الهوية الوطنية العمانية وأهمية التفاعل مع العصر
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
في الجلسة الثالثة من الجلسات الحوارية، في ملتقى معاً نتقدم، طُرحت مسألة (الإعلام والهوية الوطنية)، تحدث فيها وزير الإعلام، مع بعض المسؤولين في وزارة الثقافة والرياضة والشباب ووزارة الإعلام، وكان حديث معاليه عن رؤية الوزارة، لما تمثله الهوية الوطنية العمانية من اهتمام ورعاية من قبل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم -حفظه الله-.
ولا شك أن اهتمام الدولة بالهوية الوطنية العمانية، مهم جداً على صُعد كثيرة، كون الهوية الذاتية أحد عناصر التماسك والترابط والاستمساك بالقيم الذاتية، فقد يتأثر الجيل الجديد بحكم قلة خبرته المحدودة، ما يوصله من التقنيات الحديثة، من رسائل فكرية وثقافية وقيمية، تتناقض مع الهوية الوطنية العمانية، من خلال بعض المعلومات غير الصحيحة، ومن ضمن ما تهدف إليه تقويض الرابطة الوطنية وتهميشها أو التشكيك في أهميتها ودورها الوطني والقومي، أو التقليل من دورها الإيجابي، محاولة القول إن التمايز بين الهويات مسألة عفا عليها الزمن بحسب قولهم، ولم تعد تناسب هذا العصر وتطوراته المتلاحقة، ونحن في عصر الثقافة العالمية بحسب رؤيتهم، أو لم يعد التعدد أو التمايز، يحقق فوائد للشعوب الأقل نموا، بالمقارنة بالدول الصناعية في الغرب بالأخص، ولا شك أن بعض هذه الأفكار، قد ينخدع بها بعض الشباب الأقل خبرة ومعرفة، بالكثير من أسس الاختراق الفكري والثقافي في عالم اليوم، قد لا يمعن النظر جيداً مما يُطرح من أراء، تتناقض مع قيمهم الوطنية، والتي تهدف إلى طمس الهوية الذاتية أو لضعافها، ولذلك من المهم في وطننا عمان ألا نغفل أو نقلل من مخاطر صراع الثقافات، أو كما نسميها في الفكر العربي/ الإسلامي، كما جاءت في القرآن الكريم بسنن (التدافع)، وهو التسابق في الحصول على المكاسب والمصالح المشروعة، وفق القرآن الكريم، لكن في الدول الأخرى المتقدمة، في سباقهم المحموم، ليس تدافعاً خالصاً ونقياً، بل هناك مصلحة ليست مجردة من الأنانية والاستحواذ والهيمنة والاستلاب، وهدفها تجريد الآخر من مقوماته الأساسية، وهي القيم الذاتية ومنها هويته الوطنية كما أشرنا.
وحتى التاريخ العماني من المهم التذكير به لشبابنا ـ كما أشار وزير الإعلام في هذا الملتقى في جلسته الثالثة حول ـ تعظيم التاريخ العماني ـ وهي المرآة العاكسة التي ينظر بها الشباب إلى ما مضى من جوانب مضيئة في التراث والتاريخ، وما أسسه السلف من نهوض فكري وعقل متوق، وهو التاريخ الحي والإيجابي والإنتاج الوضاء في حياتهم التي ساروا عليها وبنوا وطنهم وأقاموا دولتهم، ومن هنا وجب على الأسرة والمدرسة والإعلام أن يضطلعوا بالدور المنوط بهم، وهو الحفاظ على الهوية الوطنية، وتعزيز مكانتها في نفوس الأطفال والشباب. وإبراز ما تتميز به من قيم طيبة راسخة، وهذا من المهم أن يتم بالتربية السليمة والتوجيه القويم والتوعية الثاقبة في رؤيتها العامة، وترسيخ القيم والأصول والمبادئ التي تعبر عن ديننا الحنيف وتراكم معارفه، ولا شك أن الأسرة تتقدم أولا قبل مرحلة المدرسة في الفترة التأسيسية لغرس القيم، ثم تأتي مرحلة المدرسة الحاضنة للتعليم العام، باعتبارها مؤسسة كبيرة ومؤثرة في دورها في تفتح الفكر واستيعاب المعرفة، ومن خلال أهداف تكمل دور الأسرة في البيت، والنظرة إلى ذلك ـ كما يقول د. محمد عابد الجابري ـ إن :«الهوية عبارة عن كيان تراكمي ولا يعطى جاهزا، بل يحتاج إلى فاعلية في الغرس والتوجيه والتذكير».
وهذا لا يتأتى إلا من خلال ـ كما أشار زير الإعلام ـ عن وجود قوة ناعمة عمانية، وتلعب الدور المنوط بها في مجال تعزيز الهوية الوطنية، والحوار البناء، والثقافة والتاريخ العماني، بكل ما تملكه مآثر رائعة، وتفعيل قنوات الحوار مع النخب الفكرية والثقافية والإعلامية، وكذلك مع الشباب، ليضاف إلى ما تم طرحه من برامج مع الشباب كما هو قائم ومستمر، سواء في مجال تعزيز وتعظيم المكانة التاريخية، أو مواجهة التحديات التي تجتاح العالم في مجال الثقافة والهوية والقيم عموماً، وكل جديد سيتم التفاعل معه وفق القوة الناعمة، والقوة الناعمة إيجابياتها كبيرة وعظيمة في المجتمع بلا شك، وهي عكس القوة الصلبة التي ليست مجال اهتمام وزارة الإعلام، التي عادة ما تكون القوة الصلبة في ظروف الأزمات والتوترات والصراعات، بل أن القوة الناعمة، هي التي تقصي القوة الصلبة التي لا تعزز الوئام والسلام المجتمعي وتقوية بنيانه، ومن مآثر القوة الناعمة أنها تعزز الإرادة الحرة على بناء الذات، وعلى أسس قويمة وراسخة ومفيدة تربوياً، مع استقامة سلوكية ثقافية وفكرية واضحة المفاهيم، وتسهم في بناء خلق قويم، يستمد من قيمة أمته رؤيته الراسخة كمنهاج قويم، إلى جانب انفتاحه على الحوار والنقاش برحابة صدر وصبر وتقبل للنقد البناء والاختلاف في وجهات النظر، وأخيراً بناء المواطن القدوة للآخرين في ظل المواطنة العمانية المتجذرة في رصيدها الفكري والثقافي والقيمي.
والغرب نفسه ـ في بعض بلدانه ـ شديد الحرص على الاستمساك بالهوية الوطنية لبلادهم، ومنها اللغة في المقام الأول، مع ما يجمعهما من روابط الدين والجغرافيا والسياسة والاتحاد وغيرها من الروابط الخ، لكنهم في قضية الهوية بصفة خاصة لا مساومة عليها. ونتذكر القصة الشهيرة المعروفة التي حدثت في بروكسل، في قمة الاتحاد الأوروبي عام 2004، عندما عرض الفرنسي «إغيرنستسيليرغ» رئيس المصرف المركزي الأوروبي تقريراً اقتصادياً، تحدث خلالها ( باللغة الانجليزية)، على اعتبار أن الغالبية من دول الاتحاد الأوروبي تعتمد اللغة الانجليزية، فبعد أول كلمة قاطعه الرئيس الفرنسي آنذاك (جاك شيراك)، قائلا:ً (لماذا بحق السماء تتكلم الانجليزية؟)، وبعدها خرج الرئيس الفرنسي من قاعة المؤتمر محتجاً على ما اعتبره إهانة (لهويته الوطنية الفرنسية)، وتبعه وزير خارجيته ووزير المالية، وقد أثمر هذا الاحتجاج بأن استجاب المتحدث، والتزم بالفرنسية في كلمته على غير العادة، هذه هي الغيرة على اللغة الوطنية، وفرنسا لها مواقف كثيرة من قضية ما يسميه الفرنسيون بـ (الاختراق الأمريكي)، للغة الفرنسية، ولها مواقف كثيرة لمواجهة اللغة الانجليزية من خلال قوانين وأنظمة للحفاظ على الهوية الفرنسية، من غزو اللغة الأمريكي الثقافي.
ونتذكر أيضاً أن الرئيس الفرنسي «جيسكار ديستان»، قال مرة عن طلب الجمهورية التركية الدخول في الاتحاد الأوروبي، إن هذا غير مقبول لأن الاتحاد الأوروبي (نادي مسيحي). وهذا يعني أن تركيا دولة مسلمة، فكيف تكون ضمن هوية وقيم مسيحية خالصة تجمع دوله، بالرغم أن فرنسا، أكثر الدول الأوروبية ابتعاداً عن التمسك بالقيم المسيحية، وعندها العلمانية هي التي يجب أن تقدم على الرموز الدينية وهذا معروف في رؤيتها الفكرية، وهذا تم بعد صراعهم مع الكنيسة، لكنها تظل هوية مغروسة فيهم من الصغر في ثقافتهم، والرئيس جورج بوش الابن قال أثناء الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، قال إنه «يتواصل مع الله كل يوم لننتصر في هذه الحرب»! والرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب» عندما حصلت الاضطرابات في بعض الولايات الأمريكية في فترة حكمه، خرج إلى الشارع، وهو يحمل الإنجيل على صدره، وهي كناية عن تمسكه بالقيم المسيحية، وتعني أيضاً أنها هوية ثقافية مسيحية، ولو رمزياً، وهذه بلا شك دلائل التمسك بالهويات، لكل أمة من الأمم، سواء بالقيم أو الرموز، أو العادات، أو غيرها من القيم الذاتية، التي تراكمت عند الثقافات والحضارات ولذلك يجب الحفاظ عليها، حتى لا تكون مكشوفة بلا غطاء فكري أو ثقافي في مسيرة حياتهم، لذلك يجب الشعور بالهوية الوطنية ودورها الثقافي، وفي الوقت نفسه نقبل بكل جديد في مجال العلوم والتكنولوجيا وجديد العصر وتطوراته المفيدة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی بالهویة الوطنیة القوة الناعمة مع الشباب من خلال فی مجال
إقرأ أيضاً:
"الجاذبية الحيوية".. مبادرة سعودية لتعزيز الريادة الوطنية في مجال أبحاث الفضاء
أطلقت وكالة الفضاء السعودية، اليوم، مبادرة "الجاذبية الحيوية"، التي تطمح لتمكين العلماء والباحثين في مجالات العلوم الطبية البيولوجية لتطوير أبحاث مبتكرة في بيئة الجاذبية الصغرى، لتعزيز التعاون العلمي بين الجهات المحلية والدولية، وترسيخ مكانة المملكة في أبحاث الفضاء العلمية لخدمة الإنسانية.
وتركز المبادرة التي تشرف عليها رائدة الفضاء ريانة برناوي أول رائدة فضاء عربية مسلمة؛ على تكوين مجتمع بحثي متخصص في أبحاث الجاذبية الصغرى، يضم نخبة من العلماء والباحثين من مختلف الجامعات والمراكز العلمية والجهات ذات الصلة من القطاع الخاص بالمملكة.
أخبار متعلقة “الأرصاد” تحذر من أمطار غزيرة وعواصف رعدية في جدة فجر الخميسعاجل تحويل الدراسة “عن بُعد” في جدة ورابغ بسبب الحالة المطرية المتوقعةإضافةً إلى تعزيز القدرات المحلية وبناء جيل من الكفاءات المتخصصة في مجال العلوم الطبية، هادفة كذلك إلى تطوير رأس المال البشري وتعزيز القدرات العلمية والبحثية، وإلهام الأجيال القادمة في المملكة.
تطلق #وكالة_الفضاء_السعودية مبادرة #الجاذبية_الحيوية ، لتمكين العلماء من تطوير أبحاث علمية مبتكرة متخصصة في الجاذبية الصغرى في الفضاء، والتي ستفتح آفاقا جديدة للابتكار في علوم الطب والأبحاث العلمية في الفضاء.#BioGravity pic.twitter.com/96ng8ILmBV— وكالة الفضاء السعودية (@saudispace) October 30, 2024دعم مهمات الفضاءكما تركز على تحقيق الفوائد المشتركة وتعظيم الفرص التجارية في قطاع الفضاء عبر دعم مهمات الفضاء بالأبحاث المتقدمة، مما يسهم في تعزيز مكانة المملكة العلمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
ومن المتوقع أن تكشف أبحاث الجاذبية الصغرى عن تأثيرات فسيولوجية جديدة لا يمكن ملاحظتها على الأرض، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطوير حلول طبية مبتكرة تسهم في تعزيز الصحة العامة، وتطوير تقنيات قابلة للتطبيق في بيئات الفضاء وعلى الأرض.
يذكر أن وكالة الفضاء السعودية تسعى عبر هذه المبادرة إلى الإسهام في تحسين الصحة العالمية، من خلال تطوير تقنيات طبية متقدمة في أبحاث الجاذبية الصغرى، وذلك التزاما منها بتعزيز ثقافة الابتكار وتطوير وتنمية القدرات الوطنية، بما يحقق تطلعاتها الطموحة في مجال أبحاث الفضاء المستمدة من رؤية المملكة 2030.