بعد استهداف العمق الإيراني.. هل فقدت طهران قوتها الردعية؟
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
طهران- انطلاقا من عقيدتها العسكرية التي تتبنى "الضربة الثانية" للانتقام من الضربة الأولى ومنع الضربات التالية، عملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ سنواتها الأولى على تكوين قوة ردعية تعتمد برامج تسليح كبيرة وشبكة حلفاء إقليميين لردع الخصوم وإبعاد شبح الحرب عن حدودها.
وإلى جانب برامج الصواريخ الباليستية والمسيرات والصناعات الفضائية، فإن طهران بقِيَت تتمسك ببرنامجها النووي رغم الضريبة الباهضة التي دفعتها من أجله، ليصبح مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب عاملا تخشاه بعض الأطراف الأجنبية، بحسب مراقبين.
وبالرغم من فتوى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بـ"حرمة تصنيع واستخدام أسلحة الدمار الشامل" فإن فقهاء المذاهب الإسلامية والمستشرقين يعرفون جيدا بأن "الفقه الشيعي مبني على أسس دينامية حيوية" تجعله قابلا لاستجابة التطورات ومواكبتها، فيتحول برنامج طهران النووي إلى عصا مرفوعة فوق رأس الجهات التي تصنفها طهران في خانة الأعداء.
وعلى ضوء التهديدات الإيرانية المستمرة طوال العقود الأخيرة "من أنها ستقطع الأيادي التي تطال أمنها القومي" حاولت طهران بالفعل أن تنفذ ضربات عسكرية خارج حدودها لا سيما على الأراضي السورية والعراقية والباكستانية، بيد أن سلوك الأخيرة كان مختلفا، إذ ردت -الشهر الماضي- بالمثل داخل الأراضي الإيرانية.
وإذا كان مفهوم الردع يساوي الترهيب والتهديد بالعقاب والانتقام ممن يتطاول على الأمن القومي للدول، فإن الرد الباكستاني الأخير والغارات الأميركية التي استهدفت 7 منشآت تضمنت أكثر من 85 هدفا يستخدمها الحرس الثوري الإيراني وجماعات مسلحة تابعة له في سوريا والعراق، قد أثار تساؤلات لدى الأوساط الإيرانية عن إمكانية تغيير مفهوم الردع، وعما إذا كان الإسراف في التهديد والوعيد قد يُفرِغه من مضمونه.
مصداقية التهديدوبما أن أصوات التهديد والوعيد بالانتقام والعقاب تتعالى من العديد من الشخصيات والمؤسسات الإيرانية عقب العمليات التي تستهدف عمق الجمهورية الإسلامية، يحث الأكاديمي في جامعة تربيت المدرس والباحث في القضايا الجيوإستراتيجية فرزاد أحمدي، بلاده على تضييق دائرة الجهات التي يحق لها التهديد لتعزيز قوة الردع الوطنية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى أحمدي أن الإفراط والغلو في التهديد يفقدانه تأثيره، مشددا على ضرورة تحديد شخصية يرجح أن تكون ضمن قادة هرم السلطة لإطلاق التهديدات في سياق نظرية الردع، والحرص على تنفيذها وفق معادلة "رد الصاع صاعين".
واعتبر الباحث الإيراني، أن قوة بلاده الردعية قائمة على قدرتها العسكرية إلى جانب قوتها النسبية في السياسة دون الاقتصاد، واصفا حركات المقاومة المتحالفة مع طهران بأنها عززت نفوذ الأخيرة في المنطقة ووسعّت دائرة الردع وجبهتها الأمامية إلى مئات الكيلومترات خارج حدودها، مما أثار حفيظة القوى الكبرى التي تعتزم هذه الأيام مواجهة فصائل المقاومة.
في المقابل، يعتقد السفير الإيراني السابق في أرمينيا والبرازيل علي سقائيان، أن "مصداقية الموقف لدى قادة الجمهورية الإسلامية الروحيين تتقدم على عنصر القدرة العسكرية في معادلة الردع"، مؤكدا أن بلاده تستمد جزء من قواها الردعية من المجتمع الإيراني الذي يجدد دعمه باستمرار لسياسات بلاده.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الدبلوماسي الإيراني السابق أن تصاعد الأصوات المتوعدة عقب العمليات التخريبية والإرهابية إنما تدل على حرية التعبير في بلاده، مؤكدا أنه رغم فتوى المرجعية الدينية في إيران بتحريم السلاح النووي لكن التقنية التي حققتها طهران ستبقى عاملا مساعدا في تعزيز قوتها الردعية.
وخلص إلى أن الحكومات الإيرانية المتعاقبة ورغم اختلافها في الأساليب والسياسات فإنها تشترك في الدبلوماسية الردعية، فمنها من تعتقد بضرورة حلحلة الخلافات على طاولة المفاوضات، وأخرى تؤمن بتعزيز القدرات التقليدية إلى جانب توطيد العلاقات الخارجية وعقد تحالفات إستراتيجية مع القوى الإقليمية والدول الصديقة.
وبينما تذهب شريحة من الإيرانيين إلى أن "الهجوم أفضل وسيلة للدفاع" لا سيما في تحييد الأخطار المحدقة بالأمن الوطني، وأنه لا ينبغي التريث حتى تلقي الضربة الثانية للرد والانتقام، يعتقد طيف آخر أن قوة الردع (التهديد باستخدام القوة) تمثل أفضل طريقة لضمان الأمن القومي والمصالح الوطنية.
وعلى النقيض من سقائيان الذي يرى في حرص طهران على تنفيذ تهديداتها ما يعزز قوتها الردعية، يعتقد أستاذ الجغرافيا السياسية عطا تقوي أصل، أن بعض تلك التهديدات قد أَخلّت بالردع الوطني وفتحت الباب أمام بعض القوى مثل باكستان لتنفيذ ضربات عسكرية داخل الأراضي الإيرانية لأول مرة بعد الحرب العراقية الإيرانية، وأخرى مثل الولايات المتحدة التي أضحت تعلن بصراحة أنها تستهدف أهدافا إيرانية على الأراضي العراقية والسورية واليمنية.
وفي حديثه للجزيرة نت، ينتقد تقوي سياسة بلاده في اتخاذ مواقف متسرعة وتوجيه أصابع الاتهام لبعض الأطراف الأجنبية قبل إكمال التحقيقات والتحريات، مشددا على ضرورة تشكيل لجنة تقصي الحقائق في الأحداث الأمنية، ورأى أن الانتقام العسكري لابد أن يكون آخر الخيارات بعد فشل القنوات الدبلوماسية في تحييد الأخطار.
من ناحيته، يعتقد الباحث الإستراتيجي رضا نصري، أن معادلة الردع تتكون من مجموع القدرة العسكرية للدول ومصداقيتها في التهديد لثني الجهات المهاجمة عن اتخاذ أي إجراء عملي ضدها، مؤكدا أن النتائج قد تكون عكسية في حال عدم الاهتمام الوافي بالبعد الثاني من هذه المعادلة.
وفي مقال نشره على وكالة أنباء جماران الإيرانية، يعتقد نصري أن إفراط بعض الجهات غير المعنية بالتهديد قد يخل بتأثير عامل مصداقية التهديدات على المستويين الإقليمي والدولي ويرفع من ضغوط الرأي العام الداخلي للمطالبة باتخاذ خطوات عسكرية وإن كان الانتقام في بعض الأحيان متناقضا مع إستراتيجية البلاد.
ورسم الباحث الإستراتيجي، خارطة طريق لترميم قوة الردع الإيرانية وفق عدد من الخطوات تشمل تعديل الخطاب وعدم الاكتفاء باستعراض القوة العسكرية، وتعزيز الدبلوماسية وتبني خطاب يدعو للسلم، ليكون التهديد أمرا استثنائيا في البلاد، وجديا للغاية بالنسبة للقوى المنافسة.
وكذلك حصر التهديد والتوعد بالانتقام في صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة دون غيره، ورفع مصداقية مواقف البلاد لا سيما في استخدام عنصر التهديد كونه عاملا مهما في معادلة الردع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: معادلة الردع
إقرأ أيضاً:
تقرير: بعثة الأمم المتحدة فقدت دورها وشرعيتها وتُكرر الفشل في ليبيا
???? ليبيا | تقرير: بعثة الأمم المتحدة تفقد مصداقيتها وتُطيل عمر الأزمة بلا حلول
ليبيا – هاجم تقرير تحليلي نشره القسم الإنجليزي من مجلة “العربي الجديد” القطرية، دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، متهمًا إياها بإطالة أمد الأزمة الليبية منذ انطلاق ولايتها في عام 2011، بدلًا من الإسهام في حلها.
???? توصيات بلا غطاء أو جدوى ❌
التقرير، الذي تابعت صحيفة المرصد ترجمته، انتقد خلاصة عمل اللجنة الاستشارية التي شكلتها البعثة الأممية في فبراير، والتي نُشرت في 20 مايو الجاري، معتبرًا أن التوصيات الأربعة المقدمة لا تُقدّم حلولًا جديدة، بل تُعيد إنتاج الانسداد السياسي.
???? مسارات مقترحة تفتقر إلى الشرعية ????
أشار التقرير إلى أن المسارات الأربعة المطروحة، رغم احتوائها على مقترحات بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة وفترة انتقالية، لا تحظى بأي غطاء سياسي أو قانوني، ولم يُصادق عليها أي كيان سياسي ليبي، مما يجعلها غير ملزمة ومفتوحة لتقديرات البعثة الأممية.
???? الخيارات مبنية على مؤسسات فقدت شرعيتها ????️
التقرير اعتبر أن اعتماد البعثة على مؤسسات مثل مجلس النواب ومجلس الدولة، المتهمَين بالفساد وفقدان الشرعية، يقوّض فرص تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي، مؤكدًا أن هذه المؤسسات تُعيق إجراء الانتخابات وتحرم الليبيين من حقهم في اختيار حكومتهم.
???? بعثة أممية بلا رؤية واضحة ????
اتهم التقرير البعثة بأنها أصبحت “وسيطًا لا غنى عنه” لكنها تفتقر لرؤية واضحة وتُدار من دون نية لتقديم حل وسط، مؤكدًا أن عملها الحالي يزيد من تعقيد المشهد ولا يعكس المطالب الشعبية المتزايدة.
???? انتقادات محلية: انحياز وفشل مزمن ????
نقل التقرير عن الأكاديمي ميلاد سعيد أن البعثة “تُطيل عمر الأزمة بلا سبب واضح”، بينما اتهم النائب مصباح دومة البعثة بالانحياز لطرف سياسي، دون ذكر تفاصيل. كما أشار إلى أن 10 مبعوثين أمميين تعاقبوا على قيادة البعثة منذ 2011 دون تحقيق أي تقدم حاسم.
???? ضغوط شعبية في ظل فشل سياسي ????
التقرير اختتم بالإشارة إلى تصاعد التذمر الشعبي بسبب الفشل في إجراء الانتخابات وتدهور الوضع المعيشي، بالتزامن مع اشتباكات مسلحة في طرابلس وتظاهرات تطالب بإسقاط كافة الهيئات السياسية، ما يستوجب من البعثة إعادة النظر في مقاربتها لتفادي تكرار الإخفاقات.
ترجمة المرصد – خاص