أثير – الدكتور صلاح جرّار وزير الثقافة الأردني الأسبق

هل يوجد في أي مادّة من موادّ القانون الدولي ما ينصّ على تحريم التعاون بين الدول العربيّة في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمن الخارجي وغير ذلك؟ وهل يوجد في أيّ اتفاقية أو معاهدة بين الدول العربيّة والدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين ما يلزم الدول العربية بعدم التعاون في ما بينها عسكريًّا واقتصاديًّا وتكنولوجيًا؟

إذا كانت الإجابة عن هذين التساؤلين وأمثالهما من التساؤلات بـــ “نعم” فتلك مصيبة كبرى تؤكد أنّ كلّ ما تدّعيه الدول العربيّة من الاستقلال وامتلاك الإرادة الحرّة ما هو إلاّ كلامٌ في كلام، وأنّه إن صحّ ذلك يجب مراجعة هذه الاتفاقيات والقوانين وتخليصها من مثل هذه الموادّ والقيود التي تعيق التنمية والتطوّر في بلدان الوطن العربي بموجب إملاءات خارجيّة، ولا بدّ حينذاك من عدم التسليم بما لا يرضى عنه منطق ولا يتقبله عقل ولا يخدم مصلحة الأمّة، ولا بدّ من التخلّص من التذرّع بقاعدة “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”، وذلك أنّ قوانين العالم كلّها تطوّرت وتتطوّر، وجميع دول العالم تسعى إلى صياغة قوانينها بما يحقق مصالحها بعيدة الأمد وبقينا نحن نتشبّث باتفاقيات سايكس بيكو وغيرها من مئات القرارات والاتفاقيات والمعاهدات التي فرضت علينا بقوة أعدائنا.

أمّا إذا كانت الإجابة عن التساؤلين أعلاه بـــ”لا”، وفي اعتقادي أنه لا توجد قرارات دولية تلزمنا بعدم التعاون في ما بيننا، فإنّ المصيبة أعظم، لأنّ ذلك يعني أن سياساتنا العربية التي تحول دون التعاون بين بلداننا هي سياسات وأحكام ذاتيّة وقرارات شخصية واجتهادات فردية استمرت طويلاً حتّى أصبحت أمراً واقعاً وحالة يصعب المساس بها.

وقد يقول كثير من الناس إنّ المصالح الاقتصادية لكلّ قطر عربي على حدة تفرض على كلّ قطر أن ينصاع لإملاءات الدول الكبرى التي تربطه بها تلك المصالح، ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامّة للأمّة.

وفي رأيي أنّ هذا الأمر، إن صحّ، فإنّه لا يختلف عن كونه قراراً ذاتياً وانصياعاً شخصياً لإملاءات القوى الكبرى غير المباشرة. وسواءً أكان غياب رغبة الدول العربية في عدم التعاون في ما بينها هو قرارات ذاتية أو محاولات لاسترضاء القوى الكبرى، أو انصياعاً لإملاءاتها فإنّ ذلك مما لا يمكن وصفه بأقلّ من مصيبة عظمى، ذلك أن القرارات الدولية أو نصوص المعاهدات والاتفاقيات الملزمة مع الدول من الأمور التي يمكن إعادة تقييمها بعد مرور حقبة من الزمن ويمكن تعديلها أو إلغاؤها، أمّا السياسات التي تمثل أحكاماً فرضناها نحن على أنفسنا وتقوم على رغبات شخصية أو محاولات استرضاء الدول الكبرى فهي سياسات خضوع ذاتي لا تفضي إلاّ إلى مزيد من التفرقة والتفكيك والتنازع بين الدول العربية وتحول دون أي فرصة للتقارب والتعاون بين هذه الدول لأنّ الدول الكبرى التي تسعى هذه السياسات إلى استرضائها وكسْب ودّها ليس من مصلحتها أن يتحقق أي تعاون أو تنسيق أو تقارب بين الدول العربيّة إلاّ في ما لا قيمة له.

إنّ سؤال التعاون العربي انطلاقاً من المصلحة القوميّة للأمّة هو أهمّ الأسئلة التي ينبغي أن لا نغفل عنها لحظة واحدة، لأنّ كلّ ما يحدث لنا في هذه الأيام وما حلّ بأوطاننا من فلسطين إلى العراق إلى سوريا إلى اليمن إلى ليبيا إلى السودان إلى لبنان ما هو إلاّ نتيجة مباشرة لغياب التعاون العربي والنظر إلى هذا التعاون بوصفه متطلباً ثانوياً وشعاراً من الكماليات وحاجة يمكن تأجيل النظر فيها، وإن الاستمرار في التغاضي عن هذا المطلب تحت ذريعة تحقيق المصلحة القطرية الوطنية أوّلاً سوف يؤدّي إلى مزيد من التمزّق والتفكيك والتناحر ومزيد من الانهيارات داخل كل قطر على حدة. إنّ علينا أن نقدّم مصالحنا العربية المشتركة على مصالحنا مع الدول الكبرى، لأن مصالحنا العربية المشتركة هي مفتاح نهضتنا وقوّتنا واستقلالنا الحقيقي، أما مصالحنا مع الدول الكبرى فهي مصالح آنية زائلة.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: بین الدول العربی الدول العربی ة الدول الکبرى

إقرأ أيضاً:

رئيس البرلمان العربي: الصين إحدى أهم القوى العالمية الداعمة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني

القاهرة- أعرب رئيس البرلمان العربي عادل بن عبد الرحمن العسومي، عن تقديره للمواقف المشرفة للصين تجاه القضية الفلسطينية بمعزل عن جهودها الحثيثة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام الإقليمي، مؤكدا أن الدول العربية تعتبر الصين إحدى أهم القوى العالمية الداعمة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والداعمة لحل القضية الفلسطينية وفق حل الدولتين.

وأكد العسومي، في حوار مع صحيفة "الشعب" اليومية في الصين، الجمعة 31مايو2024، أهمية المنتدى الصيني العربي بالنسبة للدول العربية في ظل التقدم الكبير الذي وصلت إليه الصين في المجال التنموي، مشيرا إلى أن الصين لا تكتفي بالنمو أحادي الجانب، والاستئثار بمكتسباته لنفسها فقط، لكنها تحرص على نقل خبرتها وتجربتها فيه إلى الدول التي ترتبط معها بعلاقات شراكة، وفي مقدمتهم الدول العربية.

وقال إن علاقات الدول العربية مع الصين تضرب بجذورها في التاريخ، حيث وصلت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية على المستويات كافة وفي مختلف المجالات.

وأضاف أن منتدى التعاون الصيني العربي، الذي تأسس من خلال اتفاق بين جامعة الدول العربية والصين في عام 2004، يلعب دورا محوريا في تسليط الضوء على المجالات التي يمكن من خلالها تعزيز التعاون والتآزر بين الدول العربية من جهة والصين من جهة أخرى، خاصة في المجالات التنموية والاقتصادية، وكذلك تنسيق المواقف بشأن وجود عدالة في النظام الدولي بعيدا عن الهيمنة الأحادية التي عانى منها العالم لسنوات عديدة.

وأشار إلى أن هناك تعاونا واضحا بين الدول العربية والصين لتنفيذ ما جاء في إعلان المنتدى من تحقيق للسلام، وتشجيع للاستثمار والتعاون الاقتصادي مع تنسيق صيني عربي في مختلف القضايا السياسية بالمحافل الدولية والإقليمية، فضلاً عن تعزيز التبادل الثقافي العربي الصيني الذي ازدادت وتيرته على مدار السنوات الماضية في عدة أوجه، من بينها دعم حركة الترجمة للكتب العربية والصينية.

وأوضح أن ما يؤكد نجاح وتطور هذا المنتدى وقدرته على تحقيق تنمية أكبر مستقبلاً؛ هو نجاح الصين ودول مجلس التعاون الخليجي من خلال الحوارات المستمرة بينهما، تحت مظلة المنتدى، في الانتهاء من نحو 90% من اتفاق التجارة الحرة بينهما، والذي عند اكتماله سيشجع دول أخرى في المنطقة العربية لاتباع المسار نفسه مع الصين.

وأضاف أن البرلمان العربي يثمن - كثيراً - المبادرات الثلاث العالمية التي طرحها الرئيس الصيني، وهي مبادرة الحضارات العالمية، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي" ، مؤكدا أن هذه المبادرات تمثل نموذجا مهما، لما ينبغي أن تكون عليه سياسات القوى الدولية لذلك، تحظى هذه المبادرات بثقة وتقدير واحترام المجتمع الدولي."

 

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • الصين والدول العربية في السراء والضراء
  • بمشاركة سلطنة عُمان: “أوبك بلس” تمدد تخفيضات الإنتاج التطوعية الإضافية
  • انضم لها البنك المركزي العماني: ماذا تعرف عن نظام المدفوعات الخليجية “آفاق”؟
  • “القيادات الإعلامية العربية الشابة” يواصل فعالياته التثقيفية والتفاعلية في أبوظبي
  • عمان ضيف شرف "الملتقى الاقتصادي العربي الألماني".. غدا
  • بدور القاسمي ووزير الثقافة يبحثان ترشيح “الفاية الأثري” على قائمة التراث العالمي لليونسكو
  • رئيس البرلمان العربي: الصين إحدى أهم القوى العالمية الداعمة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني
  • الصين نفذت 3000 مشروعًا بالدول العربية خلال الفترة الماضية (شاهد)
  • أبرز توصيات أبو الغيط في الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني
  • وانغ يي وزير الخارجية الصيني يكتب: العرب والصين.. مستقبل مشترك نحو عصر جديد