"ماسح الأحذية" في كتارا شراكة ثقافية تُرسّخ موقع قطر في المسرح العربي
تاريخ النشر: 3rd, June 2025 GMT
في أجواء مسرحية مفعمة بالإبداع والتأمل، استضاف مسرح الدراما في المؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" العرض المنتظر لمسرحية "ماسح الأحذية"، القادمة من تونس بعد أن لفتت الأنظار في مهرجان "أيام قرطاج الدولي للمونودراما"، ونالت فيه جائزتي أفضل نص وأفضل إضاءة. وقد شكّل عرضها في الدوحة محطة جديدة تؤكد المكانة المتنامية للمسرح القطري، ومساعيه الجادة للتموضع إقليميًا ودوليًا كمنصة ريادية للفن المسرحي الراقي.
هذا العمل المسرحي، الذي جرى تكريمه من قبل د. خالد بن إبراهيم السليطي، المدير العام لمؤسسة الحي الثقافي "كتارا"، يُعد ثمرة تعاون فني وثقافي مثمر بين قطر وتونس. وهو من تأليف الدكتور خالد الجابر، بينما تولّى الإخراج والتصميم السينوغرافي الفنان حافظ خليفة، وقدّمه باقتدار الممثل محمد العباسي، بلمسة أداء عاطفية دقيقة وتعبير جسدي مكثف. أنتجت المسرحية جسور للإنتاج الفني، برعاية كريمة من "كتارا".
وفي تعليقه على العمل، أعرب د. خالد بن إبراهيم السليطي عن اعتزازه بهذه الشراكة الفنية والثقافية القطرية - التونسية في هذه التجربة المسرحية المتميزة، مؤكدًا أن العرض يمثّل احتفاءً بروح إبداعية تتجاوز الحواجز الجغرافية والثقافية، وتعبّر عن حوار إنساني مشترك. وأضاف أن "كتارا" تواصل التزامها بدعم المسرح النوعي، واحتضان الأعمال التي تحترم وعي الجمهور وتخاطب وجدانه وتسهم في تنشيط الحركة الثقافية محليًا وعالميًا.
وأشار السليطي إلى أن قوة النص تكمن في خروجه عن الشعارات والخطابات المباشرة، واعتماده على التأمل الصامت والنقد الرصين، داعيًا المتلقي إلى مواجهة الواقع بعمق دون ضجيج. كما شدد على أن الجوائز التي حصدها العمل ليست فقط تكريمًا له، بل أيضًا إشارة واعدة إلى بروز جيل مسرحي جديد من الكتّاب والمخرجين الذين يكتبون من أجل الحوار والإدراك، لا من أجل الاستعراض والضوء العابر.
أما مؤلف المسرحية، الدكتور خالد الجابر، فقد عبّر عن امتنانه العميق لمؤسسة الحي الثقافي "كتارا" على الاستضافة الكريمة والتكريم والدعم المتواصل الذي رافق العمل منذ خطواته الأولى، وحتى مشاركاته في المهرجانات الإقليمية والدولية، مؤكدًا أن هذا الاحتضان كان له أثر بالغ في نجاح المسرحية وبلورة رؤيتها الفنية.
وأوضح الجابر أن "ماسح الأحذية" لا تقدم خطابًا تعبويًا أو اجتماعيًا تقليديًا، بل هي تجربة فنية رمزية، تسعى إلى تفكيك الحالة النفسية والاجتماعية للفرد والمجتمع في لحظات الانكسار والتأمل والمراجعة. وبيّن أن الأحذية في النص ليست رمزًا للمكانة أو المظهر الخارجي، بل تحوّلت إلى شواهد هشة على كبرياء مجروح، بينما اتخذت الشخصيات شكل تجسيد للصوت الداخلي الذي يواجه الحقيقة بصمت موجع.
من جهته، نوّه المخرج التونسي حافظ خليفة بالدور الجوهري الذي لعبته الإضاءة في تعميق المعنى الرمزي والجمالي للمسرحية. فقد نجحت الإضاءة، كما أشار، في فتح آفاق واسعة للتأويل والدلالة، حيث عكست هشاشة الأحلام وضبابية الأمل في وجدان الشخصيات، مضفية على العرض أبعادًا حسية تتجاوز حدود النص.
كما لفت خليفة إلى بساطة الفضاء المسرحي، الذي اقتصر على رصيف مهجور، مقاعد معدنية، وحقائب مثقلة بالغياب والحنين، مبينًا أن هذا الفراغ المتقشف لم يكن مجرد خلفية، بل تحوّل إلى عنصر درامي حي، لعب دورًا فاعلًا في تشكيل التجربة البصرية والجمالية للمشاهد. وكان صوت القطار الغائب، الذي تكرّر خلال العرض، أكثر من مجرد مؤثر صوتي، بل كان تجسيدًا لانتظار أبدي، مؤلم، ومعلق بلا نهاية.
تدور أحداث "ماسح الأحذية" في محطة قطار مهجورة، مسرحٌ بسيط في ظاهره، لكنه مشحون بدلالات رمزية كثيفة. فالمكان، بكل ما فيه من سكون وانقطاع، يتحوّل إلى مرآة عميقة للانتظار والقلق والترقّب، كأنما هو صورة مصغّرة للزمن العربي الراكد، حيث يقف الإنسان وجهًا لوجه مع انكساراته. في هذا الفضاء الرمزي، تتقاطع مصائر خمس شخصيات متباينة، يحمل كل منها جرحًا خاصًا ومرآة داخلية مشروخة لا تعكس إلا الخسارة.
بعد النجاح الكبير الذي حققته المسرحية في تونس والدوحة، يستعد فريق "ماسح الأحذية" لإطلاق جولات عروض موسعة تشمل عواصم عربية وغربية، في القاهرة، والرباط، وعمّان، إلى مدريد، وباريس، وكندا، والولايات المتحدة الامريكية.
وقد تميز العرض المسرحي بقدرته على المزج بانسيابية بين نص فلسفي عميق، ورؤية إخراجية تجريبية لا تخشى التجاوز، وأداء تمثيلي مشحون بالإحساس والصدق. كل ذلك منح العرض طابعًا خاصًا، خرج به عن النمط التقليدي للمونودراما إلى تجربة مسرحية نابضة بالحياة، تتحدى القوالب وتخاطب الوجدان.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: قطر مسرح ماسح الأحذية
إقرأ أيضاً:
محمد موسى: أغاني المهرجانات كارثة ثقافية تدمّر وعي الأجيال
حذر الإعلامي محمد موسى من الخطر المتصاعد لما يُعرف بـ"أغاني المهرجانات"، مؤكدًا أنها لم تعد مجرد حالة فنية عابرة أو تعبيرًا شعبويًا، بل أصبحت كارثة ثقافية تضرب الوعي العام، وتشكّل تهديدًا مباشرًا لقيم المجتمع وذوقه العام.
وقال محمد موسى خلال تقديم برنامج "خط أحمر" على قناة الحدث اليوم، إن مصر التي قدّمت عبر تاريخها رموزًا فنية خالدة من أمثال أم كلثوم، عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، كانت دائمًا رائدة في تقديم فن يحمل قيمة ورسالة، لافتًا إلى أن الأغنية المصرية كانت في يوم من الأيام "سفيرة للهوية والانتماء، ولسان حال الناس".
وأضاف: "ما نراه اليوم ليس فنًا، بل حالة انحدار غير مسبوقة كلمات بلا معنى، موسيقى صاخبة، أداء هزيل، ومضامين تحرّض على العنف والانحراف، وتروّج للجهل والإيحاءات الرخيصة".
وأشار إلى أن مؤدي المهرجانات لا يمتلكون أي تأهيل فني أو ثقافي، ومعظمهم لا يملكون تعليمًا حقيقيًا ولا وعيًا بتأثير كلماتهم على ملايين الأطفال والشباب، ورغم ذلك يتم استضافتهم في القنوات والبرامج، وكأنهم نماذج للنجاح.
وتابع موسى: "حينما يصبح الجهل فنًا، والإسفاف تريندًا، والانحطاط يُسمى شهرة، فنحن لا نخسر فقط الفن، بل نخسر أولادنا ووعينا، ونقوّض دور مصر كقوة ناعمة في العالم العربي".
وشدّد على أن الأمر لا يتعلّق باختلاف أذواق، بل بغزو ثقافي داخلي يهدد هوية المجتمع، ويمس جوهر المعركة الحقيقية: معركة الوعي، داعيًا المؤسسات الإعلامية والثقافية والرقابية إلى الاضطلاع بدورها قبل أن تتسع الفجوة بين الفن والجمهور.
ووجّه موسى رسالة للجمهور قائلًا: "أنتم من تصنعون هؤلاء، فإذا عزفتم عنهم، اختفوا. لا تدعموا الانحدار، بل ادعموا الكلمة الراقية والصوت المسؤول. لأن ما يدخل الأذن يصنع العقل، ويشكّل وجدان الأمة".
وختم بالقول: "ما يحدث اليوم ليس مجرد تراجع فني، بل تدمير منظم لوعي الأجيال القادمة. المعركة بدأت، ومعركة الوعي لا تحتمل الحياد فإما أن نقف مع الفن الحقيقي، أو نستسلم لانحدار لا نهاية له."