عاشت في شمال أفريقيا قبل 252 مليون سنة.. اكتشاف آثار أقدام لحيوانات ما قبل الديناصورات بالمغرب
تاريخ النشر: 23rd, July 2023 GMT
توصل فريق بحث دولي إلى اكتشاف أكثر من 50 أثرا من آثار أقدام حيوانات (زواحف) ما قبل الديناصورات، والتي تسمى "الكابتورينيدات" (captorhinomorph) وعاشت في العصر البرمي المتوسط إلى المتأخر ما قبل 252 مليون سنة في شمال أفريقيا.
وتشير الأدلة التي توصل إليها فريق البحث إلى أن المغرب لعب دورا رئيسيا كممر لهجرة هذه الحيوانات.
وتواصلت الجزيرة نت مع الباحث المغربي عبد الواحد الكناوي المشارك في هذا الاكتشاف، وقال في تصريح عبر البريد الإلكتروني "تفتح الدراسة مجموعة من التساؤلات حول دور الجغرافيا القديمة والتضاريس القديمة في توزيع الكائنات الحية على سطح الكرة الأرضية".
وبحسب الدراسة العلمية، تمكّن فريق البحث من خلال دراسة ترسّبات في منطقة أركانة بالأطلس الكبير الغربي في المغرب، من التوصل إلى أدلة جديدة تؤكد وجود آثار أقدام نسبت لمجموعة من الحيوانات الفقارية المنقرضة التي تسمى الكابتورينيدات، من نوع "هيلويديتشنوس" (Hyloidichnus)، وهي بصفة أدق من عائلة "الموراديسورينات" (Moradisaurinae).
ويقول عبد الواحد الكناوي "هذه الأدلة تشير إلى أن المغرب قد لعب دورا رئيسيا كممر أو ملتقى لهذا النوع من الحيوانات المهاجرة من النصف الجنوبي للكرة الأرضية، أو ما يعرف آنذاك بقارة "كوندوانا" (Gondwana)، إلى النصف الشمالي للكرة الأرضية، أو ما يعرف آنذاك بقارة "لوراسيا" (Laurassia)".
ويضيف عبد الواحد أن الدراسة "تضمنت تحليلا لشكل آثار الأقدام ولنمط وشكل مسارات هذا النوع من الحيوانات، وخلص من خلالها فريق البحث إلى أن الكابتورينيدات تمتلك أطرافا منفتحة أو متباعدة، وهو ما يعرف بـ(Abducted posture). وهذا النوع يتحرك بوتيرة بطيئة، ولديه حركة مباشرة ومتناظرة بين الأطراف، حيث تكون حركات الأطراف الأمامية والخلفية بمسافة أو خطوة مماثلة، ويتحرك الحيوان بطريقة بطيئة خلال الجري".
وتم اكتشاف هذا الموقع خلال رحلة ميدانية لجبال الأطلس الغربي سنة 2013، حيث وجد فريق البحث آثار أقدام معزولة. لكن بداية سنة 2020، ومن خلال تكثيف التنقيب بمنطقة أيفرد، استطاع الفريق اكتشاف أكثر من أربعة مسارات لهاته الحيوانات تتجاوز المترين لكل واحد، بالإضافة إلى آثار أقدام معزولة ومتفرقة على نفس الصخور. واستغرق تحليل المعطيات والنتائج، وإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد ملون ثم كتابة البحث ونشره ما يقرب من ثلاث أعوام.
ويشير الكناوي إلى أن لهذه الدراسة "أهمية كبيرة في فهم البيولوجيا القديمة للحيوانات الفقارية من خلال فهم سلوكياتها وطريقة مشيها، بالإضافة إلى انتشارها الجغرافي بالكرة الأرضية وفهم البيئات المفضلة لعيشها خلال هذا العصر، حيث عاشت هاته المجموعات بشكل رئيسي في مناطق تقع بين خطوط عرض منخفضة، وهذا قد يكون مرتبطا أساسا بالتغيرات من مناخ استوائي إلى مناخ قاحل بالأساس".
وبحسب فريق البحث، فإن هذه الدراسة قدمت أيضا جوابا عن الطرق التي تسلكها هذه الحيوانات المكتشفة للهجرة من الشمال إلى الجنوب، كما أنها فتحت الباب للبحث في الجغرافيا القديمة والظروف المناخية للمناطق المحاذية، في الوقت الذي كان فيه المغرب عبارة عن سهول وأنهار.
ويقول عبد الواحد الكناوي إن الجمهور العام مهتم بمعرفة التاريخ الجيولوجي والبيولوجي للمغرب عبر الأزمنة، وخصوصا ما قبل 252 مليون سنة، حيث كان المغرب قناة الربط الأساسية لهجرة الحيوانات شمالا جنوبا وشرقا غربا، إذ إن الحيوانات المهاجرة من أفريقيا لأوروبا أو من أوروبا لأفريقيا كان لا بد أن تعبر المملكة المغربية.
بالإضافة إلى ذلك، فالجمهور أيضا مهتم بمعرفة كمية التنوع البيولوجي عبر الأزمنة الجيولوجية، وما تركه من آثار يعتبر موروثا طبيعيا يجب استغلاله في السياحة الجيولوجية والسياحة النظيفة، كما يجب على المسؤولين أيضا العمل على التوعية بهذا الموقع والمواقع المشابهة من أجل جذب السياحة، وذلك من خلال إرساء إستراتيجيات للحفاظ على تلك المواقع من العوامل المناخية والبشرية".
وخلصت الدراسة العلمية إلى نتائج مهمة، منها أن مجموعة "كابتورينيدات" وُجدت في شمال أفريقيا من العصر البرمي المتوسط حتى العصر البرمي المتأخر، أي ما قبل 252 مليون سنة، إضافة إلى أن أفراد هذه المجموعة وُجدت بأحجام مختلفة بين الكبير والصغير والمتوسط.
كما أن نمط المسارات يشير إلى أن هذه المجموعة كانت من الحيوانات ذات الأطراف المنبسطة التي تركض بشكل بطيء، وقد عاشت هاته الحيوانات في بيئات نهرية ذات طاقة هيدرودينامية منخفضة وبمناطق خطوط عرض منخفضة ما بين خط عرض 30 شمالا و30 جنوبا.
صعوبات وأسئلة مستقبليةوواجه فريق البحث مجموعة من التحديات المرتبطة أساسا بالتنقيب والبحث في مناطق معروفة بوعورة تضاريسها حيث الانحدار شديد، كما أن ديناميكية عوامل التعرية قد تساهم في تدمير أو إخفاء مثل هاته الآثار التي تكون سريعة الحث مما يقلل نسبة اكتشافها.
إضافة إلى ذلك، قال عبد الواحد الكناوي "لم يتلق أعضاء فريق البحث أي تمويل من الجامعات التي ينتمون إليها، وهذا أيضا يدخل في باب التحديات التي نواجهها، إذ لو توفرت مصادر لتمويل الرحلات، لكان سهلا على فريق البحث تكثيف الرحلات الاستكشافية من أجل التنقيب والبحث".
وبشأن مستقبل البحث في هذا الكشف العلمي، يُنهي عبد الواحد حديثه للجزيرة نت بالقول "بطبيعة الحال، بعد كل اكتشاف وخلاصات كل دراسة، تطرح أسئلة جديدة تدفعنا للتنقيب والبحث أكثر من أجل إيجاد أجوبة لهاته الأسئلة.
وعلى سبيل المثال، وجدنا إلى جانب آثار الأقدام هاته، آثارا لقطرات المطر وموجات التيارات المائية ومستحاثات نباتية وجحورا لفقاريات ولافقاريات وآثار حراشيف جلد حيوانات فقارية وأجنحة حشرات؛ مما يشير إلى أن الطبقات تم ترسيبها في سهول طينية تغمرها مياه الأنهار بشكل فجائي وربما بحيرات صغيرة، مما يعني أن كل الظروف كانت ملائمة لوجود تنوع أكبر للفقاريات، وكل هاته التساؤلات ستدفع للتنقيب من جديد والبحث أكثر في الظروف المناخية التي سادت آنذاك.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من الحیوانات أکثر من من خلال ما قبل إلى أن
إقرأ أيضاً:
السياحة التي نُريد!
حاتم الطائي
◄ المنشآت الفندقية والمواقع السياحية شهدت زخمًا غير مسبوق خلال "الإجازة"
◄ عُمان تزخر بمقومات فريدة تجعل السياحة العائلية النموذج الأفضل والأنسب
◄ الشباب يحتاجون لحوافز وإعفاءات ضريبية لإنشاء مشاريع سياحية صغيرة ومتوسطة
كشفتْ إجازة اليوم الوطني، التي امتدت لنحو 4 أيام مع دمجها في إجازة نهاية الأسبوع، عن زخم سياحي هائل، لدرجة أنَّ جميع- وليس بعض- المواقع السياحية والمنشآت الفندقية قد امتلأت عن آخرها، وأن الحجوزات مُتكملة لعدة أيام مُقبلة، بينما الحدائق والمُتنزهات والشواطئ العامة، كانت تعُج بزوارها من المُواطنين والمُقيمين، في مشهد سياحي فريد يُؤكد حجم المقومات السياحية التي تزخر بها بلادنا، وتتفرد بها على المستوى الإقليمي؛ بل وربما العالمي في جوانب مختلفة.
هذا المشهد الذي يسُر الخاطر، أكد لي أننا قادرون على تحقيق نمو سياحي كبير، يعكس في الوقت نفسه مدى تعطُّش السوق السياحية المحلية إلى مشاريع نوعية جديدة، مشاريع تقدم خدمات سياحية إما أنها نادرة أو غير متوفرة في عُمان إلى اليوم. ولقد كان من المُلاحظ سيطرة السياحة العائلية على المشهد، ما يؤكد أيضًا قدرتنا على بناء نموذج سياحي واعد قائم على سياحة عائلية ملتزمة، تحترم خصوصيات المجتمع، ولا تتطلب استثناءات لجذبها؛ بل كل ما نحتاج إليه التوسع في المشاريع، وطرح مُنتجات سياحية تتلاءم مع هذا النوع من السياحة، المؤهل للازدهار في عُمان أكثر من غيرها من دول المنطقة، على الرغم من أنَّ دولًا شقيقة مثل قطر والكويت، تسعيان لتقديم هذا النموذج، لكننا في عُمان نتفرّد بمزايا سياحية لا تتوافر لدى الآخرين، فلدينا البيئة الساحلية من شواطئ خلابة ورمال ناعمة ورحلات بحرية ومشاهدة الدلافين وممارسة الصيد أو الغوص، وكذلك البيئة الصحراوية برمالها الذهبية وشمسها الدافئة وطقسها البارد، والتي تُتيح أنشطة سياحية نوعية مثل التخييم وإقامة المعسكرات والاستمتاع بالأجواء الليلية العليلة بين أحضان الكثبان الرملية وتحت السماء الصافية المُتلألئة بنجومها، إلى جانب البيئة الريفية، وسط المزارع الخضراء وجمال الطبيعة البكر، وإذا ما صعدنا إلى الجبل الأخضر وجبل شمس وجبل سمحان وغيرها، يستمتع السائح والزائر بأجواء أوروبية لا مثيل لها في منطقة الخليج، وسط درجات حرارة منخفضة جدًا تقترب في بعض المواقع من الصفر أو تحت الصفر خلال فصل الشتاء.
أقول ذلك، وكُلي يقين بأنَّ السياحة الداخلية عنصر أساسي في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مُستدامة، لما تسهم به في توفير وظائف مباشرة وغير مباشرة للمواطنين، ولنا في حارة العقر بولاية نزوى وكذلك بعض التجارب في ولايات أخرى، خير دليل على أن السياحة قادرة على تحقيق التنمية المنشودة، لكن شريطة أن يعمل بها أبناء الوطن، لأنهم الأكثر دراية بمقومات وطنهم، وهم القادرون على تقديم أفضل الخدمات السياحية.
نموذج السياحة العائلية هو الأنسب لنا في سلطنة عُمان، ليس فقط لأننا مجتمع يتمتع بخصوصية، لكن أيضًا لأنَّ طبيعة المنافسة الإقليمية تفرض علينا تبني نموذج متوافق مع طبيعتنا وقيم مجتمعنا. ولقد أثبتت مواسم خريف ظفار على مدى العقود الماضية، أن عُمان نقطة جذب كبيرة للسياحة العائلية، فما علينا سوى أن نهيئ القطاع لهذا النوع من السياحة، من خلال زيادة الأنشطة والمنتجات السياحية المُفضلة للعائلات، مثل المواقع المخصصة للأطفال، والمساحات الخضراء الكبيرة، وتنظيم المسابقات الشبابية، وإطلاق مهرجان للتسوُّق برعاية كبرى المؤسسات.
ومن بين عوامل نجاح السياحة العائلية، ضرورة التوسع في إنشاء البيوت التراثية، لأنها تُعطي للموروث الثقافي قيمة اقتصادية تُضاف إلى قيمته الثقافية والاجتماعية، إلى جانب الاهتمام بالفنون الشعبية والحرف التقليدية، فبدلًا من أن يشتري السائح هدايا تذكارية مستوردة من شرق آسيا، يُسمح فقط ببيع الهدايا التذكارية الوطنية المصنوعة بأيدٍ عُمانية، خاصة وأن لدينا أمهر الحرفيين في مختلف الولايات.
السياحة العائلية لا تتطلب استثمارات بمليارات الريالات، ولا حتى الملايين، وإنما نتحدث عن مشاريع متوسطة وكبيرة بتكلفة تتراوح بين مئات الآلاف، أو ربما أقل، فمثلًا يمكن إنشاء مخيمات سفاري للإيجار اليومي في المناطق الساحلية مثل: جبل سيفة أو منطقة ضباب أو فنس أو بمه بولاية قريات، أو في جنوب الشرقية وشمالها، أو في الوسطى، أو في أي مواقع يُمكن للشباب أن يستثمروا فيها بضعة آلاف من الريالات، بقروض بنكية مُيسرة وعلى فترات سداد طويلة الأمد، مع إعفاء من الرسوم والضرائب؛ لأنَّ الهدف من هذه المشاريع ليس زيادة إيرادات الدولة، وإنما توفير الوظائف وإنعاش الحركة الاقتصادية المحلية. والمعروف عالميًا أن الإيرادات السياحية لا تدخل خزينة الدولة مباشرة، وإنما تحقق تنمية اقتصادية واجتماعية، وما يدخل في جانب الإيرادات الحكومية لا يعدو كونه بعض الرسوم البسيطة أو تكلفة إصدار تأشيرة السياحة، لكن العائد الأكبر يكون على الاقتصاد، وعلى حجم إسهام القطاع السياحي في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
كما إن التوسع في الاستثمارات داخل وحول القلاع والحصون التاريخية يُمكن أن يُحقق عوائد سياحية فريدة، وما على الحكومة سوى أن تُقدِّم التسهيلات في مثل هذه المشاريع، وإتاحة المجال أمام القطاع الخاص، ولا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، للاستثمار في هذه المشاريع بقوة.
وبالتوازي مع هذه الجهود، يتعين على الطيران العُماني- بصفته الناقل الوطني- أن يؤدي دوره المهم والحيوي، من خلال إتاحة عروض السفر خلال المواسم السياحية، ونحن في عُمان لدينا مواسم سياحية على مدار الـ12 شهرًا في العام، ومن ثم مطلوب من الناقل الوطني أن يفتتح خطوط سفر مع الوجهات الناجحة والمُربحة.
السياحة الداخلية لا تُنعش فقط المنشآت السياحية والمزارات؛ بل إنها قادرة على تحقيق نمو كبير في مبيعات المنتجات المحلية التي تتميز بها كل ولاية، وأبرزها التمور العُمانية التي تتميز بمذاق فريد وجودة لا تُضاهى، لكن ما تزال لدينا فجوة فيما يتعلق بالتصنيع والتغليف وتقديم هذه التمور في صورة منتجات متطورة وعصرية.
ويبقى القول.. إنَّ تنمية السياحة الداخلية لم تعد خيارًا؛ بل إنها حتمية اقتصادية واجتماعية، من خلالها نستطيع توليد الآلاف من فرص العمل، وزيادة دخل الأسر العاملة في المجالات المرتبطة بالسياحة، وكذلك إنعاش الاقتصاد، وعُماننا الجميلة تملك المقومات التي تُؤهلها لتكون الوجهة السياحية الأولى والمُفضلة للعائلات، وعلى الجهات المعنية أن تبذل كل الجهود من أجل إطلاق العنان للمشروعات بدلًا من انتظار "مُستثمر كبير" ربما لن يأتي وإذا جاء لن يخلق الوظائف المطلوبة. عُمان بلد سياحي بامتياز، وعلينا أن نُعزز هذه السياحة ونستفيد منها، فلا مجال للتراجع أو الكسل، وإنما شحذ الهمم والانطلاق بكل قوة نحو السياحة التي نُريد!
رابط مختصر