مطالبات بتطبيقها في غزة.. ما هي خطة مارشال المرتبطة بالحرب العالمية الثانية؟
تاريخ النشر: 16th, February 2024 GMT
عقب بعض الحروب، كما حدث بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أو إثر كوارث كبرى، مثلما كان الحال أثناء تفشي جائحة كورونا، يدور الحديث عن خطة "مارشال جديدة" لإعادة إعمار أو إنعاش الاقتصاد، سواء على مستوى بلد أو إقليم أو حتى قارة بأكملها.
والخميس، قال مسؤول في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، إن قطاع غزة سيحتاج إلى "خطة مارشال" جديدة، للتعافي من الحرب المدمرة بين إسرائيل وحركة حماس، مضيفا أن حجم الضرر الناجم عنها يبلغ 20 مليار دولار تقريبا، حتى الآن.
وقبل ذلك بيوم، قال رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، محمد مصطفى، إن إعادة بناء الوحدات السكنية في غزة "ستتطلب 15 مليار دولار على الأقل"، مما يسلط الضوء على حجم الدمار الذي سببه الهجوم الإسرائيلي على القطاع، والذي جاء ردا على هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي.
وأوضح مصطفى أن التقارير الدولية تشير إلى "تعرض 350 ألف وحدة سكنية لدمار كلي أو جزئي في غزة"، بحسب وكالة رويترز.
وأضاف أنه "بافتراض أن 150 ألفا منها ستحتاج إلى إعادة البناء بمتوسط تكلفة يبلغ 100 ألف دولار للوحدة، فهذا يعني 15 مليار دولار للوحدات السكنية".
وأضاف في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: "لم نتطرق بعد إلى البنية التحتية ولا المستشفيات التي تضررت ولا الشبكات".
ما هي خطة مارشال؟وحسب وزير الاقتصاد السوري السابق، وكبير الاقتصاديين في شركة ACY الأسترالية، نضال الشعار، فإن تلك الخطة "تعد من أنجح تجارب الولايات المتحدة في إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد على الصعيد العالمي".
وأضاف في حديث إلى موقع "الحرة"، أن "خطة مارشال أصبحت مصطلحا يستخدم كناية عن موضوع إعادة الإعمار في مناطق أو دول دمرتها الصراعات أو الحروب الأهلية".
وتابع: "خطة مارشال كانت من أنجح المشاريع التي قامت بها الولايات المتحدة، وساهمت بشكل كبير في تحقيق نمو اقتصادي مهم في أوروبا، حيث كان أكبر المستفيدين، الدول الكبرى حاليا في القارة العجوز، وهي إنكلترا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا والنرويج".
ونوه إلى أن تلك الدول وغيرها "استفادت من خطة مارشال خلال الأعوام الأولى من إطلاقها ،والتي تغيرت لاحقا وأخذت منحى آخر، حيث استمرت لأكثر من 15 عاما عبر اتفاقيات ومسميات أخرى".
ووفقا للموقع الرسمي لـ"الأرشيف الوطني" الأميركي، فإن خطة مارشال تعود إلى "3 أبريل 1948، عندما وقّع الرئيس الأميركي (آنذاك)، هاري ترومان، قانون (الانتعاش الاقتصادي لعام 1948)، والذي وأصبح يعرف باسم خطة مارشال، تيمنا باسم وزير الخارجية الأميركي، جورج مارشال، الذي اقترح سنة 1947، أن تقدم الولايات المتحدة المساعدة الاقتصادية لإعادة إعمار البنية التحتية الاقتصادية في أوروبا، لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية".
وأوضح الموقع أنه "عندما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، كانت أوروبا في حالة خراب، فمدنها خاوية على عروشها واقتصاداتها مدمرة، وشعوبها تواجه المجاعة".
وتابع: "في العامين التاليين للحرب، كانت سيطرة الاتحاد السوفييتي على أوروبا الشرقية وضعف دول أوروبا الغربية في مواجهة التوسع السوفييتي، سبباً في تفاقم الشعور بالأزمة الاقتصادية".
ولمواجهة هذه الحالة الطارئة، اقترح وزير الخارجية مارشال، في خطاب ألقاه في جامعة هارفارد في 5 يونيو 1947، أن تضع الدول الأوروبية خطة لإعادة بناء اقتصادها، وأن تقدم الولايات المتحدة المساعدة الاقتصادية، بحسب "الأرشيف الوطني".
وعلى مدى السنوات الأربع التالية، خصص الكونغرس مبلغ 13,3 مليار دولار من أجل تعافي أوروبا، حيث وفرت تلك المساعدات رأس المال والمواد التي كانت في أمس الحاجة إليها (القارة البيضاء)، والتي مكنت الأوروبيين من إعادة بناء اقتصاد القارة.
ونوه موقع "الأرشيف الوطني" إلى أنه "بالنسبة للولايات المتحدة، فقد وفرت خطة مارشال أسواقًا للسلع الأميركية، وأنشأت شركاء تجاريين موثوقين، ودعمت تطوير حكومات ديمقراطية مستقرة في أوروبا الغربية".
ماذا عن غزة؟وبالعودة إلى القطاع الفلسطيني الذي لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، ويعيش فيه أكثر من 2.3 مليون نسمة، فقد أوضح، ريتشارد كوزول رايت، المدير في أونكتاد خلال اجتماع للأمم المتحدة في جنيف، أن "الأضرار تعادل بالفعل نحو 4 أمثال ما تعرض له القطاع في حرب عام 2014".
وأضاف رايت:" نتحدث عن 20 مليار دولار تقريبا إذا توقف (الصراع) الآن"، على ما أفادت وكالة رويترز.
وقال إن التقدير يستند إلى صور الأقمار الاصطناعية ومعلومات أخرى، وإن الوصول لتقدير أكثر دقة سيتطلب دخول باحثين إلى غزة.
ووفقا لتقارير إعلامية، فقد دمرت إسرائيل معظم القطاع في حملة تقول السلطات الصحية في غزة إنها قتلت أكثر من 28 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال.
في المقابل، تقول إسرائيل إن مسلحي حماس قتلوا في هجمات السابع من أكتوبر أكثر من 1200 شخص، غالبيتهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال.
وتظهر الأرقام الصادرة عن المكتب الإعلامي الذي تديره حماس في غزة، أن أكثر من 360 ألف وحدة سكنية لحقت بها أضرار شديدة أو جزئية، وأن ما يزيد عن 70 ألف وحدة سكنية تدمرت تماما.
من جانبه، قال رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني، مصطفى، إن القيادة الفلسطينية ستواصل، على المدى القصير، التركيز على المساعدات الإنسانية مثل الغذاء والماء، لكن التركيز سيتحول في النهاية إلى إعادة الإعمار.
وفي حديثه إلى موقع "الحرة"، أوضح الصحفي الفلسطيني، رائد لافي، الذي دمر منزله في مدينة غزة، ويقيم حاليا في مدينة رفح الجنوبية، أن "شقته السكنية كانت جزءا من مبنى سكني مكون من 14 طابقا في حي الرمال الجنوبي بمدينة غزة".
وتابع: "وصلني قبل أيام مقطع مصور للمبنى بعد أن تدمر بشكل كامل".
وأعرب لافي عن تشاؤمه من حدوث إعمار بشكل جدي بعد انتهاء الحرب، قائلا: "اعتبارا من عام 2008، فإن هذه هي الحرب الخامسة بين إسرائيل وبعض الفصائل الفلسطينية، وكان يتخلل تلك الحروب بعض جولات التصعيد".
وأضاف: "هناك ناس خسروا منازلهم في حرب 2008-2009، ولم يتم إعادة إعمارها إلى حد اللحظة، ولا تزال هناك العديد من المباني والمنازل التي هدمت جراء حرب عام 2014، وأصحابها اعتادوا التظاهر بشكل دوري أمام مقار وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين (أونروا) للمطالبة بالتعويضات وإعادة الإعمار".
وتابع بأسى: "لقد مرت نحو 10 أعوام دون أن تتحقق مطالبهم، لذلك لا أعتقد بحدوث عمليات إعمار جذرية عقب انتهاء هذه الحرب".
وختم بالقول: "حتى لو حدثت عمليات إعمار، فإنها ستطال الحجر، لأن لا شيء يمكننا من إعادة إعمار الذكريات التي فقدناها والأوراح التي خسرناها".
"ممكنة.. لكن بشروط"من جانبه، رأى الشعار بتصريحات للحرة، أنه "بالإمكان من الناحية المادية والاستثمارية تطبيق خطة مارشال في قطاع غزة، بحيث تشمل البنية التحتية من طرق ومستشفيات ومساكن".
وزاد: "إعادة الإعمار بالتأكيد ستنعكس بشكل إيجابي على النواحي الثقافية والاجتماعية والنفسية لأهالي قطاع غزة".
لكنه أشار إلى أن "فكرة خطة مارشال لم تطرح للمرة الأولى على لسان المسؤول الأممي، ريتشارد كوزول رايت، فقد طرحها سابقا، رئيس الكونغرس اليهودي العالمي، رونالد ستيفن لودر، على الرئيس الأميركي، جو بايدن، عام 2022".
ونوه إلى ضرورة ملاحظة بعض الأمور قبل تطبيق تلك الخطة، قائلا: "عندما جرى تطبيق خطة مارشال في أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان هناك نوع من الاستقرار النسبي في الجانب السياسي، وبالتالي كان بالإمكان التركيز على الجانب الاقتصادي والمالي وبقية الجوانب الثقافية والاجتماعية".
وزاد: "بالتالي، لكي تنجح النسخة الخاصة بغزة، يجب العمل أولا على إنهاء الصراع السياسي، وإحلال السلام، وإلا فالفشل سيكون حليفها على الأغلب".
ونبه الشعار أيضا إلى أن خطة مارشال المتعلقة بأوروبا "كانت مطروحة من جانب واحد، وهو الولايات المتحدة، بينما في الوقت الحالي توجد قوى اقتصادية أخرى، وبالتالي لن تكون واشنطن هي الممول لهكذا خطة في غزة".
وأعرب عن اعتقاده بأن مثل هذه العملية "ستتم مشتركة بالتعاون مع الدول الغربية، وربما تنضم إليها دول مثل الصين وروسيا، ناهيك عن مشاركة معقولة من قبل بلدان عربية لديها اقتصادات قوية".
وختم: "لكن الريادة والقيادة ستكون لأميركا، بسبب العلاقة القوية بين واشنطن وإسرائيل".
وبدوره، يتفق الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، في حديثه إلى موقع "الحرة"، مع الشعار، بشأن ضرورة "الوصول إلى حل سياسي، وقيام حكومة مستقرة (فلسطينية) حتى تتم إعادة الإعمار".
وعلل ذلك بالقول: "الوضع الحالي في القطاع لن يسمح بأن تذهب الأموال إلى إعادة الإعمار وإنشاء البنية التحتية بشكل طبيعي".
ولفت الديب، الذي يشغل منصب مستشار المركز العربي للدراسات بالقاهرة، إلى أن "قطاع غزة أصبح مدمرا ويحتاج إلى ما يزيد عن 30 مليار دولار لإعادة الإعمار، فضلا عن 5 مليارات أو أكثر لتعويض للأهالي المتضررين، بالإضافة إلى مليارات أخرى لعلاج الصدمات النفسية وإعادة التأهيل".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الحرب العالمیة الثانیة الولایات المتحدة البنیة التحتیة إعادة الإعمار إعادة إعمار ملیار دولار إعادة بناء خطة مارشال فی أوروبا قطاع غزة أکثر من إلى أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
منظمات أممية: السودان بحاجة ماسة للدعم مع عودة 1.3 مليون نازح
قالت المنظمة الدولية للهجرة إنه "رغم احتدام الصراع في السودان ظهرت بؤر من الأمان النسبي خلال الأشهر الأربعة الماضية، مما دفع أكثر من 1.3 مليون نازح للعودة إلى ديارهم، لتقييم الوضع الراهن قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلدهم نهائيا".
وأضاف المدير الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة عثمان بلبيسي أن "أغلبية العائدين توجهت إلى ولاية الجزيرة، بنسبة 71% تقريبا، ثم إلى سنار بنسبة 13%، والخرطوم بنسبة 8%".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مرصد عالمي: المجاعة تتكشف في قطاع غزةlist 2 of 2ألمانيا وإسبانيا تعتزمان إنزال مساعدات إنسانية لغزة بالتعاون مع الأردنend of listوتوقع بلبيسي عودة "نحو 2.1 مليون نازح إلى الخرطوم بحلول نهاية هذا العام، لكن هذا يعتمد على عوامل عديدة، ولا سيما الوضع الأمني والقدرة على استعادة الخدمات في الوقت المناسب".
ومنذ بدء الصراع الحالي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023 نزح قسرا أكثر من 12 مليون شخص، بمن فيهم ما يقارب 5 ملايين شخص لجؤوا إلى الدول المجاورة، مما يجعل حرب السودان أكبر أزمة نزوح في العالم.
وخلال زيارة قام بها مؤخرا ممثلو الأمم المتحدة إلى الخرطوم اقترب منهم رجل مسن ليؤكد أن احتياجاتهم بسيطة، وهي "الغذاء والماء والرعاية الصحية والتعليم، فهذا هو مستقبل أطفالنا، ونحن بحاجة ماسة للاستثمار فيه".
إعادة تأهيل العاصمةتبذل السلطات السودانية ومنظمات إغاثية محلية ودولية جهودا حثيثة لدعم العائدين إلى الخرطوم، وفي مقدمتها إزالة الأنقاض، وتوفير الخدمات الأساسية كالمياه النظيفة والكهرباء، وتعزيز قدرات المرافق الصحية، لمنع انتشار الأمراض الفتاكة كالكوليرا.
وأوضح الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان لوكا ريندا للصحفيين أن هناك نحو 1700 بئر ماء بحاجة إلى إعادة التأهيل، بالإضافة إلى توفير الكهرباء للمنازل باستخدام ألواح الطاقة الشمسية.
وقال ريندا إن الأمم المتحدة أطلقت برنامجا يهدف إلى تطوير حلول طويلة الأمد للنازحين جراء الحرب لتأمين سبل العيش والخدمات الأساسية، لافتا إلى أن هناك ما لا يقل عن 6 مستشفيات تحتاج إلى إعادة تأهيل وإصلاح عاجلين، بالإضافة إلى عدد من مراكز الرعاية الصحية الأولية.
إعلانكما أكد أن المساعدات النقدية توزع لشراء الغذاء ومستلزمات النظافة والأدوية والملابس على الفئات الأكثر ضعفا.
وشدد ريندا على أن إزالة الألغام تعد تحديا ملحا آخر تواجهه إعادة التأهيل والإعمار في العاصمة، قائلا "حتى في مكتبنا عثرنا على مئات الذخائر غير المنفجرة".
وأضاف أن هناك مئات الآلاف إن لم يكن أكثر من الذخائر غير المنفجرة في المدينة، مؤكدا أن الهيئة المحلية لمكافحة الألغام بدعم من دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام بدأت بالفعل عملية الإزالة.
وسيستغرق تطهير المدينة بالكامل من مخلفات الحرب المميتة سنوات، ويقدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام ستحتاج إلى ما لا يقل عن 10 ملايين دولار، لتتمكن من نشر العدد المطلوب من فرق إزالة الألغام للعمل بالشراكة مع السلطات الوطنية وتوعية السكان بمخاطر الذخائر غير المنفجرة.
وحتى 21 يوليو/تموز 2025 لم تتلق الأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون سوى 23% من مبلغ 4.2 مليارات دولار المطلوب لتقديم مساعدات منقذة للحياة إلى ما يقارب 21 مليون شخص معرّضين للخطر داخل السودان.
أزمة النزوحورغم عمليات العودة الأخيرة فإن مئات الأشخاص لا يزالون يفرون يوميا -سواء داخل السودان أو عبر حدوده- بسبب الصراع الدائر، وينطبق هذا بشكل خاص على ولايتي دارفور وكردفان، وفقا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وقال منسق اللاجئين الإقليمي لأزمة السودان لدى المفوضية مامادو ديان بالدي إن عدد اللاجئين من منطقة دارفور وحدها بلغ أكثر من 800 ألف لاجئ منذ بداية الصراع، وهذا العدد في تصاعد مستمر.
ووفقا لمفوضية اللاجئين، هناك حاجة إلى 1.8 مليار دولار لدعم 4.8 ملايين شخص فروا من السودان إلى الدول المجاورة، ولكن لم يوفر سوى 17% من هذا التمويل.
وأكد بالدي أن اللاجئين لا يزالون بحاجة إلى "دعم أكبر من جانبنا" وإلى السلام لينتهي "هذا الصراع الوحشي".