في ذكرى وفاته.. «هيكل» من حلم الطب إلى التربع على عرش الصحافة
تاريخ النشر: 17th, February 2024 GMT
داخل منزل أنيق في قرية باسوس، التابعة لمحافظة القليوبية، يتحسس الطفل محمد حسنين هيكل خطواته الأولى في الحياة، فصرخات المخاض التي دوت أواخر شهر سبتمبر قبل أكثر من 100 عام، لا يزال صداها يتردد في عالم الصحافة، ليصبح الطفل الصغير المدلل لدى الأب الريفي الذي يعمل في التجارة والزراعة، بعد سنوات من العمل معه، أحد أشهر الصحفيين على مستوى العالم، ويشار له بالبنان، قبل أن تسلم روحه إلى خالقها في مثل هذا اليوم عام 2016.
محمد حسنين هيكل، اسم كتب له أن يصبح علماً في عالم الصحافة، لا يكاد يُنشر له مقال حتى تتجه له الأنظار وينتظره المثقفون والسياسيون وصناع القرار، يعلم خبايا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، يدخل إلى قصره ويختلط بحاشيته ليصبح أحد أهم الشخصيات حوله، قبل أن يصبح مستشاره الأول ومخزن أسراره، لتشاء الأقدار أن تحول ظروف الطالب المجتهد دون التحاقه بكلية الطب، ليصنع «الجورنالجي» مجداً عظيماً في بلاط صاحبة الجلالة.
من داخل مكتب جريدة الأهرام بشارع الجلاء وسط القاهرة، فتحت الأقدار ذراعيها للكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، فرغم صولات وجولات الشاب الثلاثيني التي سبقت ترؤسه لرئاسة تحرير الجريدة العريقة، إلاّ أنّ «هيكل» تربع على عرش الصحافة العربية والعالمية، عندما قاد «الأهرام» لتصبح واحدة من الصحف العشر الأولى في العالم.
لم تتوقف طاقة العطاء والتفكير عند ذلك الحد لينشئ «هيكل» مجموعة المراكز المتخصصة للأهرام، وهي مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ومركز الدراسات الصحفية ومركز توثيق تاريخ مصر المعاصر، قبل أن يعتزل الكتابة المنتظمة والعمل الصحفي في 23 سبتمبر 2003 بعد أن أتم عامه الثمانين، لتشهد القاهرة في 17 فبراير عام 2016 جنازة مهيبة شيعت «هيكل» نحو مثواه الأخير في مقابر مصر الجديدة،، وسط دموع المحبين.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: محمد حسنين هيكل الأهرام الجورنالجي هيكل
إقرأ أيضاً:
الثلاثاء الحمراء ذكرى فلسطينية وفاء لشهداء ثورة البراق
الثلاثاء الحمراء ذكرى يحييها الفلسطينيون في 17 يونيو/حزيران من كل عام استذكارا لشهداء ثورة البراق الذين أعدمتهم سلطات الانتداب البريطاني في اليوم نفسه من عام 1930 بسجن القلعة في مدينة عكا، وهم: عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم.
ومنذ ذلك التاريخ يحيي الفلسطينيون داخل فلسطين وخارجها هذه الذكرى ويتغنون ببطولات شهدائها، كونها تشكل جزءا أصيلا من ذاكرتهم الثورية، ونقطة بارزة في تاريخهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم.
دفاع عن حائط البراقبدأت قصة الشهداء الثلاثة عندما اعتقلت الشرطة البريطانية مجموعة من الشبان الفلسطينيين إثر اندلاع ثورة البراق على خلفية تنظيم مجموعة من اليهود مظاهرة ضخمة يوم 14 أغسطس/آب 1929 بمناسبة ما سموه "ذكرى تدمير هيكل سليمان"، أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك أخذوا يرددون النشيد القومي الصهيوني ويشتمون المسلمين.
وكان اليوم التالي ذكرى المولد النبوي الشريف، مما دفع الفلسطينيين للتوافد إلى منطقة حائط البراق للدفاع عنه، فوقعت صدامات عمت معظم فلسطين.
على خلفية ذلك حمّلت سلطات الانتداب البريطاني المواطنين العرب في فلسطين المسؤولية الرئيسية عما حدث، وشنّت حملة اعتقالات واسعة استهدفت 900 فلسطيني ممن شاركوا في الدفاع عن حائط البراق، فضلا عن المناهضين للانتداب البريطاني والهجرة الصهيونية إلى فلسطين.
وأصدرت السلطات البريطانية أحكاما بالإعدام شنقا على 27 من المعتقلين، لكنها أمام الضغط الشديد الذي مارسه الرأي العام العربي في فلسطين خففت الحكم على 24 منهم إلى السجن المؤبد، وأبقت على حكم الإعدام بحق 3 شبان، وهم: محمد جمجوم وعطا الزير من مدينة الخليل وفؤاد حجازي من مدينة صفد، بعد اتهامهم بقتل يهود في ثورة البراق، وقد نفذت الحكم يوم 17 يونيو/حزيران 1930، رغم الاستنكارات والاحتجاجات العربية.
وتقول المؤرخة رنا بركات إن تلك الإعدامات سعت إلى زرع الخوف في قلوب الفلسطينيين العرب، وتكميم حركتهم الاحتجاجية المتعاظمة، لكنها فشلت في ذلك.
الرسالة الأخيرةتحتفظ السجلات والوثائق التاريخية برسالة موقعة بأسماء شهداء "الثلاثاء الحمراء"، سمح لهم بكتابتها في اليوم السابق لموعد الإعدام، وجاء فيها "الآن ونحن على أبواب الأبدية، مقدمين أرواحنا فداء للوطن المقدس، لفلسطين العزيزة، نتوجه بالرجاء إلى جميع الفلسطينيين، ألا تنسى دماؤنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة".
إعلانوكتب الشهداء "نتذكر أننا قدمنا عن طيب خاطر، أنفسنا وجماجمنا لتكون أساسا لبناء استقلال أمتنا وحريتها، وأن تبقى الأمة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الأعداء، وأن تحتفظ بأراضيها فلا تبيع للأعداء منها شبرا واحدا، وألا تهون عزيمتها وألا يضعفها التهديد والوعيد، وأن تكافح حتى تنال الظفر".
وأضاف الشهداء في رسائلهم "لنا في آخر حياتنا رجاء إلى ملوك وأمراء العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة، ألا يثقوا بالأجانب وسياستهم وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: ويروغ منك كما يروغ الثعلب".
وأثناء تنفيذ حكم الإعدام، زاحم محمد جمجوم رفيقيه ليأخذ دورهم في الإعدام غير آبه؛ وكان له ما أراد؛ أما عطا الزير فطالب بإعدامه دون قيود؛ إلا أنه قوبل بالرفض؛ فحطم قيده وتقدم نحو المشنقة رافعا رأسه.
سبب تسمية "الثلاثاء الحمراء"يعود أصل التسمية بـ"الثلاثاء الحمراء"، إلى وقت تنفيذ الإعدام بحق الشبان الثلاثة، فقد أعدموا يوم الثلاثاء، وكانوا 3، وشنقوا في 3 ساعات متتالية: الساعة 8 فؤاد حجازي، والساعة 9 عطا الزير، والساعة 10 محمد جمجوم، فكان ذلك اليوم يوما حزينا وخالدا في تاريخ فلسطين.
وفور تنفيذ الحكم أضرب السكان العرب في فلسطين، وتظاهروا في الشوارع وهم يلبسون الشارات السوداء حدادا على شهدائهم الثلاثة، الذين استقبلوا الموت بشجاعة وإيمان كبير بعدالة قضيتهم.
الأبطال الثلاثة فؤاد حجازيولد فؤاد حسن حجازي في مدينة صفد في شمال فلسطين المحتلة عام 1904. درس الابتدائية في مدرسة الجامع الأحمر في مسقط رأسه ثم الثانوية في الكلية الإسكتلندية، وعمل بعد ذلك في مصلحة الصحة بصفد.
وعرف حجازي منذ صغره بشجاعته وحبه لوطنه، وشارك مشاركة فعالة في ثورة البراق، وكان أصغر الشهداء الثلاثة سنا.
عطا الزيرولد عطا أحمد الزير في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة عام 1895، وعمل في الزراعة وعرفت عنه جرأته وقوته الجسدية منذ طفولته.
وشارك الزير في المظاهرات التي شهدتها مدينة الخليل احتجاجا على الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ورفضا للانتداب البريطاني.
محمد جمجومولد محمد خليل جمجوم في مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة عام 1902، وتلقى تعليمه في مدارسها. فيما أكمل دراسته الجامعية في الجامعة الأميركية في بيروت.
عرف عنه معارضته للصهيونية والانتداب البريطاني منذ صغره، وشارك في مقاومة المحتل، وكان يتقدم مظاهرات مدينة الخليل في ثورة البراق.
وفي الحديث الأخير لجمجوم مع والدته حين رآها تبكي، قال لها: "ولماذا تبكين يا أماه؟ أتبكين علي لأنني أريد أن أموت شهيدا؟ زغردي يا أماه، زغردي، لأن هذا اليوم هو يوم عرسي".
تحولت "الثلاثاء الحمراء" إلى أيقونة في مسار النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال البريطاني وبعده الاحتلال الإسرائيلي، فهي تدرس في المنهاج الفلسطيني، وخلدها عدد من الشعراء والكتاب بكتاباتهم.
وكانت مرثية الشاعر الشعبي نوح إبراهيم الشهيرة من أبرز هذه القصائد، وجاء فيها:
من سجن عكا طلعت جنازة محمد جمجوم وفؤاد حجازي
إعلانمحمد جمجوم ومع عطا الزير فؤاد حجازي عز الذخيرة
ويقول محمد أنا أولكم خوفي يا عطا أشرب حسرتكم
ويقول حجازي أنا أولكم ما نهاب الردى ولا المنونا
كما خلد شاعر فلسطين إبراهيم طوقان ذكرى هؤلاء الأبطال الثلاثة في قصيدته المعروفة "الثلاثاء الحمراء"، التي كتبها بعد أسابيع من استشهادهم، وعرض فيها وقائع "الساعات الثلاث"، وفي جزء منها يقول طوقان:
أجسادهم في تربة الأوطان أرواحهم في جنة الرضوان
وهناك لا شكوى من الطغيان وهناك فيض العفو والغفران
وغنت فرقة العاشقين المحلية كلتا القصيدتين، فيما لا يزال الفلسطينيون يرددونهما في كل وقت وحين. كما كتب العديد من المؤلفين عن واقعة إعدام الشبان الثلاثة، ومن أهم تلك المؤلفات كتاب "الثلاثاء الحمراء في الحركة الوطنية الفلسطينية" للكاتب عادل مجاهد العشماوي، وصدر بطبعات عدة في 206 صفحات.
ويسلط الكتاب الضوء على مناضلي "الثلاثاء الحمراء"، مع التعرض لتفاصيل حياتهم ومواقفهم أمام مقصلة الإعدام، فضلا عن أصداء الإعدام وتضامن الشعوب العربية معهم.
كما يحتوي الكتاب على ملاحق وصور حول الواقعة، وملحق برسائل شخصيات اعتبارية لأمهات الشهداء، ونماذج من القصائد التي كتبت فيهم.
في 17 يونيو/حزيران من كل عام، يحيي الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده يوم "الثلاثاء الحمراء"، وفاء لتضحيات الشهداء الثلاثة من أجل حقوقهم وحماية مقدساتهم.
ويرى الفلسطينيون أن هذه الذكرى تعد نقطة بارزة في تاريخ نضالهم ومقاومتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي ومن قبله الانتداب البريطاني، ولا يمكن للذاكرة الفلسطينية أن تنسى تضحيات أبنائها في سبيل التحرر والانعتاق من المحتل.
وفي مارس/آذار 2023، دعا الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لجعل يوم الثلاثاء من كل أسبوع "ثلاثاء الحرية"؛ إحياء لذكرى الشهداء الثلاثة.
وحول ذلك يقول المدير العام لمركز "الزيتونة" للدراسات والاستشارات محسن صالح، إن "الشهداء الثلاثة، كانوا من أوائل النماذج البطولية في مواجهة الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني في فلسطين، وارتبط جهادهم بدورهم الكبير في ثورة البراق التي اشتعلت في أغسطس/آب 1929، في مواجهة مزاعم الصهاينة بحق لهم في الحائط الغربي للمسجد الأقصى".