ليس استهدافا لرأس الحكمة ولكن لرأس 30 يونيو
تاريخ النشر: 28th, February 2024 GMT
من أغرب ما أصادفه على مواقع على مواقع التواصل الاجتماعي، هو مجموعات من الناس يقولون إنهم متأكدون تماما من أن الخراب آتٍ إلى مصر لا محالة، ورغم ذلك يشغلون أوقاتهم بالهجوم على من يخالفون هذه النبوءة، بدلا من الاهتمام بالنجاة الشخصية!
نحن في الإعلام المصري، نقول إن الأزمة مؤقتة وستمر منذ بدايتها، في المقابل، يقول الإعلام المُعادي للمصريين إن الأزمة ستنهي كل أملٍ في غدٍ أفضل، من يصدق هؤلاء لماذا يصدق مجموعة من المغيبين -كما يرونا- يعتقدون أن غدا سيكون أفضل؟
حالة الهيستريا التي أعقبت الإعلان عن رأس الحكمة على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من اللجان الواضحة الصريحة أو المطاريد أو بعض من يصدقون هذه الأكاذيب، تقول إن الأمر يتخطى الرأي ووجهة نظر.
هذه -في أغلبها- دوافع أيدولوجية، الأمر لا يتعلق بالحالة الاقتصادية أو بالرأي ووجهة النظر، ولكنها أيدولوجية تعتقد أن كل ما حققته مصر منذ 30 يونيو يجب أن يظل محل استهداف حتى يسقط المشروع بأكمله.
30 يونيو ليست مجرد نهاية لنظام الإخوان، بل هي قنبلة انفجرت في وجه الإسلام السياسي ولن نبالغ إذا قلنا إن الأثر السلبي لتلك القنبلة طال التيار على مستوى العالم وليس فقط في مصر أو المنطقة.
عبور هذا المشروع، واستقرار النظام السياسي الذي بنى شرعيته على ثورة 30 يونيو، والذي يمثله الرئيس عبد الفتاح السيسي، مجرد العبور، يمثل كارثة تاريخية سيحتاج الإسلام السياسي عشرات السنين ليتجاوزها، فما بالك لو كان العبور مصحوبا بإنجازات ونجاحات سيسجلها التاريخ؟
هذا هو لب الموضوع، وهذا الفهم مستقر لدى كل أبناء تيار الإسلام السياسي وجمهوره، هم يعلمون -وإن تفاوتت نسب العلم- أن نجاح عبد الفتاح السيسي والدولة المصرية بقيادته كارثة يومية على تيارهم، وكارثة أكبر إذا اكتمل المشروع بنجاح.
لذلك، أغلب الاستهداف الذي يحدث بشكل منظم مركزي أو تطوعي، هو من دوافع أيدولوجية، لا تكترث برأس الحكمة أو بالوضع الاقتصادي، وإنما تتخذ آلية دفاعية ضد أي نجاح سيتحول إلى أزمة جديدة تُضاف إلى تيار يمر بأسوأ فتراته منذ بدأت فكرة التجارة بالدين وتوظيفه في تحصيل المكاسب السياسية.
ليست رأس الحكمة، وإنما رأس 30 يونيو.. هذا هو الأصل، وإن شئت دليلا حاسما، فتأمل تعليقات الإسلاميين من الجنسيات العربية الأخرى وهم يعزفون على نفس النغمات.. هل هؤلاء أيضا يعانون من الحالة الاقتصادية في مصر ويعارضون النظام السياسي أم أنهم يخدمون نفس الأيدولوجية؟
لؤي الخطيب – الوطن نيوز
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
المنهج السياسي العُماني الحكيم
د. صالح الفهدي
تساءلتُ حينما وقعَ حادثٌ معيَّنٌ كيف سيصاغُ البيان السياسي العُماني إِثْر ذلك الحادث، وكيف يمكنُ لسلطنة عُمان أن تخرجَ ببيانٍ متوازنٍ، واقعي، بعيدٍ عن العاطفةِ، مرتهنٍ للأسباب، فإذا بالبيان السياسي يخرجُ على درجةٍ عاليةٍ من الواقعيةِ دون إغفالِ العلاقات بين الطرفين في ذلكم الحادث.
البيانُ في الحقيقةِ ليس مجرَّد كلماتٍ جاهزةٍ تقال، وإِنما هو تأكيدٌ على المبادئ التي ترتهنُ إليها السياسة العُمانية؛ مبادئ ليست مبتدعةً، وإنما متأصِّلةً تعكسُ أصالة التاريخ العُماني، وتعبِّرُ عن المعتقدات التي تؤمنُ بها الشخصية العُمانية.
إنَّ صنع التوازنات مع الثبات على المبادئ في مختلف المواقف ليس أمرًا يسيرًا في عالمٍ تتجاذبه القوى على اختلافها؛ قوى لا تعرفُ في كثيرٍ من الأحيان إلا منطق القوةِ القاهرة، بينما تسوِّقُ-زيفًا وكذبًا- شعارات الديمقراطيةِ، وحقوق الإنسان، وغيرها من الشعارات التي تروِّجُ لها وسائل قواها الناعمة.
في هذا العالم يدفعُ الثابتُ على المبدأ الواضح السليم أثمانًا لمبادئه، وكثيرًا ما يقفُ بين عداوةٍ بسبب ثباته، أو صداقة زائفةً بسبب ميولهِ عن المبادئ التي تأسس عليها أو يُغرى بمصالحَ مؤقَّتة لتخديره وشراء مواقفه.
بينما تثبتُ سلطنة عُمان على مبادئها العادلة الشرعية في الدفاعِ عن الظلمِ، وعدم جواز التدخل في شؤون الغير، ولا في جواز التدخل في شؤونها، وتؤمنُ بحرية الشعوب في تقريرِ مصيرها، ساعيةً في ذلك إلى تحقيق السلام العادل الأصيل، والارتباط بالعلاقات السَّامية مع الدول والشعوب.
ولهذا فإِننا نجدُ أن صوتَ سلطنة عُمان لا يتردَّدُ أبدًا في إظهارِ تنديدهِ بأيِّ عدوان سافرٍ على دولةٍ ذات سيادةٍ دون وجهِ حق، أو شعبٍ دونَ وجهِ حق، حتى وإن كانت القوى العظمى في العالم هي المعتدية، فلا صوتَ يعلو صوتَ المبدأ الحُر، فهذا الصوت تعبيرٌ عن السيادةِ بما فيها من مبادئ وأُسس لا يمكنُ إخفاؤها، ولا المساومة عليها.
وإذا كانت العبارة السائدة في السياسة تقول "لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة" هي عبارةٌ تصدقُ في العلاقات السياسية، وتبرهنُ على ذلك المواقف التاريخية فإننا نتوقفُ عن كلمة "المصالح" التي تقبلُ الوجهين: مصالحَ فيها من الخذلان والإذلالِ، أو فيها من حفظِ السيادة والقرار، وهُنا نجدُ أن السياسة العُمانية حكيمةً في واقعية "المصالح" لكنها أيضًا حازمةً في أن لا تكون هذه المصالح على حساب المبادئ التي آمنت بها الدولة العُمانية وقامت عليها أركانها.
وإذ إنها دولةُ سلام أصيل، فإنها ليس لديها من مواقفَ ظاهرةً وباطنة، وليس لديها مصالح فوق الطاولةِ، وتحت الطاولة، وليس لديها نوايا ظاهرة وأُخرى مبطَّنة، وإنما لديها مبادئ جليَّةً لا تساومُ عليها، ولذلك وثقَ بها من وثق، وأعرضَ عنها من لم توافقهُ هذه السياسة السامية المنهج.
إنَّ الأثر النفسي والوطني من هذا المنهج السياسي العُماني على المواطن العُماني لهو أثرٌ بالغُ الأهمية؛ فالمواطنُ العُماني يرى في مواقف بلده نحو القضايا العادلة، والمواطن الذي يتابع البيانات السياسية في مختلف الأحدث ليشعرُ بأن هذا صوته النابع من القناعة الراسخة، بل يشعرُ أن هذا صوتُ التاريخ العُماني ورجالاته، ولذلك كان هذا التناغم والانسجام بين السياسة العُمانية والمواقف الشعبية أكان على صعيد المستوى أم على صعيد الأفكار واضحًا لا ازدواجيةَ فيه، وهُنا كانت مساحة الحرية للتعبيرِ عن الرأي الشعبي واسعةً ما دامَ ذلك الرأي مستندًا إلى أُسس بنَّاءةً وليس مشاعرَ انفعاليةً عارضة.
المنهج السياسي العُماني مصدرُ فخرٍ للإنسان العُماني، ولا شكَّ بأنه أسهم في تكوين نظرة الشخصية العُمانية الوازنة نحو مختلف الأحداث والوقائع بما تأسس عليه من مبادئ كريمة تحفظُ للوطنِ سيادته ورفعته، وتصونُ لمواطنيه العزة والحرية والكرامة.
رابط مختصر