ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، خدمة القداس في كاتدرائية القديس جاورجيوس، بحضور حشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: "سمعنا الأحد الماضي عن العشار الذي تبرر بتواضعه، على عكس الفريسي المتعاظم الذي عاد غير مبرر. أما اليوم، فنسمع من الرب مثل الإبن الشاطر، الذي شطر أو قسم ميراث أبيه.

في القسم الأول من مثل اليوم وصف لحالة الأب المحب جدا. فقد أتى إليه ابنه طالبا نصيبه من الميراث، ونحن نعرف أن تقسيم الميراث يكون بعد الموت. اللافت أن الأب لم يجادل ابنه، ومن شدة تواضعه، سمح لابنه بأن يعتبره ميتا وقسم معيشته بين ولديه، مع أن الأكبر لم يطلب شيئا".

أضاف: "الله، المرموز إليه بالأب، يظن بعض الناس أنه غير موجود. هو يسمح لنا، بسبب تواضعه الأقصى، بأن نتساءل عن وجوده وسط مصاعب الحياة، كما يسمح بوجود الملحدين الذين ينكرون وجوده. هو يحب كل خليقته، و«يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون» (1تي 2: 4)، لكنه لا يفرض هذه المحبة ولا يتدخل في حرية أبنائه. بعدما أخذ الإبن الأصغر نصيبه جمع أغراضه وسافر بعيدا. هذا ما يحصل معنا. نطلب عطايا الله، فيمنحنا مواهب لا تحصى، وفجأة نقرر الإبتعاد عنه بسبب خطايانا، واعتباره غير موجود، ونتصرف بالعطايا والمواهب بأنانية تؤدي بنا إما إلى الندم أو الهلاك".

وتابع: "عندما يبتعد الإنسان عن الله تتدهور حاله بسرعة. لقد بدأ الإبن الأصغر خطأه بخطوة صغيرة، لكن خطوته الثانية، أي قراره الإبتعاد عن والده، وسعت الهوة بينهما. لقد انتقل الإبن، بسبب خطيئته، من البنوة، إلى رتبة أدنى من الخنازير التي «كان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت تأكله». الخنازير سيئة ونجسة عند اليهود الذين يحرمون تربيتها أو لمسها وأكلها. لذا، اهتمام الإبن بالخنازير يدل على الذل الأقصى. أما ابتعاده عن أبيه فيرمز إلى ابتعاد كل إنسان عن الله بسبب الخطيئة، إذ يتحول من إبن لله إلى إنسان ذليل، لدرجة فقدان كل الخيرات واشتهاء الحصول على أي نعمة إلهية. عندما أدرك الإبن حالته الناتجة عن خطيئته «رجع إلى نفسه». أفاق من غيبوبته، وتذكر حاله في بيت أبيه فقال: «كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعا!». لم يقارن نفسه بأخيه الأكبر الذي ما زال يتمتع بخيرات أبيه، بل بالأجراء الذين يتمتعون بالخيرات، ولكثرتها يفضل عنهم ، فقرر أن يعود إلى أبيه ويعترف بخطئه".

وقال: "عندما يقرر الخاطئ العودة إلى الله يخجل، وإن كان تائبا حقا يعرف خطيئته ويقر بها طالبا الرحمة. نحن نخاطب الله وندعوه «أبانا»، لكن عندما نعي حجم خطايانا نخجل من أنفسنا فتصبح هذه العبارة صعبة اللفظ. لذلك، يعلن الكاهن في القداس الإلهي، قبل الصلاة الربية: «وأهلنا أيها السيد أن نجسر بدالة وبلا دينونة أن ندعوك أبا». عندما عاد الإبن، كان يريد أن يقبله أبوه كأجير، لكن أباه لم ينتظره بل بادر نحوه. لم يترك له مجالا للتفوه بما فكر به، بل قبله قبل أن يعبر عن توبته. لكن الإبن قال: «يا أبت، أخطأت إلى السماء وأمامك، ولست مستحقا بعد أن أدعى لك ابنا». هنا إشارة إلى أهمية الإعتراف بالخطيئة، الأمر المقترن بالتوبة. لهذا، تجمع الكنيسة بين التوبة والإعتراف في سر واحد، لأن التوبة مهمة، إنما يجب إقرانها بالتواضع المؤدي إلى الإعتراف بالخطأ. لقد قبل الأب ابنه بسبب توبته وتواضعه، و«القلب المتخشع والمتواضع لا يرذله الله».

أضاف: "عندما علم الإبن الأكبر بعودة أخيه، رفض دخول البيت والإحتفال مع الآخرين. كثيرا ما نشبه الأخ الأكبر ونرفض الإحتفال مع إخوتنا، مبعدين أنفسنا عنهم بسبب حسدنا وغيرتنا أو أنانيتنا ونقص محبتنا. عندما سمع الأب أن ابنه الأكبر غاضب، ترك الإحتفال وخرج للقائه تماما كما لاقى ابنه الأصغر، ليس لتبرير ذاته أو ابنه، بل ليدعوه إلى الفرح «لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد».

وتابع: "الوطن شبيه بالبيت الأبوي، لا راحة ولا طمأنينة إلا فيه. كثيرا ما يخطئ المواطنون تجاه وطنهم ويقدمون مصالحهم على مصلحته، وما حالنا المزرية التي نعيشها إلا نتيجة انفصال بعض الزعماء والسياسيين والحكام وبعض المواطنين عن وطنهم، كما فعل الإبن الشاطر أو الضال، ولم يدركوا سواد المصير الذي يتربص بهم، تماما مثل الإبن الأصغر في مثل اليوم، الذي قسم ثروة أبيه وغادر البيت الأبوي ظانا أنه سيعيش في حرية ستجلب له السعادة، فعاش حياة سهلة ملأى بالخطايا، مبذرا مال أبيه، حتى أصبح يشتهي الخرنوب الذي يأكله الخنازير. لقد قال أحد إخوتنا، الشيخ الراحل عبدالله العلايلي، عندما كان مفتيا في جبل لبنان: «لبنان والقداسة صنوان. هكذا وسمته الكتب السماوية، فكرمته ديانة وسمت به ديانة. وكان لنا منها جمعاء ما يشبه التتويج بأكاليل الغار. فما ظنك في جبل هو في وعي السماء، قداسة موصولة بقداسة».

وقال: "ليتنا جميعا ندرك أهمية وطننا وضرورة الحفاظ عليه. لبنان بحاجة إلى اتحاد جميع المسؤولين والزعماء وكل أبنائه حول مصلحته التي هي مصلحة الجميع. إنه بحاجة إلى تضافر الجهود من أجل إنقاذه، وأول عمل على المسؤولين القيام به هو انتخاب رئيس يقود عملية الإنقاذ. إن التأخر في انتخاب الرئيس أو تعطيل الإنتخاب هو عمل مدان لأنه يمنع الإنقاذ، ويساهم في القضاء على ما تبقى من مقومات البلد ومن تبقى من أبنائه المتشبثين به. هنا لا بد من الإشارة إلى خطورة اتساع الحرب على لبنان. كلنا نعرف أننا أمام عدو شرس مجرم لا يردعه ضمير ولا إنسانية، فهل نضع أنفسنا في فم التنين؟ إذا كنا نعرف أن لبناننا لا يحتمل نتائج وحشية هذا العدو، وقد شهدنا ما حل بغزة مما أدمى القلوب، أليس من الحكمة منع انزلاق لبنان إلى ما يشبه ما حل هناك؟ «كل شيء مباح لي ولكن ليس كل شيء يوافق» يقول بولس الرسول. فكروا بمصلحة لبنان وببقائه. مصلحة لبنان وأبنائه تعلو على كل المصالح. فهل يجوز لفئة من اللبنانيين أن تقرر عن الجميع وتتفرد باتخاذ قرارات لم يتوافق عليها جميع اللبنانيين، ولا تناسب مصلحتهم؟ وهل تقبل هذه الفئة أن تبادر فئة أخرى من الشعب إلى اتخاذ مواقف أو القيام بأعمال تزج الجميع في أتون صراعات يدفع الجميع ثمنها؟ أين الدولة من كل هذا؟ على جميع اللبنانيين التأمل مليا في الوضع الذي وصلنا إليه والعودة سريعا إلى كنف لبنان كما عاد الإبن الضال إلى حضن أبيه، والعمل الحثيث على إنقاذه كي لا نبكي بلدا وهبنا إياه الله ولم نحافظ عليه، بل عبثنا به ومزقناه كما يمزق الطفل لعبته، عن جهل.

وختم: "الله أب حنون ورحوم، ينتظر عودة كل خاطئ. لذلك، دعوتنا اليوم، قبل الدخول في الصوم الكبير، أن نتوب ونرجع بقلب منسحق ومتواضع إلى الله الذي سيقبلنا، ونسمع صوته الحسن قائلا: «أدخلوا إلى فرح ربكم". المصدر: "الوكالة الوطنية للاعلام"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

فتاوى وأحكام| حكم التهنئة برأس السنة الهجرية.. هل يجوز الصيام في شهر المحرم ولماذا سمي بهذا الاسم

فتاوى وأحكام

حكم التهنئة برأس السنة الهجرية

حكم الصيام في شهر المحرم 

لماذا سمي شهر المحرم بهذا الاسم .. فضل الصيام فيه

 نشر موقع صدى البلد خلال الساعات الماضية عددا من الفتاوى والأحكام التى تشغل بال كثير من المسلمين نستعرض أبرزها فى التقرير التالى.


حكم التهنئة برأس السنة الهجرية

ما حكم التهنئة برأس السنة الهجرية؟ سؤال ورد الى دار الإفتاء المصرية.

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن التهنئة بمناسبة رأس السنة الهجرية جائزة شرعًا ولا بدعة فيها.

حكم تبادل التهنئة بقدوم العام الهجري الجديد

وأشارت الإفتاء إلى أن تبادل التهنئة بقدوم العام الهجري الجديد من الأمور المستحبة شرعًا؛ لما فيه من التذكير بأيام الله، وشكر الله على تجدد النعم التي تتجدد مع تجدد الأيام وتداولها على الناس.

وأوضحت أنه في التهنئة برأس العام الهجري استحضار للعديد من المعاني التي يجوز شرعًا التهنئة عليها؛ ومنها:
- الامتثال للأمر القرآني بتذكر أيام الله تعالى، وما فيها من نعم وعبر وآيات؛ قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5]، والهجرة يوم عظيم من أيام الله تعالى، ينبغي أن يتذكره ويسعد به البشر كلهم؛ لأن الهجرة كانت البداية الحقيقية لإرساء قوانين العدالة الاجتماعية، والمساواة بين البشر، وإقرار مبدأ المواطنة بين أبناء الوطن الواحد مع اختلاف العقائد، والتعايش والسلام ونبذ العنف.

الأوقاف تصدر بيانا بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة تعاطي المخدرات والاتجار غير المشروع بهاالمسيح الدجال.. تعرف على صفاته وكيف تعصم نفسك من فتنتهجامعة الأزهر تهنئ الأمة الإسلامية بذكرى الهجرة النبويةقصة الهجرة النبوية.. أسباب ودروس وعبرر


- تذكر نصر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم في الهجرة على مشركي مكة، بأنْ يسَّر له أمر الانتقال إلى المدينة والدعوة إلى الله فيها وحفظه من إيذاء المشركين، وانتقل بذلك من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة، ممَّا كان سببًا لنصرة الإسلام وسيادته؛ قال تعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: 40]، وقد تقرَّر أنَّ التهنئة إنما تكون بما هو محلّ للسرور، ولا شيء يسر به المسلم قدر سروره بيومِ نصرِ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
- أن رأس السنة الهجرية بداية لعام جديد، وتجدد الأيام وتداولها على الناس هو من النعم التي تستلزم الشكر عليها؛ لأنَّ الحياة نعمة من نعم الله تعالى على البشر، ومرور الأعوام وتجددها شاهد على هذه النعمة، والتهنئة عند حصول النعم مأمور بها.


فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ؟ إِنِ اسْتَعَانَ بِكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِنِ مَرِضَ عُدْتَه،ُ وَإِنْ مَاتَ اتَّبَعْتَ جَنَازَتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ» أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق"، والطبراني في "المعجم الكبير" و"مسند الشاميين"، والبيهقي في "شعب الإيمان".

وقد صنف جماعة من العلماء في استحباب التهنئة عند حصول النعم؛ كالحافظ ابن حجر العسقلاني في "جزء التهنئة في الأعياد"، والحافظ الجلال السيوطي في "وصول الأماني بأصول التهاني"، والعلامة الزرقاني في "رسالة في التهنئة والتعزية والإصلاح بين الناس".
فإذا اجتمعت التهنئة بالأوقات والأحداث السعيدة، مع الدعاء بعموم الخير واستمراره، والبركة في الأحوال والأوقات كان ذلك أشد استحبابًا وأكثر أجرًا وأدعى لربط أواصر المودة بين المسلمين.


وأكدت بناء على ذلك: أنه يستحب تبادل التهنئة بقدوم العام الهجري؛ لما في التهنئة به من إحياء ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضي الله عنهم، وما فيها من معان سامية وعبر نافعة، وقد حثَّ الشرع على تذكر أيام الله وما فيها من عبر ونعم، كما أنه بداية لعام جديد، وتجدد الأعوام على الناس من نعم الله عليهم التي تستحب التهنئة عليها.

حكم الصيام في شهر المحرم 

حكم الصيام في شهر المحرم .. أكدت دار الإفتاء، أنه لا مانع شرعا من صيام شهر المحرم كاملا، لأن الصيام مندوب فيه، وكذا بقية الأشهر الحرم، وأفضلها المحرم، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم» رواه أبو داود والترمذي.

وكانت قد استطلعت دار الإفتاء المصرية هلال شهر المحرم لعام ألف وأربعمائة وسبع وأربعين هجريا بعد غروب شمس يوم أمس الأربعاء التاسع والعشرين من شهر ذي الحجة لعام ألف وأربعمائة وست وأربعين هجريا، الموافق السادس والعشرين لعام ألفين وخمس وعشرين ميلاديا بواسطة اللجان الشرعية والعلمية المنتشرة في أنحاء الجمهورية.    


فضل صيام شهر المحرم

قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، عن حكم الصيام في شهر المحرم، إنه يستحب الإكثار من الصيام في شهر الله المحرم.

واستشهد المركز في فتوى له، بما روي فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل» أخرجه مسلم.

وأوضح المركز 4 فضائل لشهر المحرم، وهي أولا: هو أول شهر من الأشهر الهجرية، وأحد الأشهر الأربعة الحرم، وأفضلها، وذكر الله تعالى الأشهر الحرم في قوله: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم» (التوبة:36).

وأضاف: ثانيا الصوم فيه يلي في الفضل صوم شهر رمضان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل» أخرجه مسلم.

وتابع: ثالثا حدث فيه أمر عظيم ونصر مبين، أظهر الله فيه الحق على الباطل؛ حيث نجى فيه موسى -عليه السلام- وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فهو يوم له فضيلة عظيمة، ومنزلة قديمة.

وواصل: رابعا اشتماله على يوم عاشوراء، الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر صيام سنة ماضية، وكان صلى الله عليه وسلم يتحرى صيامه، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء».


صيام عاشوراء
ورد عن صيام عاشوراء ، ما رواه مسلم عن أبي قتادة الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله).

وورد عن صيام عاشوراء ، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان)، وقوله: (يتحرى)؛ أي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان شديد الاهتمام بصيام الأيام المستحب صيامها بعد رمضان، ومنها يوم عاشوراء.

صيام عاشوراء وتاسوعاء
ذكرت دار الإفتاء المصرية، أنه يستحب صيام عاشوراء وتاسوعاء، ويوم بعد عاشوراء، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا كان العام المقبل -إن شاء الله -صمنا اليوم التاسع"، وقوله: "خالفوا اليهود صوموا يوما قبله ويوما بعده".

سبب صيام تاسوعاء مع عاشوراء
وذكرت الإفتاء، أن تقديم صيام يوم تاسوعاء على عاشوراء له حكم ذكرها العلماء؛ منها أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر، الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.

صيام عاشوراء منفردا
وأفتت دار الإفتاء المصرية، بأنه يجوزصيام عاشوراء منفردا دون صيام يوم قبله أو بعده، ولا حرج في ذلك شرعا؛ لأنه لم يرد نهي عن صومه منفردا، بل ورد ثبوت الثواب لمن صامه ولو منفردا.

واستشهدت دار الإفتاء بما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟» قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: «فأنا أحق بموسى منكم»، فصامه، وأمر بصيامه. أخرجه البخاري في "صحيحه".

وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» أخرجه مسلم في "صحيحه".

لماذا سمي شهر المحرم بهذا الاسم .. فضل الصيام فيه
شهر المحرم هو أول شهور السنة الهجرية ويُعد من أعظم الشهور في التقويم القمري الإسلامي، وقد يتساءل البعض عن سبب تسميته بهذا الاسم وما الذي يميزه عن باقي الشهور.

في الجاهلية لم يكن يُعرف باسم المحرم بل كان يُطلق عليه اسم مؤتمر، في حين أن اسم المحرم كان يُطلق على شهر رجب ، وعندما جاء الإسلام أُعيد ترتيب الأسماء ودلالاتها، فاختص الله هذا الشهر باسم المحرم لما له من مكانة عظيمة، فأصبح اسمه الشرعي شهر الله المحرم.

وسمي بهذا الاسم لأنه شهر محرَّم أي معظم وممنوع فيه القتال وسفك الدماء، وهو واحد من الأشهر الحرم الأربعة التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.

 وهذه الأشهر لها حرمة خاصة عند الله، ويُطلب من المسلمين تعظيمها واجتناب المعاصي فيها.

وقد ورد في الحديث النبوي أن السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، والرابع هو رجب الذي يقع بين جمادى وشعبان.

الحافظ السيوطي أوضح أن اسم شهر الله المحرم لم يكن مستخدمًا قبل الإسلام، بل هو اسم إسلامي خالص، ولذلك أضيف إلى اسم الله تشريفًا له.

 فرغم أن بعض الشهور مثل رمضان فيها فضل كبير، إلا أن اسم المحرم تميز بإضافته إلى الله تعالى.

أما ابن الجوزي فذكر أن الشهور العربية قبل الإسلام كانت لها أسماء مختلفة، فكان يُطلق على المحرم اسم بائق، وعلى صفر اسم نفيل، وربيع الأول طليق، وربيع الآخر ناجز، وجمادى الأولى أسلح، وجمادى الآخرة أفتح، ورجب أحلك، وشعبان كسع، ورمضان زاهر، وشوال بط، وذو القعدة حق، وذو الحجة نعيش.

وتسمية هذا الشهر بالمحرم تعكس قيمته الدينية والتشريعية، فهو ليس فقط بداية العام الهجري، بل هو زمن مقدس يُنهى فيه عن القتال، ويُحث فيه على الإكثار من الطاعات.

فضل الصيام في شهر محرم

 فقد ورد عن النبي أن أفضل الصيام بعد رمضان هو في شهر الله المحرم، كما ورد أن أفضل الصلاة بعد الفريضة هي صلاة الليل.

ومن أعظم أيام هذا الشهر يوم عاشوراء، اليوم العاشر من المحرم، الذي يكفر صيامه ذنوب سنة كاملة كما جاء في الأحاديث. وقد شرف الله هذا الشهر وأضافه إلى نفسه، إشارة إلى علو منزلته وأن حرمته ليست من صنع البشر بل من أمر الله مباشرة.

إن شهر المحرم هو فرصة عظيمة لكل مسلم كي يبدأ عامه بالنية الصالحة والعمل الصالح، في زمن عظيم منحه الله فضلًا ومكانة لا تُضاهى في باقي شهور العام.

أحكام شهر المحرم

أولا: تحريم القتال فيه:

فمن أحكام شهر الله المحرم تحريم ابتداء القتال فيه؛ قال ابن كثير رحمه الله: وقد اختلف العلماء في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام: هل هو منسوخ أو محكم؟ على قولين:

أحدهما، وهو الأشهر: أنه منسوخ؛ لأنه تعالى قال هاهنا: «فلا تظلموا فيهن أنفسكم» وأمر بقتال المشركين.

والقول الآخر: أن ابتداء القتال في الشهر الحرام حرام، وأنه لم ينسخ تحريم الشهر الحرام؛ لقوله تعالى: «الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» وقال: «فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين».

وكانت العرب تعظمه في الجاهلية، وكان يسمى بشهر الله الأصم؛ من شدة تحريمه، والصوم في شهر محرم من أفضل التطوع؛ فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل».

حكم صيام يوم عاشوراء

صيام يوم عاشوراء كان واجبا في أول الأمر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، على الصحيح من قولي أهل العلم، لثبوت الأمر بصومه، كما في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم أن أذن في الناس: أن من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء» (متفق عليه).


ولما فرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة نسخ وجوب صوم يوم عاشوراء، وبقي على الاستحباب، ولم يقع الأمر بصيام يوم عاشوراء إلا في سنة واحدة، وهي السنة الثانية من الهجرة حيث فرض عاشوراء في أولها، ثم فرض رمضان بعد منتصفها، ثم عزم النبي في آخر عمره في السنة العاشرة على ألا يصومه مفردا بل يصوم قبله اليوم التاسع.

ولا يعدصيام يوم عاشوراءمشابهة لأهل الكتاب، لأننا كمسلمين نأخذ بالسبب الذي أخذوا به وهو لنا في الشرع صحيح، وهم قد أخذوا به وهم كفار وبالتالي فإنه لا ينفعهم في شيء، فقد أخرج مسلم: «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيدا، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصوموه أنتم».
وقد قال بعض الفقهاء إنه يكرهصيام عاشوراءوحده، وقال بعضهم إنه أمر مباح، وقد اختار شيخ الإسلام: أنه لا يكره صيام عاشوراء وحده، ولا شك أنه ينبغي أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده، ولا يصومه وحده، ولكن لو أن إنسانا لم يستطع صوم عاشوراء إلا وحده فحينئذ نقول تزول الكراهة للحاجة، أما لغير حاجة فلا ينبغي صيامه وحده، وهذا ابن عباس راوي بعض أحاديث صيام يوم عاشوراء يصوم يوما قبله ويوما بعده مع صيام عاشوراء.

طباعة شارك فتاوى وأحكام حكم التهنئة برأس السنة الهجرية رأس السنة الهجرية حكم الصيام في شهر المحرم شهر المحرم فضل صيام شهر المحرم صيام عاشوراء أحكام شهر المحرم

مقالات مشابهة

  • مجلس تنفيذي جديد لنقابة الطيارين اللبنانيين
  • شاب بالرباط يتسبب في اعتقال والده بسبب شيك بدون رصيد
  • فتاوى وأحكام| حكم التهنئة برأس السنة الهجرية.. هل يجوز الصيام في شهر المحرم ولماذا سمي بهذا الاسم
  • حل أزمة مازوت البقاع في لبنان وعودة مهرجانات بيت الدين.. تفاصيل
  • ‏ميقاتي يُهنئ اللبنانيين بحلول رأس السنة الهجرية
  • معلومة عن اللبنانيين الموقوفين في سوريا.. ما هي؟
  • غراندي لـ سانا: عودة اللاجئين إلى سوريا تتطلب من الجميع دعم جهود الحكومة
  • الإفتاء: يجوز شرعًا التطوع بصيام أول يوم من شهر المحرم
  • هل يجوز ترديد أذكار الصباح بعد شروق الشمس
  • هل يجوز صيام شهر المحرَّم كاملًا؟.. دار الإفتاء تجيب