لجريدة عمان:
2025-06-30@06:05:15 GMT

بولندا مهددة بالطغيان فلتنتبه أوروبا هذه المرة

تاريخ النشر: 18th, February 2024 GMT

يبدو أن في الحديث المذعور عن حرب عالمية ثالثة شيئا من المغالاة. غير أن الخطر المحدد الذي يمثله النظام الروسي الحاكم الساعي إلى تغيير النظام العالمي هو خطر حقيقي ومتزايد على شرق أوروبا. ومثلما حدث من قبل فإن بولندا على جبهة معركة من أجل أوكرانيا يمكن بسهولة أن يتسع نطاقها. وفي غمار السعي إلى تعزيز الدفاعات، يجب على المملكة المتحدة ودول حلف شمال الأطلنطي الأوروبية أن تقرر: أهذا هو عام 1920 أم عام 1939؟

لقد أنهت معركة وارسو ـ مثلما يعلم جميع البولنديين ـ قبل مائة وأربعة أعوام انتصار المارشال جوزيف بيوسودسكي الشهير على الجيش الأحمر الغازي فضمن ذلك للبلد استقلاله.

لقد أطلقوا عليها «معجزة فيستولا» نسبة إلى النهر الذي يربط بين مدن بولندا الكبرى. ورثى فلاديمير لينين لـ«الهزيمة الهائلة» التي منيت بها المطامح البلشفية في أوروبا.

يبقى سبتمبر من عام 1939 في الذاكرة لأسباب مناقضة. ففي هذه المرة كان وحش شمولي آخر هو ألمانيا النازية يطرق الباب. ظن البولنديون أن فرنسا وبريطانيا سوف تهبان لإنقاذهم في حال تعرضهم للهجوم، لكن لما غزا هتلر، لم يتجسد رد عسسكري متحالف فعال. وسقطت بولندا أمام الفاشية. وترتبت على ذلك أهوال يقصر دونها الكلام. وبولندا تتذكر ذلك التاريخ المزدوج وإن نسيه الكثيرون في أوروبا، ووعت دروسه. فضاعفت من قواتها المسلحة في العقد الماضي. وسوف يكون أكبر جيش بري أوروبي في حلف شمال الأطلنطي مجهزا بأحدث الدبابات المقاتلة والصواريخ أمريكية الصنع. ومنذ غزو روسيا الذي يمر عليه عامان هذا الشهر، تقدم بولندا لأوكرانيا دعما كبيرا.

تتألف استراتيجية وارسو الأساسية من شقين: إقناع فلاديمير بوتين ـ رئيس روسيا العدواني ـ بأن المزيد من العدوان على جناح حلف شمال الأطلنطي الشرقي بما في ذلك العدوان على فنلندا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا لن يفلح، وإقناع شركاء أوروبا الغربية بأنهم أيضا لا بد أن يعجلوا بتحسين أدائهم.

ولئن لم يصادفها النجاح في غاياتها هذه، فسوف يحيق الخطر بثبات بولندا المثير للإعجاب بوصفها أمة واثقة في فترة ما بعد الحرب الباردة وبثبات «المعجزة» الاقتصادية التي شهدتها منذ الانضمام إلى حلف شمال الأطلنطي سنة 1999 وإلى الاتحاد الأوروبي سنة 2004. والتحدي الذي يواجهه الشعب البولندي قد يكون تحديا وجوديا. فثمة خوف من أن يتجدد عام 1939 مرة أخرى. وليست فكرة قيام بولندا بالمبادرة في أوروبا بالفكرة المألوفة، برغم أن ذلك كان العرف في القرنين السادس عشر والسابع عشر. فطاقة بولندا وأفكارها ـ التي كثيرا ما أسيء توجيهها في ظل حكم يميني متشدد سابق ـ قد كللت بالعار الساسة في برلين وباريس ولندن. وفي زيارة له إلى كييف الشهر الماضي، أصدر رئيس الوزراء البولندي المنتخب حديثا دونالد تاسك صيحة حشد جهيرة جريئة إذ قال: «ها هنا، في أوكرانيا، جبهة العالم بين الخير والشر».

وفي حين يقيم تاسك ـ رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي السابق ـ جسورا إلى بروكسل دمرها أسلافه المتشككون في أوروبا، فإن أوروبا تتلقى الرسالة. وفي اجتماعات عقدت الأسبوع الماضي، أحيا هو وقادة فرنسا وألمانيا ما يعرف بمثلث فيمار، وهو منصة للتعاون السياسي الدفاعي الأمني ذات تطبيقات أوروبية النزعة.

قال تاسك: «إنه ما من سبب يجعلنا أضعف من روسيا عسكريا على هذا النحو الواضح...وإن زيادة إنتاج السلاح وزيادة التعاون أولويتان لا غنى بأي حال عنهما». وأصر أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون «قوة عسكرية» قائمة بذاتها. ولا تخفى دلالة أن وارسو لم تعد تنبذ الأفكار الفرنسية بشأن الاستقلال الذاتي الاستراتيجي الأوروبي التي كانت تعد من قبل مضرة بحلف شمال الأطلنطي.

ويأتي الاندفاع البولندي إلى الوحدة والمزيد من التكامل وسط تعمق الخوف لدى أعضاء حلف شمال الأطلنطي الأوروبيين من انفكاك الولايات المتحدة في حال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا لها. ذلك أن ترامب كثيرا ما ينتقد حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الأوروبي. ويهدد بـ«تشجيع» روسيا على مهاجمة دول أعضاء لا تروق له. فهو فيل الغرفة في مؤتمر ميونخ للأمن هذا الأسبوع.

تبقى التزامات واشنطن عبر الأطلنطية ثابتة في الوقت الراهن. وسوف تشارك بولندا في استضافة مناورات حلف شمال الأطلنطي في ربيع هذا العام، تحت عنوان «المدافع الصامد 2024» وهي كبرى المناورات منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. فمن المقرر أن يشارك نحو تسعين ألف جندي في التدرب على تعزيزات أمريكية للجناح الشرقي لحلف شمال الأطلنطي في حالة وقوع هجوم روسي افتراضي. وتساعد مشاركة بولندا المبادرة أيضا في تحويل مركز ثقل الأمن الأوروبي نحو الشرق، مثلما اتضح من زيارتي وزير خارجية المملكة المتحدة ديفيد كاميرون الأسبوع الماضي إلى بولندا وبلغاريا. لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدى إلى إضعاف النفوذ البريطاني بشكل خطير على خيارات أوروبا المقبلة.

في المقابل، فإن أصوات جيران بولندا المقربين مسموعة على نطاق أوسع. فقد أثارت إستونيا ضجة عندما توقعت نشوب صراع بين روسيا وحلف شمال الأطلنطي «في غضون السنوات العشر المقبلة» يتركز في جمهوريات البلطيق وفنلندا. والرئيس المنتخب الجديد في فنلندا، وهو ألكسندر ستاب، متشدد وحذر فيما يتعلق بروسيا.

فهل ستستجيب أوروبا لهذه التحذيرات القادمة من الحدود الشرقية بما فيها من صدى تاريخي؟ لا سبيل بعد إلى حل التوترات الهيكلية بين حلف شمال الأطلنطي ومفهوم الاتحاد الأوروبي الذي يعمل بالتوازي كتحالف عسكري منفصل ومكتمل. وتوسيع الاعتماد على الذات في مجال الأمن الأوروبي أمر مرغوب ومراوغ. ولكن الفضل يرجع إلى بوتين وترامب، ويا لهما من توأم رهيب، في أن الإنفاق الدفاعي على مستوى الاتحاد الأوروبي آخذ في الارتفاع بسرعة. وقد قال ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلنطي: إن ثماني عشرة دولة من أصل إحدى وثلاثين في حلف شمال الأطلنطي سوف تنفق 2% أو أكثر من إجمالي ناتجها المحلي على الدفاع هذا العام، وهي زيادة بمقدار ستة أمثال عن عام 2014 عندما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم بشكل غير شرعي. أما الإنفاق في بولندا فيقترب من 4%.

تمثل القيادة السياسية نقطة الضعف في أوروبا، أكثر حتى من الموارد أو من ترامب نفسه. فـ«محرك» الاتحاد الأوروبي الفرنسي الألماني مختل. ويواجه الائتلاف قليل الشعبية في ألمانيا، بقيادة أولاف شولتز، تمردا من اليمين المتشدد مع اقتراب موعد الانتخابات الفيدرالية في العام المقبل. وفي فرنسا، تضاءلت كثيرا مكانة الرئيس إيمانويل ماكرون. وبريطانيا غائبة. والوقت ينفد. وقد لا يكون أمام أوروبا إلا أقل من عام «لتجميع جهودها»، مثلما قال مسؤول بولندي. وقد يؤدي وجود ترامب في البيت الأبيض من يناير 2025 إلى توجيه طعنة القرن الحادي والعشرين القاتلة في ظهر أوكرانيا، ويحطم التحالف العابر للأطلنطي، ويقدم للصديق بوتين فرصة لثأر تاريخي ملحمي من الانهيار السوفييتي عام 1991 الذي يلوم بوتين فيه الغرب.

وللنجاة من سيناريو مثل هذا، قد تحتاج أوروبا إلى «معجزة فيرتسولا» الخاصة بها على المستوى السياسي ـ على أن يكون النهر هذه المرة أنهار سبري والسين والتيبر والتيمز. ومن يدري؟ ربما يبرز تاسك البولندي، الذي ذبح ببطولة تنانين الرجعية في الداخل، بوصفه بيوسودسكي الجديد في أوروبا.

سيمون تيسدال معلق الشؤون الخارجية في صحيفة الأوبزيرفر

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي: عنف المستوطنين بالضفة يجب أن يتوقف فورا

أكد الاتحاد الأوروبي أن الوضع في الضفة الغربية المحتلة يشهد تدهورا سريعا مسجلا تصاعدا حادا خلال الأيام الأخيرة في عنف المستوطنين، وعمليات الترهيب وتدمير المنازل والممتلكات.

وأشار إلى استشهاد 3 فلسطينيين في كفر مالك بالضفة الغربية الأربعاء، وقال إن هذا العنف يجب أن يتوقف فورا، داعيا إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وضمان محاسبة مرتكبي الجرائم.

ويعتبر الاتحاد الأوروبي المستوطنات في الضفة الغربية غير شرعية بموجب القانون الدولي، وأنها تشكل عقبة أمام السلام.

ومن جهته، قال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية ‎أنور العنوني إن الوضع في الضفة المحتلة يتدهور بسرعة، داعيا لتكريس جميع الجهود لتهدئة التوترات.

ودعا العنوني إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لمنع عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وضمان محاسبة مرتكبي هذه الجرائم.

انتهاك شروط الشراكة الأوروبية

وفي السياق ذاته، أقر رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا بانتهاك إسرائيل شروط الشراكة الأوروبية المشروطة باحترام حقوق الإنسان، إثر استمرار الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين بقطاع غزة منذ أكثر من 21 شهرا.

وجاءت تصريحات كوستا على هامش اجتماع قادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أمس، في العاصمة البلجيكية.

وقال كوستا خلال الاجتماع إن حقوق الإنسان تُنتهك (في غزة) وأكد أن مراجعة امتثال إسرائيل -لشروط اتفاقية الشراكة المشتركة مع الاتحاد الأوروبي- كشفت أن الوضع الحالي غير مقبول.

وفي تصريحاته أمس، أوضح كوستا أن وزراء خارجية الاتحاد سيناقشون ضرورة فتح حوار صريح مع إسرائيل، على خلفية الأوضاع في قطاع غزة.

كما وصف كوستا الأزمة الإنسانية في القطاع بأنها كارثية، وذلك نتيجة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

وقد دخلت اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل حيز التنفيذ عام 2000، وتشكل الإطار القانوني للحوار السياسي والتعاون الاقتصادي بين الطرفين.

إعلان

وتنص المادة الثانية من الاتفاقية على أن الشراكة التي تمنح امتيازات تجارية لإسرائيل مشروطة بالالتزام بحقوق الإنسان والقانون الدولي.

ورغم دعوات إسبانيا وأيرلندا لتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بسبب انتهاكها لالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم يحظَ الاقتراح بدعم جماعي من جميع القادة.

وعقب الاجتماع، وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين -خلال مؤتمر صحفي مشترك مع كوستا ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك- الوضع الإنساني بغزة بأنه مروع ولا يُطاق، وحثت على إيصال المساعدات فورا.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية بغزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت حرب الإبادة تلك نحو 189 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين بينهم أطفال.

مقالات مشابهة

  • "الأزمات تغزو العالم".. تقييم لإنجازات الرئاسة البولندية لمجلس الاتحاد الأوروبي
  • الدرعي: تجربة الإمارات قامت على إعلاء قيم التسامح
  • تجنبًا لغرامات إضافية.. آبل تُعدّل شروط متجر تطبيقاتها في الاتحاد الأوروبي
  • بوريل: لم يعد بإمكان الاتحاد الأوروبي البقاء على هامش الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
  • عمر الدرعي يشارك في احتفال الاتحاد الديني الإسلامي ببولندا
  • قمة الاتحاد الأوروبي تتجاهل تقريرا يدين جرائم إسرائيل بغزة
  • الفدائي الذي أربك الكبار.. وسام أبو علي على رادار أوروبا بعد ملحمة بورتو
  • رغم قرار الهبوط.. ليون يشارك في الدوري الأوروبي
  • الاتحاد الأوروبي: عنف المستوطنين بالضفة يجب أن يتوقف فورا
  • برلين: الاتحاد الأوروبي يناقش سبل التأثير على إسرائيل لوقف حرب غزة