شاعر مُقِلٌّ مُجيد، حمل شعرُه فلسطينَ على كتفيه وبين أضلاعه، لم يجد الاهتمام الكافي الذي يحفزُه على الاستمرار، فأصدر ديوانين وكتاباً في عامين فقط (1986 ـ 1987)، ثم توقّف..

توقّف ملفت دام عشر سنوات، ثم توقف عشر سنوات أخرى.. وهكذا. لذلك لم يبرز اسمه كثيراً كشاعر، رغم أنه لم يغادر عالم الثقافة بين تأليف الكتب وإخراجها وتصميم الأغلفة وطباعتها، وباتت ملحوظة علامته الفنيّة في الكتب الفلسطينية "شايب".



من هو شاعرنا؟

هو زهير ياسر قاسم أبو شايب، من قرية دير الغصون في طولكرم، ولد فيها عام 1958، وحصل على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة اليرموك عام 1982. وعمل مدرّساً للغة العربية في اليمن في سنة 1985.



كتب الشعر وبذل فيه جهداً ظهر في عمق معانيه وأسلوبه المتين وتناوله المواضيع بطرف متنوعة، لكن الشعر في بلادنا ليس مهنة يعيش منها الإنسان باستقلاليته الاقتصادية ثم الفكرية، فعمل منذ تخرجه في مجال التصميم والغرافيك في المؤسسة العربية للدراسات والنشر وعدد من دور النشر لأغلفة الكتب والمجلات.

تولّى إدارة التحرير في مجلة «أوراق» الفصلية من 1995 حتى 1997 التي كانت تُصدرها رابطة الكُتّاب الأردنيين، ومجلة «القصيدة» التي صدر منها عدد واحد. وترأس التحرير في مجلة «الروزنة» التي يُصدرها اتحاد المرأة الأردنية منذ 2010. فهو كان عضواً في الهيئة الإدارية لرابطة الکُتّاب لعدة دورات، وهو عضو فيها، وشغل منصب نائب رئيس الرابطة بين الأعوام 2007 و2009، وهو أيضاً عضو في الاتحاد العام للأدباء والكُتّاب العرب.

ينتمي أبو شايب إلى قلّة قليلة من الشعراء العرب المعاصرين، الذين امتلكوا ـ حسب الناقد الراحل صبحي حديدي ـ بصمةً أسلوبية رفيعة الأداء وناضجة الأدوات. وهذه لا تعزز صوته الخاص بقوة بين أقرانه، فحسب؛ بل تفضي كذلك إلى إطلاق تجربة ثرّة لا تكفّ عن الارتقاء، وترسّخ صوتاً شخصياً يتميّز بقوّة داخل المشهد.

وحسب الناقدة الأديبة سلمى الخضراء الجيوسي فإن "أبو شايب يُظهر في شعره التزاماً عميقاً بالتجربة الفلسطينية ويشارك المبدعين الفلسطينيين الآخرين في احتجاجهم الجماعي على الظلم الذي وقع عليهم. أسلوبه الأصيل ومقارباته المتنوعة لموضوعه الشعري تجعله واحداً من أكثر الشعراء الشباب الواعدين الذين يكتبون في العالم العربي اليوم (1990)".

وسيراودكم السؤال الذي راودني عندما تقرأون نماذج شعره في آخر المقال: كيف لم يحدث لهذا الشاعر الريادة والشهرة وهو الذي كتب كل هذا الجمال..

إذن شاعرنا كان مرشحاً ليكون في طليعة الشعراء الفلسطينيين من جيل ما بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 (مع أنه كان في الأردن) الذي كان نقطة تحول في الإبداع الفلسطيني بعد تفرّق التجمعات الثقافية التي التأمت في بيروت قبل الحرب الأهلية وإبانها.

ولو قُدّر لي أن ألتقي به، لسألته عن هذا التوقف، لعل في جوابه ما يضيء على جوانب لا نعرفها في الحركة الثقافية الفلسطينية، خصوصاً في عشر سنوات فصلت بين الاجتياح (1982) وأوسلو (1993)، وبينهما انتفاضة الحجارة (1987ـ 1993).

مؤلفاته

ـ جغرافيا الريح والأسئلة، شعر، بيروت، 1986.
ـ دفتر الأحوال والمقامات، شعر، بيروت، 1987.
ـ سيرة العشب، وقال لي أنت معنى الكون كله، شعر، بيروت، 1997.
ـ ظل الليل، شعر، عمان، 2011.
ـ مطر سِرَي، شعر، عمان، 2016.
ـ بياض أعمى، مسرحية، 1987.
ـ ثمرة الجوز القاسية، مقالات في الشعر والكتابة، 2007.

في عام 2012 حاز الشاعر زهير أبو شايب على جائزة محمود درويش للحرية والإبداع في دورتها الثالثة بالتشارك مع جليلة بكار.



نماذج من شعره

أسئلة

إلى متى
تظلُّ تُلهي جُرحَكَ البرّيّ،
بالحدائقِ المعلّقة؟!

إلى متى
تنتظر الخيولَ أن تجيءَ.
والقمرَ الحُرجيّ أن يُضيءَ.
يا عالقاً بالريحِ،
يا تابوتكَ البريء؟!

إلى متى
تؤجّلُ الكِتابةَ
وتحبِسُ العيونَ في سَحابةْ؟!

شهيد

وجدوهُ
أخضرَ كالضياء،
وعندما رفعوا يَدَهْ.
وجدوا السنابل أفئدَةْ.

ويُقالُ:
شقْشَقّتِ السنابلُ تحتَ كُمِّه
ويُقالُ:
أحضرتِ الطيورُ دماءَهُ،
لِبناتِ عَمِّهْ
وَيُقالُ سوفَ يعودُ،
في شجرِ البراكينِ الخَفِيِّ،
وسَوفَ يَملأُ صَدرَ أُمِّهْ.
لَكِنَّهُم وجدوهُ أخضرَ،
كالضياء،
وَكَفَّنوهُ بزِرِّ وردَةْ.
فَرَشوا لِبَسمَتِهِ السماءَ،
وكانتِ الشَّمسُ المِخَدَّة.


يَحْيـَـــا

(خُذِ الكتاب بقوة) ـ قرآن كريم

واقفٌ والرياحُ تلوكُ جبيني
حيثُ ظِلّي يُبدِّدُني نُقطةً نُقطة
في فراغ الخُطى
ويُلوّثُ قرصَ دمي الذهبيِّ
بماءٍ مهينِ

واقف
لا تطال الندى شهواتي
ولا يتأنّى أنيني
فانحتي يا رياحُ فراغي الصقيلَ
تماثيلَ هاربةً
وأساورَ طينِ
....

كنتُ ملأى بيَ الأرضُ،
ملأى بِذُرِّيتي حُجُرات الندى
ومليئاً بِذاتي.
وَحْدَ روحي
أشِنُّ الضياءَ
على غيمةٍ لا أراها.
غَرِّبيها كما شِئتِ يا ريحُ
لي فَيئُها
وعليَّ سُراها.
ومليئاً بِذاتي.
آمُرُ الكائناتِ فيَأتينَ سعياً
ومليئاً بِذرِّيَّتي
أغدِقُ الروحَ صحواً  على حَجَرٍ
وأُسمّيه "يحيا".

*كاتب وشاعر فلسطيني

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية شاعر الفلسطينية فلسطين تاريخ شاعر هوية المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الهوية الوطنية العمانية

ختمنا المقال السابق بسؤال عن حاجة مجتمعنا العماني إلى الحديث عن قضية الهوية من عدمه؟ وللإجابة عن هذا السؤال ننطلق من مقال نشرته جريدة «عمان» في عددها الصادر بتاريخ 9 أكتوبر عام 2024 والمعنون بـ «الهوية الثقافية العمانية وتحديات العولمة»، والذي أكدت فيه على إدراك سلطنة عمان للخطر الذي تمثله العولمة على الهوية الوطنية العمانية، وأن مجتمعنا ليس في معزل عن تلك التأثيرات «بل هي موجودة وتتسلل»، ويختم المقال بالدعوة إلى إيجاد «استراتيجية مدروسة ومستنيرة تحتفي بالماضي وتكرّمه، وتتعاطى مع الحاضر وتسير نحو المستقبل».

إن الوعي بخطورة المرحلة يمثل الخطوة الأولى في طريق النجاح لتجاوزها، والتغلب على تحدياتها، والبداية ينبغي أن تكون من تعريف متفق عليه للهوية الوطنية العمانية، وبحسب اطلاعي لا توجد دراسة أكاديمية منشورة في الدوريات المحكمة باللغة العربية لدراسة الهوية العمانية والتعريف بها، أما بغير العربية فتوجد دراستان باللغة الإنجليزية نشرت الأولى الدكتورة فخرية اليحيائية عام 2017 بعنوان «حضور الهوية العمانية في أعمال الرسامين العمانيين»، والثانية عام 2019 لخالد الحنظلي بعنوان «الهوية الوطنية وأثرها في تشكيل السياسة الخارجية العُمانية المعاصرة»، كما توجد دراسة باللغة الفرنسية للباحثة كورينا لوزوفان نشرت عام 2022 بعنوان «رؤية الحداثة: سرديات التناقضات التاريخية في عُمان» ذهبت فيها إلى أنه «في عهد السلطان قابوس، كان المواطن العماني «موضوعا» للتشكل، في طور التكوين، وتجزم بأن «الهوية العُمانية راسخة في السرد التاريخي، مُرتكزة على القيم الإباضية، لا سيما السلام والتسامح».

وجميع هذه الدراسات لا تقدم تعريفا جامعا مانعا كما يقول أهل المنطق للهوية الوطنية العمانية، كما أنها تفتقر إلى استراتيجية التعامل مع تحدي العولمة، وإلى أن توجد دراسات متخصصة في مكونات الهوية الوطنية العمانية ومحدداتها، يمكن اقتراح التعريف التالي: الانتماء إلى الدولة العمانية التي يمثلها النظام السياسي السلطاني، والبقعة الجغرافية لإقليم عمان بحدودها السياسية المعاصرة، وشعبها العربي ذي المرجعية الإسلامية، وامتدادهم التاريخي المتمثل في الممالك والقبائل والأسر والشخصيات التي أسهمت في بناء المنجز العماني.

هذه هي الهوية العمانية في جوهرها، ويتفرع عن هذا الجوهر مبدآن أساسيان، الأول هو الأخلاق العمانية المتمثلة في السلوك السياسي والاجتماعي المتميز بالهدوء والرزانة والحياد الإيجابي والسماحة وعدم الاعتداء على الآخر وعدم التدخل في شؤونه. الثاني هو احترام رموز هذه الهوية التي يعبر عنها العلم العماني، والزي العماني، واللهجة العمانية، والتراث الفقهي العماني، والأغاني الفلكلورية، والقصص الشعبية، والأكلات الشعبية. بالإضافة إلى الاعتزاز بالرموز التي تمثل الجغرافيا العمانية مثل الخنجر والسيف والبحر والسفينة والجبال والصحراء، وشجرة النخيل واللبان.

ولا ينبغي لهذه الانتماء أن يقيد الفرد العماني، فعمان منذ الأزل بها جماعات دينية ومذهبية وإثنية ولغوية متنوعة، وهذه الجماعات الخاصة هي جزء صميم من النسيج العماني، وقد أسهمت في ثراء الثقافة العمانية وفي صنع التاريخ العماني وفي تشكيل ملامح الهوية العمانية، وأبناء هذه المجموعات العمانية الخاصة يحترمون بلا شك المحددات الأساسية التي تمثل الهوية العمانية، كما أن هويتهم الخاصة محترمة داخل نسيج الهوية العمانية الجامع.

أما التحدي الذي أشارت إليه هيئة تحرير جريدة عمان والمتمثل في العولمة الثقافية والأمركة الهوياتية، التي تتسرب إلى مجتمعنا من خلال منصات التواصل، وتطبيقات بث المحتوى، والألعاب الإلكترونية، وغيرها من وسائل، فإن الواقع يفرض علينا التعامل مع هذه المنصات والتطبيقات باعتبارها الواقع الجديد، وهذا الواقع بقدر ما يفرض من تحديات يوفر أيضا مجموعة من الفرص التي ينبغي الاستفادة منها لحماية الهوية الوطنية وتعزيزها، فتحدي العولمة الثقافية ليس أمرا طارئا على العالم، ولا يختص بعمان وحدها، فجميع دول العالم تعاني منه، بل حتى الدول التي تقود قاطرة العولمة تتسابق هي ذاتها اليوم من أجل تمييز هوياتها الخاصة مقابل الآخر الذي لا ينتمي إليها، وقد أفرز هذا التزاحم الهوياتي عدة استراتيجيات للتعامل مع الثقافات المقتحمة، وحزمة من أساليب التصدي للهويات التي تحاول الهيمنة على غيرها.

حيث اقترح عالم الاجتماع الإنجليزي أنتوني غدنز في كتابه «عواقب الحداثة» ما اسماه بالتحديث العاكس أو «Reflexive Modernization»، من خلال تشجيع المجتمعات المحلية على التفاعل بوعي مع العولمة لتحويلها إلى فرصة بدلًا من كونها تهديدا. بينما اقترح المفكر العربي إدوارد سعيد والمفكر الهندي هومي بابا خلق هوية هجينة «Hybrid Identity» قادرة على التفاوض مع العولمة والتكيف مع حمولاتها دون فقدان جذورها، ويتم ذلك من خلال استخدام لبناء مساحة بينية ثالثة بين الهوية المحلية والهوية العالمية.

أما أمين معلوف فقد طرح فكرة «التبادلية» بين الهويات الفرعية داخل الهوية الوطنية، وبينها وبين الهويات العالمية التي تحاول الهيمنة. إذن هناك إجماع بين المفكرين على ضرورة دعم الهويات المحلية وإبرازها، والانفتاح الواعي على الهويات الأخرى بصورة لا تؤدي إلى الذوبان فيها بل إلى المشاركة في صنع مساحة وسط، وخلق هوية مطورة ترتقي بالهوية المحلية ولا تلغيها، فإذا حاولنا تطبيق هذه المبادئ على ما تواجهه الهوية العمانية من صراع مع الهويات العالمية التي تحاول اختراق الفضاء العماني والهيمنة على الثقافة العمانية، فنحن بحاجة إلى إيجاد استراتيجية وطنية للتعامل مع هذا التحدي، ولعل فيما يلي محاولة أولية لوضع ملامح هذه الاستراتيجية التي تحتاج بلا شك إلى تعزيز وتوجيه ودعم.

وتتمثل هذه الاستراتيجية في تطوير التعليم الذي يرسخ الهوية في ذهن الطالب دون أن يعوقه عن الانفتاح على العالم، وعلى الإعلام المستنير الذي يحتفي بالهوية ويخلق فضاءات لها للتحاور مع الآخر، بالإضافة إلى الاستفادة من التقنية والذكاء الاصطناعي للتعريف بالهوية الوطنية وتعزيزها، ومن خلال تبنّي نماذج تنموية تحفظ الهوية الوطنية، ابتداء من تعزيز سياسة التعمين، مرورا بحماية الرموز الثقافية من الاندثار، ودمج عناصرها في التصميم العمراني للمباني والمدن العمانية، والاحتفاء بالحِرف المحلية مثل صناعة الخناجر والبخور والملابس التقليدية، إضافة إلى الشراكة المحلية في صناعة القرارات المتعلقة بالتنمية مع الأعيان والفاعلين الاجتماعيين، واحترام التعددية الثقافية الوطنية باعتبارها منطلقا لاحترام الثقافات العالمية الأخرى، وانتهاء بالانفتاح الواعي على العالم من خلال التشريعات والقوانين المرنة التي تضبط عملية الانفتاح ولا تعوقها.

إن هذه الاستراتيجية المقترحة تمثل قاعدة يمكن البناء عليها لتأسيس هوية وطنية عمانية قويمة، وبناء آليات تعزيزها محليا، وتمدها بوسائل مقاومة الانصهار في الثقافة العالمية المهيمنة، فتجترح ما يفيد أبناءها، وتتجاوز ما يمكنه أن يضرهم ويهدم ثقافتهم، فنحن بحاجة إلى أن نبدأ من نقطة ما، لأن الصراع الثقافي في أشده، والاختراق الفكري يتمدد يوما بعد آخر، والحاجة إلى المواجهة باتت أمرا مفروغا منه، وعلينا جميعا أن نبادر لتعزيز هويتنا الوطنية، وإمدادها بأدوات الصمود أمام طوفان ثقافة العولمة، وتوفير وسائل تمكنها من التفاعل مع غيرها من الثقافات العالمية والاغتناء مما لديها دون خضوع أو ذوبان.

مقالات مشابهة

  • مايكروسوف تحظر رسائل البريد التي تحتوي على كلمات فلسطين وغزة
  • القرآن والشعر مقاربات جمالية في الصورة
  • تحذير من خطورة لجوء الحكومة اليمنية إلى طباعة كمية جديدة من العملة
  • تعيين زهير بوعمامة مستشارا لدى رئيس الجمهورية
  • توظيف الشعر في التصميمات الإبداعية.. بالعدد الجديد من مصر المحروسة
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • الهوية الوطنية العمانية
  • الشعر المبلول يسبب مرض الدودة الحشرية.. تفاصيل
  • المجلس الأعلى للثقافة يعلن أسماء الفائزين بجائزة الشعر البدوي فى مصر
  • العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالمنزلة