الدكتور حسن مرهج أتسمت السياسات التركية خلال الأعوام الماضية، بنمط عدائي تُجاه غالبية الدول الإقليمية، الأمر الذي جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يغرق في جملة من الأزمات السياسية الداخلية والخارجية على السواء، فضلاً عن مؤشرات إنحدار مُرعبة شهدها الاقتصاد التركي والليرة التركية، وتوالت التطورات السياسية في المستويات كافة، ليدرك السيد أردوغان، بأن سياساته قد تودي به في مستنقعات سياسية لا مخرج منها، وأن مناصبة العداء للدول الخليجية تحديداً، جعل من اقتصاده يتهاوى شيئا فشيئا، كل ذلك، أجبر أردوغان على تبني سياسة التهدئه مع القوى الاقليمية، لضمان مستقبله السياسي أولاً، ولترميم الاقتصاد التركي ثانياً.

سياسات أردوغان عُدلت قبيل الانتخابات التركية التي أوصلته مجدداً لسدة الرئاسة، ومع محاولة أردوغان تفكيك الالغام السياسية التي زرعها بنفسه على حدود تركيا، وضمن أراضي الدول الإقليمية، برزت عناوين جديدة للسياسة التركية، فقد كان واضحاً أن أردوغان يريد هندسة معادلة سياسية جديدة، تحديداً مع الهواجس التي تؤطر الاقتصاد التركي، ومنع استمرار تدهور الليرة التركية، وقد كانت خطوات أردوغان واضحة تجاه الامارات والسعودية، واللتان اتهمهما في وقت سابق، بتدبير محاولة الانقلاب عليه إمارتياً، وقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي على الأراضي التركية من قبل السعودية. واقع الحال يؤكد، بأن أردوغان اتبع نظام المقايضات مع أبو ظبي والرياض، فالأخيرة تمت مقايضتها حيال اغلاق ملف خاشقجي مقابل ودائع في البنوك التركية، والامارات أيضاً تم الاتفاق معها على اغلاق ملف الانقلاب، أيضاً مقابل ودائع في البنوك التركية. تلك المقايضة أدت جزئيا الى استقرار الليرة التركية، لتعود مجدداً إلى التدهور، ووصولها إلى مستويات قياسية، فقد بلغ سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار ما يقارب 26 ليرة تركية. ما سبق أجبر أردوغان مجدداً على خطب ود الخليجيين، لتأتي جولته الخليجية ضمن عنوان اقتصادي بارز، غايته أولاً وأخيراً ايقاف تدهور الليرة التركية، الأمر الذي ترجمته قبل وقت قصير، الزيارة التي قام بها الفريق الاقتصادي التركي الجديد والمؤلف من نائب رئيس الجمهورية جودت يلماز، ووزير المالية الجديد محمد شيمشيك، والحاكمة الجديدة للمصرف المركزي حفيظة غايه إركان، إلى كل من السعودية والإمارات. في جانب أخر، فإن أردوغان مدفوعاً بعلاقات استراتيجية مع ايران، قد مهدت له الطريق إلى الخليج، خاصة أن العلاقات الايرانية الخليجية قد عادت إلى الهدوء، بعد سنوات من التوتر، ونتيجة لذلك، يبدو واضحاً أن أردوغان يحاول جمع المال الخليجي، لترميم وتدعيم الاقتصاد التركي، لا سيما أن الانباء التي وردت تؤكد بأنه ثمة اتفاقيات اقتصادية مشتركة، سيتم توقيعها ما بين تركيا والإمارات والسعودية، وتحديداً في مجالات الطاقة والتنقيب عن الغاز والنفط التركي. وبحسب تقارير متعددة، وفي ملتقى الأعمال التركي السعودي، الذي انعقد في إسطنبول يوم الأربعاء الماضي، قال وزير التجارة التركي، عمر بولات، إن أكثر من 400 شركة سعودية تعمل في تركيا، وإن حجم التجارة مع المملكة يقارب السبعة مليارات دولار عام 2022، فيما بلغ في الربع الأول من العام الحالي ثلاثة مليارات دولار. وقال إن الهدف هو الوصول قريباً إلى رقم 10 مليارات دولار، وعلى المدى البعيد 30 ملياراً. وفي ضوء ما تقدّم، ترى صحيفة حرييات التركية، أن جولة أردوغان الخليجية ستوفّر مصدراً مهماً للمال لتركيا. وهذا لا يقتصر فقط على الاستثمارات والمساعدات، بل كذلك على تكثيف الحركة السياحية الخليجية إلى تركيا. وبحسب الصحيفة، يُنتظَر توقيع اتفاقات بقيمة 40 مليار دولار مع الإمارات و10 مليارات مع السعودية في الحدّ الأدنى، فضلاً عن إطلاق تعاون مشترك بين الدول الثلاث في مجالات الطاقة والبنية التحتية والمواصلات والصناعات الدفاعية، واستثمارات في قطاع السيارات والمؤسسات المالية والقطاع المصرفي. كذلك، يُتوقع أن تَدخل إلى تركيا كميات كبيرة من العملة الصعبة مصدرها دول الخليج، من شأنها أن تعزّز وضع الليرة التركية، وهو ما سيجعل المركزي التركي يأخذ نفَساً عميقاً استعداداً لمرحلة جديدة واعدة تعطي الثقة بالإجراءات الاقتصادية التي سيتّخذها وزير المالية وحاكمة المركزي. ختاماً، الاقتصاد التركي يعاني من أزمات متعددة، كما أن الليرة التركية ومسارها تُنبئ بما هو أسوأ، لذلك دأب أردوغان على المسارعة إلى الخليج، ربما لوضع خياراته السياسية في سلة المال الخليجي، فهل ينجح أردوغان في ترميم اقتصاده وتعزيز قيمة ليرته؟، قد يكون له ذلك، مقابل إعادة علاقاته مع سوريا، ووضع جدول زمني لانسحاب القوات التركية من سورية، خاصة أن العلاقات الإماراتية والسعودية مع سوريا، تسير في سياق متوازن يخدم مصالح الجميع. خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الاستراتيجية.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: الاقتصاد الترکی اللیرة الترکیة

إقرأ أيضاً:

عاجل | معاريف عن اللواء احتياط إسحاق بريك: النجاحات التي يتحدث عنها جيشنا بغزة لا تتطابق مع الواقع المرير على الأرض

هاجم اللواء احتياط في الجيش الإسرائيلي إسحاق بريك بشدة أداء وحدة المتحدث باسم الجيش، متهماً إياها بتضليل الجمهور الإسرائيلي عبر نشر معلومات مضللة، بهدف خلق صورة زائفة عن قوة الجيش الإسرائيلي وانتصاراته، في حين أن الواقع الميداني يختلف تماماً.

وفي مقال جديد نشرته صحيفة معاريف، أكد بريك -الذي شغل عددًا من أعلى المناصب بالجيش الإسرائيلي- أن النجاحات التي يتحدث عنها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة لا تتطابق مع الواقع المرير على الأرض.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لو ديبلومات: الحرب تلتهم السودان في ظل صمت عالميlist 2 of 2غارديان: مؤشرات على قرب وقف إطلاق النار بغزةend of list

ويرى بريك أن وحدة المتحدث باسم الجيش تحوّلت منذ سنوات إلى أداة دعائية هدفها تعزيز صورة الجيش، حيث تُختلق نجاحات وتُخفى إخفاقات، مما يؤدي إلى تضليل الرأي العام، وخلق ثقة مفرطة في قدرات الجيش، وهي ثقة لا تستند إلى الواقع، وقد تكون لها تبعات خطيرة، كما حدث في كارثة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأشار الكاتب إلى أن "ثقافة الكذب" هذه لم تنشأ من فراغ، بل تحظى بدعم مباشر من القيادة العسكرية العليا، بما في ذلك رئيس الأركان.

وشدد على أن تصريحات الجيش حول تدمير قدرات كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس وقتل آلاف من عناصرها لا تتوافق مع تقارير الجنود والضباط في الميدان، الذين يؤكدون أنهم بالكاد واجهوا مقاتلين من حماس، وأن العدو يواصل القتال عبر أنفاق وكمائن، ويستخدم تكتيكات حرب عصابات دون مواجهة مباشرة.

وأضح الجنرال -الذي خدم سابقا كقائد لسلاح المدرعات، ونائب قائد القوات البرية، وقائد للكليات العسكرية- إلى أن قوة حماس لم تنهار، بل استعادت عافيتها، ولا تزال تمتلك 40 ألف مقاتل متمركزين في مئات الكيلومترات من الأنفاق.

وانتقد بريك أيضاً الصحفيين والمحللين العسكريين الذين يكررون رواية المتحدث باسم الجيش دون تمحيص، ويعتبرهم شركاء في تضليل الشعب الإسرائيلي، إذ ينقلون معلومات غير دقيقة ويمنحون الشرعية لاستمرار الحرب في غزة من دون جدوى حقيقية.

إعلان

ويرى الكاتب أن الجيش لا يعترف بفشله في تحقيق أهدافه المركزية، وهي: تدمير حماس وتحرير جميع الأسرى، بل يواصل خداع الجمهور بأن "الضغط المستمر سيؤدي إلى تحقيق الأهداف، بينما الحقيقة هي أن معظم الأنفاق لا تزال تحت سيطرة حماس، والأسرى قد لا ينجو منهم أحد".

وحذر بريك من أن هذا النمط من القيادة – الذي يتجاهل الحقيقة لصالح الاستعراض – يقود الجيش والدولة نحو كارثة استراتيجية.

ودعا إلى إعادة هيكلة وحدة المتحدث العسكري بالكامل، لتقوم على أساس "الصدق، والأخلاقيات، وقيم الجيش الإسرائيلي". كما طالب بوقف القتال عبر اتفاق يضمن الإفراج عن الأسرى، والبدء بعملية ترميم شاملة للجيش والاقتصاد والمجتمع.

ودرج الجنرال الإسرائيلي على انتقاد الحكومة وقيادة الجيش بسبب الفشل في تحقيق أهداف الحرب، مرجعا ذلك إلى عدم جاهزية الجيش بتركيبته الحالية لتحقيق الانتصارات في الحروب على جبهات عدة بل حتى في جبهة غزة وحدها.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن جيش الاحتلال حرب إبادة جماعية على سكان قطاع غزة، أسفرت حتى الآن عن استشهاد أكثر من 57 ألف شخص وإصابة أكثر من 135 ألفا، وتشريد كل سكان القطاع تقريبا، وسط دمار لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، وفقا لما وثقته تقارير فلسطينية ودولية.

مقالات مشابهة

  • بلومبرغ تحذر: الضغوط السياسية تهدد الاقتصاد التركي
  • الدولار يكسر حاجز الـ40 أمام الليرة التركية وسط تصاعد توترات سياسية
  • عطبرة.. وضع الحجر الاساس للمدينة الصناعية بالهودي التي ستغير من الواقع الايرادي
  • الرئيس الشرع يبدأ جولته الخليجية الثانية لتوطيد الاقتصاد والاستثمار
  • تركيا.. تراجع عدد أعضاء حزب أردوغان
  • مشاهد غير مسبوقة بزفاف عشائري في تركيا.. الذهب والمال يتصدران الحفل
  • حزب مؤيد للأكراد في تركيا يلتقي أردوغان عقب إعلان العمال الكردستاني نزع سلاحه
  • حسن مهدي: إعادة ترميم للمناطق التي تضررت بسبب الحمولات الزائدة لسيارات النقل الثقيل على الطريق الإقليمي
  • عاجل | معاريف عن اللواء احتياط إسحاق بريك: النجاحات التي يتحدث عنها جيشنا بغزة لا تتطابق مع الواقع المرير على الأرض
  • أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة التركية ليوم 6- يوليو