أكد فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، أن ما نعيشُه اليومَ من فَيْضٍ معرفيٍّ وتكنولوجيٍّ في كلِّ مناحي الحياةِ يوجبُ على مؤسَّساتِنا أن تحرصَ على أن تكونَ الأمَّةُ كلُّها أفرادًا ومجتمعاتٍ صاحبةَ خطَّةٍ طموحٍ واقعيَّةٍ، وإلَّا كانت الأمَّةُ بأفرادِها ومجتمعاتِها ومقدَّراتِها وثرواتِها في خطَّةِ غيرها.

وإذا كنَّا نسمعُ كثيرًا في الفترةِ الماضيةِ عن مفرداتِ التَّقدُّمِ والرُّقيِّ والبناءِ والتَّنميةِ، ومثلِ هذه المفرداتِ الَّتي تهيِّجُ العواطفَ وتثيرُ المشاعرَ، وتحلِّق بالسَّامعين إلى غدٍ أفضلَ، فإنَّ هذه الألفاظَ الرَّنَّانةَ سرعانَ ما يتلاشى بريقُها مع خروجِ آخرِ حرفٍ مِن لفظِها، ولا ترى لمفردةٍ منها وجودًا ولا أثرًا.

وأشار فضيلة وكيل الأزهر الشريف، على أهمية انعقاد مؤتمر الأزهر الهندسي الدولي السادس عشر تحت عنوان «التطبيقات الهندسية والذكاء الاصطناعي لتحقيق الاستدامة»، في هذا التوقيت، ليضع بذلك لبنةً جديدةً في تأكيدِ قدرةِ الأزهر ورجاله على إحداثِ معاصرةٍ راسخةٍ تقفُ على جذور الماضي، وتحسن قراءة الواقعِ، وتتطلعُ إلى مستقبلٍ مشرقٍ، معربا عن تحيات فضيلة الإمامِ الأكبرِ أ.د أحمد الطَّيِّب، شيخِ الأزهرِ، ودعواته بأن يخرجَ المؤتمرُ بتوصياتٍ عمليَّةٍ تكون لنا نبراسًا في طريقنا إلى تحقيقِ معاصرةٍ رشيدةٍ،

وأضاف فضيلته، خلال كلمته بالمؤتمر الذي تنظمه كلية الهندسة بجامعة الأزهر، إلى أنَّ مشايخَ الأزهرِ وعلماءَه كما كانوا يكتبون في علومِ الشَّريعةِ من فقهٍ وتفسيرٍ وحديثٍ وغيرِها، وكما كانوا يكتبون في علومِ اللُّغةِ العربيَّةِ من نحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ وغيرِها، فإنَّهم كانوا يكتبون في الرِّياضيَّاتِ والهندسةِ والجغرافيا والفلكِ والتَّشريحِ والطِّبِّ وسائرِ العلومِ الَّتي يمكن أن نسمِّيَها علومَ الحياة. ومَن نظرَ أيسرَ نظرةٍ إلى كتبِ مبادئِ العلومِ، وهي رسائلُ صغيرةٌ كان يحرِّرها العلماءُ تجمعُ أشتاتَ العلومِ في اختصاراتٍ عميقةٍ، فضلًا عن المؤلَّفاتِ المستقلَّة الَّتي وضعوها في علوم الحياةِ وفنونِها وجدَ آثارهم في هذه العلوم ناطقةً ببراعتهم فيها.

وتابع فضيلته، أن مِن العلماءِ الأزهريِّين الَّذين وُصفوا بالموسوعيَّةِ، نجمُ الدِّينِ محمدُ بنُ محمدٍ المصريُّ (عاش في القرن السابع الهجري)، فقد وضع أكبر الجداول الفلكية، ونقل عنه الأوربيون علومًا كثيرةً في الفلكِ، والشيخ أحمد السِّجيني (ت: 885هـ)، وقد وصف بالبراعة في علم الجبر والهندسة، والشيخ عبد الله الشنشوري (ت: 999هـ) له كتب في الحساب، والشيخ أحمد عبد المنعم الدمنهوري (ت:1192هـ) وله: القول الصريح في علم التشريح، والشيخ أحمد السُّجاعي (ت:1197هـ)، فقد درَّسَ الفلك والمنطق، وله من المؤلفات رسالة في منازل القمر، ولقطة الجواهر في الخطوط والدوائر، والشيخ علي الطحان الأزهري (ت: 1207هـ)، له رسائل في الفلك، والشيخ حسن العطار الَّذي اشتغل بصناعة المزاول الليلية والنهارية، وأتقن الرصد الفلكي إلى جانب براعته في الطب والتشريح، والأمثلة كثيرة.

واستعرض وكيل الأزهر خلال المؤتمر بعض القضايا المعاصرة التي تجمع بين تخصصات الهندسة وتحتاج المزيد من الجهود مثل مفهومِ التَّنميةِ المستدامةِ، الَّذي يجب أن يتجاوزَ المحافظةَ على الثَّرواتِ الطَّبيعيَّةِ والمواردِ المادِّيَّةِ إلى المحافظةِ على كلِّ ما يتعلَّقُ بالإنسانِ مِن جوانبَ ثقافيَّةٍ واقتصاديَّةٍ ودينيَّةٍ واجتماعيَّةٍ، وصيانةِ حياتِه حاضرًا ومستقبلا، فالتَّنميةُ المستدامةُ في الإسلامِ لا تقفُ عند الجانبِ المادِّيِّ وحدَه، بل تجعلُه جنبًا إلى جنبٍ مع البناءِ القِيَميِّ والأخلاقيِّ والرُّوحيِّ، الَّذي يصونُ هذه التَّنميةَ ويحفظُها من العبثِ بمكوِّناتِها وبرامجِها، ولعلَّ مِن فضلِ الله علينا أنَّ هويَّتَنا العربيَّةَ والإسلاميَّةَ تتميَّزُ بهذا الجانبِ الرُّوحيِّ المشرقِ.

وأضاف أن التَّنميةَ في الإسلامِ لا تقفُ عند إصلاحِ الدُّنيا بل تتجاوزُها إلى الآخرةِ، وذلك كلُّه تحت اسمِ «الإعمارِ» الَّذي كُلِّفنا به، والَّذي يشملُ القلبَ والعقلَ، والعلمَ والعملَ، والدُّنيا والآخرةَ، ويكفي أن نتأمَّلَ هذا الإيمانَ الَّذي رُتِّبَ عليه دخولُ جنَّةِ الخلدِ، وسعادةُ الأبدِ، كيفَ قرنَه اللهُ بالعملِ الصَّالحِ في كتابِه الَّذي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ في عشراتِ المواضعِ منه، وتأمَّلوا قولَه تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾، ثمَّ تأمَّلوا كيف تَرجمتْ هذا العملَ الصَّالحَ سنَّةُ النَّبيِّ ﷺ في أحاديثَ كثيرةٍ تُعنى بصغارِ أمورِ الحياةِ قبلَ كبارِها، حتَّى جَعَلَتْ إصلاحَ الطَّريقِ، وإماطةَ الأذى عن المارَّةِ فيه شعبةً من شُعبِ الإيمانِ

واستطرد وكيل الأزهر أن من التنميةِ المستدامةِ أن نحسنَ استخدامَ عطاءِ العصرِ، ومنه الذَّكاءُ الاصطناعيُّ الَّذي لم يعد لدينا رفاهيةُ الاختيارِ في رفضِه أو قبولِه، فهذا الذَّكاءُ الاصطناعيُّ إمَّا أن نُديرَ له ظهورَنا، ونرفضَ ما يحملُه من فُرصٍ فنكونَ قابعين هنالك في زاويةٍ من زوايا الحياةِ بلا أثرٍ ولا نتيجةٍ كلا وجودٍ، وإمَّا أن نتلقَّاه بالإيجابيَّةٍ وحسنِ الاستثمارِ والتَّفاعلِ المثري للحياةِ، فنكونَ أهلًا للخيريَّة الَّتي وصفَ اللهُ بها الأمَّة، مع الأخذ في الحسبانِ أنَّ الذَّكاءَ الاصطناعيَّ قد تصحبُه تحدِّياتٌ كبيرةٌ ومخاطرُ متعدِّدةٌ، يصفُها بعضُ من استحدثوه بأنَّها أخطرُ من القنابلِ النَّوويَّةِ، وقد تدمِّرُ البشريَّةَ، بسببِ وجودِ بعضِ البرامجِ والتَّطبيقاتِ الَّتي قد تستخدمُ بطرقٍ غيرِ أخلاقيَّةٍ، لذلك كان من الواجبِ ونحن نتأمَّلُ الذَّكاءَ الاصطناعيَّ وما يتيحُه من فرصٍ جديدةٍ، أن نلقاه بتخطيطٍ استراتيجيٍّ مرشدٍ.

كما سلط وكيل الأزهر خلال كلمته الضوء على قضية التَّخطيطَ بوصفه ضرورة مِن ضروراتِ الحياةِ، بدأَ مع الإنسانِ منذُ خطواتِه الأولى على ظهرِ الأرضِ، وإن تفاوتتْ درجاتُه باعتباراتِ الزَّمانِ والمكانِ والإنسانِ، إلَّا أنَّ التَّاريخَ يُثبتُ أنَّ الأممَ الَّتي تتبنَّى التَّخطيطَ أسلوبًا للحياةِ يمكنُها أن تتداركَ أخطاءَ ماضيها، وأن تديرَ واقعَها، وأن تتنبَّأَ بمستقبلِها. والتَّاريخُ شاهدٌ كذلك أنَّ التَّخطيطَ من مميِّزاتِ الحضارةِ الإسلاميَّةِ، فهو مبدأٌ دينيٌّ بامتيازٍ، تجلَّى في كثيرٍ من آياتِ القرآنِ الَّتي أشارتْ إشاراتٍ واضحةً إلى أهميَّتِه وضرورتِه في حياة الرسل والأنبياء، وفي حياةِ سيِّدنا رسولِ اللهِ ﷺ جاء التخطيط واقعًا ناطقًا، وممارسةً شاهدةً بأهميَّتِه وضرورتِه.

واختتم وكيل الأزهر كلمته بأن هذه المفردات والأطروحات لا بد أن يصحبها تخطيطٌ علميٌّ سليمٌ، يُحوِّلُها من اللَّفظِ إلى العملِ، ويُحوِّلُ الأمَّةَ مِن السُّكونِ إلى الحركةِ، ومِن الرُّؤيةِ إلى الإنجازِ، ومن التَّنظيرِ إلى التَّنفيذِ، فلا تطوُّرَ للمجتمعاتِ، ولا مستقبلَ لها دونَ تخطيطٍ، بل إنَّ الأممَ الحيَّةَ هي الَّتي تتأمَّل الماضي، وتدركُ الواقعَ، وتخطِّطُ للمستقبلِ، وإنَّا لنثقُ أنَّ بلادَنا تخطو خطواتٍ وثَّابةٍ بما تملكُه مِن أدواتِ تخطيطٍ علميَّةٍ، وخططٍ مدروسةٍ.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مجالات الحياة وكيل الأزهر وکیل الأزهر

إقرأ أيضاً:

قُبيل سفرهم لأداء مناسك الحج.. محافظ أسيوط يُسلم 309 حاجًا تأشيرات السفر وملابس الإحرام

سلم اللواء عصام سعد محافظ أسيوط، اليوم الجمعة، حجاج بيت الله الحرام، الفائزين بقرعة الحج للجمعيات الأهلية، جوازات وتأشيرات السفر، وملابس الإحرام، قبل سفرهم لأداء مناسك فريضة الحج للعام الحالي 1445هـ/ 2024م وذلك خلال الاحتفالية التي نظمتها مديرية التضامن الاجتماعي بقاعة الاحتفالات الكبرى بديوان عام المحافظة.

جاء ذلك بحضور المحاسب عدلي أبو عقيل سكرتير عام مساعد المحافظة، واللواء علاء عبد الجابر سكرتير عام محافظة سوهاج، ومجدي نجيب وكيل وزارة التضامن الاجتماعي، ومصطفى أبوغدير مستشار المحافظة للجميعات الأهلية، والدكتورة هبة الجلالي مدير إدارة الجمعيات بمديرية التضامن الاجتماعي، والشيخ محمد عبد اللطيف مدير عام الدعوة بمديرية الأوقاف، والشيخ ناصر محمد مدير عام المتابعة بمديرية الأوقاف، والشيخ عيد علي خليفة إمام مسجد الهلالي، والشيخ سيد عبد العزيز أمين بيت العائلة المصرية بأسيوط والحجاج الفائزين بالقرعة وعدد من المشرفين الإداريين ومشرفي الجمعيات الأهلية.

حيث بدأت الاحتفالية بالاستماع إلى بعض آيات من الذكر الحكيم ثم قدم الشيخ سيد عبد العزيز والشيخ عيد خليفة عرضاً توضيحيًا لمناسك الحج وبعض الإرشادات الدينية الخاصة بالرحلة كما عرض بعض مشرفو التضامن الاجتماعي الإجراءات التنظيمية بشأن الاستعداد للسفر لأداء فريضة الحج ومواعيد السفر ثم قام المحافظ بتوزيع التأشيرات وملابس الإحرام على الحجاج.

وخلال كلمته هنأ محافظ أسيوط، الحجاج بالسفر لأداء مناسك الحج، متمنيًا لهم حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا، وأداء الفريضة بكل سهولة ويسر، والتمتع بالرحلة المباركة، قائلًا إننا ننتظر هذه المناسبة كل عام من أجل أن نلتقي بحجاج بيت الله الحرام ونقدم لهم خالص التهاني والتبريكات لزيارة بيت الله الحرام، داعياً الله عز وجل أن يتقبل منهم حج بيته الحرام ويعودوا إلي أرض الوطن بسلام".

وأوضح المحافظ إنه كلف وكيل وزارة التضامن الاجتماعي، بمتابعة وتيسير الإجراءات على المسافرين وإنهاء كل المستندات الخاصة بهم والتنسيق مع مديرية الصحة لإنهاء كافة الإجراءات الصحية والتحاليل والاختبارات اللازمة للسفر تسهيلًا عليهم، وتقديم الرعاية الطبية اللازمة للحجاج والتأكد من تناولهم الأمصال والتطعيمات اللازمة والتنسيق مع مديرية الأوقاف في تنفيذ التوعية والتثقيف بالخطوات الصحيحة لأداء مناسك الحج.

كما وجه اللواء عصام سعد المشرفين المرافقين لحجاج الجمعيات الأهلية، بتقديم كل العناية والرعاية للحجاج خلال أداء شعائر الحج وتلبية احتياجاتهم وتذليل كافة العقبات أمامهم ومساعدتهم في أداء مناسك الحج، وتوفير جو من الراحة والسكينة، وتقديم أفضل الخدمات لهم حتى عودتهم إلى أرض الوطن سالمين بإذن الله مطالبًا حجاج بيت الله الحرام بالالتزام بكل التعليمات من الفرق المسؤولة والدعاء لمصرنا الغالية، بأن يحفظها الله من كل مكروه وسوء.

من جانبه أوضح مجدي نجيب وكيل وزارة التضامن الاجتماعي بأسيوط، إنه تم اختيار الفائزين ضمن القرعة العلنية لهذا العام 1445 هـ 2024م، والتي نظمتها وزارة التضامن الاجتماعي حيث ظهرت نتيجة القرعة بإختيار عدد 309 حاجاً على مستوى المحافظة مشيرًا إلى وجود مستويين، هما: المستوى الثاني ويضم 271 حاجًا، وسيكون السفر في 7/2/2024 والعودة 30/6/2024 والمستوى الثالث يضم 38 حاجًا وسيكون السفر في 9/6/2024 والعودة في 4/7/2027 كما تم اختيار 7 مشرفين من المتقدمين للإشراف على الحج مما تنطبق عليهم شروط الإشراف الموضوعة لتذليل كافة العقبات ومساعدة الحجاج في تأدية مناسك الحج.

مقالات مشابهة

  • الصهاينة والأمريكان وشيطنة إيران
  • رابطة الجامعات الإسلامية والجمعية العربية للحضارة والفنون توقعان اتفاقية تعاون مشترك
  • وكيل الأزهر يتفقد لجان امتحانات الثانوية ويوجه رسالة دعم لطلاب غزة (صور)
  • وكيل الأزهر يتفقد لجان طلاب غزة في امتحانات الثانوية بمدينة 15 مايو
  • وكيل الأزهر يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية.. ويوجه رسالة دعم لطلاب غزة
  • انطلاق امتحانات الثانوية الأزهرية لطلاب العلمي بمادتي الفقه والحديث
  •  مسيرة حاشدة في لحج دعما لفلسطين
  • قُبيل سفرهم لأداء مناسك الحج.. محافظ أسيوط يُسلم 309 حاجًا تأشيرات السفر وملابس الإحرام
  • خالد بن محمد بن زايد يعزي في وفاة سعيد بن أحمد العتيبة
  • ضمن العمل القائم نحو السوق العربية للكهرباء: وزارة الطاقة تشارك في الاجتماع الافتتاحي للمشروع التجريبي لدول المشرق