مرحبا بكم في عاصمة الجهاد الأميركية.. مقال يحرض على مسلمي ميشيغان
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
واشنطن- أثار مقال رأي نشرته، أول أمس السبت، صحيفة وول ستريت جورنال المعروفة بتوجهاتها المحافظة غضبا واسعا في أوساط مسلمي الولايات المتحدة والكثير من السياسيين الديمقراطيين في الوقت ذاته.
ونشرت الصحيفة مقال رأي عنوانه "مرحبا بكم في ديربورن، عاصمة الجهاد الأميركية" حرض فيه الكاتب على مسلمي ولاية ميشيغان في إحدى أهم وأكثر الصحف الأميركية نفوذا.
وعقب نشر المقال، والذي جاء تحريضيا بامتياز، أمر عمدة مدينة ديربورن بولاية ميشيغان عبد الله حمود بتكثيف دوريات الشرطة بالقرب من أماكن العبادة، ومواقع البنية التحتية الرئيسية بالمدينة.
Americans know that blaming a group of people based on the words of a small few is wrong.
That’s exactly what can lead to Islamophobia and anti-Arab hate, and it shouldn’t happen to the residents of Dearborn – or any American town.
We must continue to condemn hate in all forms.
— President Biden (@POTUS) February 4, 2024
كما دخل الرئيس جو بايدن على خط الجدل حول المقال، وقال في تغريدة على موقع إكس "يعرف الأميركيون أن إلقاء اللوم على مجموعة من الناس بناء على كلمات قلة صغيرة أمر خاطئ. هذا بالضبط ما يمكن أن يؤدي إلى الإسلاموفوبيا والكراهية المعادية للعرب، ولا ينبغي لذلك أن يحدث لسكان ديربورن أو أي بلدة أميركية. يجب أن نستمر في إدانة الكراهية بجميع أشكالها". وتقع مدينة ديربورن في مقاطعة وين، بولاية ميشيغان، وتعد امتدادا لمدينة ديترويت، ويقع فيها المقر الرئيسي لشركة فورد لصناعة السيارات.
وتحتضن المدينة إحدى كبرى الجاليات من أصول شرق أوسطية، حيث توجد في المدينة أكبر جالية عربية في الولايات المتحدة من حيث العدد، وأيضا من حيث نسبتهم إلى عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكان المدينة من ذوي الأصول العربية حوالي 40 ألفا، ونسبتهم تقارب 40% من إجمالي سكان المدينة.
سجل مثير للجدل
وزعم مقال وول ستريت جورنال أن الآلاف من سكان المدينة يدعمون حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وجاء في المقال الذي كتبه ستيفن ستالينسكي، المدير التنفيذي لمؤسسة "ميمري" (MEMRI)، معهد بحوث الإعلام في الشرق الأوسط، أن الأئمة والسياسيين في المدينة، التي تتركز بها جالية عربية وإسلامية ضخمة، يقفون إلى جانب حماس ضد إسرائيل، وإلى جانب إيران ضد الولايات المتحدة.
ويثير سجل المعهد، الذي يترأسه الكاتب، الكثير من التساؤلات، إذ إنه من المعروف على نطاق واسع قربه من الدوائر الحكومية الإسرائيلية، رغم أنه مسجل رسميا في واشنطن كمنظمة أميركية غير حكومية تأسست عام 1998 على يد العقيد إيغال كمرون، وهو ضابط استخبارات سابق بالجيش الإسرائيلي، عمل مستشارا أمنيا لمكافحة الإرهاب لكل من رئيسي الوزراء الإسرائيليين إسحاق شامير وإسحاق رابين.
وينشر المعهد ترجمة دورية لعدد من الفيديوهات وأجزاء من مقالات، يهاجم فيها إعلاميون وسياسيون ونشطاء مسلمون وعرب وفلسطينيون الولايات المتحدة أو الغرب، ويرسلها لقائمة بريدية تبلغ عدة آلاف من المهتمين بشؤون الشرق الأوسط داخل وخارج الولايات المتحدة.
ولكن المحتوى الذي ينشره المعهد يركز على كل ما يسيء للعرب والفلسطينيين والمسلمين من مواد إعلامية، وتصريحات سياسية أو فضائح مجتمعية، بهدف تشويه صورة العرب والدين الإسلامي، ووصمهما بالإرهاب والتطرف.
وكتب ستالينسكي يقول إن "الآلاف يتظاهرون دعما لحماس وحزب الله وإيران. المتظاهرون، وكثير منهم يرتدون الكوفية، يهتفون انتفاضة انتفاضة، ومن النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرة، وأميركا دولة إرهابية. والأئمة المحليون يلقون خطبا نارية معادية للسامية، وهذا لا يحدث في الشرق الأوسط، بل في إحدى ضواحي ديترويت في ديربورن بولاية ميشيغان".
وبعد مهاجمة الكاتب عمدة المدينة، وعددا من أئمة مساجد المدينة على ما اعتبره تأييدا لهجوم حماس على إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يقول في نهاية مقاله إن "الدعم العلني لحماس آخذ في الانتشار. ومنذ 7 أكتوبر، وقعت احتجاجات مماثلة في المدن الأميركية الكبرى تضمنت صورا وهتافات وشعارات مؤيدة للجهاديين. وتعبر المسيرات الآن أيضا عن دعمها للحوثيين المدعومين من إيران، الذين يطلقون الصواريخ على إسرائيل، ويحاولون إغراق السفن التجارية في البحر الأحمر".
وحرض الكاتب أجهزة إنفاذ القانون على التدخل، وقال إن "ما يحدث في ديربورن ليس مجرد مشكلة سياسية للديمقراطيين، بل من المحتمل أن تكون قضية أمن قومي تؤثر على جميع الأميركيين، وعلى وكالات مكافحة الإرهاب على جميع المستويات أن تولي اهتماما وثيقا بما يجري".
Dearborn is a vibrant community full of Michiganders who contribute day in and day out to our state. Islamophobia and all forms of hate have no place in Michigan, or anywhere. Period.
— Gretchen Whitmer (@gretchenwhitmer) February 4, 2024
غضب ورد فعل
وقال عبد الله حمود عمدة ديربورن في بيان "ردا على مقال رأي معاد للإسلام ومعاد للعرب وعنصري بشكل صارخ نشرته صحيفة وول ستريت جورنال اليوم، قمنا بزيادة وجود قوات إنفاذ القانون في جميع أنحاء ديربورن".
وأضاف "تواصل شرطة ديربورن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي بحثا عن التهديدات. هذه أكثر من مجرد صحافة غير مسؤولة. إن نشر مثل هذه الكتابات التحريضية يعرض سكاننا لخطر متزايد للأذى".
كما عبرت حاكمة ولاية ميشيغان، جريتشن ويتمير، عن غضبها، وقالت في تغريدة على موقع إكس إن "ديربورن هي مدينة نابضة بالحياة مليئة بمواطنين يساهمون يوما بعد يوم في بناء ولايتنا. الإسلاموفوبيا وجميع أشكال الكراهية ليس لها مكان في ميشيغان، أو في أي مكان".
وفي بيان صدر عن مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية "كير"، قال مدير فرع ميشيغان بالمنظمة الإسلامية الأكبر في الولايات المتحدة داود وليد إنه "يرحب بتكثيف دوريات الشرطة"، وأضاف "نرحب بالنهج الاستباقي الذي اتخذه العمدة حمود لحماية الجالية المسلمة من هجوم محتمل بناء على الادعاءات الكاذبة في هذا المقال غير الدقيق والتحريضي".
جدير بالذكر أنه خلال زيارته إلى ولاية ميشيغان يوم الخميس، قوبل الرئيس جو بايدن باحتجاجات معارضة لموقفه من دعم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولم تتضمن زيارة بايدن أي لقاءات مع قادة الأميركيين العرب.
وكتب حمود على منصة إكس أثناء الزيارة يقول "حياة الفلسطينيين لا تقاس بأرقام استطلاعات الرأي، عندما ينظر المسؤولون المنتخبون إلى الفظائع في غزة على أنها مشكلة انتخابية فقط، فإنهم يختزلون آلامنا التي لا توصف في حسابات سياسية ضيقة".
كما غرد عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي من ولاية كاليفورنيا، روا هانا، داعما المدينة وعمدتها، وقال "لا تعد ديربورن مركزا للابتكار في أميركا بالشراكة مع وادي السيليكون فحسب، بل إن عمدتها هو واحد من رؤساء البلديات الأكثر ديناميكية! لقد قدم للطبقة العاملة والمتوسطة أكثر مما قدمه مجلس إدارة وول ستريت جورنال الذي يوصي بسياسات فارغة!".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة وول ستریت جورنال ولایة میشیغان سکان المدینة
إقرأ أيضاً:
لماذا ستخسر الولايات المتحدة معركتها مع الصين؟
يوم التحرير الذي خصصه دونالد ترامب للإعلان عما يُفتَرض أنها رسوم جمركية متبادلة ضد معظم بلدان العالم تحوَّل بعد تراجعه المتعجِّل عنها تحت ضغط الأسواق إلى حرب تجارية مع الصين. وربما هذا ما كان مقصودا أو غير مقصود منذ البداية.
إذن، هل يمكن أن يكسب ترامب هذه الحرب ضد الصين؟ في الواقع، هل يمكن للولايات المتحدة بعد عودة ترامب الثانية أن تأمل في التفوق في تنافسها الأوسع نطاقا مع الصين؟ الإجابة على السؤالين هي بالنفي. ليس لأن الصين لا تُقهَر. ولكن لأن الولايات المتحدة تُبدِّد كل الأصول التي تحتاج إليها للحفاظ على مكانتها في العالم في مواجهة قوة بضخامة وقدرة وعزيمة الصين.
كتب ترامب في تدوينة عام 2018 «الحروب التجارية جيدة ومن اليسير كسبها» كفكرة عامة هذا غير صحيح. فالحروب التجارية تؤذي كلا الطرفين. وفي حين من الممكن أن تنتهي الحرب التجارية بالتوصل إلى اتفاق يفيد كلا الجانبين إلا أن هذه النتيجة مستبعدة، بل من المرجح أن يفيد أي اتفاق من هذه الشاكلة أحد الطرفين على حساب الطرف الآخر. ومن المفترض أن مثل هذا الاتفاق هو ما يأمل فيه ترامب. أي أن تكسب الولايات المتحدة وتخسر الصين.
في اللحظة الراهنة تفرض واشنطن رسما جمركيا بنسبة 145% على الواردات الصينية فيما تفرض بكين رسما بنسبة 125% على الولايات المتحدة. كذلك فرضت الصين قيودا على صادرات «المعادن النادرة» للولايات المتحدة.
هذه الرسوم في الواقع حواجز عالية جدا ومانعة للتجارة. ويبدو مثل هذا الوضع «مواجهة لا يمكن أن ينتصر فيها أي طرف» بين القوتين العظميين؟ يميل المرء إلى الاعتقاد بأن الخطة الأمريكية (إذا كانت هنالك خطة أصلا) هي إقناع الشركاء التجاريين بفرض حواجز ثقيلة على الواردات من الصين مقابل حصولهم على اتفاقيات تفضيلية في التجارة (وربما في مجالات أخرى كالأمن) مع الولايات المتحدة. لكن هل هذه النتيجة ممكنة؟ الإجابة بالنفي.
أحد أسباب ذلك أن الصين تملك أوراقا قوية أيضا، فهنالك العديد من القوى المهمة التي لديها تبادل تجاري أكبر مع الصين مقارنة بالولايات المتحدة، من بين هذه البلدان استراليا والبرازيل والهند واندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية. نعم الولايات المتحدة سوقُ تصدير أكثر أهمية من الصين لبلدان عديدة مهمة لأسبابٍ من بينها العجوزات التجارية التي يشكو منها ترامب.
لكن الصين أيضا سوق مهمة لعدة بلدان.. بالإضافة إلى ذلك الصين مصدر واردات ضرورية لا يمكن إحلال العديد منها؟ فالواردات هي بعد كل شيء غرض التجارة.
الأهم أن الولايات المتحدة لم تعد مؤتمنة، فحين تتعامل على أساس المقايضات الآنية مع البلدان الأخرى تسعى دائما إلى الحصول على صفقات أفضل، ولا ينبغي لأي بلد «بكامل قواه العقلية» أن يرهن مستقبله لمثل هذا الشريك خصوصا في مواجهة الصين، وتعامُل ترامب مع كندا يشكل لحظة فاصلة. لقد ردَّ الكنديون عليه بإعادة انتخاب الليبراليين. فهل سيتعلم ترامب من هذا؟ هل يمكن للفهد أن يغير بُقَع جلده؟ هذه طبيعته. ترامب أيضا رجل اختاره الناخبون الأمريكيون مرتين.
الى ذلك، فك الارتباط مع الصين ينطوي على مخاطر، فالصين لن تنسى ومن المستبعد أن تغفر. وهي على الأقل تعتقد بأن شعبها أفضل في تحمل المعاناة الاقتصادية من الأمريكيين.
كما أن الحرب التجارية بالنسبة لها صدمة «طلب» أساسا في حين إنها للولايات المتحدة أساسا صدمة «عرض.» وإحلال الطلب المفقود أكثر سهولة من إحلال العرض المفقود.
الخلاصة، لن تحصل الولايات المتحدة على الاتفاقيات التي يبدو أنها تسعى إليها ولا على الانتصار الذي تأمل فيه على الصين. وافتراضي هو أن ترامب، مع اتضاح ذلك للبيت الأبيض، سيتراجع على الأقل جزئيا من حروبه التجارية معلنا الانتصار ثم يمضي في اتجاه آخر.
لكن ذلك لن يغير من واقع أن الولايات المتحدة تتنافس حقا مع الصين من أجل النفوذ الدولي. والمؤسف أن الولايات المتحدة اليوم ليست تلك الولايات المتحدة التي يريد العديدون منها أن تنجح في هذه المنافسة.
أمريكا ترامب لن تتفوق، فسكانها ربع سكان الصين واقتصادها بنفس حجم اقتصاد الصين فقط لأنها أوفر إنتاجا، ولا يزال نفوذها الثقافي والفكري والسياسي يفوق كثيرا نفوذ الصين لأن مبادئها وأفكارها أكثر جاذبية وأمكنها إيجاد تحالفات قوية تعزز هذا النفوذ مع البلدان المماثلة لها في توجهاتها. باختصار لقد ورثت أصولا ضخمة وتنعَّمت بها.
الآن دعونا ننظر فيما يحدث في ظل نظام حكم ترامب. ما يحدث مساعي تهدف إلى تحويل حكم القانون إلى أداة انتقام وتفكيك حكومة الولايات المتحدة واحتقار القوانين التي تشكل أساس الحكومة الشرعية والهجوم على البحث العلمي واستقلال الجامعات الأمريكية العظيمة. ما يحدث أيضا شنُّ الحروب على الإحصائيات الموثوقة والعداء تجاه المهاجرين على الرغم من أنهم ظلوا يشكلون قواعد نجاح الولايات المتحدة على مَرِّ الأجيال والإنكار الصريح لعلم الطب وعلم المناخ ورفض معظم الأفكار الأساسية في اقتصاديات التجارة.
هذا بالإضافة إلى مساواة قادة روسيا بقادة أوكرانيا أو حتى تفضيلهم عليهم والاحتقار العلني لتحالفات ومؤسسات تعاون يرتكز عليها النظام العالمي الذي أقامته الولايات المتحدة. كل هذا يحدث بواسطة حركة سياسية احتضنت تمرد يناير 2021 (اقتحام مبنى الكونجرس بواسطة أنصار ترامب عقب خسارته الانتخابات الرئاسية وقتها- المترجم.) نعم النظام الاقتصادي العالمي بحاجة حقا إلى تحسين. والحجة وراء مطالبة الصين بأن تتحول إلى النمو الذي يقوده الاستهلاك مُقنِعة جدا. ومن الواضح أيضا أن الكثير من الإصلاح مطلوب داخل الولايات المتحدة. لكن ما يحدث الآن ليس إصلاحا بل تحطيم لقواعد نجاح الولايات المتحدة في الداخل والخارج، وسيكون من الصعب تصحيح ذلك، وسيكون من المستحيل للناس نسيان من تسبب في ذلك وما تسبب في ذلك.
الولايات المتحدة التي تحاول إحلال حكم القانون والدستور برأسمالية المحاسيب الفاسدة لن تتفوق على الصين. والولايات المتحدة التي تتعامل مع البلدان الأخرى على أساس نفعي محض لن يُخلِص حلفاؤها في دعمها. العالم بحاجة الى الولايات المتحدة التي تنافس الصين وتتعاون معها. لكن للأسف في وضعها الحالي ستفشل فيهما كليهما.