صيدلي يختلس 52 مليارا بدولة عربية.. كيف اقترف جريمته؟
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
تحول صيدلي بين عشية وضحاها إلى حديث الشارع الجزائري بعد أن جرى الكشف عن اختلاسه مبالغ تصل إلى 52 مليار سنتيم جزائري من صندوق الضمان الاجتماعي الوطني، وسط توقعات بأن تتم معاقبته بالسجن 10 سنوات على الأقل.
تفاصيل تلك الجريمة كشفتها صحيفة النهار الجزائرية والتي قالت إن وكيل الجمهورية لدى محكمة الجنح بالجزائر طلب تنفيذ عقوبة 10 سنوات سجنا واجبة النفاذ بحق صاحب صيدلية خاصة في الجزائر العاصمة بعد اختلاس أكثر من 52 مليار سنتيم من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وبحسب الوقائع التي جاءت في القضية فقد اختلس الصيدلي المبلغ من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من خلال تسجيل أسعار دواء لوصفات طبية داخل نظام معلومات الحاسب الآلي مع تغيير نوعية الدواء المصنوع في فرنسا ليكتب عليه صنع في الجزائر من أجل الاستفادة من تحفيزات بقيمة 20%.
وقائع المحاكمة تكشف كذلك أن الصيدلي قدم وصفات طبية مزورة خاصة بمرضى مصابين بأمراض مزمنة للضمان الاجتماعي في الفترة من 2013 وحتى 2023، ليكون بذلك قيمة المبلغ المختلس إلى 52 مليار سنتيم.
العقوبة المطلوبة ضد الصيدليأما عن العقوبة التي قد تواجهه، فقد طلب وكيل الجمهورية لدى محكمة الجنح بمعاقبته بالسجن 10 سنوات نافذة ودفع مليوني دينار غرامة مالية واجبة النفاذ بحقه، علما أن المتهم أنكر جميع التهم المنسوبة إليه وحمل المسؤولية إلى المساعدين الذين يعملون معه بالصيدلية.
فيما أنكر كذلك المساعدين له في الصيدلية كل الاتهامات التي وجهت لهم بشأن عملية الاختلاس، حيث طلب في المحكمة سجن 7 سنوات ومليون دينار غرامة مالية لمتهمة تعمل موظفة بالصيدلية ووضعها رهن الحبس.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الجزائر جريمة الاختلاس أخبار الجزائر
إقرأ أيضاً:
نحو وحدة عربية فاعلة
تشدنا مشاهد العالم وتحولاته المتسارعة إلى معنى أن تكون ذات قوة علمية وصناعية واقتصادية كبيرة ومؤثرة؛ فلا تحترم الحياة بمنظومتها البشرية إلا الأقوياء من الأمم الأخرى، ومع هذه المشاهد المتعددة، تتجلى لنا صورة مخيفة تعبر عن مدى الضعف العربي العاجز عن مواجهة خصومه وسطوتهم الظالمة، ونستدل على واقعنا الحالي الذي يعكس اقتصادا ريعيا يزهر حين تعانق أسعار النفط عنان السماء؛ فإذا غضبت الأسواق أو هاجمتنا جائحة أو حرب؛ توقفت الحياة وعجزت المشروعات عن المضي قدما؛ فأضحى المتعلم العربي والمبدع تستقطبه المحفزات الغربية، وتغذيه موازنات بحثية تقدم الجرعة الأكبر من جاذبيتها إلى المؤسسات الغربية والآسيوية قبل أن تتبعثر جهوده في كراسات جامدة أو مصانع خاوية من روحها الإبداعية وحركتها الاقتصادية الجادة. يعكس مثل هذا العجز التركيبي غياب الوحدة الاقتصادية والعلمية؛ إذ يفتقد التعاون الفعال بين الدول العربية الذي يمكن أن ينسق سياسات الاستثمار في البنية التحتية للبحث والتطوير، ويفتقد اجتماع هذه الدول المشتتة تحت مظلة علمية وتنموية اقتصادية واحدة؛ لابتكار حلول لمشكلاتنا.
في المقابل، تتبختر عديد من دول العالم مثل الولايات المتحدة والدول الغربية والصين واليابان وغيرها من الدول باقتصاداتها المتينة التي تعتمد على الوفرة العلمية ومخرجاتها المترجمة في واقع الصناعات الثقيلة نتيجة لاتحاداتها الواعية؛ فتظهر تنوعها الاقتصادي وتفوقه وجودته وأهميته العالمية؛ فتبرز أنيابها الاقتصادية مع كل تهديدات محيطة أو منغصات مهددة؛ فنجد أن ركائز هذا التفوق قائمة على ثلاثة أعمدة لا تنكسر: العلم الريادي الذي يحرك عجلة الابتكار، والصناعة القادرة على تحويل المعرفة إلى سلعة ذات قيمة عالية، والاقتصاد الذي يحتضن هذه السلع في أسواق تتنفس بأكسجين التصدير والإبداع، ويستدل على هذا عبر واقع الشركات العالمية الكبرى سواء تلك التي تسيطر على قطاع التقنيات مثل شركة «جوجل» و«مايكروسوفت» وقطاع الصناعات العسكرية والدوائية والسيارات والطائرات؛ فكلها خارج الحوزة العربية وأذرعها الاقتصادية، وهذا ما أثبتته حرب غزة -مثلا- حين وجدنا أن شركات التقنية الكبرى منحازة بكل وقاحة إلى الكيان الصهيوني بوسائل عدة منها: الدعم التقني والمالي ومحاربة المحتوى المؤيد للقضية الفلسطينية؛ ويضارع ذلك ممارسات بقية الإمبراطوريات الاقتصادية والصناعية عن طريق تأكيد موقفها المساند للصهيونية؛ لتؤكد على قاعدة «البقاء للأقوى» وأن «القوي سيفرض واقعه».
لعلنا سئمنا من حالات التأنيب المتكررة التي تسطر لنا سردية الهزيمة والإحباط، وفقدان الثقة بأمة تمتلك مقومات الحضارة، ولكنها ذو معادلات تشغيلية معطلة؛ لأسباب سبق أن أظهرها مفكرون كبار مرارا وتكرارا منذ ما يزيد على مائة عام دون أن نعقد العزم الحتمي للنهوض، وتفعيل الحلول المقترحة الكثيرة؛ فتجثم على شفاه العرب منذ عقود كلمة واحدة تتردد كأنها صدى أليم في وجداننا: العجز؛ فنراه عجزا تجلى في أركان الاقتصاد، وفي صرح البحث العلمي، وفي مصانعنا المؤصدة؛ حيث انطفأت نار الإبداع والتحول إلى قوى فاعلة؛ فاحتاجت المجتمعات العربية إلى جائحة وعواصف جيوسياسية؛ لتوقظها من سباتها الطويل، وتؤكد لها أن بوصلة النفوذ في عالمنا المعاصر لا تشير إلى حقل نفطي آيل إلى النفاد يوما من الأيام، وإنما تشير البوصلة إلى جسر علمي متين وصناعة ثقيلة متطورة واقتصاد متنوع لا يلغيه أي جنون في أسعار الطاقة أو اضطراب في مسارات السياحة.
لا ينبغي أن نضع كل الحمْل على التراث وثغراته -رغم وجودها-؛ ولكن ينبغي أن نتجاوز هذه العتبة عبر معالجتنا السريعة للثغرات المكتشفة منها معوقات العقل العربي والإسلامي وتجاوزها، وعلينا أن ندرك مشكلاتنا الحضارية المعاصرة الأخرى، وأولها افتقادنا الرؤية الجامعة التي تعيد بناء موطئ قدم موثوق للمشرق والمغرب معا؛ فما الحلول الممكنة؟ وكيف نخطو خطوات واقعية نحو مجتمعات عربية علمية واقتصادية فاعلة؟ أولا، يمكن أن نقترح تكوين مجلس عربي للابتكار العلمي وتبادله يشابه مجلس أوروبا للبحوث؛ فيضم مترشحين من الجامعات والشركات، ويضع ميزانية مشتركة يساهم فيها كل بلد عربي بنسب متناسبة مع إمكاناته، ويقر مشروعات بحثية نحتاجها في مجالات الطاقة المستدامة، والزراعة الذكية، والطب الدقيق، والفضاء والذكاء الاصطناعي. ثانيا، تأسيس حاضنات الأعمال الإقليمية (Innovation Hubs) في مواقع استراتيجية نابضة بمقومات الإبداع -مدن من المشرق العربي ومغربه- تجمع فيها الكفاءات من المغتربين والمقيمين -العرب- على حد سواء؛ فتحول الأفكار إلى شركات ناشئة «startups» تدعمها صناديق تمويل مشتركة، وتنظم لها معارض دورية لتسويق التقنيات محليا وعالميا.
ثالثا، تبني أنظمة اعتماد أكاديمية عربية موحدة للمناهج والتخصصات العلمية؛ فتشجع الطلاب على الدراسة في أي جامعة عربية، ويعترف بشهاداتهم في كل دولة؛ فيدخل بذلك طلاب المنطقة أسواق العمل في الوطن الواحد دون معوقات بيروقراطية تبقيهم محاصرين داخل حدود بلد صغير. رابعا، دمج صناعات خفيفة ومتوسطة في سلاسل القيمة العالمية عن طريق توقيع اتفاقيات تجارية تضمن انتقال التقنية وترخيص التصنيع المحلي بمقاييس عالمية؛ فتتحول مدننا الصناعية إلى معاقل إنتاج تنافس منتجاتها الأسواق العالمية، ولضمان نجاح هذه الحلول، ينبغي إعداد آلية تطبيق متكاملة تبدأ من ورشة تنسيق عالية المستوى تجمع وزراء الاقتصاد والتعليم والبحث والتقنيات؛ لصياغة خريطة طريق خمسية؛ يحددون فيها أهدافا كمية قابلة للقياس مثل رفع نسبة الإنفاق على البحث والتطوير من 0.5% إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي في غضون خمس سنوات، وزيادة حجم الصادرات التقنية والرقمية بمقدار يقارب 50% عبر تأسيس شركات تقنية عربية ذات وزن عالمي قادرة على فرض قراراتها العالمية، ويتبع ذلك، تشكيل هيئة رقابية مستقلة لجميع الدول الأعضاء؛ لتتابع تقدم المشروعات وتقوم الأداء سنويا، وتصدر تقريرا عاما يحظى بنشر واسع يرفع المساءلة ويحفز على الاستمرارية.
كذلك ينبغي إطلاق برامج تبادل طلابي وأكاديمي بين الجامعات والشركات العربية، ومنح حوافز ضريبية للشركات التي توظف خريجينا في مشروعات البحث والتطوير، وفتح المجال أمام المغتربين العرب للعودة والاستثمار بمعرفتهم وخبراتهم العالمية. علينا أن نعي، ونحن في حالة المواجهات الوجودية التي كشفت مستويات ضعفنا الكبيرة وفي الوقت نفسه أيقظت في داخلنا سبل النجاة وحلولها الكثيرة؛ أننا نرصد المسار إلى وحدة عربية اقتصادية وعلمية فاعلة باعتبارها خطوة حتمية للخروج من الطيف الضبابي لعجز متوارث إلى ضوء فعل يشهد له التاريخ؛ فالأمة التي تبني جبال عقولها قبل أن تنحت جبال الموارد؛ فإنها بمنزلة الأمة التي تصنع مجدها بكلمتها، وتفرض احترامها بأقدام علمائها ومهندسيها ورواد أعمالها؛ فتسير وحدها في دروب المستقبل بخطى راسخة لا تعرف الانكسار والهوان.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني