لجريدة عمان:
2025-05-30@15:11:08 GMT

هل تتعامل أوروبا بجدية مع أمور الدفاع؟

تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT

«كلمات، كلمات، مجرد كلمات»، هكذا قال متنهدا أحد كبار الحاضرين في مؤتمر ميونيخ الأمني، بينما كان ممثلو ثلاث من دول الاتحاد الأوروبي يناقشون التعاون الأمني. وقال آخر مُـعَـلِّـقا على الإشارات المرسلة من بافاريا: «سوف تفهم الصين الرسالة: لا داعي للقلق بشأننا هنا».

خيم مزاج كئيب على كامل تجمع صناع السياسات وخبراء الأمن في نهاية الأسبوع الماضي.

ويبدو أن القادة أربكهم حشد من الأزمات والتحديات العالمية المتزايدة العمق؛ فبدا كثيرون منهم مرهقين ببساطة. من المؤكد أن الأنباء حول خسارة أوكرانيا لمدينة أفدييفكا لم تساعد في تلطيف الأجواء. الواقع أن إمدادات الذخيرة في أوكرانيا تتضاءل، ولا أحد يعرف ما إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن سيتمكن من تمرير حزمة مساعدات أخرى عبر الكونجرس قبل نهاية فترة ولايته الحالية. لكن خيبة الأمل الأكبر جاءت من احتمال يلوح في الأفق بفوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية، الأمر الذي من شأنه أن يُـضعِـف منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ويزيد من التوترات مع الصين. التوقيت أيضا شديد السوء: فربما تحاول روسيا إرسال أسلحة نووية إلى الفضاء، وقد بلغت ميزانية الدفاع الصينية مستويات غير مسبوقة. على مسرح المؤتمر، كان الحوار يدور في الأغلب حول طمأنة الحلفاء الأوروبيين (كما هي الحال في كل عام). ولكن في الممرات والأروقة، حذر المشاركون الأمريكيون أصدقاءهم حاثين إياهم على البدء في الاستعداد للاعتناء بأنفسهم دون انتظار العون من أحد. من المؤسف أن حكومات أوروبا تثبت عدم قدرتها على الاضطلاع بهذه المهمة ــ وهذا على الرغم من حرب برية ضخمة تدور رحاها على أرض القارة، والتهديد باندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، وتزايد هشاشة منطقة غرب البلقان، والحرب الهجين التي تمتد عميقا داخل المجتمعات الأوروبية. قال المستشار الألماني أولاف شولتز: «في غياب الأمن، يصبح كل شيء آخر عديم القيمة». وكم كان مُـصيبا. بدا الوضع أفضل كثيرا قبل عام واحد فقط. فباستلهام الشجاعة من الرئيس فولوديمير زيلينسكي ورفاقه الأوكرانيين، اتحدت الديمقراطيات الغربية لدعم الأوكرانيين مع دخولهم العام الثاني من الحرب الشاملة. فقد انطلقت المساعدات العسكرية والمالية، وأصبحت الشراكة عبر الأطلسي قوية كما كانت لسنوات عديدة. كانت آمال كبيرة معلقة على الهجوم الصيفي المرتقب الذي كان المفترض أن يشنه الجيش الأوكراني بدعم غربي. الآن أصبح المزاج قاتما، وتتضاعف شِـدّة التحديات الاستراتيجية التي تواجهها أوروبا. يتعين على أوروبا أن تعمل على تعزيز أمنها الاقتصادي في مواجهة الصين الأكثر عدوانية، وتحسين العلاقات مع دول أخرى خارج حلف شمال الأطلسي، وبناء دفاعاتها الخاصة. ويحتاج الزعماء الأوروبيون بشكل عاجل إلى خطة لتحقيق هذه الأهداف.

ولكن في حين أتى مسؤولو المفوضية الأوروبية وزعماء دول الاتحاد الأوروبي الأصغر حجما (مثل دول البلطيق) إلى ميونيخ وهم يحملون حِـسّـا قويا بالغرض، فإن كثيرين آخرين كانوا وكأنهم فُـقِـدوا في المعركة. الجدير بالذكر أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البولندي المنتخب حديثا دونالد تاسك ظل كل منهم في بيته. كان من الممكن أن يدعوهما شولتز إلى اجتماع ثلاثي في فايمار بين ثلاثة من أكبر المنفقين على الدفاع في الاتحاد الأوروبي ومؤيدي أوكرانيا. وربما كان ذلك ليبث رسالة قوية.

قطعت ألمانيا ذاتها شوطا طويلا. فبالإضافة إلى إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو (108 مليارات دولار أمريكي) لتعزيز الامتثال لهدف إنفاق حلف شمال الأطلسي الدفاعي (2% من الناتج المحلي الإجمالي)، تُـعَـد ألمانيا أيضا أكبر مصدر في أوروبا للمساعدات المقدمة لأوكرانيا، وأول دولة ترسل لواء قتاليا دائما إلى ليتوانيا لتعزيز جناح حلف شمال الأطلسي الشرقي. تشكل هذه التحركات أساسا قويا يمكن البناء عليه ــ إذا توفرت قيادة فَـعّـالة. لنفترض أن عددا قليلا من زعماء الاتحاد الأوروبي جاؤوا إلى ميونيخ حاملين رسالة منسقة حول كيفية المضي قدما في أمور التعاون الدفاعي، أو حتى تأييد اقتراح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بإنشاء منصب مفوض لشؤون الدفاع. كان ذلك ليساعد في تغيير نبرة الحديث قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو. وبطبيعة الحال، كان بوسع فون دير لاين ذاتها، باعتبارها الزعيمة التي ستتصدر قائمة حزب الشعب الأوروبي في الانتخابات، أن تضطلع بدور أكبر وأكثر علنية في تحديد أهداف دفاعية أوروبية أكثر قوة. كاد هذا الافتقار العام إلى القيادة والتنسيق يدفن بعض الأخبار الجيدة الحديثة. فقبيل انعقاد مؤتمر ميونيخ مباشرة، وَقَّـعَـت أوكرانيا اتفاقيات دعم جديدة طويلة الأمد مع المملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا. لكن هذه كانت فرصة أخرى مُـهـدَرة. فَـلِـم لا نقيم عرضا أضخم لأكبر ثلاث دول أوروبية تؤكد من جديد التزاماتها تجاه أوكرانيا؟ ولماذا لا نستغل هذه المناسبة لوضع خطة ملموسة لتلبية حاجة أوكرانيا الماسة إلى الذخيرة ومنع روسيا من شراء المعدات اللازمة لتجهيز قواتها؟ كانت ميونيخ لتصبح المكان الذي وقف فيه الزعماء الأوروبيون ليقولوا: «إذا تراجع آخرون، فسوف نتقدم نحن». لكن ما حدث بدلا من ذلك، هو أن الرسالة التي سمعناها في أغلب الأحيان من الأوروبيين والأمريكيين على حد سواء هي أن «الديمقراطية تستغرق وقتا». ورغم أن هذا صحيح من حيث المبدأ، فإن أوكرانيا ليس لديها الوقت لمثل هذا العجز. ذلك أن الأمن، والحرية، والديمقراطية، وسيادة القانون، والكرامة الإنسانية، كلها أمور أصبحت على المحك في أوكرانيا. وعلى حد تعبير زيلينسكي: «الحكام المستبدون لا يقومون بإجازات». في مجمل الأمر، أهدر الزعماء الأوروبيون فرصة أخرى لتوضيح خططهم لتعزيز ركيزة حلف شمال الأطلسي الأوروبية، وتأسيس قدر أعظم من الردع في القارة، وتثبيت الاستقرار في الجوار، وتطوير صناعة دفاع أوروبية قوية ــ بمعنى الكيفية التي يراعون بها أمنهم.

بيد أن أوروبا تواجه معتديا عاقد العزم وسوف يواصل استفزازاته بكل تأكيد. ولن يدرك بوتن أن مصيره الفشل الأكيد، إلا إذا دعم الغرب أوكرانيا بشكل فَـعّـال. إن الموقف يتطلب اتخاذ تدابير قصيرة الأمد ومشاركة طويلة الأمد ــ وكل هذا يستلزم عقلية قيادية مختلفة. وسوف يتقبل أغلب المواطنين الأوروبيين أي تغيير في النبرة قبل الانتخابات الأوروبية. ففي نهاية المطاف، يُظهِر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوبينيونس مؤخرا أن 87% من المشاركين يؤيدون تعزيز التعاون الأمني والدفاعي. الفرصة التالية أمام الزعماء الأوروبيين لإثبات جديتهم ستكون في قمة حلف شمال الأطلسي في شهر يوليو. إذا لم تستجمع أوروبا قواها دفاعيا، فقد نتذكر عام 2024 باعتباره العام الذي هُـجِـرَت فيه أوكرانيا، وتفكك التحالف عبر الأطلسي، مع كل ما قد يخلفه ذلك من عواقب وخيمة على أوروبا والعالم.

دانييلا شوارزر عضو المجلس التنفيذي لمؤسسة برتلسمان، ومديرة سابقة للمجلس الألماني للعلاقات الخارجية ومديرة تنفيذية سابقة لأوروبا وآسيا الوسطى في مؤسسات المجتمع المفتوح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی حلف شمال الأطلسی

إقرأ أيضاً:

رئيسة مجتمع مدريد: تاريخ كارفخال الأوروبي أعظم من برشلونة

سخرت إيزابيل دياز أيوسو، رئيسة مجتمع العاصمة الإسبانية مدريد، من نادي برشلونة خلال حفل تكريم داني كارفخال، القائد الثاني لريال مدريد، يوم الثلاثاء.

ومنحت إيزابيل الظهير الأيمن الإسباني الميدالية الذهبية لمنطقة مدريد، وقالت لحظة تقديمه: لقد فاز بدوري أبطال أوروبا 6 مرات، أكثر من برشلونة.

بدوره، أشاد كارفخال بمجتمع مدريد، وقال خلال تكريمه: مجتمع رائع للعيش فيه، لا يتوقف أبدا عن النمو.

بينما رافق فلورنتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد، كارفخال خلال الحفل وأثنى على تكريم لاعب الفريق.

وأكدت رئيسة مجتمع مدريد أن اللاعب البالغ من العمر "33 عاما" اكتسب مكانة مرموقة في تاريخ الرياضة الإسبانية، وأشادت بتواضعه، وأضافت: إن هذه الميدالية هي تكريم لسجل تم تحقيقه من خلال تضحيات كبيرة.

من لحظة فرح إلى مشهد مأساة... ليفربول يذرف الدموع بدلًا من الاحتفال أتلتيكو مدريد يسعى للتعاقد مع منبوذ برشلونة

ويعد كارفخال ثاني أكثر لاعب تحقيقا للبطولات في ريال مدريد بـ 27 لقب، خلف زميله الكرواتي لوكا مودريتش صاحب الـ 28 بطولة.

وفاز الظهير الأيمن خلال مسيرته بست بطولات دوري أبطال أوروبا، وست بطولات كأس العالم للأندية، وخمس بطولات كأس السوبر الأوروبية، وبالدوري الإسباني 4 مرات، وكأس الملك مرتين، وأربع نسخ لكأس السوبر الإسباني. بالإضافة إلى ذلك، فاز مع المنتخب الإسباني ببطولة أوروبا وكذلك دوري الأمم.

مقالات مشابهة

  • أوربان: قناعة راسخة لدى الأوروبيين بكارثية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي
  • بمسيّرات.. روسيا تشن هجوما عنيفا ضد أكبر موانئ أوكرانيا على نهر الدانوب
  • خلال حفل تسليم جائزة شارلمان: ملك إسبانيا يرفض بشدة الدعوات إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي
  • الجيش الروسي يعلن السيطرة على ثلاث بلدات في شرق أوكرانيا
  • تشيلسي أول نادٍ يجمع بين كؤوس الاتحاد الأوروبي الكبرى
  • استعراض التحديات التي تواجه المؤسسات الصحية الخاصة بشمال الباطنة
  • ‏زيلينسكي: أوكرانيا وألمانيا أبرمتا اتفاقيات جديدة بشأن الاستثمارات في قطاع الدفاع
  • روسيا تتقدم في شمال شرقي أوكرانيا لخلق منطقة عازلة
  • الجدل حول تركيا يقسّم أوروبا إلى معسكرين
  • رئيسة مجتمع مدريد: تاريخ كارفخال الأوروبي أعظم من برشلونة