كريستيان داشيل في مقال نشر مؤخرا على موقع "فاذرلي"، التربية الحرة بأنها "بدء الوالدين بالتخلي عن فكرة أنه ينبغي منح الأطفال كل الفرص جاهزة وسهلة وجيدة"، وتشجيعهم بدلا من ذلك على "خوض تجارب ذات معنى، ومنحهم الوقت والطاقة للتعامل معها"، والتوقف عن طلب الكثير من الأطفال.
وهو ما أكدته أخصائية الطب النفسي نادية تيموريان، قائلة "إن مبادئ التربية الحرة تساعد الآباء على زيادة التفاعلات الهادفة مع أطفالهم".
فعندما يتبنى الآباء أسلوبا أبطأ في التربية، ويتوقفون عن الضغط على أطفالهم باستمرار، "يتعلم الأطفال ابتكار المزيد من الأفكار، واستكشاف اهتماماتهم الخاصة، والتمتع بالأنشطة البسيطة غير المنظمة"، حيث يساعد التباطؤ في تنمية الصبر، "ويتيح للأطفال رؤية العالم من حولهم، وتكوين شخصية أكثر ثراء".
4 طرق لتبني التربية الحرةفيما يلي 4 طرق لتبني التربية الحرة، ومساعدة جميع أفراد الأسرة للحصول على مساحة كافية للتنفس والإبطاء:
1- عدم المبالغة في وضع البرامجفأضرار الإفراط في وضع الخطط والبرامج، لا تقتصر فقط على حرمان الأطفال من فرص التمتع بالراحة، ولكنها تقلل من الأوقات الثمينة التي تسمح للآباء والأطفال بإقامة علاقات أوثق.
تقول د. تيموريان "عندما نقاوم الرغبة في الإفراط في إخضاع أطفالنا للكثير من الأنشطة والبرامج، فإننا نجبر أنفسنا وأطفالنا على إعطاء الأولوية للتواصل مع بعضنا البعض"، من خلال قضاء المزيد من الوقت مع العائلة، "لمساعدة الأطفال على التعافي من ضغوط الحياة اليومية".
وتضيف الأستاذة في جامعة ستانفورد دينيس بوب، قائلة "ليس عليك أن تحكم بقبضة من حديد على نشاط أطفالك، لكن ترشيد الجداول والمواعيد، يمكن أن يساعد الجميع في تجنب الإرهاق".
2- تخصيص وقت للعب الحرهناك قيمة لتخصيص وقت حر للأطفال للعب بطرق طوعية ممتعة، حيث تقول د. تيموريان "إن اللعب الحر والنشاط الخيالي دون قواعد صارمة، يعززان الإبداع وحل المشكلات والمهارات الاجتماعية لدى الأطفال، وينمي لديهم الثقة بالنفس"، لأنه يسمح لهم باستكشاف اهتماماتهم، واتخاذ القرارات، والتنقل بين ألعاب من قبيل إعداد وجبة تخيلية أو التخطيط لعمل مركبة أو بناء حصن، على سبيل المثال.
كما لا بد من الاطمئنان في الوقت نفسه، "أن ألعابهم لن تضيع سدى، وستظل موجودة ليستمتعوا بها في وقت لاحق من اليوم، أو في الإجازة المدرسية القادمة".
3- الصبر على نوبات المللفرغم أهمية اللعب غير المنظم، فإنه قد يبدو أحيانا مملا للأطفال، وفي هذه الحالة يعتمد تكتيك الأبوة والأمومة البطيء الحر على الصبر وتحمل التذمر، وعدم التسرع بالعودة إلى برامج الأنشطة المنظمة، وابتكار لعبة مثيرة في الخارج بدلا من ذلك، ولو تسلق شجرة.
فالأبحاث تشير إلى "فائدة هذه الأنشطة لنمو الأطفال، وتطوير قدراتهم التنفيذية، وتعزيز مهارات إدارة المخاطر، والثقة بالنفس، والاستقلال". كما أنه ببساطة "لم يمت أي طفل من الملل على الإطلاق، بل إن الأطفال الذين يشعرون بالملل، سيتعلمون إطالة عضلاتهم الإبداعية والتوصل إلى بدائل في نهاية المطاف"، كما يقول كريستيان داشيل.
4- الاستخدام الواعي والمتوازن للتكنولوجيافنمط الأبوة والأمومة الحر ينظر إلى الشراء المستمر لأحدث وأفضل الألعاب للأطفال، باعتباره "فخا محتملا" قد يؤدي إلى توتر العلاقة بين الوالدين والأطفال، بسبب الضغوط المتواصلة للحصول على ما شاهدوه من إعلانات مبهرة على شاشة التلفزيون. كما أن الرغبة المستمرة من الأطفال في المزيد من وقت الشاشة يمثل مشكلة صعبة لهذا النمط التربوي أيضا.
لهذا تقول د. تيموريان إن "الوعي والتوازن" هما المفتاح، وتوصي بتمكين الأطفال من استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي، مع مراعاة رفاهيتهم، وعدم الاستغناء عن الشاشات تماما، "والتركيز بدلا من ذلك على التعلم والإبداع، وليس مجرد الترفيه المستمر".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الکثیر من
إقرأ أيضاً:
استثمار يضع سرت الليبية على خارطة النفوذ الاقتصادي الإقليمي
سرت- ضمن رؤية اقتصادية تتماشى مع موجات إعادة التموضع الجغرافي في سلاسل الإمداد، يُعاد اليوم تفعيل موقع ليبيا بوصفه حلقة وصل بحرية وبرية تربط بين ضفتي المتوسط وعمق الساحل الأفريقي.
ويتجسد هذا التوجه من خلال مشروع إنشاء المنطقة الحرة في مدينة سرت الواقعة شمال ليبيا، والمطلة على الساحل الأوسط للبحر الأبيض المتوسط، والتي تبعد نحو 450 كيلومترًا إلى الشرق من العاصمة طرابلس.
ووفق ما صرّح به المدير التنفيذي للمشروع محمود الفرجاني، في حديث خاص للجزيرة نت، فإن قيمة الاستثمار في المشروع تصل إلى ملياري دولار، ويمتد على مساحة تتجاوز 214 هكتارًا.
وأوضح الفرجاني أن المشروع يندرج ضمن "رؤية ليبيا 2030" كما حددها الجهاز الوطني للتنمية، ويتألف من 3 مراحل أساسية لتطوير ميناء سرت، وهي كالتالي:
المرحلة الأولى: تم خلالها تنظيف وتشغيل الميناء الحالي، وقد اكتملت أعمالها بالكامل. المرحلة الثانية: تشمل رصف الأرصفة الجنوبية والشرقية، وقد بلغت نسبة الإنجاز فيها حتى الآن 65%. المرحلة الثالثة: تهدف إلى تعميق الأعماق البحرية لتصل إلى 25 مترًا، مقارنة بالواقع الحالي الذي لا يتجاوز من 9 إلى 11 مترًا.وبيّن الفرجاني أن هذا التطوير سيمنح سرت القدرة على استقبال السفن العملاقة، لا سيما ناقلات الحاويات العابرة، مما يُمهّد لانخراط المدينة في قلب حركة الشحن المتوسطية، بحسب تعبيره.
تموضع إستراتيجي وجدوى مكانيةمن جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد والخبير الاقتصادي علي الصلح أن مشروع المنطقة الحرة في سرت يمثل أحد أعمدة التحول الاقتصادي الذي ينبغي أن يُبنى عليه مستقبل ليبيا في مرحلة ما بعد النفط.
وأشار الصلح، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن ليبيا تملك من المقومات الجغرافية ما لا يتوفر لغيرها، مؤكدًا أن إنشاء مناطق حرة يُعد خطوة ذكية لإعادة تدوير الدور الليبي كمركز إقليمي للتجارة والنقل. إلا أنه شدد في المقابل على ضرورة دمج هذه المناطق ضمن سياسة اقتصادية موحدة، لضمان تكاملها وفاعليتها، حسب قوله.
أما خبير التنمية الاقتصادية في البنك الدولي، محمد الصافي، فقد عبّر عن تأييده المبدئي لجدوى المشروع، لكنه أبدى تحفظًا واضحًا حيال غياب الدراسات الفنية الدقيقة، مشيرًا إلى أن التجربة الليبية مثقلة بسوابق من تضخيم التكاليف وضعف آليات الرقابة، مما قد يُقوض العوائد المنتظرة من المشروع.
ولفت الصافي إلى أن مدينة سرت تتمتع بموقع فريد قرب الحقول النفطية، مما يسهم في تقليص كلفة التشغيل بالنسبة لشركات الطاقة والخدمات، لكنه حذر في الوقت ذاته من أن الانقسام السياسي وغياب الإدارة الموحدة في البلاد قد يُنتج بيئة سلبية تُعطل الاستثمارات وتُعقّد جهود التنمية.
إعلان سوق واعد وفرص تشغيليةوعن الفرص الاقتصادية وسوق العمل، توقّع الفرجاني أن يوفر المشروع أكثر من ألفي وظيفة مباشرة، بالإضافة إلى ما بين 3 آلاف و4 آلاف وظيفة غير مباشرة في قطاعات النقل والخدمات اللوجستية والتوزيع وسلاسل الإمداد.
وفي هذا الصدد، أكد الصافي أن المشروع يتمتع بإمكانية حقيقية لخلق قطاع خدمات متكامل وسلسلة إمداد قادرة على توليد فرص عمل مستدامة، لكنه أوضح أن الأثر الاقتصادي لن يتحقق تلقائيًا، بل يتطلب سياسات تنظيمية تعزز من التنافس وتمنح الأفضلية للكفاءة.
واعتبر الصافي أن التحول من مشروع طموح إلى رافعة اقتصادية يتطلب وجود بيئة تنظيمية تُمكّن القطاع الخاص من النفاذ العادل لتقديم خدمات لوجستية متقدمة، مما يُسهم في خلق سوق منفتح يربط بين البنية التحتية والعدالة الاقتصادية، على حد قوله.
وأشار الفرجاني إلى أن الإطار القانوني الخاص بالمنطقة الحرة يتضمن إعفاءات جمركية وضريبية، وحرية تداول العملات، إلى جانب حرية التملك للأجانب، مع تخصيص 280 موقعًا أعماليًا متاحًا أمام الشركات المحلية والدولية.
قطر تدخل على خط التشغيلوفي تصريح يُكشف للمرة الأولى، أعلن الفرجاني للجزيرة نت أن القيمة الاستثمارية الإجمالية للمشروع تبلغ ملياري دولار، موضحًا أنه أجرى مؤخرًا مباحثات في العاصمة القطرية الدوحة مع شركات قطرية متخصصة في تشغيل وإدارة الموانئ، أبدت اهتمامًا مباشرًا بالمشاركة في تشغيل الميناء والمناطق اللوجستية.
ويأتي هذا التوجه القطري في سياق اهتمام سابق أبدته موانئ أبوظبي وشركات من السعودية وسلطنة عُمان، مما يعكس إدراكًا متزايدًا لدى دول الخليج للأهمية الجيواقتصادية المتنامية لمدينة سرت.
وأوضح الفرجاني أن رؤية المشروع تتقاطع كذلك مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، مما يمنح سرت مكانة محورية في شمال أفريقيا ويُعزز من قدرتها على دخول خارطة النقل العالمية.
وبدوره، يرى الصافي أن هذه النوعية من الاستثمارات ضرورية، موضحًا أن التجارة الخارجية، ولا سيما تجارة العبور، ستكون أحد أعمدة الهوية الاقتصادية الجديدة لليبيا في مرحلة ما بعد النفط، وبالتالي فإن أي استثمار في البنية التحتية الداعمة لهذا القطاع يُعد محل ترحيب.
وكشف الفرجاني في حديثه للجزيرة نت عن خطة لإقامة شبكة طرق إستراتيجية تربط سرت بجنوب ليبيا، انطلاقًا من الجفرة، فسبها، وصولًا إلى الحدود مع النيجر وتشاد، مما يمنح المشروع بعدًا لوجستيًا متكاملًا يربط الساحل الليبي بمخزون الأسواق الحبيسة في عمق أفريقيا، على حد وصفه.
مشاريع حيوية مرافقةوبعيدًا عن الميناء والمخازن، أفاد الفرجاني بوجود خطة شاملة لتطوير البنية التحتية والطاقة في المنطقة، كاشفًا أن دراسة تُعد حاليًا لإنشاء مشروع طاقة شمسية يمتد على مسافة 150 كيلومترًا، بالتعاون مع شركات صينية وأوروبية.
وفي إطار إعادة تشكيل مدينة سرت لتكون بيئة استثمارية تتوافق مع طبيعة المشروع وحجمه، أوضح الفرجاني أن هناك مشاريع إعادة إعمار جارية تشمل تطوير الجسور والطرق والمرافق العامة والإنارة، إلى جانب مشروع مستشفى تخصصي يتم إنشاؤه بشراكة ليبية أميركية.
إعلانوأشار الفرجاني إلى أن هذه الخطوات المتزامنة مع تأسيس المنطقة الحرة تُعد جزءًا من مقاربة تكاملية تهدف إلى تحويل مدينة سرت إلى بيئة حضرية جاذبة للكفاءات، ومزودة ببنية تحتية تستوعب طبيعة الوظائف الجديدة وتدعم التحوّل إلى دور اقتصادي محوري في الخارطة الإقليمية.